أرسل الله عليهم ريحًا، وقد قطعت أطنابهم، وقلعت أبنيتهم، وذهبت بخيولهم، ولم تدع لهم شيئًا إلَّا أهلكته، وأبو سفيان قاعد يصطلي (١)، فأخذت سهمًا فوضعته في كبد قوسي، فذكرت قول النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحدثن حدثًا حتَّى ترجع" (٢)، فرددت سهمي في كنانتي، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم، لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء، قام فقال: يَا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم يد جليسه، فلينظر من هو، فأخذت بيد جليسي فقلت: مَنْ أَنْتَ؟ قال: سبحان الله، أما تعرفني؟ ! أنا فلان ابن فلان -كان رجلَا من هوازن (٣) -، فقال أبو سفيان: يَا معشر قريش إنكم والله ما

= ولفظه (الحمام) عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار. انظر: "شرح صحيح مسلم" ١٢/ ١٤٦، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب.
(١) الاصطلاء: افتعال من صلا النَّار والتسخن بها، واصطلى بها: استدفأ، وفي التنزيل: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ قال الزجاج: جاء في التفسير أنَّهم كانوا في شتاء، فلذلك احتاج للاصطلاء.
انظر: "لسان العرب" لابن منظور ١٩/ ٢٠١ - ٢٠٢ (صلا).
(٢) وهذا يدل على شدة تعظيم الصَّحَابَة - رضي الله عنه - لأمر الله ورسوله - ﷺ -، وطاعتهم له، وخوفهم وحذرهم من مخالفة أمره امتثالًا، لقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
(٣) روى الأَزهري عن الأَصمعي في كتاب الأَسماء قال: هَوَازِنُ جمع هوزن، وهو حي من اليمن يقال لهم هوزن؛ قال: وأبو عامر الهوزني منهم. وهوازن: قبيلة من قيس، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن حفصة بن قيس عيلان. قال الأزهري: هوازن لا أدري مم اشتقاقه، والنسب إلى هوازن القبيلة هوازني؛ لأنه قد صار اسمًا للحي، ولو قيل هوزني لكان وجهًا.
انظر: "لسان العرب" لابن منظور ٨/ ٤٣٦.


الصفحة التالية
Icon