الجنة التي وصفها الله عز وجل في كتابه، فحمل معه من لؤلؤها، ومن بنادق المسك والزعفران، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها، ولا من ياقوتها شيئًا، فأخذ ما أراد، وخرج، ورجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه وأعلم الناس أمره، وباع بعض ما حمل، فلم يزل أمره ينمي حتى بلغ معاوية - رضي الله عنه - خبره، فأرسل في طلبه حتى قدم عليه، فخلى به، وقصّ عليه ما رأى، فأرسل معاوية - رضي الله عنه - إلى كعب الأحبار، فلما أتاه قال له: يا أبا إسحاق، هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟ قال: نعم، أُخبرك بها وبمن بناها، إنما بناها شداد بن عاد، فأما المدينة (فإرم ذات العماد) التي وصفها الله تعالى في كتابه، وهي التي لم يخلق مثلها في البلاد. قال معاوية - رضي الله عنه -: فحدثني حديثها. فقال: إن عادًا الأولى وليس عادًا قوم هود، وإنما هود عليه السلام وقوم هود ولد ذلك، وكان عاد له ابنان، شداد وشديد، فهلك عاد، فبقيا، وملكا، وقهرا البلاد، وأخذاها عنوة، ثم مات شديد وبقي شداد، فملك وحده، ودانت له ملوك الأرض، وكان مولعًا بقراءة الكتب، كلما مر فيها بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها عتوا على الله تعالى، فأمر بصنعة تلك المدينة (إرم ذات العماد)، وأمَّر على صناعتها مائة قهرمان (١) مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى كل ملك في الدنيا أن يجمع له ما في بلاده من الجواهر،

(١) القهرمان: من أمناء الملك وخاصته، كالخازن، والوكيل، والحافظ، فارسي معرب. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٤/ ١١٣.


الصفحة التالية
Icon