قال: إنه لكثير، قال: فساعة، قال: شأنك بها. فوكل الأحراس ولبس الصوف ودخل المحراب ووضع الزبور بين يديه، فبينا هو في نُسُكهِ وعبادته إذ وقع الطائر بين يديه وكان من أمر المرأة ما كان. قالوا: فلما دخل داود عليه السلام بامرأة أوريا لم يلبث إلا يسيرًا حتى بحث الله عز وجل ملكين في صورة أنسيين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادة، فمنعهما الحرس أن يدخلا عليه فتسورا المحراب عليه فما شعر وهو يصلي إلاَّ وهو بهما بين يديه جالسين، فذلك قوله عز وجل:
﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ يا محمد ﴿نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ (١).

(١) أقول: ما نقله المصنف هنا في تفسير هذِه الآية وما بعدها وما ينقله كثير من المفسرين من ذكر القصة المتعلقة بداود عليه السلام والتي فيها ما لا يليق بمقام داود عليه السلام كله راجع إلى الإسرائيليات التي لا ثقة بها ولا معول عليها، ولم يثبت فيها عن المعصوم - ﷺ - حديث يجب اتباعه.
وقد رد هذِه القصة كثير من المحققين من أهل العلم: قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" ٢٦/ ١٦٥ - ١٦٩ بعد أن أشار إلى طرف منها: والذي أدين به وأذهب إليه أن ذلك باطل. ثم ذكر بطلان ذلك من وجوه عدة، راجعها ففيها حجة دامغة.
وقال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ١٢/ ٨١ - ٨٢: قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب إتباعه، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذِه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق، وما تضمنه فهو حق أيضًا.
وقال أبو السعود في "إرشاد العقل السليم" ٧/ ٢٢٢: وأما ما يُذكر من أنه عليه الصلاة والسلام دخل ذات يوم محرابه.. وذكر القصة، ثم قال: فإفكٌ مبتدع مَكَرُوه، ومكره مخترع بئسما مكروه تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع، ويلٌ لمن =


الصفحة التالية
Icon