ومن شرف هذه السورة أن الله سبحانه وتعالى قدمها على جميع آي الذكر الحكيم وجعلها فاتحة كتابه الكريم، وكل شيء قدمه رب العالمين فهو مقدم ومفضل على غيره.
ولهذا سميت فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، لأنها تثنى وتعاد في كل صلاة لفرضيتها، وهي سورة الحمد لأنه ذكر فيها الحمد، وهي قسمة الصلاة لقوله تعالى في الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، قال الله تعالى: حمدني عبدي فإذا قال ﴿الرحمن الرحيم﴾، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مالك يوم الدين﴾، قال: مجدني عبدي، أو قال: فوض إلي عبدي، فإذا قال: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها، وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم، فقد أكرمني ربي وأنعم علي بها وعلى أمتي».
وقد اختلف العلماء في المراد بالمكية والمدنية في السور، فقيل: المكية ما نزلت بمكة ولو بعد الهجرة، والصحيح الذي عليه الجمهور أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء أنزل بالمدينة نفسها أم في مكة عام الفتح وعام حجة الوداع أم في غزوة من الغزوات، فالسور المكية هي التي نزلت في أول الإسلام لأجل الدعوة إليه وبيان أساس الدين وكلياته من التوحيد والدعوة إلى ترك الشرك والمعاصي والمنكرات والحث على فعل الخير.
والسور المدنية هي التي نزلت بعد الهجرة لبيان الأحكام التفصيلية في الدين. والسورة طائفة من القرآن مؤلفة من ثلاث آيات فأكثر، لها اسم خاص بحسب التوقيف والرواية الثابتة.
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ لقد ابتدأ سبحانه وتعالى بالبسملة إشارة إلى أن جميع ما يقرر فيما بعد هو من عند الله وليس لأحد غير الله شيء فيه وبمثل هذا يقول القاضي عندما يصدر حكمه باسم الملك حكمت بكذا وكذا وباسمه أنفذ هذه الأوامر وهذا من الخطأ الشائع.
قد علمنا سبحانه وتعالى بهذا أن نبدأ كل أعمالنا بتلاوتها لأن في البدء ﴿باسم الله﴾: اعترافًا بولايته سبحانه وتعالى الثابتة بقوله تعالى: ﴿الله ولي الذين آمنوا﴾ وفي كلمة ﴿الرحمن﴾: ما يوجب محبته
وواثقًا بالإجابة؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ﴿إن الله مع الصابرين﴾ الذين جبلت نفوسهم على تحمل الآلام والمصاعب باعتبارها عائدة إلى سوء تصرفاتهم فإذا مرض الإنسان مثلًا يجب أن يعلم أن ذلك لم يكن إلا نتيجة التعرض لموجبات ذلك المرض أو قصوره في أمر الوقاية منه. وهكذا في كل شيء، الأمر الذي يدعوه إلى التوجه إلى الله بالدعاء بالشفاء مع الأخذ بأسباب التداوي منه عن طريق ما أودعه سبحانه العلاجات من خواص مع الشكر لله في البأساء والضراء ﴿و﴾ ثالثًا ﴿لا تقولوا﴾ أي وحذار أن ينحصر تفكيركم ضمن دائرة المادة فقط فتعتقدوا أن الموت معناه الفناء أو هو نهاية الحياة فتقولوا ﴿لمن يقتل في سبيل الله﴾ ولأجل نصرة دينه وإعلاء كلمته سواء أكان ذلك القتل في ميدان الحرب أم كان في حالة السلم أثناء نشر الدعوة لدين الإسلام ﴿أموات﴾ لأن هذا القول منكم يعد إنكارًا لعالم الغيب، من شأنه أن يدعو إلى تثبيط الهمم وانحلال القوى ويحول دون تحقيق العمل للحياة الأخرى وينافي الأمر الواقع الذي أخبر به سبحانه وتعالى بقوله ﴿بل أحياء﴾ حياة نفسية برزخية متممة لهذه الحياة الدنيا في عالم غير العالم الحسي المشاهد ﴿ولكن لا تشعرون﴾ أنتم بماهية هذه الحياة وكنهها، وما يكون فيها من ألم ونعيم لا يدركان بالمشاعر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشر في الدنيا فيقولون انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة وهل تزوجت فلانة».
