الأخلاق والسجايا: فلفظ ﴿الرحمن﴾، لما كان يدل على من تصدر منه آثار الرحمة بالفعل، التي هي إفاضة النعم والإحسان، اختلج في قلب السامع، أن هذا الوزن للصفات العارضة التي ربما لا تدوم، أردفه بقوله: ﴿الرحيم﴾، الدال على الصفات الثابتة، إشارة إلى أنه تعالى مفيض لجميع النعم، سواء كانت عارضة، أو ثابتة، فالوصف الثاني دال على منشأ هذه الرحمة والإحسان، وعلى أن هذه الصفة ثابتة واجبة، فليس الثاني تأكيدًا للأول، بل هو كذكر الدليل بعد المدلول؛ والرحمة معناها في اللغة: العطف والحنو، وليس هذا المعنى مقصودًا هنا، وإنما المقصود غايته، فالرحمة مجاز عن إنعام الله على عباده، لأن الملك إذا عطف على رعيته ورَّق لهم، أصابهم بمعروفه وإنعامه كما أنه إذا أدركته الفظاظة والقسوة، عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه.
و﴿الحمد﴾ هو القول الدال على كون المحمود مختصًا بفضيلة معينة، وهي فضيلة الإنعام والإحسان، ويقال في حده: هو النعت بالجميل على الجميل، اختياريًا كان، أو مبدأ له على وجه يشعر ذلك، بتوجيهه إلى المنعوت، فالحمد أخص من المدح، وهو أعم منه، لأنه عبارة عن القول الدال على كون الممدوح مختصًا بنوع من أنواع الفضائل، ولأن المدح قد يكون قبل الإحسان، وقد يكون بعده، والحمد لا يكون إلا بعد الإحسان، ويفرَّق بين الشكر والحمد، بأن الحمد يعم ما إذا وصل الإنعام إليك أو إلى غيرك، وأما الشكر فهو مختص بالإنعام الواصل إليك، ومن هنا تعلم وجه اختيار الحمد هنا، لأنه يدل على أن المحمود فاعل مختار، وعلى أن القائل، مقر بأنَّ إلَه العالم، ليس موجبًا بالذات كما يقوله قدماء الفلاسفة، بل هو فاعل مختار، وهذا المعنى لا يدل عليه لفظ المدح، لأنه يكون للفاعل المختار ولغيره، وأما الشكر؛ فكما علمت من أنه مختص بالإنعام الواصل إليك، والحمد ثناء عليه تعالى، بسبب كل إنعام صدر منه ووصل إلى غيره، ولا شك أنّه أفضل، لأن التقدير كان العبد يقول: يا الله أنت مستحق للحمد العظيم، سواء أعطيتني أم لم تعطني، فإنعامك واصل إلى كل العالمين.
و"الـ" في الحمد، يجوز أن يكون للاختصاص اللائق، لأن الحمد لا يليق إلا به تعالى؛ لغاية جلاله؛ وكثرة فضله وإحسانه، وأنْ يكون للملك لأنه تعالى