وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (٢٥٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن
ثلاثين يومًا وقد أوضح الرسول ﷺ العلة في اعتماد الثبوت على الرؤية فقط بقوله «إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب الشهر هكذا هكذا هكذا ثلاثًا – وأشار بكلتا يديه – إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وأما إن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا» فدل هذا على وجوب الصوم بالحساب متى انتفت الأمية ووجد في المسلمين من برع في علم الفلك والحساب ولا عبرة بما يقوله بعض العلماء من ضرورة التقيد بالرؤية لاختلاف المطالع. ذلك لأن الله قد قال في كتابه ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله﴾ ولا يعقل أن يكون مبدأ الشهر في مكة الجمعة ومبدؤه في باكستان وأندنوسيا السبت مثلًا فهذا يعد طعنًا في نظام الله الكوني الدقيق خصوصًا ونحن نرى اتحاد أوائل الشهور الشمسية التي لا تخطئ فكيف يسوغ لنا أن نتصور الخطأ في أوائل الأشهر القمرية ونرضى أن يقال عنا إن المسلمين لا يتفقون حتى في صومهم وأعيادهم مع العلم بأن إفطار يوم من رمضان وصوم العيد حرام على أن هذا الاختلاف عائد لاختلاف مفاهيم العلماء للدين الإسلامي لا للإسلام ذاته ﴿ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر﴾ وحينئذ يرخص لكم في حال المرض والسفر والإفطار مع القضاء في أيام أخر ﴿يريد الله بكم اليسر﴾ وذلك لأن الله لا يريد أن يشق عليكم فأوجب الصوم بالسهولة واليسر وجعله في أيام قليلة من السنة ومع ذلك فإنه لم يوجبه على المريض والمسافر رعاية لمعنى اليسر ورفع التكليف ﴿ولا يريد بكم العسر﴾ فلم يقصد به إرهاقكم وتكليفكم بما هو فوق الطاقة ﴿ولتكملوا﴾ بتخفيف الميم وقرئ بتشديدها ﴿العدة﴾ وعليكم أن تكملوا عدة أيام الشهر بأدائها كلها فيه أو قضاء مثلها في غيره متى حال العذر دون ذلك ﴿ولتكبروا الله﴾ الذي أمدكم ورزقكم من طيبات نعمائه ﴿على ما هداكم﴾ إليه من القيام بهذه الفريضة التي تروضكم على العطف والإشفاق والرحمة وإطعام الفقراء والمساكين والرأفة بالمحتاجين ﴿ولعلكم تشكرون﴾ فتبذلون الأموال في هذا السبيل فإن شكر النعم بالفعل أفضل من الشكر بالقول.
يدافع عن الذين آمنوا، ولا خوف عليهم من لوعة الفقر بسبب الصدقات، لأن الله قد أخذ على نفسه عهدًا أن يربي الصدقات (ولا هم يحزنون) على ما عملوا من الصالحات، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وهكذا نرى الله جل شأنه يوالي تعهده المرة تلو المرة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات بالأجر في الآخرة وعدم خوف الفقر في هذه الحياة فهل من مدكر.
بعد أن قال تعالى فيما سبق أن من انتهى عن الربا فله ما سلف، أراد سبحانه وتعالى أن ينبه المؤمنين إلى أن المراد بما سلف قبل التحريم في القبض لا في العقد حتى يشمل ذلك ما بقي بذمة القوم من زيادة متفق عليها بعقد سابق، إذ أن الشارع الحكيم إنما عفا عن الماضي باعتباره شيئًا قد قبض، ومن الصعب على النفوس إعادته، أو مر عليه زمن فلم تعد تعيه الذاكرة. ومن الحرج وجوب إعادته؛ أما المبلغ الذي لم يقبض فحكمه حكم الزيادة المقبلة فلا يجوز أخذها ولذلك قال (يا أيها الذين آمنوا) بالله ورسوله وأيقنوا بعلمه عن كل ما يصدر منهم (اتقوا الله) في أموالكم واحذروا أن تدخلوا على أنفسكم شيئًا من الربا الذي حرمه الله عليكم (وذروا) أي اتركوا (ما بقي) لكم عند الناس (من الربا) الزيادة المتفق عليها مقابل تأجيل السداد عن المدة الماضية (إن كنتم مؤمنين) بحرمة الربا فالزيادة عن الماضي والمستقبل كلها ربا ما دامت لم تقبض (فإن لم تفعلوا) لم تتقوا الله في أموالكم بتجنب الربا أو لم تذروا ما بقي منه فإنكم تكونون مبارزين بعملكم هذا الله بالعداء وإذًا (فأذنوا) وقرئ «فآذنوا» بمد الألف