﴿و﴾ رابعًا اعلموا أنكم تؤدون في هذه الحياة دور اختبار في الصبر ومن أجل هذا ﴿لنبلونكن بشيء من الخوف﴾ وذلك بأن نسلط عليكم الوهم فيصور لكم أن لبعض المخلوقات والأسباب تأثيرًا في نفعكم وضركم فمن صدق بذلك سقط في الاختبار، ومن كان قوي الإيمان أيقن بأن النافع والضار هو الله وحده، فلا يكترث لأي قوة في الكون غير قوة الله تعالى ﴿والجوع﴾ وذلك بأن نقتر عليكم في الرزق، ونحرمكم بعض ضروريات ومطالب الحياة، فمن نسب لأي مخلوق أو سبب تأثيرًا فعليًا في حصول ذلك التقتير فقد سقط في
وتجبر ولم يقنع برتبة الملكية كبقية الملوك المعاصرين له من أهل الأرض، بل تطلع إلى الألوهية واستمر في كبره وعتوه حتى نقم على إبراهيم في دعوته إياه إلى الله وتوحيده فأبى وبدأت المحاجة بينهما (إذ قال إبراهيم ربي) بفتح الياء (الذي يحيي ويميت) فهو الذي ينشيء الحياة في الأجسام بعد العدم فإذا بها تسمع وتبصر، وتتكلم سواء كان إنسانًا أو حيوانًا كما ينشيء الحياة أيضًا في النباتات، وهو الذي يملك إزالة الحياة بالموت ممن يريد، فاعترضه النمروذ و (قال) متحديًا إبراهيم عليه السلام (أنا) أيضًا (أحيي وأميت) فلكل شيء سبب، وفي استطاعتي أن أهيء الأسباب المباشرة لإيجاد الحياة والموت فيتأتى ذلك، ولما كان مثل هذا الأمر يحتاج إلى بحث لإثبات المؤثر الحقيقي في هذه الأسباب الظاهرة ويجعل ميدانًا للأخذ والرد، ويحكى أنه حدث مثل هذا بين النمروذ وشخص آخر غير إبراهيم أنكر عليه تلك القدرة فقال النمروذ إذا كنت لا تؤمن بي فإني أستطيع أن أقتلك على ملأ من الناس ثم أعيد إليك الحياة فلم يحر جوابًا، وما وسعه إلا أن يخلص نفسه من الموقف بالتظاهر بالإيمان به، أما إبراهيم فقد أنار الله بصيرته إلى جواب مختصر مقنع حيث (قال إبراهيم) للنمروذ (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق) وهو القادر على أن يأتي بها من المغرب وسيأتي بها كذلك في آخر الزمن، فإن كنت إلهًا (فأت بها من المغرب) أي إن ربي الذي يعطي الحياة ويسلبها بقدرته وحكمته هو الذي قضت حكمته أن يطلع الشمس من هذه الجهة التي نسميها نحن بالمشرق، فإن كان لك من القدرة مثل ماله، فغير لنا هذا النظام وأت بها من الجهة المقابلة التي جرت سنته تعالى بظهورها منه (فبهت) بضم الباء وكسر الهاء أي دهش وسكت متحيرًا (الذي) هو النمروذ (كفر) لأنه كان يعلم في سره أنه لا بد لهذا النظام العجيب من متصرف قدير، فلما أن ضرب له إبراهيم على هذه النغمة أدرك حقيقة الأمر، وأحس بصلة إبراهيم بمولاه خشي إذا هو أحرجه وطالبه بتغيير الله لهذا النظام تأييدًا لدعوته أن ينفذ ذلك لأن الواضع لهذا النظام قادر على تغييره فيخرج هو من المحاجة مخذولًا، بل إنه لا يعجزه القضاء عليه في الحال ويذهب في خبر كان وهو يعرف عن نفسه أنه ليس بإله وأنه مخلوق ضعيف، فسقط في يده وسحب نفسه من المحاجة (و) لكنه لم يؤمن لأن (الله) قد قضت سننه الإلهية أن (لا يهدي) إلى الإيمان به (القوم الظالمين) الذين يستعملون مواهبهم في غير ما خلقت له، فإن من اتبع طريق الضلال لا يمكن أن يؤدي به ذلك إلا إلى منتهى الضلال والخسران، كما أن من سار متجهًا إلى الجانب الأيسر لا يمكن
وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (١٨٦) وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (١٩٢) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥) لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللهِ وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)}.
بعد أن أخبر الله نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بأمر العهد الذي أخذه على النبيين من قبل، وأمره بأن يعلن أنه مؤمن بالله وما أنزل عليه وعلى النبيين من عهد إبراهيم من غير تفريق بينهم، أخذ جماعة من اليهود يتحدثون فيما بينهم ببعض أحاديث يحاولون بها تشكيك الناس في صحة ما يدعيه. فمن ذلك قولهم: إذا كان محمد على ملة إبراهيم ومن بعده كما يدعي فما باله
