ويدافعوا عنها بالتي هي أحسن. وتكون حينئذ قد سدَّت فراغًا في بناء الإصلاح الإسلامي، وحفظت شيئًا من مقام دمشق الديني والاجتماعي، ولكن الذين عهد إليهم بها، قد تنازعوا أمرهم بينهم، فمنهم من كان يرى وجوب السعي في جعلها مدرسة نظامية جامعة بين الدروس الدينية والعلوم الكونية على وجه يزيد الطالب في دينه بصيرة ونورًا، ويجعله أهلًا للدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتكون تلك الكلية روضة علوم وفنون زاهرة، تخرّج لنا من تلاميذها زهرات ناضرة، تزدان بها معاهد الإفتاء والقضاء، والوعظ والخطابة والتدريس، وتستعيد بهم سيرتها الأولى. ومنهم من كان يرى الاكتفاء ببعض الدروس العربية والشرعية ولا يقيم للعلوم الكونية وزنًا، ولا يرفع بها رأسًا، وهذا خطأ لا يحتمل الصواب، لأن الذي أبرز الصحيفتين الدينية والكونية، وأقام كلا منهما مشيرًا إليه، ودالًّا عليه هو الله جلَّت حكمته، جعل الأولى منهما وحيًا معجزًا، والثانية خلقًا معجزًا. وعلى هذه الطريقة الأولى السلفية الجامعة نشأ الأستاذ بدران وهاكم البيان:
درس على جدّه الشيخ مصطفى وعلى مشاهير علماء الشام كالشيخ سليم العطار، والشيخ الطنطاوي، والشيخ علاء الدين عابدين، واتصل بالأمير الكبير عبد القادر الجزائري، وعين مصححًا ومحررًا بمطبعة الولاية وجريدتها، ثم صار مدرسًا، وكتب في صحف دمشق.
وقد أفصح في طليعة كتابه "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل" عن عقيدته السلفية فقال:
وجعلت عقيدتي كتاب الله، أكِلُ علم صفاته إليه، بلا تجسيم ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تعطيل.
وجعل شغله كتاب الله تدريسًا وتفسيرًا، وسنة نبيه المختار قراءة أيضًا وشرحًا وتحريرًا (قال): ثم إني زججت نفسي في بحار الأصول والفروع والبحث