مفتوحة وكسر الذال على وزن آمنوا بمعنى الإعلام أو الإعلان (بحرب من الله) أي فخذوا علمًا بأنكم أصبحتم في حالة حرب مع الله ورسوله واستعدوا لحملاته التي ستوجه إليكم ونقمه التي ستحل بكم ولو بعد حين، والله في حربه يمهل ولا يهمل وهو شديد الانتقام (ورسوله) المنفذ لأوامره فإنه يحول دونكم دون ذلك بالقوة (وإن تبتم) عن الربا وصرفتم النظر عما بقي لكم عند الناس من زيادة من تلقاء أنفسكم (فلكم رؤوس أموالكم) التي دفعتموها للمدينين (لا تظلمون) غرماءكم بأخذ الزيادة منهم (ولا تظلمون) من قبلهم بالمطل أو باحتساب ما دفعوه لكم من زيادة سابقة من أساس رأس المال (وإن كان) الذي عليه الدين (ذو عسرة) وقرئ «ذا عسرة» ولم يستطع إعادة رأس المال (فنظرة) بكسر الظاء، وقرئ «فناظرة» (إلى ميسرة) بفتح السين وضمها قراءتان أي ولا تشددوا عليه في الطلب بالنظر لانتفاء الفائدة بل عليكم أن تمهلوه إلى حين يساره بدون فائدة لتبرهنوا بذلك على خلوص نيتكم (وأن
رغم ما كانوا عليه من قلة وضعف وما كان لدى أعدائهم من قوة ﴿فاتقوا الله﴾ أن يراكم في ضعف من الإيمان بحيث تعتمدون على الأسباب والأمور المادية أكثر من اعتمادكم على الله فتتكلون على الناس أكثر من توكلكم عليه جل وعلا ﴿لعلكم﴾ بهذه التقوى تشعرون بالقدرة الإلهية التي تكفل نصركم وتأييدكم فيقوى إيمانكم و ﴿تشكرون﴾ الله على نعمه الظاهرة والباطنة ﴿إذ تقول للمؤمنين﴾ أيها الرسول هذا متعلق بقوله: ﴿ولقد نصركم الله بدر﴾ إذ كنت تقوي فيهم الروح المعنوية بتثبيت قلوبهم وتعدهم بقولك للمؤمنين ﴿ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين﴾ أي هابطين من السماء كي تحارب في صفوفكم وقرئ ﴿منزلين﴾ بتشديد الزاي مفتوحة ﴿بلى﴾ لا شك أنه يكفيكم ولكني أزيد في طمأنينتكم فأقول إنكم ﴿إن تصبروا﴾ تجلدوا وتثبتوا في أماكنكم ﴿وتتقوا﴾ أي تخافوا وتحذروا أن يرى الله سبحانه الخوف أو اليأس يتطرق إلى قلوبكم ﴿ويأتوكم من فورهم هذا﴾ وأنتم على ما أنتم عليه من قلة وضعف ﴿يمددكم ربكم﴾ جزاء إيمانكم وثقتكم به ﴿بخمسة آلاف من الملائكة مسومين﴾ بكسر الواو مشددة أي معلمين بعلامة فارقة ترونها رأي العين لتتأكدوا من وجودهم معكم وقرئ ﴿مسوَّمين﴾ بفتح الواو مشددة من السوم أي التفويض يقال مسومه فيما يملك حكمه فيه.
وقد ورد في الخبر أن النبي ﷺ قال يوم بدر سوموا فإن الملائكة قد سومت ﴿وما جعله الله﴾ وما جعل الله ما قاله الرسول لكم من إمداد الملائكة منزلين ومسومين ﴿إلا بشرى لكم﴾ يدخل بها السرور على نفوسكم ﴿ولتطمئن قلوبكم﴾ التي تعودت الركون إلى الأمور المحسوسة من قديم الزمان ﴿به﴾ بالنصر لوجود الملائكة معكم وقتالهم في صفوفكم ﴿وما﴾ كان ﴿النصر﴾ الذي أحرزتموه في ذلك اليوم في الواقع ونفس الأمر ﴿إلا من عند الله﴾ يمنحه لمن يشاء من عباده وكيف يريد جل وعلا وقد يكون ذلك بقوة خفية لا يعلمها إلا هو فإياكم أن تظنوا أن نصركم كان بسبب قتال الملائكة في صفوفكم أو أنكم ستنصرون دائمًا بمجرد الإمدادات الإلهية من غير أخذكم بالأسباب الظاهرة لأن الإسلام دين فطرة لم يأت بخوارق العادات بل اعملوا وجاهدوا واحصروا أملكم وتوكلكم على الله وحده ﴿العزيز﴾ كامل القدرة ﴿الحكيم﴾ صاحب التدبير العظيم ﴿ليقطع﴾ على أيديكم بهذا النصر الذي نلتموه ﴿طرفا من الذين كفروا﴾ فيهلكهم بأيديكم في الميدان ﴿أو يكبتهم﴾ يملأ قلوبهم غيظًا لانهزامهم أمامكم رغم كثرتهم وقلتكم
الذي أنزل عليهم واتخذوه هاديًا لهم في الحياة الدنيا وشعروا بعزة الله فعملوا على رفع رايته وإعلاء كلمته وإقامة شريعته ﴿ومنهم من صد عنه﴾ وتجاهل أحكامه فلم يشعر بعزة الله ولم يؤمن بوعده له بالنصر فتقاعس عن الواجبات وانصرف إلى الملذات وطلب العزة والجاه من غير الله فباء بالفشل والذل والمهانة ﴿وكفى بجهنم﴾ في عذاب هؤلاء الكفار المتقدمين والمتأخرين ﴿سعيرًا﴾ أي أن يكونوا وقودًا بها.
