أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (٢٠٨) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢١٢) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (٢١٦) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمةََ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢١٨) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
العزاء ﴿فمن اعتدى﴾ من أهل القتيل ﴿بعد ذلك﴾ العفو والرضاء بالدية بأن انتقم من القاتل أو حقد عليه ﴿فله﴾ في الآخرة من الله ﴿عذاب أليم﴾ جزاء على عدوانه ورجوعه في عفوه السابق وكفى بهذا رادعًا للنفوس عن الاستخفاف بأوامر الله.
﴿ولكم في القصاص حياة﴾ ولكم فيما شرعناه من القصاص حياة لأن الناس إذا علموا أن من قتل يقتل يكف بعضهم عن قتل بعض، وإذا همّ أحدهم بقتل آخر ذكر القصاص فأحجم عن القتل فيحتفظ بحياته وحياة من أراد قتله بل وحياة من قد تصيبهم الفتنة ممن يحاول الانتصار لذوي قرباه فتمتد بذلك نيرانها بين القبائل والعائلات فجاء القصاص في الدين الإسلامي دواء شافيًا وحجابًا مانعًا من وقوع الجنايات، ﴿يا أولي الألباب﴾ أي يا أصحاب العقول فلا تحسبونه عقوبة قاسية وانتقامًا جائرًا ﴿لعلكم تتقون﴾ تتخذون من هذا النظام الاجتماعي وسيلة إلى التقوى. وهي الحذر من نقم الله وعذابه.
وعلى ذكر القصاص في القتل أخذ يبين الله سبحانه للمؤمنين ما يجب عليهم عند دنو آجالهم فقال ﴿كتب﴾ أي فرض ﴿عليكم﴾ يا معشر المؤمنين ﴿إذا حضر أحدكم الموت﴾ بأن بدت لأحد منكم علائم الموت أو الأسباب المؤدية إليه عادة ﴿إن ترك خيرًا﴾ إن كان ذا مال كثيرة وهذه الكثرة تتكيف باعتبار الأشخاص والجهات وثروة الموصي ﴿الوصية للوالدين والأقربين﴾ فعليه أن يوصي بشيء من هذا الخير للوالدين والأقربين الوارثين أو سواهم ممن تنقطع عنهم معونته ﴿بالمعروف﴾ بسبب ما لهم من معروف سابق تكون هذه الوصية بمثابة رد للجميل أو هو إحسان شخصي من الموصي يحسب من ثلث التركة بعد وفاته ﴿حقًّا على المتقين﴾ فتكون هذه الوصية بهذا الاعتبار واجبة على المتقين دون سواهم لأن شكر المحسن على إحسانه ورد الجميل بمثله من البر، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله ﴿فمن بدله﴾ فمن بدل ما أوصى به الموصي بأن حرفه أو أنكره ﴿بعد ما سمعه﴾ من الوصي أو علم به يقينًا شفويًّا أو تحريريًّا ﴿فإنما إثمه﴾ أي إثم ذلك التبديل ﴿على الذين يبدلونه﴾ من ولي ووصي وشاهد ﴿إن الله سميع﴾ لما يقوله المبدلون ﴿عليم﴾ بحقيقة الوصية فيعاقب المبدل لتلك الوصية
(ز) أنه يغرس روح المحبة والألفة بين العمال وأصحاب الأموال.
(ح) أن الله يكتب لصاحب المال ثواب كل خير ينتج منه.
والربا قسمان ربا النسيئة وربا الفضل.
١ - ربا النسيئة هو الذي كان معروفًا بين العرب في الجاهلية وهو أنهم كانوا يدفعون المال إلى أجل مقابل زيادة يتفق عليها فإذا حل الأجل ولم يسدد المبلغ طلب الإنساء أي التأخير ومد الأجل مقابل زيادة أخرى، وهو ما يعرف الآن بالفوائد المركبة، وهذا حرام بنص القرآن إذ يقول تعالى في آية أخرى «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة» وقد ورد في الصحيحين ما يدل على حصر الربا فيه إذ يقول ﷺ «إنما الربا في النسيئة» وقال الإمام أحمد إنه الربا الذي لا يشك فيه.
٢ - ربا الفضل هو أن يباع الصنف بمثله مع تفاضل في الكيل أو الوزن كبيع الكيل من الحنطة بكيلين منها أو الدرهم بدرهمين لقوله ﷺ «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» وقد حرم هذا الربا سدًا للذريعة أي خشية أن تكون الزيادة فيه من أجل النسيئة وأجمع الأئمة الأربعة على أن الحرمة غير مقصورة على هذه الأشياء الستة بل تتعداها إلى غيرها، وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلة، فتتعدى الحرمة إلى كل ما توجد فيه العلة، ثم اختلفوا في هذه العلة، فقال أبو حنيفة إن العلة هي اتحاد الجنس والقدر فمتى اتحد البدلان في الجنس والقدر حرم الربا بقسميه وإذا انعدما حل التفاضل والنسيئة كبيع الحنطة بالدرهم إلى أجل وإذا عدم الجنس أو القدر حل الفضل دون النسيئة كبيع الحنطة بالشعير، وقال الشافعي إن العلة في الذهب والفضة هي اتحاد الجنس مع النقدية وفي الأربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطُعم، وقال المالكية إن العلة هي مع الاقتيات أو ما يصلح به الاقتيات، وعندي أن العلة في تحريم ربا النسيئة هي أنه أكل مال الغير بغير حق مقابل النسيئة – أي الانتظار في سداد الدين وهذه القلة في ربا الفضل أكثر وضوحًا وأشد إثمًا إذا يستحل المرابي الزيادة فيه من غير مقابل
أحد يوم السبت للنصف من شوال فمشى على رجليه وجعل يصف أصحابه للقتال قائلاً لهم اثبتوا في هذا المقام فإذا عاينوكم ولوكم الأدبار فلا تطلبوا المدبرين ولا تغادروا مكانكم.
وهنا أخذ الحقد يغلي في قلب عبد الله بن أبي بن سلول وشق عليه لضعف إيمانه أن يعمل الرسول بغير مشورته ثم ينتصر فقال لأصحابه إن محمدًا إنما يظفر بعدوه بكم وقد وعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا فيتبعونكم فيصير الأمر على خلاف ما قاله محمد بن عبد الله. فلما التقى الفريقان انهزم عبد الله بن أبي بن سلول بالمنافقين وتجلى للنبي ما كان من نتيجة استشارته له في الأمر – وكانوا ثلث جيش المسلمين – وثبت الباقون وعددهم نحو سبعمائة في مواقفهم فهزموا المشركين، غير أنهم لما رأوا تقهقر العدو، وكان الله قد بشرهم بذلك حسبوا لأنفسهم شيئًا من التأثير في ذلك، ونسوا ما أوصاهم به الرسول من عدم مطاردة المدبرين وأرادوا أن يجهزوا عليهم فتبعوهم وتركوا المواضع التي أمرهم الرسول بملازمتها. فأراد الله سبحانه وتعالى أن يشعرهم بأن ما نالوه من نصر لم يكن بتأثير منهم بل هو نتيجة اتباعهم لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم. ولما أن خالفوه نزع الله ما كان في قلوب المشركين من رعب فكروا عليهم وتفرق الجيش عن رسول الله وشج وجهه الشريف وكسرت رباعيته وشلت يد طلحة دونه، ولم يبق معه غير أبي بكر وعلي وطلحة وسعد وقال الناس إن محمدًا قد قتل فوقع ذلك في نفوس الكثير من المسلمين فانهزموا وكسرت قلوبهم وفر بعضهم حتى بلغ المدينة ولكنه لم يدخلها.
وصاح أنس بن النضر فيمن بقي من الفلول المنهزمة ماذا تصنعون بالحياة بعد محمد فقوموا وموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس وقال إني لأجد ريح الجنة من دون أحد وكرّ يقاتل حتى قتل، وأقبل رسول الله ﷺ وكان أول من عرفه كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه وثبتوا هنالك حتى صرف الله المشركين عما كانوا يريدونه من استئصال المسلمين فلم يتعقبوهم وعادوا أدراجهم وعاد النبي وأصحابه إلى ميدان المعركة فجمعوا القتلى وتولوا أمر تكفينهم بأثوابهم ودفنهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم، ثم ركب النبي ﷺ فرسه وأمر المسلمين أن يصطفوا فاصطفوا خلفه واصطف خلفهم
لأن المشرك يجعله لله شريكًا قد افترى على نفسه وعلى الناس أكذوبة لا أصل لها ولا يقرها عقل أو منطق سليم ولم يقتصر شرعًا على مخترعها فحسب بل كانت سببًا في إعراض الناس عن الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن ما نهى عنه مما يؤدي إلى الفوضى وفساد حال المجتمع، ولقد أقام الله الدليل المحسوس لنبيه على كذب المشركين بقوله: ﴿ألم تر﴾ أيها الرسول الكذب باديًا من أقوال المشركين بنظرك ﴿إلى الذين يزكون أنفسهم﴾ بامتداح سيرتهم ونفي الشرك عنهم من اليهود الذين يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه ومن أين لهم هذا؟ والتزكية متعلقة بالتقوى والتقوى من الصفات الخفية التي لا يعلم بها إلا الله وكيف أودع الله هذا السر إليهم ﴿بل الله﴾ العالم بحقائق الأمور هو وحده الذي ﴿يزكي من يشاء﴾ أي يشهد للناس بحسب ما وضعه لهم من نظام المشيئة الذي يشهد للصالح بعمله وخالص نيته ﴿ولا يظلمون﴾ بمقتضى ذلك هم ولا سواهم شيئًا مما يستحقونه بأعمالهم من جزاء ﴿فتيلًا﴾ والفتيل ما يكون في شق نواة الثمرة مثل الخيط وما تفتله بين أصابعك من وسخ أو خيط أي مهما كان حقيرًا ﴿أُنظر كيف يفترون على الله الكذب﴾ ويفترون عليه في تزكية نفوسهم وزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وليس هذا من حقهم ﴿وكفى به إثمًا مبينًا﴾ فالكذب على الله من أعظم درجات الكذب، وأشدهما جريمة وإثمًا إذ هو مما يؤدي إلى غرور الإنسان بنفسه وظن أن مجرد انتمائه إلى الدين من غير عمل سينجيه، وهذا وهم باطل لا يغنيه من الله شيئًا.
