لي منه شيء، طارحًا الرياء والافتخار به، لأنني عبد مملوك له تعالى، فلا أعمل شيئًا لنفسي، وهل أنا ونفسي إلا ملك له تعالى، وليست القدرة التي أنشات بها هذا العمل، إلا منه تعالى، ولولا أنه تفضل عليّ بها، لما كنت قادرًا على فعل شيء، ولا على صدوره، ولست أستمد القوَّة إلا منه، ولا أرجو الإحسان إلا منه، فلفظ "الاسم" مراد هنا.
و"الاسم" من السمو، لأن التسمية تنويه بالمسمَّى، أي الارتفاع، ورفع الصوت به، ومعناه: رفع المسمَّى عن حضيض الخفاء إلى منصة الظهور، ليتجلى لأعين البصائر، وإعلاء قدره حيث جُعل معتدًا به، ونصب علامة بإزائه أي: بجانبه.
فالتسمية: وضع اللفظ بإزاء المعنى، ويليق بقول من قال: إن الاسم مأخوذ من السمة، وهي العلامة، أي: ينطبق على هذا المعنى، ولسنا الآن بصدد بيان الاشتقاق.
ولفظ الجلالة مختص بالمعبود بحق، لم يطلق على غيره، قالوا: هو مشتق من "أَله إلهة"، بمعنى: عبد عبادة، أو: من "أَله" إذا تحير، لأن العقول تتحير في معرفته، أو: من "ألهت إلى فلان" إذا سكنت إليه، لأن القلوب تطمئن بذكره، والأرواح تسكن إلى معرفته، وقال بعضهم: هو علم لذاته المخصوصة، لأنه يوصف ولا يوصف به، ولأنه لا بد له من اسم تجري عليه صفاته، ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه، وترجيح أحد القولين على الآخر محل مناقشات تكفل بها من كتب على البيضاوي و"الكشاف" (١) فلا نطيل بها، لعلمنا أن كل أحد يعلم من لفظ "الله" أنه علم على الذات، التي لا يسع العقل إنكار وجودها، المستحقة لجميع المحامد، المتصفة بالأسماء الحسنى والصفات العليا.
و﴿الرحمن الرحيم﴾ اسمان بنيا للمبالغة، فوزن الأول فعلان: كغضبان وعطشان، وهذا الباب يأتي للصفات العارضة، ألا ترى أن الغضب والعطش صفات تعرض وتزول، ووزن الثاني فعيل: كعليم وجميل وحليم، وهو يدل على المعاني الثابتة؛ ألا ترى أن الحلم صفة ثابتة، وكذا العليم، وهما من جملة

(١) أي أصحاب الحواشي عليهما.


الصفحة التالية
Icon