يتعرضن له من آلام ومتاعب ومشاغل قد تسبب لهن كثيرًا من النسيان والقصور في الواجبات وتجعلهن في حاجة إلى من يحمل أولادهن ويقوم بواجب النفقة عليهن وعلى أولادهن. ولأجل أن لا يتخذ الرجال من هذه الإقامة التي اختصهم الله بها وسيلة للطغيان على النساء والمنة عليهن بما يقدمن لهن من نفقة أثبت الله لهن صفتين هما في الواقع كل ما يتطلبه الرجل من المرأة حيث تسهل بهما مهمته، فلا غرو إذا ما رخصت في سبيلها جميع النفقات وكل ما يقدمه الرجل من مساعدات وهاتان الصفتان هما الطاعة والمحافظة على حقوق الرجل وقد أشار إليهما تعالى بقوله: ﴿فالصالحات﴾ من النساء من طبعهن أولًا أن يكن ﴿قانتات﴾ أي: دائمات الطاعة لأزواجهن وأولياء أمورهن خاضعات بأقوالهن متواضعات في معاملتهن وهذه من أبرز صفاتهن التي لا تنكر وعدا هذا فإنهن قد بلغن في السمو الخلقي مبلغًا عظيمًا إذ من طبعهن ثانيًا أن يكن ﴿حافظات للغيب﴾ والغيب ما خفي عن الأنظار أي إنهن حافظات لكل ما هو متعلق بأمور الزوجية في السر والخلوة وفي مقدمة ذلك العرض وحديث الرفث من يد تلمس أو عين تبصر أو أذن تسترق السمع، والغيرة على مال الرجل باعتباره شريكًا لها في الحياة وقد وضح هذا رسول الله ﷺ فيما رُوِيَ عنه من قوله: «خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك» ﴿بما حفظ الله﴾ لهن من خلة حميدة هي الحياء بحيث أصبح مضرب الأمثال لهن إذ يقال أشد حياء من المرأة وهي التي تحملهن على المحافظة على ما يجري في الخلوات من الأسرار وقليلًا ما يشذ بعض النساء عن ذلك وفي هذه الحالة وصف الله تبارك وتعالى العلاج الناجح لإرجاعهن إلى فطرتين الأولى بقوله: ﴿واللاتي تخافون نشوزهن﴾ عن طاعتكم أو ينسقن وراء عاطفتهن دون مراعاة حقوق الزوجية لواحد
@منحوا العلم والحجى فتعاموا
#عن رؤى الحق وهم فيهم يضاء
@جحدوا ربهم وفي كل شيء
#ما إليه يشير حتى الهباء
@أنكروا خلقه وقالوا بطبع
#وجد الخلق واستمر البقاء
@فمن الماء قد تولد حي
#ومن الحي يستفيض الماء
@هكذا الدهر شأنه من قديم
#وستبقى كذلك الأحياء
@ليت شعري وما هو الماء هذا
#كيف صار التكوين كيف النماء
@لم لا تنسل البويضات جمعاً
#ما هي الرُّوح كيف يأتي الفناء
@ما الذي أوجد التفاوت في الخلق
#وما النور ما هي الظلماء
@ما هو الأصل في التراب وفي الماء
#وفيما قد أخرجت غبراء
@أفلم ينظروا إلى ما علاهم
#من سماء بها النجوم ضياء
@هي للناس في الظلام دليل
#يهتدي دائما إلى حيث شاءوا
يأكل منه لما رُوِيَ عن أبي قتادة أنه صاد حمارًا وحشيًا فأكل منه جمع من المحرمين ثم استفتوا رسول الله في ذلك فقال «هل أشار إليه أحد أن يحمل عليه أو أشار إليه» فقالوا: لا قال «فكلوه» ﴿واتقوا الله الذي إليه تحشرون﴾ بمعنى إياكم أن تكونوا كأصحاب السبت في ارتكاب جريمة الاحتيال على الله في أمر الصيد.
بعد أن أخبر الله المؤمنين بأن تحريمه تعالى لبعض الطيبات إنما هو لاختبار مبلغ طاعتهم لأوامره والعلم بمن يخافه بالغيب ثم أمرهم بعدم قتل الصيد في حال الإحرام أو في أرض الحرم وبين ما يترتب على مخالفة ذلك من عقوبات من شأنها أن تجعل الوحش والطير في مأمن على حياته في تلك الجهة أردف هذا بإخبارهم أنه تعالى قد شرع في الدين أمورًا تأباها طبيعة المسلم الذي لا يرضى الرضوخ لشيء من الماديات ولذا نبه إليها وبين الغاية منها فقال ﴿جعل الله الكعبة﴾ وهي القطعة المكعبة من الأرض في أم القرى التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ﴿البيت الحرام﴾ أي جعلها بيتًا له يستحق الاحترام مع أن الله جل جلاله ليس بشخصية مادية حتى يحويه مكان أو زمان ولكنه تعالى إنما فعل ذلك ليكون ﴿قيامًا﴾ وقرئ «قيمًا» بحذف الألف ﴿للناس﴾ أي معدًا ومهيئًا لهم يعتكفون حوله ويتجهون صوبه ويحجون إليه ويرعون حرمته ليكون موضع أمان لهم فلا يعتدي أحد على آخر فيه كما قال في آية أخرى: ﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا﴾ ﴿والشهر الحرام﴾ أي أن الله قد جعل بعض الأشهر حرامًا ﴿والهدي﴾ أي وحرم الاعتداء على ما يهدى إلى البيت الحرام ﴿والقلائد﴾ وحرم نزع القلائد التي تميز الهدي عن سواه لغاية نبيلة ومقصد سام.
﴿ذلك﴾ أي الجعل ﴿لتعلموا أن الله﴾ جلت قدرته ﴿يعلم ما في السماوات وما في الأرض﴾ من جميع المخلوقات وطبائعهم وعاداتهم وما يحتاجون إليه من وسائل الإصلاح فإنه إذ يعلم أن من طباع العرب قوة الشكيمة والاعتداد بالنفس ألقى في قلوبهم اعتقادًا قويًّا بوجوب تعظيم مناسكه فصار هذا سببًا في حصول الأمن في البلد الحرام والشهر الحرام لتستقيم مصالح معاشهم ولولا ذلك لما أحجموا عن انتهاك حرمة البيت الحرام وأشهره والأعمال التي تؤدي فيه وهم على ما كانوا عليه من جاهلية وغلظة وقتل الأنفس وسلب الأموال ﴿وأن الله بكل شيء عليم﴾ أي ولتعلموا أيضًا أنه تعالى بكل شيء عليم فيكون هذا خير مروض لكم على طاعة الله
ما لا يتفق مع العدل الإلهي ولا يصح نسبته إلى الله ولا يدل عليه سياق الآية الذي يشير إلى أن المقصود من يرد الله ضلاله من المجرمين الظالمين الذين سبق ذكرهم ممن أخذ الله على نفسه عدم هدايتهم وأعلنه في مواضع كثيرة من القرآن بقوله: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ فهؤلاء إذا أراد الله تنفيذ مقتضى سنته في من أصر على الضلال منهم لا يخلي بينه وبين نفسه بل يرأف به ويلوح له بعلامات سنها جل جلاله تشعره بأنه لم يكن على الهدى ليثوب إلى رشده ويقلع عن ضلاله، وقد فصل له تلك العلامات أو السنن بقوله: ﴿يجعل صدره ضيقًا﴾ بتشديد الياء وقرئ بتخفيفها أي أنه يحس بانقباض في صدره عند سماعه لآيات الله ﴿حرجًا﴾ بفتح الراء وقرئ بكسرها أي من شدة الحرج وهو الضيق إذ هو لا يستطيع أن ينكر الحق الواضح ولا أن يكابر فيه كما لا تطاوعه نفسه على التخلي عن معتقداته الفاسدة وما وجد عليه آباؤه فيكون باستثقاله لإجابة الدعوة وشعوره بالعجز عن صدها ﴿كأنما يصعد﴾ بتشديد الصاد والعين أي يتكلف الصعود وقرئ ﴿يصعد﴾ بسكون الصاد مضارع صعد ﴿في السماء﴾ أي كمن يجاهد جهاد المستميت لإدراك ما لا أمل في إدراكه ﴿كذلك﴾ أي بمثل ما ذكر من ضيق الصدر والحرج الذي يشعر به الإنسان في نفسه عند سماعه لآيات الله ﴿يجعل الله الرجس﴾ الرجس في اللغة يطلق على كل ما يسوء أو يستقذر حسًّا أو عقلًا وعرفًا ﴿على الذين لا يؤمنون﴾ أي اقتضت سنة الله أن غير المؤمنين إذا سمع النصح أو الدعوة إلى الحق يشعر بضيق وحرج في صدره فيتأذى منه فمن وجد هذا في نفسه فليعلم أنه على ضلال أما المؤمن فمن شأنه أن يصغي للنصح ويتدبره ويحكم عقله فيه فإن كان الكلام وجيهًا قبله وإلّا رفضه. ﴿وهذا صراط ربك مستقيمًا﴾ أي هذا الطريق إلى الإيمان بالله واضحًا لا لبس فيه ﴿قد فصلنا الآيات﴾ أي الحجج وبينا السنن ﴿لقوم يذكرون﴾ أي يتذكرون ما يعرفونه عن الله وعدله ورحمته فلا ينسبون إلى الله ما يتعالى سبحانه عنه من الاستبداد والظلم ﴿لهم﴾ أي لهؤلاء القوم المتذكرين السالكين صراط ربهم المستقيم دون غيرهم من متبعي سبل الشياطين ﴿لهم دار السلام﴾ أي الدار التي لا شحناء فيها ولا عداء ولا همّ فيها ولا منغصات وهي الجنة ﴿عند ربهم﴾ بسلوكهم صراطه الموصل إليه ﴿وهو﴾ أي الله ﴿وليهم﴾ أي متولي أمورهم وكافيهم ومعينهم ﴿بما كانوا يعملون﴾ أي بسبب ما قدموا من عمل.
تفسيري إلى التوحيد الخالص والحذر من فتن الشيطان ******** شركهم وسوء أعمالهم وتقليدهم لأمثاله في العقائد الفاسدة فأخذ يذيع بين الناس أني من دعاة الوهابية وأني أنكر شفاعة الرسول ﷺ وأتهجم على المسلمين وأحمل ما ورد في حق المشركين وأئمة الكفر على اتباع الفقهاء والأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم وأنه لذلك سيتصدى للرد عليّ وهو يستجدي خيار القوم من المحسنين سليمي النية لمعاونته ماديًا للقيام بهذه المهمة التي يقصد بها وجه الله بزعمه ليحصل من وراء ذلك على منافعه الشخصية التي لا تخفى على الحاذق اللبيب! وفات هذا الإنسان وأشياعه أن مزاعمه هذه لن تنطلي على العقلاء الذين لا يخدعون بالترهات وأباطيل المرتزقة من تجار الدين حتى يتبينوا ما جاء في تفسيري من دعوة خالصة لله ونصح للمسلمين إلى العودة إلى جوهر الإسلام وتجنب ما يغضب الله من الأمور التي كانت سببًا فيما حل بالأمم السابقة وما يزينه الشيطان لهم من الضلال الأمر الذي يشهد لي به كبار القوم ممن اطلع على تفسيري وتدبر معانيه في مختلف أقطار العالم الإسلامي مما هو مدون في آخر كل جزء من أجزاء تفسيري تحت عنوان: «صدى هذا التفسير في مختلف الأوساط» على أني أطمئن هذا الإنسان وأضرابه بأني لن أرد عليه وسأفسح له المجال ليقول ما يريد ويكتب ما يكتب لأني أعلم سلفًا بما لديه من أقوال تلقاها كالببغاء عن ساداته ومشايخه فلا يستطيع أن يخرج عنها ولا سبيل لإقناعه بالحق. فحمل الصخر على الأعناق خير من تفهيم من لا يفهم كما أني أؤكد له أني لا أتأثر في سري من ذلك لأني أعلم أن نقده لم يكن إلا ناشئًا عن سوء فهم لما أقول وغرض كمين في نفسه ولولا ذلك لكان في استطاعته أن يكتب لي باعتراضه لأدرجه في تفسيري وأجيب عنه كما فعل غيره من أفاضل القوم وأنه بتصديه للرد الذي يجمع الدراهم من أجله ليس إلا:
@كناطح صخرة يومًا ليوهنها
#فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وما أنا إلا عبد ضعيف داع إلى الله على بصيرة، وقديمًا طعن الناس على الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وما أبرئ نفسي من الخطأ في بعض الاستنتاجات التي لا تمس العقيدة وربما لا يترتب عليها حكم من الأحكام فجل من لا يخطئ والمجتهد في مثل هذا إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران، والله وحده العالم بالحقائق والكمال له سبحانه وتعالى على أني كثيرًا
#أمر يخالف مقتضى (المادات)
@فلسوف يفلت من قضائهم وكـ
#ـل الشر منبعث من الخفيات
@أنى لهم برقابة كرقابة الـ
#ـمولى على الإنسان في الخلوات
@وعقوبة كعقوبة الخلاق ينـ
#ـذرهم بها من بعد فقد حياة
@فتخيفهم ويحاذون الله خا
#لقهم ومنزل تلكم الآيات
@فيطبقون الأمر فيما بينهم
#ويجانبون الإثم والحرمات
@ويلاحظون العدل في كل الأمو
#ر فيلفظون الظلم لفظ نواة
@ومتى استقام الناس أو هم أنصفوا
#لم يبق من معنى لحكم قضاة
@أفبعد هذا نؤثر الأحكام من
#وضع الورى عن وضع عالي الذات
@ونريد إصلاحًا ولم نرجع لحكم
#إلهنا طوعًا بلا أنفات
@ونبينا أوصى وأخبرنا بأن
#صلاحنا في مقبل الأوقات
@لا يرتجى إلا بما قد أصلح الأسـ
#ـلاف في الماضي من السنوات
بالمسلمين وتيسير صلاة الجماعة على العجزة والضفعاء ومن يحبسهم المطر: ﴿والله يشهد إنهم لكاذبون﴾ فيما زعموه حانثون في يمينهم: ﴿لا تقم فيه أبدًا﴾ النهي عن القيام المطلق يتضمن النهي عن القيام للصلاة بل هي المقصودة فهي التي طلبت منه: ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم﴾ أي أن المسجد الذي كان بناؤه في الأصل لغرض التقوى وتجمع المسلمين فيه للصلاة وطاعة الله وإخلاص العبادة له وهو مسجد قباء: ﴿أحق أن تقوم فيه﴾ من غيره مما يكون بناؤه بقصد الشهرة أو يترتب عليه الوقوع في شيء من المحاذير الأربعة السابقة: ﴿فيه﴾ أي في المسجد الذي أسس على التقوى: ﴿رجال يحبون أن يتطهروا﴾ من ذنوبهم بالاعتكاف فيه وإقامة الصلاة وذكر الله وتسبيحه فهم إنما بنوه لهذا الغرض ولذا فإنهم يعمرونه دائمًا بالعبادة فيخرج ما بني مثلًا بقصد السمعة فإنك ربما لا تجد فيه مصليًا واحدًا: ﴿والله يحب المطهرين﴾ أي المبالغين في الطهارة الروحية بالتوبة بعد الذنب والجسدية بالغسل والوضوء وهم خيار الناس الذين يحسن مصاحبتهم والاجتماع معهم للعبادة فقد رُوِيَ في الحديث أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ للأنصار «إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في طهوركم فما طهوركم هذا» قالوا نتوضأ للصلاة وتغتسل من الجنابة فقال: «فهل مع ذلك غيره» قالوا نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم تتبع الأحجار الماء قال: «هو ذاك فعليكموه» وهنا أراد جل جلاله أن يصور الفارق العظيم بين المؤمنين الذين أقاموا أسس دينهم على قاعدة قوية محكمة وهي معرفة الله والإيمان به إيمانًا ثابتًا يحمل صاحبه على خوف الله وابتغاء رضوانه وبين من يؤمن بالله إيمانًا تقليديًا لا يقوم على أساس تلك المعرفة بحيث يكون عرضة للتأثر بمختلف الشكوك والوقوع في الباطل والنفاق فقال: ﴿أفمن أسس﴾ بالبناء للفاعل وقرئ بالبناء للمفعول: ﴿بنيانه﴾ الذي هو الإيمان: ﴿على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه﴾ أي إيمانه: ﴿على شفا﴾ أي طرف: ﴿جرف﴾ بضم الراء وقرئ بإسكانها وهو الجانب الذي أكله الماء من حافة النهر: ﴿هار﴾ أي متهدم: ﴿فانهار﴾ ذلك الجرف: ﴿به﴾ أي بما بني عليه من الأساس وما فوقه من بناء: ﴿في نار جهنم﴾ والمعنى أن الإيمان لا يكون قائمًا على أساس من العقيدة الصحيحة فإنه معرض للشك والارتياب والوقوع في الكفر والنفاق الذي يؤدي به إلى الاصطلاء بنار جهنم: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي وقد مضت سنته تعالى بتعلق الأعمال بالعقائد فهو لا يهدي إلى العمل الصالح من لم يكن قوي الإيمان بربه موقنًا بوحدانيته في سره وجهره من
@وأنالهم في الحالتين بقدر ما
#فيه صلاحهم على الذات
@والله إن يغلق سبيل الرزق من
#باب ييسره من الكوات
@وإليه يرشدنا ويدعونا إلى
#إتيانه بالسعي والحركات
@وينيلنا بسلوكه آمالنا
#وفقًا لسنة واضع السنات
@وهي التي قد طبقت من قبل في
#أمم خلت في غابر الحقبات
@ليست تبدل دائمًا إذ أنها
#منه كأنظمة لسير حياة
@والسعي مأمور به بل واجب
#وعليه رتب ربنا المنحات
@بل إنه شرط مع الإيمان في
#حسن الأداء لواجب الطاعات
@لمن ابتغى يوم الحساب نجاته
#حقًّا على المولى من الرحمات
@والله أخبرنا بأن مصائب الإ
#نسان كسب يديه لا الصدقات
@من عند أنفسنا نتيجة تركنا
#للسعي أو عن فعلنا الزلات
@والاحتياط كذاك أيضًا واجب
#ومحبذ بالشرع والعادات
وإسحاق صلوات الله عليهم» كما روي عنه أيضًا قوله: «العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر».
﴿وادخلوا من أبواب متفرقة﴾ ولا تظنوا أن هذا كاف لوقايتكم من الهلاك فالحذر لا يمنع القدر أي أن دخولكم جميعًا من باب واحد لا يلزم منه إصابتكم بالعين بل إن تأثير عين الحاسد في المحسود شأنه كشأن الخواص التي أودعها الله في بعض العقاقير لا ينفذ إلا بإرادة الله: ﴿وما أغني عنكم﴾ بنصحي وتدبيري: ﴿من الله من شيء﴾ فليس من حقي إلا أن أنصح بتجنب ما ينبغي اتقاؤه من الأسباب الخفية التي تؤدي إلى الضرر بحسب ما أعرف وهذا لا يرفع عنكم مسئولية البر بعهدكم بممارسة الأسباب التي تحافظون بها على حياة أخيكم: ﴿إن الحكم﴾ بنفاذ تأثير الأسباب في مسبباتها لم يكن في الواقع ونفس الأمر: ﴿إلا لله﴾ مقدرها من الأزل لا بد من نفاذها ومتى شاء عطل مفعولها: ﴿عليه توكلت﴾ أي فوضت أمري إليه ورضيت بما يرضاه: ﴿وعليه فليتوكل المتوكلون﴾ أي فليفوض كل مؤمن إليه أمره ويعتمد عليه في مسعاه وإبلاغه غايته بفضله وكرمه، وحسن هدايته، فنيل المراد وتحقيق الغايات لا يكون إلا بما يمنحه الله لعباده من بقاء الروح في البدن والقدرة على العمل والعون عليه بتذليل الصعاب: ﴿ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم﴾ أي متفرقين غير مجتمعين: ﴿ما كان يغني عنهم من الله من شيء﴾ أي لم يكن ذلك سبيلًا إلى تمكينهم من البر لوالدهم بما عاهدوه عليه: ﴿إلا حاجة في نفس يعقوب﴾ أي إلا أن يعقوب عندما قال ما قال كان يرى في نفسه أن الواجب يقضي عليه ببذل النصح لأبنائه بالأخذ بالاحتياط: ﴿قضاها﴾ أي نصحهم وأراح ضميره: ﴿وإنه لذو علم﴾ أي والحال أنه كان عالمًا بما سيؤول إليه أمر يوسف وإخوته: ﴿لما علمناه﴾ من تأويل الأحلام وما عبر به رؤيا يوسف فلم يمنعه هذا من أخذ العهد على أبنائه بإرجاع أخيهم ودعوتهم إلى الأخذ بالأسباب في حفظه والاحتياط لأنفسهم من الوقوع في المهالك: ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ السر في هذا: السر فيه هو أن يعقوب باعتباره نبيًّا يريد أن يعلم الناس أنه لا ينبغي للإنسان أن يترك الأخذ بالأسباب اعتمادًا على قدرة الله الذي شرع العمل ورتب عليه الجزاء وسبّب الأسباب وبنى عليها النتائج وأوجب الإيمان بأن تدبير الله فوق كل تدبير وعليه سبحانه يجب الاتكال لبلوغ الغايات: ﴿ولما دخلوا على يوسف﴾ للسلام عليه فردًا فردًا: ﴿آوى إليه أخاه﴾ أي أدناه منه وأسر إليه أمرًا خطيرًا:
الله الملائكة بأنهم: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ فلو كان منهم إبليس لما امتنع عن السجود بل لقد صرح الله في سورة الكهف بأنه: ﴿كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾ وقد بسطت رأيي في هذا الموضوع في تفسير سورة البقرة بأن إبليس كان من فصائل الجن أي واحدًا من المخلوقات الخفية التي سمعت أمر الله للملائكة بالسجود فكان عليه أن يسجد معهم باعتباره أحط درجة منهم فقد خلقوا من النور وخلق من النار ومتى أمر الشرفاء بالسجود كان وجوب السجود على العامة من باب أولى ولكنه: ﴿أبى أن يكون مع الساجدين﴾ المأمورين بالسجود من الملائكة: ﴿قال﴾ الله: ﴿يا إبليس ما لك﴾ أي ما حملك على: ﴿ألا تكون مع الساجدين﴾ ممن هم أعلى مقامًا منك: ﴿قال﴾ إبليس: ﴿لم أكن لأسجد﴾ أي لا يصح ولا يليق بي وأنا الذي خلقتني من النار التي هي من أشرف العناصر أن أسجد: ﴿لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون﴾ أي مادة دنيئة ولا يليق بالأشراف أن يسجد لمن يراه في نظره حقيرًا: ﴿قال﴾ الله: ﴿فأخرج منها﴾ أي من السموات التي كان يعيش مع الملائكة فيها: ﴿فإنك رجيم﴾ مطرود من هذا المحيط السماوي: ﴿وإن عليك اللعنة﴾ لأنك خالفت أمري واحتقرت من كرمت واستكبرت عن السجود لمن خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي: ﴿إلى يوم الدين﴾ أي إلى أن يحين وقت العقوبات فلم يكترث إبليس بغضب الله وربما حسب أن أقصى العذاب إنما هو الحرق بالنار وقد خلق من النار ولذلك فإنها سوف لا تؤثر فيه: ﴿قال رب فأنظرني﴾ أي أبقني حيًّا: ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي إلى اليوم الذي يكون فيه العقاب فلم يضن الله عليه بإجابة الدعاء وتحقيق الآمال: ﴿قال فإنك من المنظرين﴾ أي من الذين يبقون لا إلى يوم البعث بل: ﴿إلى يوم الوقت المعلوم﴾ أي المحدد لفناء العالم: ﴿قال﴾ إبليس: ﴿رب بما أغويتني﴾ إذ حكمت عليّ بالرجم واللعنة فلا سبيل إلى الطمع في رحمتك بعد هذا فلم يبق أمامي إلا أن أشركهم معي في العذاب المنتظر و ﴿لأزينن لهم في الأرض﴾ عصيان أوامرك فيبوؤوا بغضبك مثلي: ﴿ولأغوينهم أجمعين﴾ أي لأحملنهم على الغواية وسلوك سبل الضلال.: ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ بفتح اللام وقرئ بكسرها أي إلا الذين تستخلصهم أنت لطاعتك أو الذين أخلصوا لك العبادة وتمكن الإيمان من قلوبهم فلا قدرة لي على غوايتهم: ﴿قال﴾ الله: ﴿هذا﴾ أي الإخلاص: ﴿صراط عليّ مستقيم﴾ أي طريق عليَّ تقديره واستقامته للوصول إلى رضواني بدون اعوجاج فلا
بالمسلمين وتيسير صلاة الجماعة على العجزة والضفعاء ومن يحبسهم المطر: ﴿والله يشهد إنهم لكاذبون﴾ فيما زعموه حانثون في يمينهم: ﴿لا تقم فيه أبدًا﴾ النهي عن القيام المطلق يتضمن النهي عن القيام للصلاة بل هي المقصودة فهي التي طلبت منه: ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم﴾ أي أن المسجد الذي كان بناؤه في الأصل لغرض التقوى وتجمع المسلمين فيه للصلاة وطاعة الله وإخلاص العبادة له وهو مسجد قباء: ﴿أحق أن تقوم فيه﴾ من غيره مما يكون بناؤه بقصد الشهرة أو يترتب عليه الوقوع في شيء من المحاذير الأربعة السابقة: ﴿فيه﴾ أي في المسجد الذي أسس على التقوى: ﴿رجال يحبون أن يتطهروا﴾ من ذنوبهم بالاعتكاف فيه وإقامة الصلاة وذكر الله وتسبيحه فهم إنما بنوه لهذا الغرض ولذا فإنهم يعمرونه دائمًا بالعبادة فيخرج ما بني مثلًا بقصد السمعة فإنك ربما لا تجد فيه مصليًا واحدًا: ﴿والله يحب المطهرين﴾ أي المبالغين في الطهارة الروحية بالتوبة بعد الذنب والجسدية بالغسل والوضوء وهم خيار الناس الذين يحسن مصاحبتهم والاجتماع معهم للعبادة فقد رُوِيَ في الحديث أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ للأنصار «إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في طهوركم فما طهوركم هذا» قالوا نتوضأ للصلاة وتغتسل من الجنابة فقال: «فهل مع ذلك غيره» قالوا نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم تتبع الأحجار الماء قال: «هو ذاك فعليكموه» وهنا أراد جل جلاله أن يصور الفارق العظيم بين المؤمنين الذين أقاموا أسس دينهم على قاعدة قوية محكمة وهي معرفة الله والإيمان به إيمانًا ثابتًا يحمل صاحبه على خوف الله وابتغاء رضوانه وبين من يؤمن بالله إيمانًا تقليديًا لا يقوم على أساس تلك المعرفة بحيث يكون عرضة للتأثر بمختلف الشكوك والوقوع في الباطل والنفاق فقال: ﴿أفمن أسس﴾ بالبناء للفاعل وقرئ بالبناء للمفعول: ﴿بنيانه﴾ الذي هو الإيمان: ﴿على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه﴾ أي إيمانه: ﴿على شفا﴾ أي طرف: ﴿جرف﴾ بضم الراء وقرئ بإسكانها وهو الجانب الذي أكله الماء من حافة النهر: ﴿هار﴾ أي متهدم: ﴿فانهار﴾ ذلك الجرف: ﴿به﴾ أي بما بني عليه من الأساس وما فوقه من بناء: ﴿في نار جهنم﴾ والمعنى أن الإيمان لا يكون قائمًا على أساس من العقيدة الصحيحة فإنه معرض للشك والارتياب والوقوع في الكفر والنفاق الذي يؤدي به إلى الاصطلاء بنار جهنم: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي وقد مضت سنته تعالى بتعلق الأعمال بالعقائد فهو لا يهدي إلى العمل الصالح من لم يكن قوي الإيمان بربه موقنًا بوحدانيته في سره وجهره من
حتى اضطر الرسول ﷺ إلى التنكيل بهم وإجلائهم عن المدينة المنورة: ﴿مَّا هُم﴾ أي المنافقون: ﴿مِّنكُمْ﴾ أيها المؤمنون لأنهم لم يعتنقوا الإسلام عن عقيدة ثابتة وإيمان صحيح بالله يجعلهم يعتمدون على الله الاعتماد كله ويبذلون كل مرتخص وغال في سبيل مرضاته ولا يخافون غيره ولا يرتجون الخير من سواه: ﴿وَلا مِنْهُمْ﴾ أي وليسوا من اليهود لأنهم أيضًا لا يدينون بدينهم ولا يعتقدون أنهم على الحق فهم والحالة هذه لا دين لهم وإنما هم يعبدون المادة ولا يهمهم إلا أن يعيشوا في الحياة آمنين على أنفسهم وأموالهم وينعمون بلذائذ العيش وأنواع الشهوات: ﴿وَيَحْلِفُونَ﴾ بالله: ﴿عَلَى الْكَذِبِ﴾ أنه حقيقة: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنه كذب بمعنى أنه ليس لله حرمة وجلال عندهم فلا يخافون من نقمته وبأسه ولو كانوا ممن يؤمن بعظمة الله لما جرؤوا على القسم بذاته العلية في أمر يشكون في صحته فضلًا عن أن يعلموا بأنه من مفترياتهم: ﴿أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ في الدنيا لا يعرف كنهه غيره سبحانه وتعالى ولعل المراد به عذاب البرزخ بعد الموت وقبل البعث: ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي من مخادعة المؤمنين وموالاة أعداء الله وعدم الاكتراث بمقام الألوهية العظيم: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ بفتح الهمزة أي الحلف بالله وقرئ بكسرها أي تظاهرهم بالإيمان: ﴿جُنَّةً﴾ أي سترًا يخفون وراءه ما يضمرون من نفاق وكيد للإسلام: ﴿فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ بإلقاء الشبهات في القلوب ودس السموم في المعتقدات