بعد أن خبّر الله نبيه بضلال فريق من اليهود عن طريق تحريفهم الكلم عن مواضعه وما ترتب على ذلك من شركهم بالله وافترائهم الكذب وافتنانهم عليه بتزكية أنفسهم عاد فسجل على بعضهم ممن غيّر في دينه وبدل ما هو أدهى وأمر، ذلك أنهم وقد
بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٠٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (١٠٨) يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ (١١٥) وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا
@والحب منك فمن أحببت فاز ومن
#كان المحب يعاني لوعة السقم
@وليس يسعد من لا كنت غايته
#وليس غيرك يشفي القلب من ألم
@سبحان ربي فلا قول ولا عمل
#إلا بعلمك عن قصد وعن حكم
@لا فضل لا جود لا إحسان لا أمل
#في الحب في الوصل إلا خط بالقلم
@هل نظرة منك تدنيني إلى أملي
#وتملأ القلب بالأنوار في الظلم
@وتجذب النفس نحو الحق خاضعة
#وتعصم الجسم بالتقوى عن اللمم
@فأنت مبدأ خلقي منتهى أملي
#وذاك أعظم ما أرجو من النعم
@وأنت مالك سري خالق عملي
#مدير الكون مبديه من العدم
@وإنني من غدا يرجوك مرحمة
#مع الهداية والتوفيق والكرم
@يحسن ظني وإيماني وفرط هوى
#في مهجتي نحو رب الخلق كلهم
الذي لا يمكن أن يطابق الواقع تمامًا كما هو شأن ما يخرص من النحيل والكرم من الثمرة والزبيب ﴿قل فلله الحجة البالغة﴾ والقول الفصل فيما يقصد من مشيئته وقد أشار إلى حقيقتها بقوله: ﴿فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ أي أن مشيئة الله الأزلية معناها أحكامه العامة التي يحمل المخلوقات عليها حملًا يقال في اللغة أشاءه إلى كذا ألجأه إليه وشيأته على الأمر حملته عليه وهي تشمل جميع ما يحبه الله وما يكرهه فكلاهما داخل ضمن مشيئته وهذه المشيئة هي الدستور الإلهي الذي وضعه الله بما يتلاءم واستعداد وقدرة جميع المخلوقات للسير بمقتضاه والذي أذاعه على عباده لينفي عن ذاته العلية صفة الاستبداد والظلم ويمنع بمقتضاه الفوضى والعدوان على الحقوق ويؤاخذ الناس على أعمالهم بحسب مواده وأحكامه، وقد قضت مشيئته تعالى أن يكون الناس أحرارًا في تصرفاتهم مسؤولين عن أعمالهم فلا يمكن أن يكونوا جميعًا مهديين أو ضالين ولو أنه شاء لهم جميعًا الهداية لتعارض هذا مع ما شاءه للناس من الحرية التي أنعم بها عليهم وأصبحوا في هذه الحالة مقهورين مجبورين كالملائكة تمامًا ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ وهذا ما يبطل ما خيل إليهم من أن المراد بالمشيئة أحكام الله الصادرة في حق كل فرد بعينه وما بنوا عليه قولهم إن كل ما يصدر منهم من الشرك وغيره هو بقضاء الله وأمره ورضاه ﴿قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا﴾ أي أحضروا من أخذتم منهم تحريم ما حرمتم من القساوسة والرهبان ليقرروا أمامنا عن علم شهودي أن الله حرم عليكم هذا ﴿فإن شهدوا﴾ أي شهد شهداؤهم من رجال الدين وقالوا حقًّا إن الله قد حرم هذا ﴿فلا تشهد معهم﴾ أي لا تسكت على شهادتهم لأن السكوت في هذه الحالة يعد اعترافًا بما يقولون بل عارضهم وأقم البراهين على بطلان ادعائهم ﴿ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا﴾ ممن يزعمون الإيمان بالله ولكنهم يكذبون صحيح الآيات بمعنى لا يعلمون بها وإنما يتبعون ما تسوله لهم نفوسهم من الأخذ بأقوال رؤساء الأديان وترجيحها على مفهوم كلام الله ظنًّا منهم أنهم أكثر فهمًا وعلمًا بحقائق الدين ومقاصد الآيات ﴿والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون﴾ أي جماعة الطبيعيين والماديين الذين ينكرون البعث ويعدلون عن الإيمان بوجود الرب إلى أشياء لا حقيقية لها فينسبون كل شيء إلى الطبيعة أو إلى المادة لا إلى الله جل وعلا...
