وغضب عبد الله بن أُبيّ، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، غلام حدث السن، وقال ابن أُبيّ: أفعلوها؟ قد واقرونا (١) وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يأكلك (٢)، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني بالأعز: نفسه، وبالأذل: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم أقبل على من حضره من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم. أما والله لو أمسكتم عن جُعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، ولأوشكوا أن يتحولوا عن بلادكم، ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد.
قال زيد بن أرقم: أنت والله الذليل القليل المُبغَض في قومك، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- في عِزٍّ من الرحمن، ومودة من المسلمين. والله

(١) واقرونا أي: أثقلونا، وأصل الوقر: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار.
"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٥/ ٢١٣ (وقر)، "القاموس المحيط" للفيروزآبادي ٤/ ٦٤١.
(٢) القائل هو: حازم بن المنذر الحماني. وهو مثل سائر وله قصة:
وذلك أن حازمًا مر بمحلة همدان فوجد غلامًا ملفوفًا في ثوب، فرحمه وحمله معه وقدم به منزله، وأمر أمة له أن ترضعه حتى كبر وراهق الحلم، فجعله راعيًا لغنمه وسماه جحيشًا، وكان لحازم ابنة يقال لها: راعوم فهويت الغلام وهويها وانتبه حازم لهذا فترصد لهم حتى عرف الحقيقة فوجدهم على الفاحشة، فقال: سمن كلبك يأكلك، فأرسلها مثلًا وشد على جحيش ليقتله ففر ولحق بقبيلته.
"مجمع الأمثال" للميداني ٢/ ١٠٦.


الصفحة التالية
Icon