٢ - موقفه من تخريج أبيات الشعر:
* أحيانا يشرح بيت الشعر، ويذكر موطن الشاهد، وينسبه لقائله، نحو:
" السلم تأخذ منها ما رضيت به | والحرب يكفيك من أنفاسها جرع (١) |
أي: تأخذ منها أبدا ما تحبه وترضاه، فلا تسأم من طول زمانها، والحرب: بالعكس يكفيك اليسير منها. والجرع: جمع جرعة، وهو ما يشرب به، والأنفاس: جمع نفس، والمراد به: الشرب مرة بعد أخرى، سمي به المشروب مرارا؛ للتنفس بينه... إلخ." (٣)
_________
(١) أبا خراشة أما أنت ذا نفر | فإن قومي لم تأكلهم الضبع |
إن تك جلمود بصر لا أؤبسه | أوقد عليه فأحميه فينصدع |
السلم تأخذ منها ما رضيت به | والحرب يكفيك من أنفاسها جرع |
الضبع: السنة المجدبة، أو الحيوان المعروف. والبصر: حجارة تضرب إلى بياض. والتأبيس: التذليل والكسر.
يقول: يا أبا خراشة، لأن كنت صاحب جيش افتخرت على، لا تفعل ذلك فإن قومي موجودون كثيرون. وكنى عن ذلك بعدم أكل الضبع إياهم. ثم قال: إن تكن كصخر من الحجارة لا أقدر على تأبيسه وتكسيره لصلابته، أوقد عليه نار الحرب بمعاونة الفرسان لي فأحرقه فينشق وينكسر. والسلم بالفتح وبالكسر: الصلح تأخذ منها ما يكفيك من طول المدة. وأما الحرب فيكفيك منها القليل.
والشاهد فيه: أنه يدل على تأنيث السلم، بطريق المقابلة للحرب؛ لأن الحرب: المقاتلة والمنازلة، ولفظها أنثى، يقال: قامت الحرب على ساق.
ينظر: ديوان العباس بن مرادس (١٠٣) [جمعه وحققه د/ يحيى الجبوري، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى ١٤١٢ هـ، ١٩٩١ م.]، إصلاح المنطق (١/ ٢٩) [لابن السكيت، ت: ٢٤٤ هـ، تحقيق: محمد مرعب، دار إحياء التراث العربي، ط: الأولى ١٤٢٣ هـ، ٢٠٠٢ م]، خزانة الأدب (٤/ ١٨)، شرح شواهد الكشاف، لمحب الدين أفندي (١٦٦)، وشرح شواهدالكشاف، للمرزوقي (٦٩)، المعجم المفصل في شواهد العربية (٤/ ٢٨٥) [لد. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، ط: الأولى، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م].
(٢) العباس بن مرادس: هو العَبَّاس بْن مِرْدَاس السُّلَمِيّ، شاعر مخضرم من فرسان الجاهلية والإسلام، أسلم مع قومه بني سليم قبيل فتح مكة، وشارك في الفتح قائدا لألف فارس من فرسان قومه، فأبلى بلاء حسنا فيها وفي معركة حنين، روى عنه ولده كنانة حديثه في فضل عشية عرفة. ينظر: المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة (٢/ ٢٧١) [لابن مندة العبدي الأصبهاني، ت: ٤٧٠ هـ، تحقيق: أ. د. عامر صبري التَّميميُّ، الناشر: وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين]، تاريخ دمشق (٩/ ٣٢٤) [لابن عساكر ت: ٥٧١ هـ، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م]، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (١/ ٣٥٩) [لشمس الدين بن قَايْماز الذهبي ت: ٧٤٨ هـ، تحقيق: الدكتور بشار معروف، دار الغرب الإسلامي، ط: الأولى، ٢٠٠٣ م].
(٣) صـ (٢٢٣) من هذا البحث.