وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢].
ولما كان المراد بالمتقين هم الذين جبلوا على التقوى من أصل الخلقة، وأنهم هم الذين يهتدون به ولا يرتابون بيّن أوصافهم، بقوله:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)﴾.
أي يصدقون بالأمر الغائب الذي لا ينفع في الإيمان غيره، وهو قسمان:
قسم لا دليل عليه، وهو المعني بقوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩] وقسم نصب عليه دليل، كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأحواله، فيصدقون بكلا القسمين مما لا يدركه الحس، ولا تقتضيه بديهة العقل، لأن الله ورسوله أخبرا بذلك، تصديقًا حقيقيًا ليس كتصديق المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس بقلوبهم. وقوله:
﴿ويقيمون الصلاة﴾ يديمون فعلها من غير خلل في أركانها وشروطها، وهذا كقولهم فلان قيم بأرزاق الجند، ولا يوصف بذلك إلا إذا أعطى الحقوق من غير بخس، وفيه إشارة إلى أن الحقيق بالمدح، من راعى حدودها الظاهرة من الفرائض والسنن، وحقوقها الباطنة من الخشوع والإقبال على الله تعالى، لا المصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون، ولذلك ذكر في سياق المدح: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢]، وفي معرض الذم: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)﴾ [الماعون: ٤، ٥].
ولما ذكر وصلة الخلق بالخالق، وكانت النفقة مع أنها أعظم دعائم الدين صلة بين الخلائق، أَتبَعَها بها تنبيهًا بـ ﴿مِن﴾ التي للتبعيض، على النهي عن الإسراف، وعلى طيب النفقة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وآمرًا بالورع وزاجرًا عما فيه شبهة فقال:
﴿ومما رزقناهم ينفقون﴾ أي: ومما مكناهم من الانتفاع به على عظمة