..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما إذا جرى ﴿النّاسُ﴾ (١) على الإطلاق (٢)، وقد تقرر أن ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم﴾ يدل على وجوب الإفاضة من عرفات، فلا يطابق. إلا أن هذا لا يضر بالمقصود، وهو التطابق في موضع (ثم)، وفي الدلالة على تفاوت ما بين الفعلين.
وذهب بعضهم: إلى أن مراده أن ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ عطف على ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾، قصدا إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق (٣) بـ (اذكروا)، أعني الإفاضة المذكورة في ضمن شرطه الذي هو:
[﴿فَإِذَا أَفَضْتُم﴾] (٤) وهو حاصل ما ذكرناه." (٥) أهـ
ولما ذكر (ش) (٦): عبارته (٧)، ذكر آخرها بالمعنى، فقال: " والحاصل أن ﴿أَفِيضُوا﴾
_________
(١) أي: أفيضوا من حيث أفاض عُمُومُ الْمُفِيضِينَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، أَيْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ. وهو أحد الآراء في المراد بالناس، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل. ينظر: البحر المحيط (٢/ ٣٠٢).
(٢) المطلق: الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ (صفة أو شرط أو استثناء)، وقَالَ الْعُلَمَاءُ: مَتَى وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ صُيِّرَ إِلَيْهِ، وَإن لم يوجد دليل يَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إِطْلَاقِهِ. ينظر: البرهان في علوم القرآن (٢/ ١٥) [لبدر الدين محمد الزركشي ت: ٧٩٤ هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: الأولى، ١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م، دار إحياء الكتب العربية]، الإتقان في علوم القرآن (٣/ ١٠١) [لجلال الدين السيوطي ت: ٩١١ هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط: ١٣٩٤ هـ/ ١٩٧٤ م].
(٣) ما يتعلق بـ (اذكروا) هو قوله: ﴿عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾.... ينظر: إعراب القرآن وبيانه (١/ ٢٩٦) [لمحيي الدين درويش ت: ١٤٠٣ هـ، دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية، ط: الرابعة، ١٤١٥ هـ].
والتعلق: هو حكم من أحكام شبه الْجُمْلَة (وَهُوَ الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور) فلَا بُد من تعلقهما بِالْفِعْلِ أَو مَا يُشبههُ، نحو: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]، فَإِن لم يكن شَيْء من ذلك مَوْجُودا قدر، نحو: ﴿وإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣]، بِتَقْدِير: وَأَرْسَلْنَا.... ينظر: مغني اللبيب (١/ ٥٦٦) [لجمال الدين، ابن هشام ت: ٧٦١ هـ، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر - دمشق، ط: السادسة، ١٩٨٥].
(٤) في ب: فأفضتم، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٥) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (١٣١ / ب - ١٣٢ / أ) [مخطوطة رقم: ١٧ - ٤٦٤، بالأمانة العامة بالمكتبة المركزية بالجامعة السليمانية، عدد أوراقها ٤٦٠ ناقصة الآخر].
(٦) يقصد شهاب الدين في حاشيته على تفسير البيضاوي، والشهاب: هو أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين الخفاجي المصري، المتوفى: ١٠٦٩ هـ، قاضي القضاة، وصاحب التصانيف في الأدب واللغة، نسبته إلى قبيلة خفاجة، ولد ونشأ بمصر، له تصانيف عديدة منها: (عناية القاضي وكفاية الراضي) حاشية على تفسير البيضاوي، (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض). ينظر: طبقات المفسرين للأدنروي (٤١٥)، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (١/ ٣٣١) [لمحمد أمين بن فضل الله المحبي الحموي ت: ١١١١ هـ، دار صادر - بيروت].
(٧) أي عبارة سعد الدين التفتازاني، انظر الصفحات السابقة من هذا البحث.


الصفحة التالية
Icon