قوله عز وجل: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ يعني: التحويل عن القبلة التي كنت عليها وهي بيت المقدس، وقيل معناه: القبلة التي أنت عليها وهي الكعبة كقوله عز وجل ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ (١) أي: أنتم في ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ لنرى ونميز ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ في القبلة ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى، هذا قول المفسرين (٢).
وقال أهل المعاني: معناه: إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، كأنه سبق ذلك في علمه أن تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة آخرين، وقد تضَعُ العرب لفظ الاستقبال موضع المُضِيِّ كقوله

= رواه سعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٦١٨ (٢٢٢)، وابن أبي شيبة في "المصنف" ١١/ ٢١ - ٢٢ (٣٢٢١٧) كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمدًا - ﷺ -، وأحمد ٣/ ٣٢، ٥٨ - واللفظ له- والبخاري كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ (٣٣٣٩)، وفي كتاب التفسير، باب ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا...﴾ (٤٤٨٧)، وفي كتاب الاعتصام، (٧٣٤٩)، والترمذي كتاب التفسير، باب ومن تفسير سورة البقرة (٢٩٦١)، والنسائي في "التفسير" ١/ ١٩٧ (٢٧)، وابن ماجه كتاب الزهد، باب صفة أمة محمَّد - ﷺ - (٤٢٨٤)، من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد مرفوعًا.
وانظر: "معالم التنزيل" للبغوي ١/ ١٥٩، "لباب التأويل" للخازن ١/ ١١٨، "الدر المنثور" للسيوطي ١/ ٢٦٥ - ٢٦٧.
(١) آل عمران: ١١٠.
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٥، "جامع البيان" للطبري ٢/ ١٤، "النكت والعيون" للماوردي ١/ ١٩٨، "الكفاية" للحيري ١/ ٧٨، "تفسير القرآن" للسمعاني ٢/ ٨٣، "الوسيط" للواحدي ١/ ٢٢٦، "معالم التنزيل" للبغوي ١/ ١٦٠، "مفاتيح الغيب" للرازي ٤/ ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon