السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ (١٢٩) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٤١) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (١٤٣) قَدْ نَرَى
﴿إن الله غفور﴾ لمن خارت قواه وأشرف على الموت من الجوع فلم يعرف القدر الذي يمسك به الرمق وبقي من الهلاك فأكل حتى شبع ﴿رحيم﴾ بعباده حيث حرم عليهم الضار ثم أباحه لهم في حال الضرورة لينفي الحرج والعسر عنهم.
وبعد أن بين الله للمؤمنين الحلال والحرام من المأكولات أخذ يبين لهم ما حرم عليهم من الأقوال والأفعال، فحذرهم أولًا من تغطية الحقائق وكتمان ما أنزل الله جريًا وراء المادة أو حرصًا على مصلحة ذاتية حيث قال ﴿إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب﴾ أي يخفون شيئًا مما أنزل الله في كتابه فلا يبلغونه للناس أو يخفون معناه عنهم بتأويله أو تحريفه أو وضع غيره موضعه برأيهم مع علمهم بالحقيقة ﴿ويشترون به﴾ أي لينالوا مقابل ذلك الكتمان ﴿ثمنًا قليلا﴾ أي عوضًا ضئيلًا وعرضًا زائلًا من متاع الدنيا الفاني كالرشوة والجعل على الفتاوى الباطلة مما لا قيمة له في جانب ما يفقد آخذه من سعادة الدارين وراحة الضمير في الدنيا ﴿أولئك﴾ الكاتمون لكتاب الله والمتجرون بدينه الحق ﴿ما يأكلون في بطونهم إلا النار﴾ فلا يعود عليهم ما أدخلوه في بطونهم ثمنًا لذلك إلا بدخولهم النار ﴿ولا يكلمهم الله يوم القيامة﴾ أي أنه سيعرض عنهم في ذلك اليوم غضبًا عليهم ﴿ولا يزكيهم﴾ لأنهم لم يراقبوا الله في أعمالهم ﴿ولهم عذاب أليم﴾ يتكافأ مع ما أشاعوه من باطل، وما نشروه من سوء بسبب كتمانهم هذا أو اتجارهم بدين الله ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ لا غرو إذا كان عذابهم أليمًا فإنهم الذين أحلوا الضلالة محل الهدى فكانوا سببًا لإضلال الناس وعليهم تقع تبعة ضلالهم ﴿والعذاب بالمغفرة﴾ أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم العذاب بدلًا من المغفرة لأنهم كانوا على علم بأن عملهم هذا سيؤدي إلى العذاب فآثروه على طلب الغفران عن طريق الجهر بالحق ﴿فما أصبرهم على النار﴾ أي فما الذي حملهم ودعاهم على الإقدام على عمل يعرضون به نفوسهم دون مبالاة لتحمل عذاب النار يوم القيامة وكان بوسعهم أن يقلعوا عنه فيتقوا بذلك نار جهنم ﴿ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق﴾ أي وذلك الحكم الذي صدر بشأنهم بسبب أن الله نزل الكتاب لإقامة العدل بين الناس فكانوا بعملهم هذا أداة لمحاربته
وبمناسبة هذا التهديد الموجه إلى الظالمين. ولما كان الإنفاق العلني قد يداخله شيء من أنواع الظلم كالرياء والمن والأذى. أراد سبحانه وتعالى أن يبين الحكم في ذلك فقال (إن تبدوا الصدقات فنعمًا) بكسر النون والعين وقرئ بفتح النون وكسر العين وقرئ بكسر النون وسكون العين (هي) وخيرًا ما فعلتم لما في ذلك من أداء للطاعة وتحدث بنعمة الله وحث للغير على المتابعة والاقتداء، ولا يحط من قيمة تلك الصدقات ولا يقلل من ثوابها إظهارها للناس لأن المؤمن في هذه الحالة إنما يؤدي أمرًا مطلوبًا منه فلا عبرة بمداخل الشيطان فيه وإلا تعذر قيام أحد بما يجب عليه من فروض كلها محل للاشتباه (وإن تخفوها) زيادة في الاحتراز (وتؤتوها) في حال إعطائها (الفقراء) عمومًا سواء كانوا مسلمين أم كفارًا (فهو خير لكم) لأن في ذلك ابتعادًا عن كل شبهة وتحرزًا من وساوس الصدر (ويكفر) الله في الحالتين بمعنى يمحو أو يستر وقرئ «نكفر» بضم النون والراء وسكون الراء وقرئ «تكفر» بضم التاء وسكون الراء وبضم التاء والراء (عنكم من سيئاتكم) بسببها متى كانت خالصة لوجه الله وسلمت من كل ما نهيتم عنه إذ العبرة بالمقاصد (والله بما تعملون) من عمل بدني أو قلبي (خبير) لا تخفى عليه الحقائق.
وعلى ذكر الصدقة وإيتائها الفقراء على العموم – وقد كان النبي ﷺ يتحرج من إعطائها لغير المؤمنين – أنزل الله قوله (ليس عليك) أيها الرسول (هداهم) أي أولئك المشركون الذين أردت حرمانهم من الصدقات لأنهم لم يؤمنوا بدينك الحق فإنك لم تؤمر بواجب الدعوة إلى الله إلا في حدود الحكمة والموعظة الحسنة، فليس لك أن تتعدى ذلك إلى حملهم على الإيمان قهرًا بالتضييق عليهم وحبس الرزق عنهم وحرمانهم من الصدقات (ولكن الله) قد قضت مشيئته أن يحيل هذا الأمر – وهو الهدى – إلى الناس أنفسهم ولهذا أنزل الكتب وأرسل الرسل ليبين لهم طريق الخير والشر وينبههم إلى ما ينفعهم وما يضرهم وأخذ على نفسه جل وعلا أن (يهدي) بالقرآن أو سواه (من يشاء) الهداية لنفسه.
