(١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٩٢) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ (٢٠٠) وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (٢٠٥) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ
للحياة وزنًا أمام ما يرجوه من ثواب ﴿أولئك﴾ أي الذين اتصفوا بما ذكر من الصفات هم ﴿الذين صدقوا﴾ ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به وتوحيده وطاعة أوامره ﴿وأولئك هم المتقون﴾ الذين خلصت نفوسهم لله فتخلقوا بأحسن الأخلاق وتذرعوا بوقاية الصبر وبالغوا في التمسك به.
بعد أن بين الله للمؤمنين أنه لا عبرة في الإسلام بالمظاهر والاتجاهات وإنما العبرة بإيمان القلوب وطاعة الأبدان وحسن الخلق وقوة النفس، أخذ يبين لهم حقيقة أخرى هي أنهم جميعًا في نظر الإسلام سواسية، وأنه لا تفاضل بينهم إلا في بعض اعتبارات لا بد من مراعاتها في حالة القتل، وقد بنيت هذه الاعتبارات على أساس تفاوت درجات الناس بالنظر لما عليهم من المسئوليات والتكاليف، وبمقتضى هذا وضع لهم سبحانه وتعالى نظام العقوبات حيث قال ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب﴾ بالبناء للمفعول ﴿عليكم﴾ أي أوجبت عليكم وعهدت إلى كل صاحب سلطة تنفيذية تطبيق هذا النظام وهو ﴿القصاص﴾ بضم الصاد وقرئ ﴿وكتبَ عليكم القصاصَ﴾ وهو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ﴿في القتلى﴾ ولكن ليس هذا القصاص جاريًا على إطلاقه بل إن ﴿الحر﴾ يقتل ﴿بالحر﴾ فيقتل القاتل إذا كان مساويًا للمقتول في الحرية التي يجب أن تراعى بادئ بدء، وأما المادة والعلم والحسب والنسب فلا توجب التفاضل أو تحول دون المساواة في هذا الباب ﴿والعبد﴾ يقتل ﴿بالعبد﴾ لأنه مساو له في المنزلة وهو لا يتساوى مع الحر ﴿والأنثى﴾ تقتل ﴿بالأنثى﴾ لأنها مساوية لها في الأنوثة وهي لا تتساوى مع الرجل في الدرجة ﴿فمن عفي له من أخيه شيء﴾ أي فمن عفا له أخوه في الدين من أولياء الدم وتجاوزوا عن شيء من حقهم ولو واحدًا منهم إن تعددوا سقط القصاص ﴿فاتباع بالمعروف﴾ أي فالواجب على الباقين اتباع ذلك العفو وتنفيذ مقتضاه بالمطالبة بالدية بالمعروف فلا يشدد في طلبها إن كان المطالب بها معسرًا ﴿وأداء إليه بإحسان﴾ والواجب على القاتل أن يؤدي الدية لمن عفا من غير مطل أو تسويف أو إساءة في صفة الأداء ﴿ذلك﴾ أي قبول العفو والعدول به إلى الدية ﴿تخفيف من ربكم﴾ على القاتل في الجزاء حيث فتح له باب النجاة عن طريق العفو ﴿ورحمة﴾ بآل القتيل حيث كتب لهم ثواب العفو وجعل لهم من الدية بعض
(أ) إنهم يؤثرون البطالة على العمل تواكلًا على الزيادة الضئيلة على رؤوس أموالهم.
(ب) إنهم رضوا بالخمول والكسل وأن تكون أرزاقهم بفضل مجهود غيرهم وبغير كد ولا تعب.
(ج) إنهم يعملون على أكل أموال الناس بالباطل.
٢ - أن في تعاطي الربا عدة مضار اجتماعية منها:
(أ) أنه يؤدي إلى التقاطع والعداء بين الناس ويحملهم على دوام الخصومات.
(ب) أنه يوجب القسوة وينزع الرحمة من القلوب.
(ج) أنه يولد الحقد في نفوس الفقراء على الأغنياء لما يجدون فيهم من شدة الشح والحرص.
(د) أنه يسبب تعطيل المروءة والقرض الحسن ويؤدي إلى التجاء المعوزين إلى ارتكاب الجرائم المخلة بالأمن وانتحار المدينين عند تصفية ما يملكون.
(هـ) أن الله قد جعله وسيلة المحق ونذير الخراب.
٣ - أن توظيف الأموال في المشاريع الحرة كالتجارة والصناعة والزراعة له من المزايا والفضائل الخاصة والعامة ما يأتي:
(أ) أن في الربح الذي يأتي عن طريقه من اللذة ما لا يوجد في سواه.
(ب) أنه يستدعى العمل والجد والأقدام.
(ج) أنه السبيل المشروع لزيادة الثروة الخاصة والعامة وموجد البركة.
(د) أنه يحتم تشغيل الأيدي العاطلة.
(هـ) أنه يفسح ميدان العمل للعاملين فيعم النفع بدوام حركة دواليب الأعمال.
(و) أن فيه من معنى الكرامة والعزة ما لا يوجد في الربا.
بالقراءة الأولى من الضرر والثانية من الضير والمعنى واحد ﴿كيدهم﴾ وهم بمعزل عنكم ﴿شيئا﴾ فلن يستطيعوا عرقلة مساعيكم أو الوقوف في طريق ما قدره الله لكم من الرزق والسعادة، فغضبهم ورضاهم سواء ﴿إن الله﴾ الذي أمركم بعدم اتخاذهم بطانة لكم وأكد لكم بأنه لا يضركم كيدهم شيئًا ﴿بما يعملون محيط﴾ وقرئ ﴿تعملون﴾ بتاء الخطاب فهو لابد أن يحبط ما يدبرونه لكم من المكايد ما دمتم متبعين لأوامره معتمدين عليه سبحانه وتعالى.
بعد أن أمر الله المؤمنين بعدم اتخاذهم بطانة ممن كان دونهم من الكافرين والمنافقين لما جبلوا عليه من بغض الإسلام وكراهة المسلمين وأكد لهم أنهم إن يصبروا ويتقوا لا يضرهم كيدهم شيئًا أراد سبحانه وتعالى أن يضرب الأمثلة لكل ذلك فذكر رسوله وتذكير الرسول تذكير للأمة بموقفهم حياله في وقعة أحد يوم نزل ثلاثة آلاف من المشركين فيها في السنة الثالثة من الهجرة عندما استشار رسول الله ﷺ أصحابه في الأمر وعد عبد الله بن أبي بن سلول من ضمنهم فاستشاره أيضًا مع أنه لم يكن يستشيره من قبل فقال عبد الله: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخل عدو علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينا، فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر موضع. وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين وأمن على رأيه كثير من الأنصار، وقال المهاجرون وبعض الأنصار: اخرج بنا إلى هؤلاء لئلا يظنوا أنا قد خفناهم فقال صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت في منامي بقرًا تذبح حولي فأولتها خيرًا، ورأيت في ذؤابة سيفي ثلمًا فأولتها هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة. فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم، فقال المهاجرون بل أخرج بنا إلى أعدائنا، وكأن النبي ﷺ قد أدرك من كلام عبد الله بن أبي بن سلول شيئًا من الوهن والتمسك بما كان لهم من العادات مما لا يتفق مع الثقة بالله والاعتماد على نصره سبحانه وتعالى ووجوب المبادرة إلى الجهاد في سبيله. وربما أحس بما يداخل عبد الله بن أبي بن سلول من النفاق فلم ير موافقته ودخل بيته ولبس لأمته التي اعتاد أن يلبسها للحرب وخرج إليهم وقد اعتزم الخروج لمقاتلة المشركين في أحد وسار من المدينة بأصحابه، ومن بينهم عبد الله بن أبي بن سلول وجماعته بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من
أو من قبل أن تنفذ فيهم سنن الله في الكون التي تقضي بأن من يحاول خديعة الله واتخاذ الحيل للتحرر من عقابه فجزاءه أن يسقط عن درجة الكمال الإنساني إلى مستوى القردة الذي فقدوا صفات النبل والشهامة وتجردوا عن مزايا الإنسانية ﴿وكان أمر الله﴾ الذي قضت به مشيئته في خلقه بمقتضى بنظام قضائه وقدره أمرًا ﴿مفعولًا﴾ لا بد أن يكون وإنما تبعة ذلك عائدة عليهم وقد قال تعالى وصفًا لهذه العقوبة في الآية السابقة: ﴿فجعلناها نكالًا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين﴾ أي عبرة لكل من يتخذ الحيل وسيلة الإفلات من أمر ربه ويحسب أنها تنجيه من عقابه.
لقد دعا الله الذين أوتوا الكتاب إلى الإيمان بما أنزل على رسوله مصدقًا لما معهم وهو القسم الخاص بأصول الدين وأركانه ولما كان القرآن مشتملًا على أحكام أخرى غير العقائد من الأمور التعبدية والأحكام الفرعية المختلفة التي لم تكن في الكتب السابقة أراد تعالى أن يستجلب قلوب العباد أولًا إلى ما كان متفقًا عليه في سائر الكتب المنزلة من التوحيد الخالص فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ بإثبات أي سلطة أو تأثير وراء الأسباب والسنن الكونية لأحد غير الله لما في هذا الشرك من تطاول على مقام الألوهية وجحود انفراد الله بالسلطة العليا فوق كل شيء وهذا من شأنه أن يحمل الإنسان على أن يساوي بين الله وغيره في الحقوق والواجبات ويؤدي إلى سخط الله وعدم مغفرته لتلك الجريمة النكراء ﴿ويغفر ما دون ذلك﴾ من سائر المعاصي ﴿لمن شاء﴾ المغفرة من العباد بطلبها واتباع السنن المؤدية إليها وفي مقدمتها الإيمان بالله ثم التوبة والندم على اقتراف السيئات والعزم على عدم العودة والعمل على تجنبها ﴿ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا مبينًا﴾ أي: وإنما امتنع غفران الله لذنب الشرك من دون باقي الذنوب
بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٩٨) مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢) مَا جَعَلَ اللهُ مِن
@فخلت أن فعال المرء منجية
#بذاتها من عذاب الله والنقم
@وما وجدت لنفسي أيما عمل
#أرجو النجاة به من حالك الظلم
@ولست أهلًا لعفو لا يفوز به
#إلا المصلون من عرب ومن عجم
@وقد عصيت إلهي واتبعت هوى
#نفسي وتابعت إبليسا ولم أرم
@ولست أملك قلبي كي أوجهه
#إليه حقًّا بإخلاص مع الندم
@وقد أسأت كثيرًا في الحياة ولم
#أشكر جميلك فيما مر من نعم
@لكنني بعد لأي قد عرفتك يا
#مولاي حقًّا من الآلاء والكرم
@فبت أمقت أعمالي وإن صلحت
#وبت لا أرتجي إلاك في الأزم
@وبت لا أبتغي إلا رضاءك من
#جميع ما قدمت يمناي من خدم
@وقد عرفت بأن السر منك فمن
#ترضاه ناج ولو عاداك من قدم
@ومن تمسك بالأعمال دونك لا
#تجديه طاعته حتى مع العظم
@ولا يخافك إلا من أردت له
#بالخوف منك وتوفيق بلا سأم
التي كانت سببًا في شرك من سبق من الأمم السابقة وستكون أيضًا من دواعي الشرك بالله على مر الأزمان وقد تولى سبحانه وتعالى الرد عليها ودحضها بالأدلة القاطعة والحجة البالغة لتنبيه الناس إليها فلا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من الكفار السابقين فقال: ﴿سيقول الذين أشركوا﴾ بالله من ضعاف الإيمان الذين رفضوا عبر آيات الله، نحن نؤمن بسلطان الله وقهره لعباده وأن مشيئة العبد مستمدة من مشيئة الله ولا يمكن لبشر أن يفعل شيئًا مخالفًا لمشيئته تعالى، وعلى هذا فما ينسب إلينا من شرك ما هو إلا بمشيئة الله لا محالة و ﴿لو شاء الله﴾ عدم شركنا ﴿ما أشركنا ولا﴾ أشرك ﴿آباؤنا﴾ من قبلنا ﴿ولا حرمنا من شيء﴾ أي لو شاء أن لا نحرم ما حرمناه من الحرث والأنعام وغيرها لما حرمناه ولكنه تعالى شاء لنا أن نشرك معه الأولياء والشفعاء ليقربونا إليه زلفى وشاء لنا أن نحرم ما حرمناه من البحائر والسوائب وغيرها، فإتياننا ما ذكر دليل على مشيئة الله له ورضائه وأمره به أيضًا ولولا ذلك ما استطعنا فعله فلا قوة إلا بالله ﴿كذلك﴾ أي بمثل هذا القول الذي ظاهره الإيمان وباطنه الكفر ﴿كذب الذين من قبلهم﴾ رسلنا فيما أخبروهم به من أن الله الذي خلقهم قد منحهم كامل الحرية في النية والقول والعمل، ولأجل تحقيق هذه الحرية مهد الله لهم طريق الخير والشر وبعثهم بالهدى ودين الحق دعاة إلى الإيمان والعمل لما يرضيه ونهاه عن الشرك وسيئ الأعمال، ولولا ذلك لم يكن حاجة لإرسالهم فلم يؤمنوا برسالتهم ولم يتدبروا ما جاء في كتبهم بل اندفعوا وراء شهواتهم وقالوا ما قالوا دون أن يشعروا بما في قولهم هذا من افتتات على الله وطعن في شرائعه بما لا يقره العقل والمنطق السليم فلا يعقل أن ينهى الله عن الشرك ويأمر به ولا أن يوضح ما أحل وما حرم ثم يبيح لغيره أن يمارس هذا الحق من دونه ولا أن يقضي بدخول شخص في النار ثم يبعث له من يحذره من الأعمال التي تؤدي به إليها، ولقد كان من نتيجة تكذيب أولئك القوم للرسل وعدم تدبر كتبهم أن ظلوا على جحودهم وعنادهم ونسبوا إلى الله ما أرادوا ﴿حتى ذاقوا بأسنا﴾ ولو كان حقًّا ما زعموا من أن الله قد شاء لهم الشرك وتحريم ما حرموا لما أنزل عليهم عقابه، وهذا برهان عملي على صدق الرسل فيما جاءوا به وفيه إبطال لتلك الشبهة التي يتمسكون بها ﴿قل هل عندكم من علم﴾ بحقيقة معنى مشيئة الله ﴿فتخرجوه لنا﴾ لنبحثه معكم على ضوء العقل ونطبقه على ما جاء من عند الله ﴿إن تتبعون إلا الظن﴾ فيما يخيل إليكم من أن المراد بمشيئة الله أحكامه الصادرة في حق كل فرد بعينه من الأزل ﴿وإن أنتم﴾ في عقائدكم ﴿إلا تخرصون﴾ أي لا تعتمدون على دليل واضح بل على مجرد التقدير والتخمين
﴿أغير الله أبغيكم إلهًا﴾ أي أطلب لكم معبودًا تقدسونه وتعظمونه وتلجئون إليه في الملمات ﴿وهو فضلكم على العالمين﴾ إذ شملكم بعطفه ورحمته وأورثكم مشارق الأرض ومغاربها تخالطون شعوبها وتنشرون خيراتها فضلًا من الله ومنة ﴿وإذ أنجيناكم﴾ أي واذكروا إذ نجيناكم وقرئ «وإذ نجاكم» أي واذكروا الذي نجاكم ﴿من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم﴾ فالذي أكرمكم بكل هذه النعم هو الإله الذي يجب أن يعبد ويقدس ويعظم ﴿وفي ذلكم﴾ أي ما ذكر من نعم الله ﴿بلاء﴾ أي اختبار ﴿من ربكم عظيم﴾ يتبين منه مبلغ إيمانكم به وتقديركم لنعمه.
بعد أن أخبرنا الله بما كان من قوم موسى ورغبتهم التقرب إلى الله عن طريق عبادة الأوثان كما كانوا عليه في عهد فرعون وإخبار موسى لهم بأن هذا عمل باطل ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله الذي خلصهم من ظلم فرعون وأصبحوا أمة مستقلة تحكم نفسها وتستطيع أن تنفذ ما شرعه الله لها من العبادات وأحكام المعاملات إذ الأمة المستعمرة أو التي تكون تحت سيادة الأجنبي لا تملك إلا الإذعان لإرادته. أخذ يسرد ما كان بعد ذلك بين موسى وربه وما أنزله عليه من شريعة أمر بالعمل بها هو وقومه فقال ﴿وواعدنا﴾ وقرئ «ووعدنا» ﴿موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة﴾ روى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس: «أن موسى قال لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأن أخلف هارون فيكم فلما وصل موسى إلى ربه زاده الله عشرًا فكانت فتنتهم في العشر التي زادها الله» ولقد قال المفسرون إن المراد بالثلاثين ليلة هي ذي القعدة والعشر من ذي الحجة ويلوح لي أن المراد بها شهر ذي الحجة والعشر من شهر المحرم بدليل ما ورد من أن اليهود في المدينة كانوا يصومون يوم عاشوراء ولم سئلوا عن السبب قالوا إنه اليوم الذي ناجى فيه موسى ربه فقال الرسول ﷺ «نحن أولى بموسى منكم» وأمر بصيامه وقال «إن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر».
﴿وقال موسى لأخيه﴾ الأكبر ﴿هارون﴾ عندما هم بالذهاب لميقات ربه في أرض سيناء ﴿اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ أي أنه ولاه الأمر عليهم وأمره بالإصلاح بينهم بحسب اجتهاده حيث لم ينزل التشريع الإلهي بعد ونهاه عن مجاراتهم فيما تسوله لهم نفوسهم من أعمال الفساد ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا﴾ أي في الوقت الذي حددناه له ﴿وكلمه ربه﴾ من وراء
وذلك بأن يحبب إلى قلوب الأسرى الرضاء بالفداء وأن يروضهم على الصبر على الرق ويدعوهم إلى الإيمان وينذرهم بسوء عاقبة بقائهم على الكفر والخيانة بقوله: ﴿يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى﴾ وقرئ «من الأسارى» الذين لا يزالون تحت أمركم واسترقاقكم: ﴿إن يعلم الله فيكم خيرًا﴾ أي أنكم إن تؤمنوا بالله: ﴿يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم﴾ من الفداء إذ يثيبكم على الإيمان والرضاء بقضاء الله أكثر مما أخذ منكم من مال أو ما انتزع منكم من الحرية التي كنتم فيها مع التردي في الضلال: ﴿ويغفر لكم﴾ ما سبق من الكفر والآثام وبهذا تنالون السعادة الحقيقية في الحياة الأخرى الدائمة التي هي أفضل من كل شيء عند قوم يعقلون: ﴿والله غفور﴾ للمستغفرين: ﴿رحيم﴾ بالمستضعفين فإن ارتضوا بحكم الله فيهم وصبروا على الرق فسينالهم ما وعدهم به: ﴿وإن يريدوا خيانتك﴾ أي لم يرتضوا الإيمان والصبر على قضاء الله وأضمروا لك الشر: ﴿فقد خانوا الله من قبل﴾ بكفر نعمه واتخاذ الأنداد والشركاء له: ﴿فأمكن منهم﴾ أي أقدرك عليهم وهم على ما كانوا عليه من الحرية والقوة فكيف بهم وهم اليوم في أسرك فلا تعبأ بهم وثق بأن الله سيمكنك منهم ويحبط خيانتهم لك: ﴿والله عليم﴾ بما يبيتون في نياتهم من خيانة: ﴿حكيم﴾ يعرف كيف يرد كيدهم إلى نحورهم ويجزيهم على خيانتهم.
بعد أن أمر الله رسوله بأن يحبب إلى الأسرى الرضاء بحكم الرسول الصادر عليهم بالرق أو الفداء حاول رجال من الأنصار أن يستأذنوا الرسول ﷺ في ترك فداء عمه العباس رضي الله عنه وكان من ضمن أسرى المشركين يوم بدر فقالوا: «ائذن لنا فنترك لابن أختنا العباس فداءه» فقال صلى الله عليه وسلم: «والله لا تذرون منه درهمًا» وقد عنوا بقولهم ابن أختنا العباس جدته أم عبد المطلب فهي أنصارية من بني النجار لا أم العباس نفسه فإنها ليست من الأنصار وإنما وصفوه بكونه ابن أختهم ولم يصفوه بكونه عمه ﷺ لئلا يكون في هذا الوصف رائحة منة على الرسول ﷺ فلم يأذن لهم في محاباته لأنه عمه بل ساوى بينه وبين سائر الأسرى بل ورد أنه أخذ منه عن أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث لغناه وفقرهما وقد رُوِيَ أن النبي ﷺ لما أمره بذلك قال: «إني كنت مسلمًا» فقال له صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم بما تقول إن كان حقًّا فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا» وهنا أراد جل جلاله أن يضع قواعد العلاقات التي يجب أن تقوم بين
بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس معنى هذا أن المسلم يكره من كان على غير دينه بل إنه يرجو له الهداية ويتخذ كل الوسائل لإنارة طريقه في الحياة لما يقربه إلى ربه وينفعه في حياته الدنيا والآخرة، وهذه سيرة الرسول كلها ناطقة بأنه عليه الصلاة والسلام لم يهاجم قومًا في ديارهم بسلاحه لدعوتهم إلى الإسلام بل إنه فرق في المعاملة بين المشرك الذي لا يعترف بوجود الله خالق الأرض والسماء، وبين الكافر من أهل الكتاب الذي يزعم أنه يؤمن بالله ويجمد في اعتقاده عندما اتصل بعلمه من أحكام دينه عن طرق أولئك الذين نقلوه إليه بعد مئات السنين محرفًا مشوشًا، وقد بدلوا فيه وغيروا وأدخلوا فيه ما ليس منه. وعندما جاءهم الرسول محمد من عند الله مصححًا لما ورد في كتبهم وهاديًا إلى الحق أعرضوا عنه وسدوا آذانهم عن سماع ما جاء به ولذلك سماهم كفارًا أي جاحدين معاندين لأنهم لا يبحثون عن الدليل فيما قدم إليهم ولا يذعنون للحجة إذا قامت عليهم مندفعين إلى هذا بمجرد التمسك بما كان عليه آباؤهم وتقليدهم في ذلك تقليدًا أعمى وحسبهم في ذلك أن يقولوا إنا نؤمن بالله كما تؤمنون ونوحده كما توحدون ونصلي كما تصلون وكل ما هنالك أنا نقدس عيسى وأمه ونتخذهما شفعاء لنا لديه ونعظم أولياءه من رجال الدين ونتوسل إليهم ليقربونا إليه زلفى. وقد أمر الله رسوله أن يخاطب هؤلاء بقوله: ﴿قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي أن الإله الذي تزعمون أنكم تعبدونه ليس هو الذي أعبده لأنكم إنما تعبدون إلهًا له ولد وله شفعاء وأنا أعبد إلهًا منزهًا عن ذلك: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي ولستم بعابدين إلهي الحاكم العادل الذي لا يتقرب إليه إلا بإخلاص التوحيد والعمل الصالح أما إلهكم الذي تعبدونه فإنكم تعتقدون أنه يحابي ويجامل ويقبل في حكمه الوسائط التي تتقربون إليه بتعظيمها: ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ أي وليست عبادتي كعبادتكم: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي ولا عبادتكم كعبادتي فعبادتي خالصة لله وحده وعبادتكم مشوبة بالشرك مصحوبة بالغفلة عن الله: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ أي لا مشاركة بين ما أدعو إليه وما أنتم عليه.
وما كان للأمم والشعوب التي تدعي الحرية والديمقراطية اليوم وتحارب الشيوعية في كل مكان باعتبارها مبادئ هدامة للنظام الاقتصادي القائم أن تنتقد الإسلام إذا هو محل على محاربة مبادئ الشرك الهدامة وفي مقدمتها الشيوعية من قبل مئات السنين. وما يكون للدول التي تقيم الحضارة وتحمي الآداب وتحرم العراء على فريق من الناس في أماكن خاصة أن تنتقد الإسلام
الكبر والتكذيب حاق بكم العذاب وإن اهتديتم سلمتم منه فإن من سنن الله في الحكم أنه تعالى يمهل الظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه لم يفلته. ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي إن عدم التعجيل بعذابكم ليس هو عن عجز منه بإنزاله عليكم ولكن ذلك عائد إلى ما سنه من سنن تقضي بعدم استعجال العذاب ليترك لعباده الفرصة في طلب الهداية والرجوع إلى الحق: ﴿ولا ينفعكم نصحي﴾ أي كذلك نصحي لا ثمرة له: ﴿إن أردت أن أنصح لكم﴾ أي إن كان هذا النصح ناشئًا عن مجرد الرغبة المنبعثة من نفسي: ﴿إن كان الله﴾ من قبل: ﴿يريد أن يغويكم﴾ ولكنه تعالى لم يرد غوايتكم لأن هذا ظلم وما الله يريد ظلمًا للعالمين ولذلك أمرني بنصحكم وترك لكم الخيار في الاستجابة لدعوتي أو رفضها فالأمر إذًا مفوض إليكم وهذا خلافًا لما فهمه الكثير من المفسرين من معنى هذه الآية من أنه تعالى قد يريد الكفر من العبد وأنه إذا أراد منه ذلك فإنه لا ينتفع بنصح الرسول ويمتنع صدور الإيمان منه، وهم لا يشعرون بما ينطوي عليه قولهم هذا من معنى الجبر ونسبة الظلم إليه مما يتعالى الله عنه علوًا كبيرًا: ﴿هو ربكم﴾ الذي رباكم ودبر أموركم في هذه الحياة الدنيا وفق سنن مطردة لا تخطئ وأقدار لا تتبدل: ﴿وإليه ترجعون﴾ في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها ولا يظلم ربك أحدًا: ﴿أم يقولون﴾ عن نوح: ﴿افتراه﴾ أي افترى ما يدعو إليه: ﴿قل﴾ يا نوح: ﴿إن افتريته فعلي إجرامي﴾ أي إن الله سينتقم مني على افترائي عليه وإن كنت صادقًا وكذبتموني فعليكم عقاب ذلك التكذيب: ﴿وأنا بريء مما تجرمون﴾ أي إني بريء من عقاب جرمكم ولا أتحمل شيئًا منه كما قال تعالى في سورة يونس: ﴿وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون﴾.
وما إن اشتد عنادهم وألصقوا برسولهم تهمة الافتراء حتى أخبره تعالى بما يعلمه من أمرهم وما يجب عليه حيالهم وما سيكون منهم وما تقتضيه سننه في أمثالهم فقال: ﴿وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ أي كف عن الجدل ولا تضع وقتك في دعوتهم ومحاججتهم بعد أن بذلت نهاية الجهد في هذه السبيل: ﴿فلا تبتئس بما كانوا يفعلون﴾ أي لا تحزن على ما أصابك من متاعب وآلام في سبيل هدايتهم لم نكلل بالنجاح بل انصرف إلى وقاية نفسك من العذاب الذي استعجلوه لأنفسهم: ﴿واصنع الفلك﴾ أي السفينة التي سننجيك ومن آمن معك بواسطتها: ﴿بأعيننا﴾ أي حال كونك تحت إشرافنا بحيث لا يستطيع أحد من خصومك
سورة الرعد
{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (١) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ (١٤) وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا
يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥) مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (١٠٧) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٠٨) لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣) فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١١٥) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّمَا
بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس معنى هذا أن المسلم يكره من كان على غير دينه بل إنه يرجو له الهداية ويتخذ كل الوسائل لإنارة طريقه في الحياة لما يقربه إلى ربه وينفعه في حياته الدنيا والآخرة، وهذه سيرة الرسول كلها ناطقة بأنه عليه الصلاة والسلام لم يهاجم قومًا في ديارهم بسلاحه لدعوتهم إلى الإسلام بل إنه فرق في المعاملة بين المشرك الذي لا يعترف بوجود الله خالق الأرض والسماء، وبين الكافر من أهل الكتاب الذي يزعم أنه يؤمن بالله ويجمد في اعتقاده عندما اتصل بعلمه من أحكام دينه عن طرق أولئك الذين نقلوه إليه بعد مئات السنين محرفًا مشوشًا، وقد بدلوا فيه وغيروا وأدخلوا فيه ما ليس منه. وعندما جاءهم الرسول محمد من عند الله مصححًا لما ورد في كتبهم وهاديًا إلى الحق أعرضوا عنه وسدوا آذانهم عن سماع ما جاء به ولذلك سماهم كفارًا أي جاحدين معاندين لأنهم لا يبحثون عن الدليل فيما قدم إليهم ولا يذعنون للحجة إذا قامت عليهم مندفعين إلى هذا بمجرد التمسك بما كان عليه آباؤهم وتقليدهم في ذلك تقليدًا أعمى وحسبهم في ذلك أن يقولوا إنا نؤمن بالله كما تؤمنون ونوحده كما توحدون ونصلي كما تصلون وكل ما هنالك أنا نقدس عيسى وأمه ونتخذهما شفعاء لنا لديه ونعظم أولياءه من رجال الدين ونتوسل إليهم ليقربونا إليه زلفى. وقد أمر الله رسوله أن يخاطب هؤلاء بقوله: ﴿قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي أن الإله الذي تزعمون أنكم تعبدونه ليس هو الذي أعبده لأنكم إنما تعبدون إلهًا له ولد وله شفعاء وأنا أعبد إلهًا منزهًا عن ذلك: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي ولستم بعابدين إلهي الحاكم العادل الذي لا يتقرب إليه إلا بإخلاص التوحيد والعمل الصالح أما إلهكم الذي تعبدونه فإنكم تعتقدون أنه يحابي ويجامل ويقبل في حكمه الوسائط التي تتقربون إليه بتعظيمها: ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ أي وليست عبادتي كعبادتكم: ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي ولا عبادتكم كعبادتي فعبادتي خالصة لله وحده وعبادتكم مشوبة بالشرك مصحوبة بالغفلة عن الله: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ أي لا مشاركة بين ما أدعو إليه وما أنتم عليه.
وما كان للأمم والشعوب التي تدعي الحرية والديمقراطية اليوم وتحارب الشيوعية في كل مكان باعتبارها مبادئ هدامة للنظام الاقتصادي القائم أن تنتقد الإسلام إذا هو محل على محاربة مبادئ الشرك الهدامة وفي مقدمتها الشيوعية من قبل مئات السنين. وما يكون للدول التي تقيم الحضارة وتحمي الآداب وتحرم العراء على فريق من الناس في أماكن خاصة أن تنتقد الإسلام
يعادينا جميعًا لسبب واحد هو الإيمان: ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ تؤملون نصرهم لكم أو لأقربائكم في يوم من الأيام وقد فسر الله هذا الولاء بقوله: ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ وتظهرون لهم الحب وإن كنتم لا تحبونهم بقلوبكم كمثل المنافق الذي يخفي الكفر ويظهر الإيمان سواء بسواء: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ﴾ الدين: ﴿الْحَقِّ﴾ ولذلك فإنهم إنما يعادونكم لاتباعكم ذلك الدين والعداء من أجل العقيدة أو المبدأ لا يزول إلا بزوال سببه ومن أجل هذا تراهم: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ﴾ من مكة لا لشيء إلا: ﴿أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ أي لسبب واحد هو إيمانكم بالله ولولا ذلك لما أخرجوه ولما أخرجوكم فلا تتخذوهم أولياء: ﴿إِن كُنتُمْ﴾ واثقين من أنفسكم أنكم: ﴿خَرَجْتُمْ﴾ وهاجرتم من أوطانكم: ﴿جِهَادًا فِي سَبِيلِي﴾ أي من أجل إعلاء كلمتي: ﴿وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي﴾ وهذا ما لا يتفق مع مجاملتهم واتخاذ يد عندهم لحماية أقاربكم إذ: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ فهذا تناقض ظاهر: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ﴾ أي والحال أنكم تؤمنون بكامل علمي: ﴿بِمَا أَخْفَيْتُمْ﴾ أي ما هو أبلغ من السر مما تخفي الصدور: ﴿وَمَا أَعْلَنتُمْ﴾ من الأشياء التي تجاوزت حد الكتمان والتي منها الكتابة إلى أعداء الله سرًّا الأمر الذي يدل على ضعف الإيمان بالله: ﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ أي ومن يتخذ أعداء الله أولياء أو يشك في كمال علم الله: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أي جهل حقيقة الإيمان وانحرف عن جادة الصواب وسار في حياته على غير هدى من الله: ﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ﴾ أي إن يظفر بكم أعداء الله: ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً﴾ أي لا يعتبرونكم أصدقاء مهما تقربتم إليهم كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
﴿وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ بالضرب والتعذيب: ﴿وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ﴾ من قارص الكلم وأنواع الإهانة: ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ أي طمعًا في ردتكم عن الإيمان واعتناقكم الكفر: ﴿لَن تَنفَعَكُمْ﴾ لديهم: ﴿أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ الذين كنتم توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم مخافة عليهم بمعنى أنهم سوف لا يأتون للشفاعة لكم أو لا يقبلون هم شفاعتهم ولا يخلصكم من شرهم إلا كفركم بالله هذا في الدنيا و ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ﴾ بالبناء للفاعل والمفعول أي يقطع ويحال ما: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ وبين أرحامكم وأولادكم الذين ارتضوا بحكم الكفار وآثروا البقاء في بلادهم عن الهجرة في سبيل الله فيدخل أهل الإيمان الجنة وأهل الكفر النار: ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي أنه تعالى مطلع على جميع أعمال العباد أعظم من اطلاع المبصرين على الأمور المحسوسة
الثانية فإنه كان لا يحب إلا نفسه: ﴿ولا يحض على طعام المسكين﴾ بمعنى أنه كان قاسي القلب إلى أقصى درجات القسوة إذ هو يضن على المساكين حتى بالوصية بمساعدتهم وهو بهذا جر على نفسه سخط الناس عليه: ﴿فليس له اليوم هاهنا حميم﴾ أي قريب أو صديق يهتم بأمره أو يرثي لحاله أو يشفع له بمعنى أنه لا يستحق الرحمة بتاتًا: ﴿ولا طعام﴾ مما يشبع الجائع من أنواع المأكولات: ﴿إلا من غسلين﴾ قيل هو اسم شجر في جهنم: ﴿لا يأكله إلا الخاطئون﴾ أي أنه لا يصلح ولا يفرح به غير الخاطئين في جهنم: ﴿فلا أقسم﴾ أي لست في حاجة لأن أقسم لكم على صحة ما أقول: ﴿بما تبصرون وما لا تبصرون﴾ أي بكل منظور وغير منظور وهذا يشمل الخالق والمخلوق والدنيا والآخرة والأجسام المادية والقوى الروحية: ﴿أنه﴾ أي القرآن: ﴿لقول رسول كريم﴾ أي أن القرآن لم يكن من تأليف محمد بن عبد الله بل هو كلام الله الذي تلاه عليكم بصفة كونه رسولًا من قِبَل الله وقد شهد