..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأجاب (١): بأن موقعها موقع (ثم) في قولك: أحسن إلى الناس، ثم لا تحسن إلى غير كريم؛ لما سبق من دلالة ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم﴾ على وجوب الإفاضة من عرفات، وأن معنى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ﴾ لتكن إفاضتكم منه لا من المزدلفة،
فصار كأنه قيل: أفيضوا من عرفات، ثم لا تفيضوا من المزدلفة.
ومعنى (ثم): الدلالة على بُعد ما بين الإفاضتين،
أعني: الإفاضة من عرفات، والإفاضة من المزدلفة؛ لأن الأولى صواب، والثانية خطأ.
وبينهما بَوْن (٢) بعيد. وهذا النوع من التباين (٣) لا ينافي تفاوت المرتبة وتباعدها، بل يحققه.
هذا تقرير الكلام على وفق ما في الكتاب (٤).
وعليه سؤال ظاهر، وهو: أن التفاوت والبُعْد في المرتبة إنما يعتبر في المعطوف والمعطوف عليه، وهو ههنا: عدم الإحسان إلى غير كريم، وعدم الإفاضة من المزدلفة.

= وَقد تجيء أَن تكون بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) نحو: مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦)﴾ [يونس: ٤٦] أَي: وَالله؛ لأَنا لَو حملنَا على حَقِيقَته لَأَدَّى أَن يكون الله شَهِيدا بعد أَن لم يكن وَهُوَ مُمْتَنع.
وَقد تَجِيء فصيحة لمُجَرّد استفتاح الْكَلَام.
وَقد تَجِيء زَائِدَة كَمَا فِي: ﴿أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١١٨].
ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني (١/ ٤٢٦) [لبدر الدين حسن بن قاسم المرادي ت: ٧٤٩ هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة - الأستاذ محمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط: الأولى، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م]، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (٣/ ٣٢٦) [لجمال الدين، ابن هشام ت: ٧٦١ هـ، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع]، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية (١/ ٣٢٥) [لأبي البقاء الكفوي ت: ١٠٩٤ هـ، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة - بيروت].
(١) أي: الزمخشري في تفسيره الكشاف.
(٢) البَوْن: البُعْد والفرق والمسافة بين الشيئين، يقال بينهما بَوْن بعيد أي: فرق كبير. ينظر: لسان العرب - حرف النون (١٣/ ٦٨)، معجم اللغة العربية المعاصرة - مادة بون (١/ ٢٦٦).
(٣) التباين: التباعد والاختلاف والتفاوت بين الشيئين. ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم - باب الباء والياء (١/ ٦٩١) [لنشوان الحميرى ت: ٥٧٣ هـ، تحقيق: د حسين بن عبد الله العمري، دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان، ط: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م]، معجم اللغة العربية المعاصرة - مادة بين (١/ ٢٧٤).
(٤) أي: تفسير الكشاف.


الصفحة التالية
Icon