قال لعبدة الأصنام: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣)﴾ [الأعراف: ١٩٣].
ثم إنه تعالى، لما بين شأن الذين كفروا، أردف البيان ببيان السبب الذي لأجله لم يؤمنوا، وهو الختم، وأصله الطبع، والخاتم هو الطابع، يقال منه: ختمت الكتاب إذا طبعته، واستعماله في الأوعية، والظروف، والغلف، ولما كانت القلوب بمعنى الأوعية لما أودعت من العلوم، وبمعنى الظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور، كان الختم عليها وعلى الأسماع التي بها تدرك المسموعات، ومن قبلها يتوصل إلى معرفة حقائق الأشياء من المغيبات، نظير الختم على الأوعية والظروف.
واختلف المفسرون في صفة ذلك الختم على أقوال كثيرة، الحق فيها ما صح من حديث أبي هريرة عن النبي - ﷺ - أنه قال: "إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا، كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صُقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه، فذلك الران الذي قال جل ثناؤه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾ [المطففين: ١٤] ورواه الترمذي (١) وقال: حديث حسن صحيح، ولفظه: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُكتت في قلبه نُكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ فأخبر - ﷺ -، أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها، وإذا أغلفتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل، والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع والختم الذي ذكره الله تعالى، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها، ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم إلا بعد فض الخاتم، وحل الرباط عنها، وإلى هذا المعنى ركن أبو جعفر الطبري في تفسيره وقال: إنه الحق في ذلك.

(١) "صحيح سنن الترمذي- باختصار السند" ٢٦٥٤.


الصفحة التالية
Icon