قال ابن جريج: فمعنى الآية لا يخيف الله سبحانه الأنبياء عليهم السلام إلَّا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتَّى يتوب (١) فقوله تعالى: ﴿إلَّا﴾ على هذا التأويل استثناء صحيح، وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الرسل (٢) وغيرهم من الناس، وفي الآية: متروك استُغْنيَ عنه بدلالة الكلام عليه، تقديرها (٣) فمن ظلم (٤) ثم بدّل حسنًا بعد سوء فإني غفور رحيم، وقال الفراء: يقول القائل كيف صير خائفًا من ظلم ثم بدّل حسنًا بعد سوء وهو مغفور له (٥)، فأقول له في الآية وجهان: أحدهما: أن تقول أن الرسل عليهم السلام معصومة مغفور

(١) أخرجه الطبري في "جامع البيان" ١٩/ ١٣٦، من طريق القاسم عن الحسين، عن حجاج، عن ابن جرير ولكن جعل بدل (حتَّى يتوب): (حتَّى يأخذه منه)، وذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٤/ ٢٥١ بلفظ الطبري، عن ابن جريج، وذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٦/ ١٤٦ ولم ينسبه.
(٢) الظاهر أنها غفلة من الثعلبي رحمه الله فكيف يكون الرسل ممن ظلم من الناس، وقد قال فيما سبق أنَّه انتهى الخبر عن الرسل، ويجوز أن يكون الخطأ من الناسخ أو غيره، وأصل الكلام: ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس، ويكون الاستثناء منقطعًا، ويؤيد هذا: الوجهان اللذان قال بهما الفراء بعد ذلك مباشرة، ونظير هذِه الآية ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٥] والمعنى في الآيتين لكن من ظلم -ولكن الذين ظلموا- فهو استثناء منقطع.
(٣) يعني: الآية.
(٤) يعني: من الناس.
(٥) ساقطة من (س).


الصفحة التالية
Icon