وتشكيك المؤمنين في دينهم وإضعاف ثقتهم بربهم: ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يوم القيامة: ﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا﴾ بمعنى لا ينفعهم إلا ما قدمت أيديهم من عمل صالح: ﴿أُوْلَئِكَ﴾ المنافقون: ﴿أَصْحَابُ النَّارِ﴾ أي الذين يستحقون دخولها بما اقترفوا من السيئات: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لأن الله جلت قدرته قد أنذرهم بهذا ولا عذر بعد الإنذار: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا﴾ ليناقشهم الحساب في كفرهم ونفاقهم: ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ أنهم كانوا من المؤمنين به: ﴿كَمَا﴾ كانوا: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ في الدنيا: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ من الإيمان لأنهم كانوا ينطقون بكلمة الشهادة أو لمجرد انتسابهم لدين الإسلام وإقامة شعائره في الظاهر وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «وإن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار».
﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ الذي يختلقون ما يقولون ولا يخجلون: ﴿اسْتَحْوَذَ﴾ أي استولى: ﴿عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ وتحكم فيهم فأطاعوه: ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ﴾ عند ارتكابهم تلك السيئات فلم يذكروا أن
سورة القلم
﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (٢٢) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١) عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (٥٢)﴾
عَذَابًا}: أي فلا تنتظروا التخفيف عنكم لأن هذا ما لم يكن يخطر لكم على بال في حياتكم الدنيا: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾: الذين يؤمنون بالغيب ويثقون بصحة البعث ويخوفون من هوله فيعلمون بما ينجيهم من عذاب الله في الآخرة.: ﴿مَفَازًا﴾: منجاة من العذاب ولهم أيضًا أنواع الملذات: ﴿حَدَائِقَ﴾: جميع حديقة وهي كل بستان ممتلئ بالأزهار والرياحين: ﴿وَأَعْنَابًا﴾: أي أشجارًا مثمرة مظللة: ﴿وَكَوَاعِبَ﴾: جمع كاعب هي الفتاة التي تكعب ثديها ولم يتدل.: ﴿أَتْرَابًا﴾: متساوية في العمر والقد.: ﴿وَكَأْسًا﴾ من خمر لذلة للشاربين: ﴿دِهَاقًا﴾: أي ممتلئة طافحة: ﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾: من القول: ﴿وَلا كِذَّابًا﴾: أي أحاديث مكذوبة بل كل ما يسمعه الإنسان فيها حق: ﴿جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ﴾: على أعمالهم من غير بخس ولا نقصان: ﴿عَطَاءً حِسَابًا﴾: أي منة من الله تتكافأ مع عمل الإنسان وتربو عليه إذ هو: ﴿رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾: أي أنه تعالى سيجزي من يستحق الجزاء ويرحم من يستحق الرحمة ويعدل كل العدل بما لا يدع مجالًا لمتكلم في أمر من الأمور.: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾: من عالم القوى.: ﴿وَالْمَلائِكَةُ﴾: من الذوات غير المنظورة.: ﴿صَفًّا﴾: واحدًا.: ﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ﴾: إجلالًا لمقام الله وخضوعًا بين يديه: ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ﴾: من جميع أهل السموات والأرض بالكلام فضلًا منه وكرمًا.: ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾: والصواب في ذلك الوقت هو الاعتراف بالعدل الإلهي ورحمة الله الواسعة وطلب المزيد منها.: ﴿ذَلِكَ﴾: يوم القيامة هو: ﴿الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾: الذي تنجلي فيه الحقائق وتنكشف الضمائر بخلاف أيام الدنيا التي كانت فيها أحوال الخلق مكتومة، وضمائرهم غير معلومة: ﴿فَمَن شَاءَ﴾ لنفسه النجاة: ﴿اتَّخَذَ﴾: في حياته الدنيا.: ﴿إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾: أي مرجعًا إلى الله بالتوبة والندم والعمل الصالح.: ﴿إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ﴾: يا عباد الله: ﴿عَذَابًا قَرِيبًا﴾: بالنسبة لكم لا يفصل بينكم وبينه غير الموت، وهو أقرب ما يكون منكم مهما عمرتم.
﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾: من جميع الأقوال والأفعال مسجلًا عليه طبق الأصل أشبه بشريط تسجيل الصوت والصور السينمائية فلا يستطيع أحد أن يجحد شيئًا منها أبدًا: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ﴾ عند ذلك: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ أي لم أكن حيًا مكلفًا فلم أحاسب ولم أنل ثوابًا ولا عقابًا.
سورة النازعات