بعد أن حطم الله ما كان للمشركين من معتقدات فاسدة وما كانوا ينسبونه إليه من تحريم بعض الحرث والأنعام وحدد ما حرمه من الطعام ونبه إلى ما كان لمن قبلهم من شبهة أدت إلى شركهم وهي زعمهم أنهم
حجاب بغير واسطة ملك كلامًا بصوت سمعه ولغة فهمها وأنس بها استشرفت نفسه الزكية للجمع بين فضيلتي الكلام والرؤية وحسب أن هذا من الممكنات ﴿قال رب أرني أنظر إليك﴾ لأنعم بمشاهدة جمالك ﴿قال لن تراني﴾ في هذه الحياة الدنيا فإني قوي ونور السموات والأرض ولو سلطت قوتي وتجليت بنور جلالي على شيء مادي لذاب واحترق ولأجل أن يفهم سبحانه موسى هذا السر قال ﴿ولكن انظر إلى الجبل﴾ الماثل أمامك فإني سأتجلى له ﴿فإن استقر مكانه﴾ ساعة التجلي ولم يتزعزع برغم صلابته ورسوخه ﴿فسوف تراني﴾ لمشاركتك له في المادية ﴿فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا﴾ وقرئ «دكاء» بالمد والتشديد أي هدمه حتى سواه بالأرض ولم يكن الناس من قبل على علم بهذا السر حتى اكتشف العلماء قوة الكهرباء التي عرفوا طريقة توليدها والاستفادة منها وعجزوا عن معرفة كنهها بأكثر من أنها قوة من قوى الله التي إذا سلطت على شيء أفنته وكذلك الحال في ما توصلوا إليه من علوم عن الذرة ومفعولها القوي وقد قلت في هذا:
@فحقيقة القوات سر غامض
#وجلال ربي مصدر القوات
@من كان يطمع في التماس بقوة
#فمصيره للحرق في لحظات
@وكذلك اندكت جبال عندما
#حصل التجلي منه للصخرات
﴿وخر موسى صعقًا﴾ أي وقع مغشيًا على من هول ما رأى ﴿فلما أفاق﴾ موسى من غشيته ﴿قال سبحانك﴾ أي أنزهك وأقدسك عن أن تكون من الماديات التي ترى بالأعين المادية ﴿تبت إليك﴾ من مثل هذا الطلب الذي لا ينبغي أن يصدر من مخلوق ﴿وأنا أول المؤمنين﴾ باستحالة الرؤية في هذه الحياة وفي هذا إشارة إلى ما كشفه العلم من أن تسلط أي قوة من قوى الله على شيء مادي من شأنها أن تفنيه في لمح البصر وقد اختلف العلماء في رؤية الله يوم القيامة فقال فريق بجوازها مستدلين على ذلك بسؤال الكليم إياه وعدم إنكار البارئ تعالى عليه هذا السؤال وغلا بعضهم فزعم أن الرسول ﷺ رأى ربه ليلة المعراج استند إلى قوله تعالى: ﴿ولقد رآه نزلة أخرى﴾ إذ ينسبون الرؤية لله جل وعلا ولقد نفتها السيدة عائشة رضي الله عنها هذا عندما
المؤمنين وولاية بعضهم لبعض في المناصرة والمساندة بمقتضى الإيمان والمهاجرة وما يلزمها من الأعمال واختلاف ذلك باختلاف الأحوال فقسمهم إلى أربعة أصناف أشار إلى الصنف الأول بقوله: ﴿إن الذين آمنوا﴾ بالله ورسوله واتبعوا شريعته: ﴿وهاجروا﴾ من ديارهم وأوطانهم فرارًا بدينهم من فتنة المشركين: ﴿وجاهدوا﴾ الجهاد بذل الجهد بقدر الوسع: ﴿بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ أي من أجل نصر دين الله وإعلاء كلمته ويعني بهؤلاء المهاجرين الأولين منذ بدء الدعوة الإسلامية إلى ما قبل غزوة بدر وأما الصنف الثاني فهم من قال عنهم: ﴿والذين آووا﴾ الرسول ومن هاجر معه من أصحابه الذين سبقوهم بالإيمان: ﴿ونصروا﴾ أي نصروهم بذلك الإيواء الذي يعني تأمينهم من المخاوف تيسير أمر معاشهم ومشاركتهم في الأموال بل إيثارهم على أنفسهم: ﴿أولئك﴾ أي كل من المهاجرين والأنصار: ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ الولي: المحب والنصير والحليف أي أن هذين الصنفين يتولى بعضهم من أمر الآخرين أفرادًا وجماعات ما يتولونه من أمر أنفسهم من تعاون وتناصر في القتال وما يتعلق به من الغنائم وغير ذلك ويفدي بعضهم بعضًا بالنفس والمال إذ هم متكافئون في الدرجة ومشتركون في المصالح، والصنف الثالث هم من أشار إليهم سبحانه بقوله: ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا﴾ بل ظلوا في دار الكفر: ﴿ما لكم من ولايتهم﴾ بفتح الواو وقرئ بكسرها: ﴿من شيء حتى يهاجروا﴾ بمعنى ليس للمؤمنين أن يعاونوهم ويناصروهم حتى يهاجروا من تلقاء أنفسهم وهذا تأييد لما أجاب الرسول به الأنصار عندما رغبوا في إعفاء العباس من الفداء لقوله إنه كان مسلمًا ولكن القوم استكرهوه فلم يقنع الرسول بقوله وأصر على أخذ الفداء منه وقد خص الله من عموم الولاية المنفية شيئًا واحدًا فقال: ﴿وإن استنصروكم في الدين﴾ أي إلا أن يطلبوا ولايتكم ونصركم لهم على الكفار الذين يعذبونهم ويضطهدونهم لأجل دينهم: ﴿فعليكم النصر﴾ أي فيجب عليكم نصرهم إذ النصر والعون في هذه الحالة لم يكن لأشخاصهم بل انتصارًا للإسلام في أشخاصهم: ﴿إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق﴾ أي أن هذا النصر الواجب عليكم مشروط بأن يكون الكفار الذين طلب منكم النصر عليهم من الأعداء المحاربين الذين لم تعقد بينكم وبينهم معاهدات لا يحل لكم نقضها فعندئذ لا تلزمون بمساعدتهم لأن الإسلام يوجب عليكم الوفاء بعهودكم ويعتبر نقضها غدرًا وخيانة والله لا يحب الخائنين، اللهم إلا إذا كان العهد القائم بين الحكومة الإسلامية والحكومات الأجنبية ينص على
الذي وضع أساس الحضارة وحرم على المشركين أن يطوفوا بالبيت الحرام عرايا منذ فجر الإسلام وما يكون لأمريكا تلك الدولة المفكرة التي آمنت بأضرار الخمرة فحاربتها ولم تستطع القضاء عليها أن تنكر على الإسلام تحريمها قبل مئات السنين ونجاحه في تنفير الناس منها وما يكون للدولة الإنجليزية والألمانية التي أدركت مضار البغاء العلني فحاربته وأوصدت أبوابه أن تنكر على الإسلام تحريمه للزنا قبل مئات السنين ونجاحه في تحريمه وإبادة جراثيمه وأخيرًا فما يكون لدول العالم جميعها وهي تشكو من تطاحن الناس على المادة وما ترتب عليه من تنازع الرأسمالية مع غيرها نتيجة انتشار الربا بين الناس أن تعيب على الإسلام تحريمه للربا وصد الناس عنه وقد نجح في ذلك بما غرسه في القلوب من تعاطف وتعاون ورحمة الإنسان بأخيه الإنسان يوم كان المسلمون يتبعونه. وليس أمام البشر اليوم طريق يخلصون به مما يعانونه اليوم غير اتباع شريعة محمد بن عبد الله خاتم النبيين للناس أجمعين.
سورة يونس
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ
أن يعارضك أو يحول دونك ودون صنعها: ﴿ووحينا﴾ أي وبإرشاد منا إلى طريقة الصنع فلا يصدر منك أي خطأ من شأنه أن يؤدي إلى غرقها: ﴿ولا تخاطبني في الذين ظلموا﴾ أي لا تراجعني في أمرهم بعد هذا بطلب الرحمة لهم ودفع العذاب عنهم بعد ما صدر منك من دعاء عليهم حكاه الله في سورة نوح بقوله: ﴿وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا﴾.
