..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفيما نحن فيه: بين الإفاضة من عرفات، وبين الإفاضة من مزدلفة، المدلول عليه بقوله: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾ (١) بعد تقييد ﴿أَفِيضُوا﴾ بـ ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ﴾." (٢)
هذا خلاصة كلامه، ولا يخفى ما فيه من التكلف.
أما أولا: فلأن جَعْل كلمة (ثم) للتفاوت والتباعد بين القسمين، مع أنه موضوع للتراخي بين المعطوف والمعطوف عليه، مما لا شاهد له في كلامهم.
وأما ثانيا: فلأن حَمْل ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾ على الإفاضة مطلقا بعيد.
وأما ثالثا: فلأنه لا دَخْل في استفادة القسمين في المثال والممثل له بالجملة السابقة أصلا؛ فإن تقييد الجملة المدخولة لـ (ثم) بالقيد يفيد انقسام المطلق إلى القسمين المتفاوتين.
والأقرب ما ذكر التفتازاني: " من أن ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ معطوف على ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم﴾.
ولما كان المقصود من قوله: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ﴾ المعنى التعريضي، كان معناه: ثم لا تفيضوا من مزدلفة، والمقصود من إيراد كلمة (ثم) التفاوت بين الإفاضتين في الرتبة؛ لأن إحداهما صواب والأخرى خطأ.
والمطابقة بين المثال والممثل له: باعتبار [أن في] (٣) كلٍ منهما: استعير (ثم) للتفاوت بين المعطوف والمعطوف عليه، لا فرق بينهما إلا باعتبار: أن التقييد بكونه إلى الكريم في المعطوف عليه في المثال حاصل بعد العطف، وفي الآية متحقق قبله.
ولو قيل: أَحْسِن إلى الكريم ثم لا تُحْسِن إلى غير الكريم، لكان أظهر في المطابقة.
والأمر في ذلك بَيِّن.
وما قيل: من أن التفاوت إنما يُعتبَر بين المعطوف عليه والمعطوف، وهو ههنا: عدم الإحسان إلى غير الكريم، وعدم الإفاضة من مزدلفة، لا الإحسان والإفاضة، مدفوع: بأنه قد جرت عادته (٤) باعتباره بين المعطوف عليه، وبين ما دخله النفي من المعطوف.
_________
(١) سورة: البقرة، الآية: ١٩٨.
(٢) ينظر: حاشية الكشف على الكشاف، لعمر بن عبد الرحمن (١/ ٣٨٣ - ٣٨٤).
(٣) في ب: في أن، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٤) أي الزمخشري في تفسيره الكشاف.