..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتحرير الجواب: أن (ثم) هنا ليس للتراخي، بل مستعار (١) للتفاوت بين الإفاضتين، الإفاضة من عرفات، والإفاضة من مزدلفة، والبُعد بينهما، بأن إحداهما صواب والأُخرى خطأ، كأحسِنْ إلى الناس ثم لا تُحسن إلى غير كريم.
قيل: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ عطف على مقدر أي: أفيضوا إلى منى، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس.
والمطابقة بين المثال والممثل له: بأن المراد من قوله: ثم لا تحسن إلى غير كريم: أحسن إلى الكريم خاصة.
وبأن قوله: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ لما أريد به التعريض (٢) لقريش كان التقدير: لا تفيضوا من مزدلفة أي: بل من عرفة خاصة.
وبأن كلاً منهما من قبيل عطف الخاص على العام (٣)، و (ثم) للتفاوت في الرتبة بين المعطوف وما بقي تحت المعطوف عليه، [بكون] (٤) أحدهما صوابا والآخر خطأ في الآية (٥)، وكون أحدهما حسنا والآخر قبيحا في المثال.
_________
(١) الاستعارة: هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي. ينظر: مفتاح العلوم (١/ ٣٦٩) [ليوسف بن أبي بكر السكاكي ت: ٦٢٦ هـ، علق عليه: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط: الثانية، ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م]، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (١/ ٢٥٨) [لأحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي ت: ١٣٦٢ هـ، وتدقيق وتوثيق: د. يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، بيروت].
(٢) التعريض: هو أن تقول كلاماً لا تُصرّح فيه بمرادكَ، لكنّه قد يشير إليه إشارة خفيّةً. يقال: عرّض لي فلانٌ تعريضاً: أي قال فلم يُبَيِّن بصراحة اللفظ. وأَعْراضُ الكلام: كلامٌ غير ظاهر الدلالة على المراد، ومنه التعريض في خطبة المرأة: وهو أنْ يتكلّم الخاطب بكلام يشبه خطبتها دون تصريح.
ينظر: البلاغة العربية (٢/ ١٥٢) [لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الدمشقي ت: ١٤٢٥ هـ، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط: الأولى، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م].
(٣) أي: أن يعطف الشاء الخاص على العام الذي يشمله، وفائدته: التنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنس العام؛ تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات. نحو: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨]. ينظر: البرهان (٢/ ٤٦٤)، الإتقان (٣/ ٢٤٠).
(٤) في ب: يكون. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٥) يقصد أن فعل المعطوف صواب، وفعل المعطوف عليه خطأ، وليس المراد أن الخطأ في الآية.