﴿إنهم مغرقون﴾ أي حقت عليهم كلمة العذاب وقضي عليهم بالإغراق نتيجة إصرارهم على الكفر، وهنا صدع نوح بأمر ربه: ﴿و﴾ ظل: ﴿يصنع الفلك﴾ أي إنه عكف على بناء الفلك إشعارًا لقومه بأنه يستعد للنجاة من خطر الغرق الذي سيحيق بهم فلم يتعظوا أو يخافوا بل تمادوا في عنادهم: ﴿وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه﴾ أي استهزءوا به وضحكوا من اشتغاله بما لا ينفع حتى كانوا يقولون يا نوح كنت تدعي الرسالة ثم أصبحت نجارًا ولو كنت صادقًا في دعواك لأغناك إلهك عن هذا العمل الشاق: ﴿قال﴾ مجيبًا لكل ساخر منهم: ﴿إن تسخروا منا﴾ لتفرغنا لصنع الفلك: ﴿فإنا نسخر منكم﴾ لجهلكم ما من أجله تصنع الفلك وهو النجاة من الغرق الذي سيحيق بكم لا محالة: ﴿كما تسخرون﴾ أي جزاء وفاقًا وإذا كنتم لا تعلمون اليوم ثمرة ما نعمل: ﴿فسوف تعلمون﴾ بعد إتمام صنع الفلك من هو أحق بالسخرية و ﴿من يأتيه عذاب يخزيه﴾ أي ومن هو الذي يحل به عذاب الغرق ويصبح محل الخزي في الحياة الدنيا: ﴿ويحل عليه عذاب مقيم﴾ بعد ذلك في الآخرة، وقد استمروا على هذا الحال: ﴿حتى إذا جاء أمرنا﴾ أي حان الوقت المحدد لهلاكهم: ﴿وفار التنور﴾ الفور شدة غليان الماء والتنور في اللغة تجويفة أسطوانية من فخار تجعل في الأرض ويخبز فيها الخبر، وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا وعندي أنه لما كان التنور لا يستعمل للماء فلا يبعد أن يقال إن ذلك التنور كان معلومًا لنوح عليه السلام وأن الله قد عرفه أنك إذا رأيت الماء يتفجر ويفور منه على خلاف العادة فاعلم بأن ذلك هو علامة لدنو ساعة هلاك القوم بالغرق: ﴿قلنا﴾ لنوح: ﴿احمل فيها﴾ أي في الفلك: ﴿من كل﴾ بالتنوين وقرئ بالإضافة لما بعدها: ﴿زوجين اثنين﴾ أي من كل نوع من الأحياء أو الحيوان اثنين ذكر وأنثى لأجل أن تبقى وتتناسل بعد غرق سائر الأحياء ويبقى نوعها
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨) أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوا عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (٣٤) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ
جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (١٢٨)}.
لقد اشتملت السورة السابقة على قصص بعض الأنبياء وما أصاب أقوامهم من عذاب الاستئصال نتيجة تكذيبهم وختمت بذكر بعض المعلومات التي من شأنها أن تشرح صدر الرسول ﷺ وتكسبه القدرة على تحمل أعباء الدعوة، والصبر على أذى قومه، وأكد له ربه أنه سيسألهم أجمعين عما كانوا يعملون، وذلك في يوم الحشر الموعود. ثم ابتدأ هذه السورة بما يشعر بأن ذلك اليوم سوف لا يكون بعيدًا فإن عمر الأمة الإسلامية بالنسبة لأعمار الأمم السابقة ما هو إلا كما بين وقت العصر إلى غروب الشمس فقال: ﴿أتى أمر الله﴾ أي أن حكم الله قد صدر بانتهاء أمد الحياة: ﴿فلا تستعجلوه﴾ أي فلا تطلبوا تعجيل المحكوم به قبل وقته فهذا ليس في مصلحتكم وهو لا بد واقع في الوقت المحدد له ويكفي أن تثقوا بوقوعه فتعملوا لما ينفعكم آنذاك: ﴿سبحانه وتعالى﴾ أي تنزه الله في حكمه في ذلك اليوم: ﴿عما يشركون﴾ أي عن شركة الشركاء والأنداد فليس لأحد عنده حق مكتسب يخوله الشفاعة: ﴿ينزل الملائكة﴾ بكسر الزاي مشددة ونصب الملائكة وقرئ بضم الياء وكسر الزاي مخففه: ﴿بالروح﴾ أي القوة أو الإلهام اللذين هما من أسرار الله الخفية المستمدة: ﴿من أمره﴾ بقوله كن فيكون: ﴿على من يشاء﴾ تنزل الملائكة عليه ممن يقاوم هوى نفسه ووساوس شيطانه ويطلب من ربه العون والتوفيق والهداية لأقوم السبل والقدرة على إعلاء كلمة الله ونصر دينه: ﴿من عباده﴾ المؤمنين به والمعترفين بعبوديتهم له فينزل الله عليهم عن طريق الملائكة إلهامًا بالخير وقدرة على نشر الدعوة إلى توحيد الله بمختلف الأدلة التي تملي عليهم: ﴿أن أنذروا﴾ أي أنهم يجدون من أنفسهم جرأة ودافعًا لتبليغ ما أمروا به من: ﴿أنه لا إله إلا أنا﴾ أي لا شريك لي في الألوهية: ﴿فاتقون﴾ أي راقبوني في سركم وأيقنوا بقدرتي على إنزال أنواع العذاب بكم متى أردت أو متى بلغتم في الكفر منتهى الحدود.
