فإن طلّقها في طهرها ثلاثًا، فكرهه قوم، وقالوا: ليس بطلاق سنة؛ لأنه لم يدع للإمساك موضعًا (١). وكان الشَّافعيّ رحمه الله، والجمهور يبيحونه ولا يكرهونه (٢)، لأن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته

= إلَّا الأبطال، ولا يقف على تحقيق الحق في أبوابها إلَّا أفراد الرجال، والمقام يضيق عن تحريرها على وجه ينتج المطلوب. اهـ. والقولان يدوران حول حديث واحد وهو حديث ابن عمر في تطليق امرأته الآتي بعد ومورد النزاع فيه: هل حسب النَّبِيّ - ﷺ - عليه تطليقه لامرأته في زمن الحيض أم لا؟
فالجمهور على وقوعها. والآخرون على عدم وقوعه. ولكل من القولين مآخذ مبسوطة في كتب الخلاف، ولكن المتيقن: أن الخلاف هنا مما يستساغ. وليس هو من خلاف أهل البدع كما صرح به الإِمام ابن عبد البر في "التمهيد" ١٥/ ٨٥ بقوله: ولا مخالف في ذلك إلَّا أهل البدع والجهل... وروى مثل ذلك عن بعض التابعين، وهو شذوذ لم يعرج عليه أهل العلم من أهل الفقه والأثر في شيء من أمصار المسلمين. اهـ.
ولا يخفى ما في كلامه رحمه الله بعد ذكر من قال بهذا القول سلفًا وخلفًا.
(١) لعل مراد المصنف بقوله: كرهه قوم، كراهة التحريم وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن أَحْمد، وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما -، ووجهه كما ذكر المصنف أن المطلق ثلاثًا لم يدع للإمساك موضعًا، فمن طلق ثلاثًا فطلاقه طلاق بدعة وهو محرم ولكنه يقع عند من تقدم، وقال بعدم الوقوع ابن تيمية وابن القيم ونصرا هذا القول جدًّا.
انظر "بداية المجتهد" لابن رشد ٣/ ١٠٤٨، "المغني" لابن قدامة ١٠/ ٣٣١، "زاد المعاد" لابن القيم ٥/ ٢٤٧.
(٢) وهو مذهب الشَّافعيّ والراجح من مذهب أَحْمد وقول أبي ثور وداود وروي عن الحسن بن عليّ وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لحديث عبد الرحمن بن عوف والعجلاني، ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه.
"الأم" للشافعي ٥/ ١٨٠، "بداية المجتهد" لابن رشد ٣/ ١٠٤٨، "المغني" لابن قدامة ١٠/ ٣٣٠ - ٣٣٢.


الصفحة التالية
Icon