على أن المقصود نفي الريب في حد ذاته، لا على أن المقصود نفي أن أحدًا لا يرتاب فيه، ما سيأتي من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ (١) الآية، فإنه ما أبعد بها الريب عنهم، بل عرفهم الطريق الذي إذا سلكوه انزاح عنهم الريب، وهو أن يجتهدوا في معارضة أقصر سورة منه، ويبذلوا فيها غاية جهدهم، حتى إذا عجزوا عن المعارضة، تحقق لهم أن ليس ثم مجال للشبهة، ولا مدخل للريبة.
والوقف الصحيح على ﴿فيه﴾، فهي خبر لا النافية للجنس، و ﴿هدى﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو هدى، أي: أن الكتاب نفسه هدى، كما وصفه تعالى بذلك في مواضع من أنه نور وهدى، على طريقة التشبيه البليغ، ووضع المصدر الذي هو ﴿هدى﴾ موضع الوصف الذي هو هادٍ، وأتى به منكرًا، إشارة إلى أنه هديً عظيم لا يُكتنه كنهه، ولا تحيط العبارة به، والهدى هو: الدلالة مطلقًا سواء أوصلت إلى المطلوب أم لم تصل إليه، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، ومعناه: دللناهم على طريق النجاة، فلم يتبعوه.
والتقوى: الخشية، وقد فسر الله المتقين بأوصافهم التي وصفهم بها في هذه الآية، فلا حاجة لذكر أوصاف لهم غيرها، لأنه ليس بعد بيان الله بيان.
وبهذه الآية أيضًا يفرق بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ [يونس: ٦٢] ثم بيَّن مجمل وصفهم بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)﴾ [يونس: ٦٣] وأجمل وصفهم أيضًا مع الحصر، بقوله: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] ومن المعلوم أن النفي إذا جاء بعده الاستثناء أفاد الحصر، فيكون المعنى: ليس أولياؤه إلا المتقين، ثم بيّن ذلك المجمل هنا بقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] فدل أنه لا يكون العبد وليًا حتى يتصف بهذه الصفات، فإن حاد عنها، كان من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن.
وجازف بعض المدعين للولاية في زمننا، فقال: هذا وصف للولاية العامة، وفقها ولاية أعلى خاصة. فقلنا له: إن أردت التفاوت في درجات الإيمان