ذهب المفسرون عمومًا إلى أن الضمير في يشاء عائد إلى الله وهذا مخالف لقواعد اللغة العربية التي تقتضي بإعادة الضمير إلى أقرب مذكور وهو هنا اسم الموصول. والمعنى أن الله قد قطع على نفسه عهدًا أن يهدي كل من يطلب لنفسه الهداية ويسلك السبيل إليها من الإيمان وتدبر آيات القرآن
لظلوا مشردين في الآفاق ﴿و﴾ السبب الثاني لأنهم ﴿باءوا بغضب من الله﴾ ومن غضب الله عليه لا يمكن أن ينصره على من يحبه جل وعلا ﴿و﴾ السبب الثالث لأنهم ﴿ضربت عليهم﴾ من الله ﴿المسكنة﴾ حرموا من العزة النفسية، ذلك لأن عزتهم إنما تعتمد على ما قد يكون لديهم من وسائل القوة المادية فحسب بخلاف المؤمنين فإن عزتهم تستند إلى القوة الروحية الموجودة فيهم عن طريق صلتهم بالله الذي وعدهم بالعزة فلن يذلوا ما تمسكوا بوعده وأطاعوا أمره بإعداد ما استطاعوا من القوى المادية ﴿ذلك﴾ ما ذكر من أسباب عدم نصر الله لهم ﴿بأنهم﴾ بسبب أنهم ﴿كانوا﴾ من قبل ﴿يكفرون بآيات الله﴾ ويناصبونه العداء ﴿ويقتلون الأنبياء﴾ الذين كانوا يدعونهم إلى الهدى ﴿بغير حق﴾ سبب موجب لذلك القتل إلا أنهم كانوا رسلاً من عند الله ﴿ذلك﴾ ما أصابهم من نقم الله ﴿بما عصوا﴾ أي هو نتيجة العصيان ﴿وكانوا يعتدون﴾ وجزاء الاعتداء على الحقوق، وأهمها حقوق الله.
بعد أن أخبر الله أن أهل الكتاب منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون عقب على ذلك بما يشير إلى أن المؤمنين على الإطلاق لا يستوون في الدرجة لمجرد الإيمان، بل يمتاز بعضهم عن بعض بالعمل الصالح حيث قال ﴿ليسوا﴾ أي المؤمنون بالله ﴿سواء﴾ في درجة واحدة، فإن ﴿من أهل الكتاب﴾ وهو عام يشمل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ﴿أمة قائمة﴾ ثابتة في عقيدتها اتصفت بخمس صفات: الأولى أنهم ﴿يتلون آيات الله﴾ تلاوة تدبر ﴿آناء الليل﴾ في خشوع وسكينة ﴿وهم﴾ من تأثير تلك الآيات في قلوبهم ﴿يسجدون﴾ لله لا يفترون كناية عن دوام الطاعة. والصفة الثانية أنهم ﴿يؤمنون بالله﴾ حق الإيمان ويعرفونه كمال المعرفة ويحبونه وافر الحب ويحمدونه فائق الحمد، فيأتمرون بأمره وينتهون عن معاصيه ويرجون ثوابه ويخشون عقابه ﴿واليوم الآخر﴾ فيتزودون له بصالح الأعمال في هذه الحياة. ﴿و﴾ الثالثة أنهم ﴿يأمرون﴾ كل من قدروا عليه ﴿بالمعروف﴾ وهو ما أمر الله به. ﴿و﴾ الصفة الرابعة أنهم ﴿ينهون﴾ الناس أجمعين بكل ما يستطيعون ﴿عن المنكر﴾ وهو ما حرمه الله عليهم ﴿و﴾ الصفة الخامسة أنهم ﴿يسارعون﴾ يجدّون برغبة ﴿في﴾ عمل ﴿الخيرات﴾ حرصًا على الحصول على أكبر قسط منها قبل فوات الأوان بدنو الآجال ﴿وأولئك﴾ من توفرت فيهم هذه الصفات هم عند الله ﴿من الصالحين﴾ لنيل درجة الكمال الإنساني ومرتبة المقربين إليه سبحانه وتعالى الذين سيغدق عليهم سبحانه من وافر نعمه أضعاف ما يستحقون، أما غيرهم ممن
وبرضاك من سخطك»، فلو كان مس امرأة حدثًا لما مضى في سجوده، وهاتان الحالتان لبيان حكم الحدث والجنابة وما فيها حكمها كالحيض والنفاس في حال عدم الماء كما كان أول الآية لبيان لحكمها في حال وجوده ولولا ذاك لما كان في القرآن دليل على أن التيمم يجزء عن الغسل، وليس موضوع الآية في بيان تفصيل الأحداث حتى يحمل اللمس على المس باليد وإلا لسرد جميع موجبات الوضوء، ولأجل أن يمرن الله عباده على المواظبة ودوام النظافة والطاعة ولا يجعل لهم سبيلًا لتكاسل فيها بمختلف الأعذار يسر الله لهم الأمر بقوله: ﴿فتيموا صعيدًا طيبًا﴾ أي فاقصدوا الأرض الطاهرة التي خلقتم منها والتي لا تكاد تفقد في جميع البلاد والأوقات، وخشية أن يفهم الناس من هذا أن المراد استعماله بمثل ما كانوا يستعملون الماء بمسح أعضاء الوضوء أو التمرغ فيه في حالة الجنابة مع اختلاف خصائصها فالماء يبعد الأوساخ والتراب يجلبها أوضح الله المراد من التيمم بقوله ﴿فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾ منه أي يكتفى في استعماله بالقدر الذي يؤدي الغاية من الوضوء والغسل من إظهار الطاعة والحرص على المواظبة في أداء واجبات الوضوء والغسل أو ما ينوب عنهما بل ويفوق عن ذلك بإبداء منتهى الخضوع والتذلل إليه بتغبير الوجه واليدين إلى الكوعين بالتراب ـ كما ثبت بتعليم رسول الله عمار بن ياسر ـ ابتغاء مرضاة الله دون أن يكون عليكم مشقة في ذلك ﴿إن الله كان عفوًّا غفورًا﴾ للمذنبين ومن كان هذا شأنه مع العصاة لا جرم أن يخفف أحكامه على الطائعين ليسهل لهم سبيل إتيان عبادتهم بما يشرعه لهم من الرخص في حالة التكليف ولذا قال ﷺ «إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره أن تؤتى معصيته».
وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ (٢٠) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٢٣) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ
منهم} ﴿إن هذا﴾ الذي جئت به من البينات ﴿إلا سحر﴾ يأخذ بالألباب فيخيل لمن سمعه أنه حقيقة وما هو إلا تمويه وتخييل. وقرئ «ساحر» أي قالوا عنك إنك ساحر ﴿مبين﴾ أي ظاهر لا جدال فيه بزعمهم ومن أجل هذا هموا بقتلك وصلبك.
﴿و﴾ النعمة السادسة: ﴿إذ أوحيت﴾ الوحي في اللغة الإشارة السريعة الخفية. وأطلق في القرآن على ما يلقيه الله في نفوس الأحياء من الإلهام كقوله تعالى: ﴿وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا﴾ وقوله: ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم﴾ وهكذا أوحى الله ﴿إلى الحواريين﴾ والحواريون جمع حواري وهو المخلص في وده سرًّا وجهرًا ﴿أن آمنوا بي وبرسولي﴾ عيسى ابن مريم ﴿قالوا﴾ لك ﴿آمنا﴾ بالله ورسوله ﴿واشهد﴾ أيها الرسول ﴿بأننا مسلمون﴾ منقادون لأوامرك دون أن تجهد نفسك بدعوتنا للإيمان أو تقيم الأدلة على رسالتك. وقد حكى الله عنهم أنهم عندما سمعوا قول عيسى ﴿من أنصاري إلى الله﴾ قالوا: ﴿نحن أنصار الله﴾.
﴿و﴾ النعمة السابعة: ﴿إذ قال الحواريون﴾ بعد إسلامهم ﴿يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك﴾ وقرئ «تستطيع ربك» بتاء الخطاب ونصب الباء أي هل تقدر أن تسأل ربك ﴿أن ينزل﴾ بفتح النون وتشديد الزاي وقرئ بإسكان النون وتخفيف الزاي ﴿علينا مائدة من السماء﴾ وهذا قول يتنافى مع الإيمان الكامل ولذا أنكره عليهم عيسى عليه السلام حيث ﴿قال اتقوا الله﴾ أيها الحواريون المخلصون ﴿إن كنتم﴾ حقًّا ﴿مؤمنين﴾ بالله وعظيم قدرته ﴿قالوا﴾ لقد آمنا بالله من تلقاء أنفسنا وأشهدناك على إسلامنا ونحن لا نشك في أساس القدرة الإلهية وإنما الذي نبحث عنه هو هل في الإمكان، بحسب الحكمة الإلهية، أن يغير الله سننه وينزل لنا من السماء مائدة عليها طعام مطبوخ دون أن يكون لنا دخل في إعداده فنحن ﴿نريد أن نأكل منها﴾ لأننا جائعون ولا نستطيع الانتظار حتى نعد لأنفسنا طعامًا ﴿وتطمئن قلوبنا﴾ بأنه سبحانه وتعالى لا يعارض في تغيير السنن وتعطيل الأسباب متى أراد ﴿ونعلم أن قد صدقتنا﴾ ما وعدتنا به من استجابة الله للدعاء ولو كان من خوارق العادات ﴿ونكون عليها من الشاهدين﴾ أي لنشهد أمام الناس أننا طلبنا من الله إنزال المائدة فأنزلها وأكلنا منها فعلًا، الأمر الذي يحمل الجاحدين على تصديقنا والإيمان بالله عن قناعة ويقين كامل ﴿قال عيسى ابن مريم﴾ عندما وضحت له مقاصدهم
كل الإبل زوجين ومن البقر زوجين ﴿قل آلذكرين حرم﴾ الله عليكم الانتفاع بها بما أحله الله من الحمل والأكل فجعلتم منها سائبة وبحيرة ووصيلة وحام ﴿أم الأنثيين﴾ من كل نوع ﴿أما ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين﴾ أي أم الأجنة من كليهما ﴿أم كنتم شهداء إذا وصاكم الله بهذا﴾ أي أم هل سمعتم وصية ربكم بأنفسكم وهذا منتهى التهكم فهم ينكرون الرسالة بمثل قولهم ﴿ما أنزل الله على بشر من شيء﴾ فما دامت الرسالة غير ثابتة لديهم وهم أنفسهم لم يسمعوا التحريم من الله مباشرة فمن أين جاؤوا بالتحريم وكيف يرضخون لأمر لا حقيقة له وما هو إلا محض افتراء على الله بحكم العقل والمنطق السليم ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا﴾ بتحريم ما لم يحرمه وشرع ما لم يشرعه ﴿ليضل الناس بغير علم﴾ يحملهم على اتباعه فيه على زعم أنه من الله ولا دليل له على ذلك ﴿إن الله﴾ قد قضى في دستوره السماوي أنه تعالى: ﴿لا يهدي﴾ إلى الحق والصواب ﴿القوم الظالمين﴾ الذين يستعملون عقولهم في غير ما خلقت له من التفكر في خلق الله وتدبر آياته للاستدلال بذلك على وحدانية الخالق والعمل وفق إرشاداته.
