والخندق بينه وبين القوم فأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام.
وخرج عدو الله حُييّ بن أخطب النضيري حتَّى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قومه وعاهدهم على ذلك، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب غَلَّق دونه حصنه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: يَا كعب، افتح لي. فقال: ويحك يَا حيي إنك امرؤ مشئوم، إنِّي قد عاهدت محمدًا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلَّا وفاءً وصدقًا. قال: ويحك افتح لي أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن غلقت دوني إلَّا على جشيشتك (١) أن آكل معك منها، فأحفظ (٢) الرَّجل ففتح له فقال: ويحك يَا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طامّ (٣)، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتَّى أنزلتهم

(١) الجشيشة: ما جش من بر ونحوه، والجشيش السويق، وهي أن تُطْحَن الحِنْطَة طحنًا جليلًا، ثم تجعل في القدور ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ، وقد يقال لها دشيشة بالدال.
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ١/ ٢٧٣ (جشش)، "مختار الصحاح" للرازي (ص ٤٤)، (جشش).
(٢) أحفظ الرَّجل: أغضبه، ولا يكون الإحفاظ إلَّا بكلام قبيح من الذي تعرض له، إسماعه إياه ما يكره.
"لسان العرب" لابن منظور ٩/ ٣٢١ (حفظ).
(٣) طما البحر أي: ارتفع بأمواجه، والبحر الطام: أي المرتفع الموج، وأصله من طم الشيء إذا عظم. وطم الماء إذا كثر، وهو طام. ويقصد هنا الأمر العظيم، ومنه حديث أبي بكر - رضي الله عنه - والنسابة (ما من طامة إلَّا وفوقها طامة) أي ما من أمر عظيم إلَّا وفوقه ما هو أعظم منه. =


الصفحة التالية
Icon