الله بأنه كريم والكريم من جمع من كل شيء أحسنه فلا يعقل أن يفتري على الله الكذب أو ينسب إليه ما ليس من كلامه: ﴿وما هو بقول شاعر﴾ أي ليس القرآن في ذاته من خيالات الشعراء إذ هو يروي قصصًا حقيقية ثابتة ويقر مبادئ سامية وأخلاقًا عالية وأنتم بأفكاركم الجامدة وعقولكم الضيقة: ﴿قليلًا ما تؤمنون﴾ بمثل هذه الأدلة العقلية القائمة على أساس الفكر والقناعة الوجدانية: ﴿ولا﴾ هو القرآن: ﴿بقول كاهن﴾ يتنبأ بالغيب أو يستمد معلوماته من النجوم والكواكب أو من أقوال الشياطين فإنه لا يعترف لأحد بعلم الغيب وينفي أن يكون للنجوم والكواكب تأثير ويلعن الشياطين ويبرأ منهم وأنتم باعتقادكم بأقوال الكهنة: ﴿قليلًا ما تذكرون﴾ إن هناك فارقًا عظيمًا بينه وبينهم فهم إنما ينسبون لأنفسهم بعض التصرفات والقدرة على خرق العادات أما هذا فإنه ينفي عن نفسه كل شيء مما يأتي به إليكم وينسب ذلك إلى الواحد الديان فلم يبق من شك في أن القرآن هو بسوره وآياته وحروفه وكلماته: ﴿تنزيل من رب العالمين﴾ الذي نزل به جبريل بالنص من عند الله على رسوله الذي اجتباه: ﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل﴾ أي لو زاد فيه أو نقص أو نسب إلينا ما لم نتكلم به: ﴿لأخذنا منه باليمين﴾ أي لشددناه من يمينه: ﴿ثم لقطعنا منه الوتين﴾ الوتين: عرق في القلب يجري منه الدم إلى سائر العروق بمعنى بالغنا في الانتقام منه حتى يقضي عليه: ﴿فما منكم من أحد عنه حاجزين﴾ بمعنى لا يستطيع أحد أن يحجزه عنا أو يخلصه من عقوبتنا: ﴿وإنه﴾ أي القرآن: ﴿لتذكرة للمتقين﴾ أي أنه ينبه الحذرين
بعد أن أخبر الله في السورة السابقة أن الناس في يوم القيامة فريقان أبرار وفجار وأن الأبرار في نعيم والفجار في جحيم وختم السورة بقوله يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله أخذ يحذرهم في هذه السورة من الإقدام على بعض الأمور التي لا يرضاها الله لعباده في هذه الحياة من الأعمال التي من شأنها أن تفسد نظام التعامل بين الناس وتعود عليهم بأعظم الأضرار ولذلك فإن الله سيجزيهم عليها في الآخرة أشد الجزاء فقال: ﴿وَيْلٌ﴾ أي شر وهلاك عظيم في الحياة وبعد الممات: ﴿لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ المتلاعبين في الكيل والميزان من المسلمين وغيرهم من سائر الملل: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ﴾ أي من الناس وإنما أتى بكلمة: ﴿عَلَى﴾ بدلًا: ﴿من﴾ إشارة إلى تحاملهم عليهم وإيقاع الإضرار بهم: ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ أكثر مما لهم: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ﴾ أي أعطوهم شيئًا بالمكيال والميزان: ﴿يُخْسِرُونَ﴾ أي ينقصون عن المقدار المستحق لهم وهذا مما يدعو إلى عدم الثقة وانتفاء الأمانة بين الناس وقد جرت سنة الله في خلقه أن يجزي أمثال هؤلاء بالقحط في هذه الحياة حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت منهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر» هذا في الدنيا وأما في الآخرة: ﴿أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ﴾ المطففون: ﴿أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ توزن فيهم أعمالهم فيؤاخذون على ما طففوا وينالون جزاء ذلك: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ﴾ من قبورهم استجابة: ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي لأمره القاضي بالحياة بعد الموت: ﴿كَلاَّ﴾ أي أنهم لا يظنون البعث ولا يؤمنون به ولو آمنوا به لما أقدموا على التطفيف ولذا أكد لهم سبحانه وتعالى ذلك بقوله: ﴿إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ﴾ الذي أدرجت فيه أسماؤهم وأعمالهم: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ مأخوذ من السجن الضيق الذي يكون عادة في أسفل سافلين: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ أي أنه شيء عظيم يقاسي المجرمون الأهوال حتى يعثروا عليه من شدة الضيق والسفول: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ أي منقوش بخط بيِّن الرقم لا يمحى: ﴿وَيْلٌ﴾ هلاك عظيم: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القيامة: ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي أن المطففين سينالون من العذاب ضعفين أولًا لتطفيفهم وثانيًا لعدم تصديقهم بالبعث وقد صدق عليهم أنهم هم من: ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ يوم الحساب والعقاب سواء كان التكذيب بجحود الخبر الوارد به أو كان بعدم المبالاة بما يكون فيه من عقاب وعذاب: ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ﴾ أي بيوم الدين: ﴿إِلاَّ كُلُّ﴾ من