بعد أن قررت الآيات السابقة أن الله الذي أنشأ سائر الأشجار والأنعام لصالح الإنسان هو وحده صاحب الحق في التحليل والتحريم وليس لأحد أن يحرم شيئًا من الأطعمة على عباده وأن ما ينسبه المشركون إلى الله من تحريم بعض الحرث والأنعام ما هو إلا محض افتراء عليه وتعد على مقام الربوبية وكل من يتقرب إلى غير الله بشيء من ذلك يعد شركًا بالله عز وجل، ولأجل أن يقطع الله الطريق على كل من تراوده نفسه بتحريم شيء من ذلك أمر رسوله أن يعلن للملأ حصر المحرمات من الأطعمة في أربعة أنواع وبين العلة في تحريمها وما عداها فهو حل ومن زاد عليها شيئًا ونسبه إلى الله فهو مفتر أثيم ولما كان التحريم من الله لا يأتي إلا عن طريق الوحي قال تعالى: ﴿قل﴾ أيها الرسول للناس أجمعين ﴿لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة﴾ بالنصب وقرئ «إلا أن تكون ميتة» بتاء التأنيث مع رفع ميتة أي بهيمة ماتت بغير تذكية ﴿أو دمًا مسفوحًا﴾ أي مصبوبًا سائلًا مما يجري في العروق فيخرج الدم المتجمد كالكبد والطحال ﴿أو لحم خنزير فإنه رجس﴾ ذهب أغلب المفسرين إلى أن الضمير في ﴿فإنه﴾ عائد إلى لحم الخنزير وأن معنى الرجس القذر والنجس الذي تعاف أكله الطباع السليمة واستدلوا بهذا على أن نجاسته عينية حتى قال بعضهم بنجاسة شعره وهذا أمر يكذبه الواقع فلحم الخنزير من أجمل اللحوم منظرًا ولا يعافه إلا من يعتقد حرمته من المسلمين
البيوت انتشارًا مريعًا يقض مضاجع الناس بنقيقها الذي يذكر بالله مرسلها حتى ضجر فرعون نفسه من هذا وطلب من موسى أن يشفع له عند ربه برفع الضفادع فأجابه إلى ذلك كما جاء في أول الفصل الثامن من سفر الخروج حيث قال (١٣) ففعل الرب كما قال موسى وماتت الضفادع من البيوت والأقبية والحقول (١٤) فجمعوها أكوامًا وأنتنت الأرض منها ﴿والدم﴾ وهو دم كان يجده المصريون في الجمادات كالخشب والحجارة في كل مكان فينغص عليهم عيشهم مما يشعرهم بقدرة الله على فعل العجائب وخرق العادات ﴿آيات مفصلات﴾ أي أن هذه الآيات الخمس أدلة واضحة قاطعة من شأنها أن تحمل الناس على الرجوع إلى الله بطلب رفعها عنهم فلا قدرة لمخلوق أن يسيطر على ذلك ومع هذا وبالرغم من طلب فرعون نفسه من موسى أن يشفع له عند ربه بطلب رفع الضفادع ورفعها سبحانه فعلًا أصر القوم على عنادهم ﴿فاستكبروا﴾ عن الخضوع لأوامر الله والاعتراف برسالة موسى عليه السلام ﴿وكانوا قوما مجرمين﴾ ********* ومستحقين لما يترتب عليه من عقاب بحسب سنن الله التي مرت بقوم عاد وثمود ﴿ولما وقع عليهم الرجز﴾ وهو العذاب قالت السيدة عائشة إنه الطاعون وروى مسلم «الطاعون آية الرجز يبتلي به الله عز وجل أناسًا من عباده» وهو آخر المصائب التي رمى الله بها قوم فرعون واضطرتهم إلى اللجوء إلى موسى أجمعين ﴿قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل﴾ على أنه جاء في التوراة أن فرعون كان يقول لموسى عند نزول كل مصيبة ادع لنا ربك واشفع لنا عنده ويعده بأن يرسل معه بني إسرائيل ليعبدوا ربهم ثم ينكث ﴿فلما كشفنا عنهم الرجز﴾ أي فلما كشف الله عنهم العذاب في هذه المرة أيضًا ﴿إلى أجل هم بالغوه﴾ أي الوقت الذي حدده الله لذلك العذاب وارتفع عنهم ﴿إذا هم ينكثون﴾ أي ينقضون عهدهم فلا يؤمنون ولا يسمحون لبني إسرائيل بالهجرة من بينهم ولذلك قال تعالى: ﴿فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم﴾ أي أنه لما كثر نقضهم للعهد قال تعالى: ﴿ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسا لا تخاف دركًا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده﴾ ﴿فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين﴾ ذلك {بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها
المستعد لمقاومة المعتدين بالقوة فقلما يعتدي عليه أحد: ﴿وإن جنحوا للسلم﴾ بكسر السين وقرئ بفتحها هو بمعنى السلام ضد الحرب أي إن مالوا عن جانب الحرب إلى جانب السلم خلافًا لما عهد من أحوال الطغاة والأقوياء ولم يحاولوا التحرش بك والعدوان على حدودك: ﴿فاجنح لها﴾ أيها الرسول وكل من اتبعك من المؤمنين لأن الإسلام دين السلم والسلام، بمعنى سر في طريقك بالاستعداد والحيطة والحذر ولا تطمع في الاعتداء على أرضهم بما لديك من قوة العتاد ولا تكن بادئًا بالقتال بل التزم جانب الدفاع: ﴿وتوكل على الله﴾ أي فوض أمرك إليه تعالى: ﴿إنه هو السميع﴾ لما يتخذونه من قرارات ضدك: ﴿العليم﴾ بما يدبرونه من المكائد لك وسيكفيك شرهم وأذاهم ويحبط مكرهم إنه على كل شيء قدير، ثم بين الله حكم الفريق الثالث بقوله: ﴿وإن يريدوا﴾ أي أولئك الذين لم يصالحوك ولم يناصبوك العداء والحرب أو نافقوا لك ولأعدائك: ﴿أن يخدعوك﴾ بقولهم إننا قوم مسالمون حياديون أو مسلمون وهم منافقون: ﴿فإن حسبك الله﴾ أي لا تصر على أن يحددوا موقفهم حيالك بل فوض أمرهم إلى العليم بما يبيتون من مكر وخداع وسيكفيكهم الله بتأييده الرباني قياسًا على ما مضى إذ: ﴿هو الذي أيدك بنصره﴾ بأسباب خفية لم تكن تخطر لك على بال كتثبيت الملائكة للمؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين: ﴿وبالمؤمنين﴾ الذين جمعهم الله حولك ولولا تسخيرهم لك لما قاتلوا في صفك: ﴿وألف بين قلوبهم﴾ أي وهو الذي وضع الألفة والمحبة في قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج من الأنصار بعد ما كان بينهم من العداء المستحكم من سنين طوال: ﴿لو أنفقت ما في الأرض جميعًا﴾ أي كل ما تصل إليه يدك من مال: ﴿ما ألفت بين قلوبهم﴾ ذلك لأن بذل الأموال وسائر المنافع الدنيوية لا تكفي لإيجاد الألفة وغرس المحبة في قلوب الناس: ﴿ولكن الله ألف بينهم﴾ عن طريق الإيمان بالله الذي دعوتهم إليه واتحادهم في العقيدة والمبدأ والغاية، وهذا هو السبيل الوحيد لإيجاد الحب في القلوب ولولا هذا التآلف القلبي بين المؤمنين لما تضامن المؤمنون ولما تم لك النصر على أعدائك: ﴿إنه عزيز﴾ لا يذل من توكل عليه: ﴿حكيم﴾ بما أخبر به من تأييد نبيه بالأسباب الخفية والمادية ليشعر المؤمنين بما تقتضيه سننه ولولا ذلك لاعتمدوا على أحدهما دون الآخر وذلك هو الضلال المبين.
بعد أن بين الله لرسوله ما يجب اتباعه في معاملة الكافرين بتقسيمهم إلى ثلاث فرق وأمره بأن يفي بعهد من عاهده ويستعد لقتال من يقاتله ويسالم من يسالمه ويفوض إلى الله أمر المخادعين
سورة براءة قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة».
تعليق على براءة
لئن كانت معاهدة الحديبية فتحًا مبينًا سياسيًا من الله لنبيه ﷺ فإن ما أوحى به تعالى إليه من سورة براءة لينذر به المشركين يوم الحج الأكبر ليعد فضلًا عظيمًا منه على عبده إذ وضع له الأسس التي يجب أن تقوم عليها دولته وتصان بها شريعته وتعلو في الخافقين دعوته وتسود بين الأمم أمته. فالله سبحانه وتعالى الخالق للسموات والأرض وما فيهن والمالك لجميع العوالم المنظورة وغير المنظورة قد أراد بالناس خيرًا فاختار من بينهم رسلًا يدلونهم عليه ويحببونهم فيه ويدعونهم لطاعته لينالوا حسن رضائه وعظيم ثوابه وكان آخر أولئك الرسل محمد بن عبد الله ﷺ الذي جاء بالحق بشيرًا ونذيرًا وأرسل لعباد الله أجمعين.
وكانت مهمة هذا الرسول متجهة إلى دعوة الناس إلى معرفة الله والاعتراف بوحدانيته والتصديق برسالته عنه للعمل بما يدعوهم إليه من طاعته وفق دستور خاص أوحى به إليه رب العزة وهو «القرآن» نظام كامل وضعه الله على وفق ما يعلمه أزلًا من أحوال خلقه بما يصلح شئونهم ويضمن سعادتهم وهناءهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة التي عميت عليهم أخبارها وهو تعالى أعلم بها وبما أعده فيها من نعيم مقيم للطائعين وعذاب أليم للمكذبين.
ولقد كان حجر الزاوية فيما يدعو إليه الرسول هو العقيدة بوجود الله والإيمان الكامل بما جاء من عنده عن طريق رسله من أمور محسوسة وغير محسوسة وأحكام واضحة الغاية أو غير واضحة ومن أجل هذا عمل رسول الله ﷺ على تثبيت العقيدة في قلوب كل من آمن به بمختلف الوسائل حتى أشربت بها نفوسهم واختلطت بدمائهم وأصبحوا ولا قوة في العالم تستطيع أن تزحزحهم عنها.
