المحدث عنهم بالختم على قلوبهم، والمنافقون غير من أخبر عنهم فيما تقدم بالختم، ويجاب بأن الكفر جمع الماحضين المصرّين، والمنافقين المصممين معًا، وجعلهم جنسًا واحدًا، وكون المنافقين نوعًا من نوعي هذا الجنس، مغايرًا للنوع الآخر، بزيادة زادوها على الكفر الجامع بينهما من الخديعة والاستهزاء، لا يخرجهم من أن يكونوا بعضًا من الجنس، كما أشار إلى هذه المعاني صاحب الكشاف، فإن الأجناس، إنما تنوعت لمغايرات وقعت بين بعضها البعض، وتلك المغايرات إنما تأتي بالنوعية ولا تأبى الدخول تحت الجنسية، وقوله تعالى حكاية عنهم: ﴿آمنا﴾ أي: صدقنا ﴿بالله وباليوم الآخر﴾، أي: بالبعث يوم القيامة الذي هو يوم لا يوم بعده سواه، فادعوا أنهم حازوا الإيمان من جانبيه، وأحاطوا بقطريه، فقال تعالى تكذيبًا لهم: ﴿وما هم بمؤمنين﴾ لأنهم يبدون بأفواههم خلافًا لما في ضمائر قلوبهم، وضد ما في عزائم نفوسهم، فهم غير مصدقين فيما يزعمون أنهم به مصدقون.
وقد يلوح لفكر المتامل لهذه الآية إشكال، وهو: أن الأخبار عن المنافقين، وكانوا مشركين ويهود، فأما المشركون فهم غير مؤمنين بالله واليوم الآخر، فقوله: ﴿وما هم بمؤمنين﴾ منطبق عليهم، وأما اليهود فقد كانوا يؤمنون بالله، وهم أهل كتاب، فكيف نفى عنهم الإيمان، وعند الاطلاع على نحلة اليهود، يتلاشى هذا الإشكال، لأن الإيمان بالله يجب أن يكون على حقيقته، وعلى وفق ما جاء عن رسله، واليهود ليسوا كذلك، لأن فرقة منهم تزعم أن العُزَير ابن الله، وجميعهم يعتقد أن الله جسم، وكذلك اعتقادهم باليوم الآخر، ليس على ما جاءت به الرسل، وكل من كان إيمانه على غير ما جاءت به الرسل فليس بمؤمن، ومَن راجع التوراة التي بأيديهم اليوم، ورأى هذياناتهم ومفترياتهم جزم بذلك، وسيمر بك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ما يتبين به حقيقة ما هم عليه من الكفر، وعدم الإيمان بالله تعالى، كقولهم كل يوم في صلاتهم ما معنَاه بالعربية: أنّه لا يظهر أن الملك لله، إلا إذا صارت الدولة لليهود، الذين هم أمته وصفوته، فأما ما دامت الدولة لغير اليهود، فإن الله خامل الذكر عند الأمم، وأنه مطعون في ملكه، مشكوك في قدرته. وكقولهم بالعبرانية ما معناه بالعربية: انتبه لِمَ تنام يا رب؟ استيقظ من رقدتك، ومنه


الصفحة التالية
Icon