وعلى ذكر ما توعد الله به أولئك الذين لم يؤمنوا بما آتاهم الله من الكتاب وصدوا عنه بقوله: ﴿وكفى بجهنم سعيرًا﴾ أخذ جل وعلا يبين لهم مصيرهم بقوله ﴿إن الذين كفروا بآياتنا﴾ من الكتاب والحكمة وأنكروا الرسالة والنبوة ﴿سوف نصليهم﴾ (سوف) إنما تدخل على الأفعال بمعنى التأخير وهذا يدل على أن توعد الله الكافرين إنما هو في يوم القيامة لا في الحياة الدنيا التي وعدهم جل وعلا فيها أن يمد لهم مدًّا ويغدق عليهم من النعم على قدر جهدهم واجتهادهم ﴿نارًا﴾ ولما كانت النار من شأنها أن تنضج الشيء وتفنيه فلم يعد له أثر ولا يحس بها من يلقى فيها إلا عندما تمس جسده ثم تزهق روحه فلم يعد يتألم منها أيد الله هذه الحقيقة من طبيعة النار ولكن أشار إلى اختلاف الحال بالنسبة لطبيعة البشر فهم من هذه الحياة إنما يعيشون بأجسامهم فإذا فنيت زال عنهم العذاب بخلاف الحال في الآخرة فإنهم يعيشون فيها بنفوسهم التي ستبقى خالدة لا ينتابها الموت وأجسامهم التابعة لها والتي تتأثر بحرارة النار عادة حتى تنضج ثم تعود سيرتها ثانية ولذا قال: ﴿كلما نضجت جلودهم﴾ وذابت بتأثير النار ﴿بدلناهم جلودًا غيرها﴾ لها قوة الإحسان بحرارة النار ﴿ليذوقوا العذاب﴾ ليكون الألم مستمرًا دائمًا في الجلد والنفس المتحدين في الشعور بالنعيم والعذاب لأن الحكم قد
من البيت الحرام كسرقته أو غصبه أو حبسه (وَلَا الْقَلَائِدَ) جمع قلادة التي توضع عادة في عنق البعير لتشعر أنه هدى فلا يتعرض له أحد بسوء وإحلالها بنزعها منه لما يؤدي إليه ذلك من جهل الناس بحقيقته وتعريضه للاعتداء عليه وذبحه في غير محله (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) أي ولا تحلوا لأنفسكم ترويع قاصدي البيت الحرام ولو في غير الشهر الحرام أو كانوا غير محرمين (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) بكسر الراء وضمها قراءتان أي ما داموا مؤمنين بالله مبتغين فضله بالسعي لطلب الرزق أو مؤملين في رضوانه بأعمال العبادة (وَإِذَا حَلَلْتُمْ) تحللتم من إحرامكم أو خرجتم من أرض الحرم وتجاوزتم بذلك شعائر الله (فَاصْطَادُوا) ما شئتم مما كان محظوراً عليكم فيما مر والأمر بعد الحظر يكون للإباحة لا للوجوب (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي يحملنكم (شَنَآنُ) بفتح النون وإسكانها قراءتان أي بغض أو عداوة (قَوْمٍ أَنْ) بفتح الهمزة وكسرها (صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي من أجل صدهم لكم في السابق (أَنْ تَعْتَدُوا) عليهم وتقابلوهم بمثل عملهم فتصدوهم كما صدوكم ماداموا قد جاءوكم مؤمنين إذ الإسلام يجُبُّ ما قبله بل اسمحوا لهم بالقدوم إليكم (وَتَعَاوَنُوا) معهم (عَلَى الْبِرِّ) هو ما جاءوا له من رغبة في فضل الله (وَالتَّقْوَى) ابتغاء رضوانه (وَلَا تَعَاوَنُوا) معهم (عَلَى الْإِثْمِ) من المعاصي التي حرمها الله (وَالْعُدْوَانِ) وهو تجاوز حدود الشرع في المعاملات (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وراقبوه في كل أمر ولا تسيروا في الحياة إلا على ضوء تعاليمه لئلا تستحقوا عقابه الذي كتبه على من أعرض عن هدايته (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لا يطيق أحد عقابه.