لقد آمن المؤمنون بوجود الله فاتجهوا إليه وأدركوا مبلغ فضله وكرمه عليهم فأحبوه وصدقوا برسالة رسوله فاتبعوه ووجدوا الخير في تعاليمه فرغبوا أن تعم الناس أجمعين والإسلام عقيدة ثابتة في قلوب المؤمنين بأنهم على حق وأنهم قد اكتشفوا العلاج الوحيد لصلاح العالم وتنقيته من الشرور والآثام والسمو به إلى أرقى درجات الكمال فلا بد لهم من أن يتمسكوا بهذه
لمفاهيمهم واتخذوا من الدين مجرد رابطة دنيوية وشعائر قومية، يتعصبون لها تعصبهم لقوميتهم وتقليدًا لآبائهم دون أن يتمسكوا بتعاليمه أو يطبقوا أحكامه: ﴿أولئك لم يكونوا معجزين﴾ الله: ﴿في الأرض﴾ أن يعاقبهم على ظلمهم في هذه الحياة الدنيا: ﴿وما كان لهم من دون الله من أولياء﴾ أي وما كان لهم فيها من أولياء من دونه يتولون أمورهم ولا أنصار يمنعونهم من عقابه ولكن سبقت كلمته وقضت مشيئته أن يكون لهم الخيار فيما يعملون وأن يؤخر حسابهم إلى يوم القيامة حيث: ﴿يضاعف﴾ وقرئ «يضعف» بالتشديد: ﴿لهم العذاب﴾ بالنسبة إلى ما كان ينالهم من عقاب في الدنيا لو عوقبوا فيها لا بالزيادة عما يستحقونه بمقتضى دستوره المبلغ لهم فهذا مخالف للعدالة. وقد ذكر الله سبب هذه المضاعفة بقوله: ﴿ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون﴾ ليس المراد أنهم فقدوا حاستي السمع والبصر فصاروا صمًّا وعميانًا، فمن كان هذا شأنهم ممن لا يمكن وصول الدعوة إليهم فإنهم كالمجانين لا عقاب عليهم وإنما المراد من بلغ بهم الظلم بالافتراء على الله واستحواذ الباطل على أنفسهم حدًّا يثقل عليهم معه الإصغاء إلى ما بينه الله من الآيات السمعية وما يثبته من الآيات الكونية الظاهرة الدالة على وحدانيته وما يؤدي إلى رضوانه كما يقال إن فلانًا لا يطيق رؤية فلان ولا يقدر أن يسمع كلامه، وقد حكى الله عنهم ذلك بقوله: ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾.
﴿أولئك الذين خسروا أنفسهم﴾ بإصرارهم على الضلال وعدم سلوكهم سبل الهدى فأوردوها موارد الهلاك بفعل السيئات في الدنيا: ﴿وضل عنهم﴾ في الآخرة: ﴿ما كانوا يفترون﴾ أي ما كانوا ينسبونه إلى الله افتراء عليه: ﴿لا جرم﴾ كلمة تفيد التحقيق والتأكيد لما بعدها بمعنى حقًّا: ﴿أنهم في الآخرة هم الأخسرون﴾ أي أشد الناس خسرانًا لأنهم كانوا يستطيعون أن يصغوا للقرآن ويتبعوه فيجنبوا أنفسهم ما أنذروا به من العذاب ويدخلوا في عداد من قال الله في حقهم: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم﴾ أي خشعوا واطمأنت نفوسهم بالإيمان ولانت قلوبهم إلى ذكره فلم يبق فيها مجال للشك والارتياب: ﴿أولئك﴾ أي التصفية مما ذكرهم: ﴿أصحاب الجنة﴾ التي أعدت لهم: ﴿هم فيها خالدون﴾ لا يخرجون منها أبدًا: ﴿مثل الفريقين﴾ أي الكافرين والمؤمنين تجاه آيات الله: ﴿كالأعمى والأصم﴾ من فقد حاسة البصر والنطق: ﴿والبصير والسميع﴾ أي سليم هاتين الحاستين: ﴿هل يستويان مثلا﴾ أي هل يستويان صفة
وكيف انتهت وما تخللها من مؤامرات من أشخاص لا يتصور صدورها منهم: ﴿وما كنت﴾ أيها الرسول: ﴿لديهم﴾ أي لدى يوسف وإخوته: ﴿إذ أجمعوا أمرهم﴾ على إقصاء يوسف عن أبيهم لمحض الحسد الذي كان يأكل قلوبهم ولم تكن معهم: ﴿وهم يمكرون﴾ أي يدبرون له المكايد ليأخذوه على غرة وكفى هذا برهانًا قاطعًا على أن ذلك لم يكن إلا بوحي الله إثباتًا لرسالتك عن مولاك.
