إن علومنا لدنية ذوقية، وكذلك النصارى إذا طالبتهم بالدليل العقلي قالوا: إن معرفة اللاهوت ذوقية، لا يعرفها إلا من ذاقها، فمصيبة الفريقين واحدة.
وإلى بيان حال هذه الفرق أشار تعالى بقوله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)﴾.
أي: إن الذين ثبتوا قلبًا ولسانًا على معتقداتهم الباطلة، فكفروا بالله تعالى، وحكم بكفرهم حكمًا مؤبدًا، إنذارك إياهم في هذا الكتاب، وفي هذا الوقت وعدمه فيه، وفيما بعده سواء، وكذلك إنذار هذا الكتاب لهم، في كل وقت، وعدمه سواء، لأنهم إما لا يصدقون بأنه كتاب منزل من الله تعالى، وما أنهم يحرفونه عن مواضعه، ويتلاعبون به، حتى يجعلوه تابعًا لما ذهبوا إليه، ولا يجعلونه متبوعًا كما هو شأن الممقوتين، وإذا ناداهم إلى التمسك به، قالوا: لا نترك ما ألفينا عليه آباءنا لندائك، وهل أنت إلا تابع لنحلتنا، وخادم لمقالاتنا، وما ذلك إلا لأن الله تعالى ختم بجلاله ختمًا مستعليًا على قلوبهم، وعلى سمعهم، فهي لا تعي حق الوعي، ولا تسمع حق السمع، لأن الختم على الشيء يمنع الدخول إليه، والخروج منه.
وأفرد السمع، لأن التفاوت فيه نادر، وشركه في الختم مع القلب لأن أحدًا لا يسمع إلا ما عقل، وجعل على أبصارهم غشاوة عظيمة، فهم لا ينظرون بالتأمل، ولما وصفهم بذلك أخبر عن عاقبتهم بقوله: ﴿ولهم عذاب عظيم﴾، ومن هنا تعلم أن التعريف بالذي، والذين، من بين سائر الموصولات، كتعريف ذي باللام، في كونه للعهد تارة، وللجنس أخرى، سواء جعلت من المعرف باللام كما ذهب إليه شرذمة من النحاة، أو لا، كما عليه المحققون، وعليه فإن التعريف هنا للجنس، فهو متناول كل من صمم على كفره تصميمًا لا يرعوي بعده، سواء كان المتصف بذلك في زمن نزول القرآن، أو كان بعده، حتى آخر الأمر، لأن القرآن يبقى حكمه إلى آخر الدوران، ودل على تناوله للمُصِرّين قوله: ﴿سواء عليهم﴾ الآية، ومعناها: أن الذين كفروا مستو عندهم الإنذار وعدمه، فالقائل بأن التعريف