الحاكمين، بقي قلبه ملتفتًا إليه أبدًا، ومتفكرًا فيه أبدًا، وباب التكليف هو إشغال السر بذكر الله، والتفكر في كلامه، فلا يبعد أن يعلم الله، أن في بقاء العبد ملتفت الذهن، مشتغل الخاطر بذلك أبدًا، مصلحة عظيمة له، فيتعبده بذلك تحصيلًا لهذه المصلحة.
وثاني المذهبين: أن المراد بهذه الفواتح معلوم، ثم إنك تجد في تعيينهم لذلك المعلوم اختلافًا كثيرًا، وأقرب ما قالوه إلى القبول قولان:
أحدهما: أنها أسماء للسور، وهو قول النحاة، وقد أفرد لها سيبويه في كتابه بابًا في حد ما لا ينصرف، ولكن هؤلاء لم يقصدوا إلا البحث عن الإعراب، ولم يلتفتوا إلى جانب المعنى، ويرجع هذا القول القهقرى عند اعتراضك عليه، إذا وجدنا السور الكثيرة اتفقت في آلم وحم، فالاشتباه حاصل فيها، والمقصود من اسم العلم إزالة الاشتباه، وأيضًا لو كانت هذه الألفاظ أسماءً للسور، لوجب أن يعلم ذلك بالتواتر، لأن هذه الأسماء ليست على قوانين أسماء العرب، والأمور العجيبة تتوفر الدواعي على نقلها، لا سيما فيما لا يتعلق بإخفائه رغبة أو رهبة، ولو توفرت الدواعي على نقلها لصار ذلك معلومًا بالتواتر، وارتفع الخلاف فيه، فلما لم يكن الأمر كذلك، علمنا أنها ليست من أسماء السور، وأيضًا لو كانت أسماء لهذه السور، لوجب اشتهار هذه السور بها، لا بسائر الأسماء، لكنها إنما اشتهرت بسائر الأسماء، كقولهم سورة البقرة، وسورة آل عمران.
وثانيهما: ما ذكره المبرد، وجمع عظيم من المحققين: أن الله تعالى إنما ذكرها احتجاجًا على الكفار، وذلك أن الرسول لما تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة، فعجزوا عنه، أنزلت هذه الحروف تنبيهًا على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف، وأنتم قادرون عليها وعارفون بقوانين الفصاحة، فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزتم عنه دل ذلك على أنه من عند الله لا من البشر.
وقوله: ﴿ذلك الكتاب﴾ ينحى في اسم الإشارة هنا طريقان:
أولها: ما تقدمت الإشارة إليه في سورة الفاتحة، وبيانه أنهم لما قالوا في الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إلى آخرها، صاروا كأنهم في حيرة وشوق