الذي وضع أساس الحضارة وحرم على المشركين أن يطوفوا بالبيت الحرام عرايا منذ فجر الإسلام وما يكون لأمريكا تلك الدولة المفكرة التي آمنت بأضرار الخمرة فحاربتها ولم تستطع القضاء عليها أن تنكر على الإسلام تحريمها قبل مئات السنين ونجاحه في تنفير الناس منها وما يكون للدولة الإنجليزية والألمانية التي أدركت مضار البغاء العلني فحاربته وأوصدت أبوابه أن تنكر على الإسلام تحريمه للزنا قبل مئات السنين ونجاحه في تحريمه وإبادة جراثيمه وأخيرًا فما يكون لدول العالم جميعها وهي تشكو من تطاحن الناس على المادة وما ترتب عليه من تنازع الرأسمالية مع غيرها نتيجة انتشار الربا بين الناس أن تعيب على الإسلام تحريمه للربا وصد الناس عنه وقد نجح في ذلك بما غرسه في القلوب من تعاطف وتعاون ورحمة الإنسان بأخيه الإنسان يوم كان المسلمون يتبعونه. وليس أمام البشر اليوم طريق يخلصون به مما يعانونه اليوم غير اتباع شريعة محمد بن عبد الله خاتم النبيين للناس أجمعين.
سورة يونس
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ
والخفية: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ﴾ أي كان عليكم أن تتخذوا لكم: ﴿أُسْوَةٌ﴾ أي قدوة: ﴿حَسَنَةٌ﴾ طيبة: ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ من المؤمنين برسالته فهلا تأسيت يا حاطب بأولئك القوم: ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ﴾ الذي أصروا على كفرهم وعنادهم وعدم الهجرة معهم: ﴿إِنَّا بُرَآءُ﴾ جمع برئ: ﴿مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾ من أصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تنفع ولا تضر: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ أي جحدنا وأنكرنا قدرتكم بأشخاصكم على إيقاع الأذى بنا كما قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا﴾ أي أعلناها مقاطعة دائمة لا مجاملة فيها: ﴿حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ أي حتى تتحدوا معنا في العقيدة عندئذ يرجع الود إلى سابق عهده: ﴿إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ﴾ وهو مشرك: ﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ أي هلا تأسيتم به في كل شيء إلا استغفاره لأبيه فذلك وعد قطعه إبراهيم عل نفسه برًّا بوالده ورغبة في هدايته وظنًّا منه أن الله لا يرد له طلبًا مع أنه في حال وعده بالاستغفار لم يطمعه في أن استغفاره له سينجيه من عذاب الله ما لم يعمل من جانبه ما يستحق عليه الغفران إذ قال: ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ﴾ أي إن لم تؤمن بالله، وقد لقنه في سبيل الرجوع إلى الله بقوله: ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ أي آمنا بقدرتك الكاملة وسلطانك الواسع ففوضنا إليك كل أمورنا: ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ أي رجعنا إليك بالتوبة والندم على ما فرط منا: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ أي آمنا بالعبث والنشور والحساب والعقاب والحياة الأخرى وأن مردنا إليك فلا تؤاخذنا: ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي لا تجعلنا وسيلة لضلال من لا يؤمن إلا بالماديات من الناس الذين ينسبون لأنبيائهم وصلحائهم خوارق العادات وقضاء الحاجات إذ يدعونهم من دون الله في الملمات كما حصل فعلًا لقوم عيسى الذي اتخذوه وأمه إلهين من دون الله: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا﴾ فنحن كبشر لا نبرئ أنفسنا من المعاصي والذنوب ونرجو غفرانك في كل وقت: ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ﴾ الذي لا تنال ولا تضرك معاصينا: ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي اقتضت حكمته أن يجعل من العمل الصالح سبيلًا إلى الفوز بالرضوان وفسيح الجنات منة منه وكرمًا ولولا هذا لما كان لنا أن نطمع في شيء من ذلك ومع كل هذا فإن إبراهيم عندما تبين له أن أباه عدو لله تبرأ منه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون: ﴿فِيهِمْ﴾ أي في إبراهيم والذين معه: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ في خوف الله واتقاء عذابه وحبه والعمل لنيل غفرانه: ﴿لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ أي يؤمن بهما فيطمع في رضوانه ويؤمل
إلى مواضع الزلل: ﴿وإنا لنعلم أن منكم مكذبين﴾ له تمشيًا ما عاطفتكم ونفسكم الجامحة: ﴿وإنه لحسرة على الكافرين﴾ أي يجلب لهم الحسرة يوم القيامة على تكذيبهم له: ﴿وإنه لحق اليقين﴾ أي حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب يعتريه: ﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ شكرًا على أن جعلك أهلًا لإيحائه إليك وتنزيهًا له تعالى عن أن ينسب إليه الكذب بالوحي.