بعد أن أخبر الله رسوله بأن فيما أوحى به إليه من تفاصيل قصة يوسف التي لم يكن يعلم بها أحد سواه ما لا يدع مجالًا للشك في صدقه وضرورة الإيمان برسالته عاد فأخبره بما يعلمه تعالى من مدى استجابة الناس لدعوته والإيمان بما جاء به فقال: ﴿وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين﴾ أي إن الأكثرية الساحقة من الناس سوف لا تثق ولا تؤمن بكل ما جئت به، ذلك لأن الإيمان معناه اليقين الكامل وهو لا يحصل في القلب إلا نتيجة معرفة تامة بالحقائق وهي كثيرًا ما تخفى أو لا تتضح تمامًا إلا للمفكرين الذين يتدبرون آيات الله ودلائل التوحيد في كل ما هو مشاهد وملموس ومحسوس فالإيمان والحالة هذه عائد إلى استعداد ورغبة المخاطب لتقبل الدعوة لا إلى جهد الداعي وحرصه على هداية الناس: ﴿وما تسألهم عليه من أجر﴾ أي وهذا في حين أنك لم تطالبهم بأجر مقابل دعوتك لهم إلى الإيمان الذي فيه خيرهم وسعادتهم فكيف بك إذا طالبتهم بأجر لقاء ذلك إذن لم يؤمن بك أحد منهم أبدًا: ﴿إن هو﴾ أي القرآن الذي هو أوحى به إليك: ﴿إلا ذكر﴾ عظة من الله تعالى عامة: ﴿للعالمين﴾ أي لكل من أراد الاستفادة منه: ﴿وكأي من آية﴾ أي كأي عدد شئت من الآيات التي لا تحصى والدالة على وجود الصانع ووحدانيته وكمال علمه وقدرته: ﴿في السماوات﴾ كالأجرام الفلكية والآثار العلوية كالرعد والبرق والسحاب والمطر: ﴿والأرض﴾ كالأجرام العنصرية كالمعادن على اختلاف طبائعها وصفاتها وأنواع النباتات ومختلف الحيوانات وأشكالها وطبائعها وأحوالها وعجائب المخلوقات البرية والبحرية التي لم تخلق إلا لتدل على وجود صانعها: ﴿يمرون عليها﴾ أي ينظر الناس إليها نظرة سطحية عابرة في كل يوم: ﴿وهم عنها معرضون﴾ لا يسترعى انتباههم ما هي عليه من دقة الصنع جمال الخلق الذي يشهد بعظيم قدرة الخالق وسلطانه على كل شيء: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ أي ولئن آمن الناس بالله فإن أكثرهم أيضًا لا يؤمن بالله حق الإيمان إذ يثبت لنفسه ولغيره القدرة على النفع
سورة النحل
{أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٤) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لاَ جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
سورة براءة قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة».
تعليق على براءة
لئن كانت معاهدة الحديبية فتحًا مبينًا سياسيًا من الله لنبيه ﷺ فإن ما أوحى به تعالى إليه من سورة براءة لينذر به المشركين يوم الحج الأكبر ليعد فضلًا عظيمًا منه على عبده إذ وضع له الأسس التي يجب أن تقوم عليها دولته وتصان بها شريعته وتعلو في الخافقين دعوته وتسود بين الأمم أمته. فالله سبحانه وتعالى الخالق للسموات والأرض وما فيهن والمالك لجميع العوالم المنظورة وغير المنظورة قد أراد بالناس خيرًا فاختار من بينهم رسلًا يدلونهم عليه ويحببونهم فيه ويدعونهم لطاعته لينالوا حسن رضائه وعظيم ثوابه وكان آخر أولئك الرسل محمد بن عبد الله ﷺ الذي جاء بالحق بشيرًا ونذيرًا وأرسل لعباد الله أجمعين.
وكانت مهمة هذا الرسول متجهة إلى دعوة الناس إلى معرفة الله والاعتراف بوحدانيته والتصديق برسالته عنه للعمل بما يدعوهم إليه من طاعته وفق دستور خاص أوحى به إليه رب العزة وهو «القرآن» نظام كامل وضعه الله على وفق ما يعلمه أزلًا من أحوال خلقه بما يصلح شئونهم ويضمن سعادتهم وهناءهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة التي عميت عليهم أخبارها وهو تعالى أعلم بها وبما أعده فيها من نعيم مقيم للطائعين وعذاب أليم للمكذبين.
ولقد كان حجر الزاوية فيما يدعو إليه الرسول هو العقيدة بوجود الله والإيمان الكامل بما جاء من عنده عن طريق رسله من أمور محسوسة وغير محسوسة وأحكام واضحة الغاية أو غير واضحة ومن أجل هذا عمل رسول الله ﷺ على تثبيت العقيدة في قلوب كل من آمن به بمختلف الوسائل حتى أشربت بها نفوسهم واختلطت بدمائهم وأصبحوا ولا قوة في العالم تستطيع أن تزحزحهم عنها.
