أني قد خنت الله ورسوله (١). ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على مما صنعت، وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدًا، ولا يرائي الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا. قال: فلما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبره وأبطأ عليه قال: "أما لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذا فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه" (٢).
ثم إن الله أنزل توبة أبي لبابة (٣) على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السَّحَر يضحك، فقلت: مما ضحكت يا رسول الله، أضحك الله سنك؟ !، قال: "تيب على أبي لبابة". فقلت: ألا أبشره (٤) بذلك يا رسول الله؟،

(١) قال ابن عيينة وغيره: فيه -أبي لبابة- نزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)﴾ [الأنفال: ٢٧].
(٢) رواه الطبري في "جامع البيان" ٢١/ ١٥١ - ١٥٣ عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري.
(٣) وذلك لما نزل قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ الآية [التوبة: ١٠٢] قال مجاهد إنها نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة: إنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه. وقال ابن عباس: نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك.
انظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير ٧/ ٢٧٤.
(٤) فيه دليل على استحباب التبشير والتهنئة لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك، وهذا عام في كل نعمة حصلت، وكربة انكشفت، =


الصفحة التالية
Icon