للعهد، وأن المراد به ناس بأعيانهم، كأبي جهل وأبي لهب، والوليد بن المغيرة، وأضرابهم، قول لا حظ له في شيء من التحقيق، بل هو قول من لا يرى أن القرآن عام لجميع الأزمان.
والكفر في اللغة الستر، وأصله الفتح، ومنه قيل للزارع: كافر، لأنه يستر الحب في الأرض، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: ٢٠] وسمي الليل كافرًا لأنه يستر المبصرات بظلمته، قال الشاعر (١):
"في ليلة كَفَرَ النجومَ غَمَامُها"
أي: ستر النجومَ غمامُها، والمتكلمون استصعبوا حد الكفر، والذي انتهى إليه كلامهم: أن جميع ما ينقل عن النبي - ﷺ -، أنه ذهب إليه، أو قال به، فإما أن يعرف صحة ذلك النقل بالضرورة، والا بالاستدلال، أو بخبر الواحد.
فإن كان الأول: فإن من صدق الرسول في جميع ما جاء به، فهو مؤمن، ومن لم يصدقه في ذلك، فإما أن لا يصدقه في جميع ما أتى به، وإما أن لا يصدقه في البعض دون البعض، وعلى كل فهو كافر؛ إذ الكفر عدم تصديق الرسول في شيء مما علم بالضرورة مجيؤه به، كمن أنكر وجود الصانع أو أنكر كونه واحدًا في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، أو جعل له شريكًا في أفعاله، أو ادعى حلوله في الأجسام، أو أنكر نبوة النبي - ﷺ -، أو أنه خاتم الأنبياء، أو أنكر صحة القرآن الكريم.
وإن كان الثاني: وهو الذي عرف بالاستدلال بأنه من دين النبي - ﷺ -، مثل كونه تعالى خالقًا لأفعال العباد أم لا، وكونه مرئيًا أو لا، وكونه عالمًا للعلم أو لذاته وغير ذلك مما لم ينقل فيه النص على أحد القولين عن النبي - ﷺ -، بل كان ترجيح أحدهما على الآخر بالاستدلال (٢) فإن مثل هذا لمّا لم يكن إنكاره، ولا الإقرار به داخلًا في ماهية الإيمان، لم يكن موجبًا للكفر، لأنه لو كان داخلًا في
يَعلُو طريقةَ مَتْنِها متواترٌ
(٢) في الأصل اضطراب ولعل العبارة هي: "بالاستنتاج لأن مثل هذا مما... ".