اتصف بصفات ثلاثة الأولى: ﴿مُعْتَدٍ﴾ أي من تجاوز الحد في أعماله، الثانية: ﴿أَثِيمٍ﴾ أي من يضمر السوء لغيره لقوله ﷺ «الإثم ما حاك في الصدر»، الثالثة: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أي من ينكر النبوة ويطعن في الكتب المنزلة: ﴿كَلاَّ﴾ ليس ما يتلى عليهم أساطير الأولين كما يزعمون: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم﴾ الرين الصدأ الذي يعلو الشيء الجليل أي أصاب قلوبهم صدأ من الغفلة: ﴿مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي بسبب سوء أعمالهم الذين أقدموا على فعلها ذلك أن الإنسان إذا لم يحكم عقله في تفهم الدين وما يدعو إليه وسار في طريق الغواية والاستجابة لهوى النفس لم يعد يرى في قلبه حاجة إلى هداية أو ما يحذبه إلى إرضاء ربه فيجحد الإيمان ويمعن في ارتكاب المحرمات: ﴿كَلاَّ﴾ لم يقتصر الأمر عند هذا الحد: ﴿إِنَّهُمْ﴾ بسبب هذا الرين: ﴿عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ﴾ أي في يوم القيامة: ﴿لَّمَحْجُوبُونَ﴾ أي ممنوعون عن رؤيته وخطابه لغضبه عليهم كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾،: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ﴾ بعد أن يحجبوا في عرصات القيامة عن ربهم ويحاسبوا حسابًا مريرًا: ﴿لَصَالُو الْجَحِيمِ﴾ لداخلو نار جهنم: ﴿ثُمَّ يُقَالُ﴾ لهم: ﴿هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ من آيات الله في الدنيا أفلا ترونه حقًّا لا مرية فيه فلتذوقوا جزاء المكذبين: ﴿كَلاَّ﴾ لم يقتصر الأمر على مجرد دخولهم في النار وتنبههم إلى أن هذا جزاء تكذيبهم بل إن مما يضاعف حسرتهم ويحز في نفوسهم أن يسمعوا بما آل إليه أمر البررة من عباد الله المصدقين بيوم الدين وفق ما كانوا يوعدون إذ يقال لهم: ﴿إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ﴾ أي كتبهم: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ في أعلى مقام: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ أي شيء هو؟ إنه: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ يوحي بالفخر لكل من دون اسمه فيه: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ إلى الله ممن سمت منازلهم وخلصت نياتهم وشرفت أعمالهم: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ﴾ بأشخاصهم الآن: ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ دائم مقيم: ﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ أسرة مرتفعة مزينة بالثياب: ﴿تَعْرِفُ﴾ بالبناء للفاعل، وقرئ بالبناء للمجهول: ﴿فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ أي أن آثار النعمة بادية على محياهم: ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ﴾ الخمر التي لا غش فيها ولا شيء يفسدها: ﴿مَّخْتُومٍ﴾ أي في أوان مقفلة مبالغة في العناية بها: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أي أن هذا الختام أو المادة التي ختمت بها الأواني من المسك: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ﴾ أي التباري في الفخر: ﴿الْمُتَنَافِسُونَ﴾ كل صاحب فضيلة ومكرمة وعمل صالح: ﴿وَمِزَاجُهُ﴾ أي أن ذلك الرحيق مختلط بماء: ﴿مِن تَسْنِيمٍ﴾ اسم عين تنصب من أعالي الجنة: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ أي يشرب