يجز تعذيب المؤمن المذنب، لأخرجه من باب الاستثناء، وأطلق الحكم فيه كما أطلقه في المشرك، وفيه دليل أيضًا على فساد قول الوعيدية، وقد ذكرناه قبل.
ثم نزلت في أهل مكة ﴿إِنْ يَدْعُونَ﴾ أي: ما يعبدون، كقوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (١) أي: اعبدوني (٢)، يدل عليه قوله (٣): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ (٤).
﴿مِنْ دُونِهِ﴾ أي: من دون الله ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾ يعني: اللات، والعزى، ومناة، وأشباهها، من الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكان في كل واحد منهن شيطان، يتراءى للسدنة والكهنة يكلمهم، فذلك قوله: ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾، وكان المشركون يسمون أصنامهم باسم الإناث، هذا قول مجاهد (٥)، والكلبي، وأكثر المفسرين، ويدل على صحة هذا التأويل قراءة ابن
(٢) وهناك معنى آخر للدعاء، وهو: المسألة، وكلا المعنيين مراد.
انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصبهاني (دعا).
(٣) في (ت): بعده.
(٤) غافر: ٦٠.
(٥) أخرج قول مجاهد: الطبري في "جامع البيان" ٥/ ٢٨٠ من طريق ابن أبي نجيح عنه أنه قال في: ﴿إِنَاثًا﴾: أوثانًا، ولم يقل مجاهد رحمه الله: إن المشركين سموا أصنامهم بأسماء الإناث، إنما هذا قول أبي مالك، والسدي، وابن زيد، وقد أخرج أقوالهم: الطبري في "جامع البيان" ٥/ ٢٧٨ - ٢٧٩، واستظهره ورجحه في ٥/ ٢٨٠. وانظر: "زاد المسير" لابن الجوزي ٢/ ٢٠٣.
ولا منافاة بين القولين، فالمشركون ما يعبدون إلا أوثانًا، يسمونها بأسماء الإناث، كاللات والعزى، ومناة.