نزلت قبل إيمان ابن سلَّام، أو بعده، لأن غاية ما نعلمه أن نزول الآية، وإسلام ابن سلام، كل منهما مدني، ولكن لا نعلم السابق منهما حتى يصح لنا ذلك القول، على أن ألفاظ القرآن في مثل هذا تحمل على العموم.
والمعنى: أن هؤلاء هم الجامعون بين الإيمان بما يدركه العقل جملة، والإتيان بما يصدقه من العبادات البدنية والمالية؛ وبين الإيمان بما لا طريق إليه غير السمع.
والضمير في ﴿إليك﴾ للنبي - ﷺ -، وعنى به القرآن بأسره، والشريعة عن آخرها، وعبر عنه بلفظ الماضي، وإن كان بعضه يومئذ مترقبًا نزوله، تغليبًا للموجود على ما لم يوجد، فجعله كله كأنه قد نزل وانتهى نزوله، لتحقق وقوعه، وأراد بـ ﴿ما أنزل من قبلك﴾، التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب السالفة، فإن الاعتقاد بأنها منزلة من عند الله تعالى فرض عين، والإيمان بها إجمالًا كذلك، وأما الإيمان بما أُنزل على النبي - ﷺ -، فإنه يفترض علينا الإيمان به تفصيلًا لا إجمالًا، وفي هذه الآية الإشارة إلى معنى لطيف، وهو الإشارة إلى أن اليهود، لم يؤمنوا بنزول التوراة من عِند الله، نزولًا حقيقيًا، لأن أكثرهم يقول: إن الله ألهم البشر الذين هم أنبياء بني إسرائيل، بما تكلموا به، وجعلهم واسطة لإنفاذ مقاصده، من غير أن يجردهم من صفاتهم الذاتية، ومن غير أن يخرجوا عن النفوذ الإلهي، وأنهم لم يزالوا حين ذلك الإلهام، في حالة حسنة من الشعور والوجدان، فجمعت أقوالهم من بعدهم في أسفار.
وبهذا الاعتبار قيل: إن الله أوحى بهذه الأسفار، وقال بعضهم: إن للوحي بالتوراة ثلاثة طرق.
أولها: بتبليغ الأنبياء لأفكار الله بصفة نواب عنه نيابة مطلقة.
الثاني: بالتخاطب المتبادل بين الله والإنسان.
الثالث: بأن ينطق الكاتب بما عنده مهما رأى ذلك بالروح الإلهي.
وأما النصارى فإنهم يقولون: إن كلمة "إنجيل" مأخوذة عن اللغة اليونانية، ومعناها: بشارة مفرحة، ويدعون أن طريقة وصول هذه البشارة للبشر ما استنتجوه من اعتقادهم، من أن الله الآب، وكلمته الأزلية، وروح القدس، هم ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة، ذات واحدة في ثلاثة أقانيم، وهذا الإله ليس منفصلًا عن