لقد آمن المؤمنون بوجود الله فاتجهوا إليه وأدركوا مبلغ فضله وكرمه عليهم فأحبوه وصدقوا برسالة رسوله فاتبعوه ووجدوا الخير في تعاليمه فرغبوا أن تعم الناس أجمعين والإسلام عقيدة ثابتة في قلوب المؤمنين بأنهم على حق وأنهم قد اكتشفوا العلاج الوحيد لصلاح العالم وتنقيته من الشرور والآثام والسمو به إلى أرقى درجات الكمال فلا بد لهم من أن يتمسكوا بهذه
مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا} وهم المشركون الذين حاربوا الرسول في بدر بتحريض من أبي جهل ورفاقه من صناديد قريش: ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ بالقتل والأسر في الدنيا: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة وما مثل المنافقين المحرضين لبني النضير على معاداة الرسول ومقاتلته وما وعدوهم به من نصر إلا: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ والله يعلم أن أولئك المنافقين لم يكونوا حقًّا يخافون الله في سرهم كما أن الشيطان لم يكن يخاف الله كما يزعم إذ لو كانوا يخافونه فعلًا بقلوبهم ما أقدموا على التغرير بعباد الله وإعطائهم من الوعود ما كان سببًا في زللهم وإصرارهم على محاربة الله ورسوله: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا﴾ بفتح التاء ورفعها أي الغاوي والمغوي: ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا﴾ أي لا نجاة لهما منها: ﴿وَذَلِكَ﴾ لم يكن عن رغبة الله في عذابهم بل: ﴿جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم بالإعراض عن هداية الله التي بسط لهم سبيلها، واتباعهم لشهوات النفس التي حذرهم من شرورها وعدم تحكيمهم لملكة العقل فيما يضرهم وما ينفعهم وبعد أن ذكر الله الناس بمدى عظمته وسلطانه وتأثيره الخفي في كل شيء الذي يتجلى في إخراج بني النضير من ديارهم ورده كيد اليهود في نحورهم بالقضاء على فتنهم ودسائسهم وامتداحه للمؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار والتابعين وتعريضه بأنصارهم من المنافقين وذكره لأسباب خذلانهم أخذ جل شأنه بوجه الخطاب لعباده المؤمنين ويدعوهم إلى ما ينفعهم بل ليرسم لهم السبيل لسعادة الدارين وخير الحياتين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بوحدانية الله وعلمه بكل صغيرة وكبيرة من أمركم وأنه تعالى يعلم سركم وجهركم: ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ أي احذروا أن يراكم في أي أمر يغضبه لئلا ينزل بكم ما نزل بمن ذكر ممن كان قبلكم: ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ﴾ أي كل نفس في سرها: ﴿مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ بمعنى تستعرض ماضيها لتتبين ضآلة ما كان فيه نافعًا ليوم القيامة فمما لا شك فيه أن أعمال الإنسان الدنيوية أكثر جدًّا من أعماله لآخرته مع أن الواجب كان يقضي عليه بعكس هذا إذ الحياة الدنيا محدودة وقصيرة الأمد والحياة الأخرى هي الحياة الدائمة التي لا موت فيها: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أي راقبوه في جميع حركاتكم وسكناتكم واقصدوا رضاه بجميع أعمالكم تكونوا في عبادة دائمة وتنالوا أجركم على ذلك برًّا بوعده تعالى لكم: ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي العالم بحقائق الأعمال وكنهها: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ﴾ أي لم يذكروه عند إقدامهم على كل عمل بمعنى أنهم حسبوا لأنفسهم القدرة الذاتية على فعل ما يريدون ولم يحسبوا له حسابًا فيما
سورة الحاقة
﴿الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (٨) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١٥) وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (٢٦) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِؤُونَ (٣٧) فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (٤٤) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)﴾
بعد أن نفى الله عن رسوله في السورة السابقة صفة الضلال وأمره بعدم إطاعة المكذبين له والكافرين بنعمة ربهم، وأوضح له السر في هذا وماذا سيكون مصيرهم ونهاه ﷺ عن التدخل في أمرهم وأخبره أنه سوف لا يعذبهم في هذه الحياة وإنما سنستدرجهم إلى الوقوع
سورة التكوير: بعد أن ختم الله السورة السابقة بما تكون عليه أحوال الناس في يوم القيامة من أنهم سيقسمون إلى فريقين لا ثالث لهما: وجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة، وأخرى عليها غبرة ترهقها قترة. أخذ يحدد في هذه السورة الوقت الذي يعلم فيه كل إنسان مصيره وإلى أي الفريقين سينحاز بما ينتهي إليه أمره سائر الموجودات المرئية في هذه الحياة حيث عدد أشراط الساعة باثنتي عشرة حالة متوالية فقال: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ أي جمع ضوؤها ولف كما تلف العمامة: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ﴾ تناثرت وتساقطت: ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ أي مشت وتزحزحت عن مواضعها فاختل توازن الأرض: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ﴾ جمع عشراء وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر وقرب نتاجها: ﴿عُطِّلَتْ﴾ أي أهمل أمرها لانصراف الناس عنها.
﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ﴾ أي جميع الدواب التي لا تستأنس: ﴿حُشِرَتْ﴾ أي جمعت من كل ناحية لا يخشى بعضها بعضا ولا يخشى جميعها سطوة الإنسان.
﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ هيَّجت فارتفعت أمواجها وكثر فيضانها: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أي تكتلت وقرن على كل امرئ بشيعته اليهودي باليهودي والنصراني بالنصراني والمسلم بالمسلم: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ﴾ وأد البنات دفنهن أحياء: ﴿سُئِلَتْ﴾ بالبناء للمجهول من قبل الله يوم القيامة، وقرئ: ﴿سألت﴾ أي ربها وقرئ بتشديد الهمزة: ﴿سئلت﴾ بتشديد الهمزة.: ﴿بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ أي ما سبب قتلها؟!: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ﴾ جمع صحيفة وهي الورقة التي تكتب فيها أخبار الناس: ﴿نُشِرَتْ﴾ قرئ بتخفيف الشين وتشديدها أي أذيعت وأعلنت أخطاء الناس وما يضمرون: ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ أزيل عنها ما فوقها من سحب: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ بتخفيف العين وتشديدها أي: أشعلت واتقدت: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ أي أدنيت وقربت لروادها من المتقين.: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ أي بعد تكامل تلك الاثنتي عشرة حالة بالتوالي: ﴿مَّا أَحْضَرَتْ﴾ معها من عمل خير أو شر.
وما من أجله أحضرت من حساب وعقاب وجنة وجحيم: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ أي فلست في حاجة لأن القسم لكم على صحة ما ذكر فإنه أجل وأعظم من أن يقسم عليه بما سيذكر: ﴿بِالْخُنَّسِ﴾ النجوم التي تشاهدون عظمتها وسميت خُنسًا لأنها تخنس أي تغيب عن الأبصار فلا يعلم أين هي؟: ﴿الْجَوَارِي﴾ الكواكب السيارة: ﴿الْكُنَّسِ﴾ التي تكنس في المغيب كالظباء عندما تدخل في