<٢٤>
بعد أن نهى المؤمنين عما يخل بالإيمان من استباحة ما حرّم الله شرع يبين المحرمات وبدأها بذكر المطعومات فقال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ) من المطعومات عشرة
الأولى (الْمَيْتَةُ) من جميع الحيوانات إلا ما استثناه الرسول من السمك والجراد ولعل الحكمة في الحرمة الوقاية من المرض الذي يحتمل أن تكون البهيمة قد ماتت بسببه أو الفساد الذي يتعرض له لحمها بعد الموت موتاً طبيعيا ً
(وَ) الثانية (الدَّمُ) ويراد به المسفوح كما نص على ذلك صراحة في آية أخرى أي المائع الذي يتدفق من
الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (٤٩) قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٥٤) وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (٦٦) لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن
لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به}، ولما كانت هذه الوصايا الأربعة الأخيرة مما لا يفقه الناس مزاياها فلا يحرصون على اتباعها بخلاف الخمس الأول قال: ﴿ذلكم﴾ أي هذه الوصايا الأربع الأخيرة ﴿وصاكم به﴾ الله صاحب الأمر المطاع ﴿لعلكم تذكرون﴾ بتشديد الكاف وقرئ بتخفيفها من الذكر أي رجاء أن تذكروا نهي الله عن إتيانها فتتحاشوا فعلها فيعود ذلك عليكم بثمرات لم تكن تخطر لكم على بال ﴿و﴾ عاشر الوصايا ﴿أن﴾ بفتح الهمزة وقرئ بكسرها ﴿هذا﴾ الذي أدعوكم إليه من الدين الحنيف القائم على التوحيد لخالص والعمل بكتابه ﴿صراطي مستقيمًا﴾ لا يضل سالكه ولا يهتدي تاركه ﴿فاتبعوه﴾ أي تدبروه واعملوا به ﴿ولا تتبعوا السبل﴾ المخالفة له من الأديان الباطلة والكتب السماوية المنحرفة والمنسوخة والبدع والشبهات التي ما أنزل الله بها من سلطان ﴿فتفوق بكم عن سبيله﴾ فالعدول عن دين الإسلام إلى الأديان الأخرى كالعدول عن العمل بكتاب الله إلى الأخذ بأقوال العلماء المعارضة له من شأنه أن يؤدي إلى التفرقة التي لا يرضاها الله لعباده روى عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ خط خطًّا بيده ثم قال «هذا سبيل الله مستقيمًا» ثم خط خطوطًا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال «وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم تلا هذه الآية وقد أفرد الله الصراط المستقيم لأنه سبيل الحق والحق واحد وما سواه باطل، وهذا نهي عن التفرق في الدين الواحد بجعله مذاهب يتشيع أتباعها كل إلى مذهبه ويتعصبون له ويخطئون من خالفه ويرمون أتباعه بالجهل والضلال أو الكفر أو الابتداع روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله ﴿فاتبعوه ولا تتبعوا السبل﴾ وقوله ﴿أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ قال أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع لسائر التكاليف ختم الآية بقوله: ﴿ذلكم﴾ أي الوصية العاشرة ﴿وصاكم به﴾ الله مولاكم الواحد الأحد ﴿لعلكم تتقون﴾ أي تحاذرون نقمته وعذابه فتتجنبوا التفرقة في العقائد وأساس العبادات وقد رُوِيَ عن النبي ﷺ قوله «أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه».
أي وليكن معلومًا لدى كل أحد أنه قد اقتضى نظام مشيئتي أو سنتي في خلقي بأن التكبر وهو بمعنى الاعتداد بالنفس واحتقار الناس من شأنه أن يحمل صاحبه على الغرور وعدم الإصغاء لما يلقى إليه من نصح ولذلك فإنه سوف يحتقر بطبعه كل داع إلى الحق حتى إنه ليعرض عن التدبر في آيات الله وينصرف عنها ﴿بغير الحق﴾ أي دون أن يكون لهم حق في ذلك التكبر على الآخرين فجميعهم عبيد الله وليس هناك ما يميزهم عن سائر البشر في الخلق والعقل فرب جاهل ذكي عنده من الوعي ما لا يوجد عند العالم الفذ، والكبرياء لا تكون إلا لله المتفضل على الجميع ومتى انصرف المتكبرون عن آيات الله وأعرضوا عنها واعتمدوا على مجرد عقولهم فالنتيجة الطبيعية لذلك أنهم يتخبطون في الحياة على غير هدى ﴿وإن يروا كل آية﴾ من آيات الله الكونية الدالة على وجود الله وعظيم قدرته ﴿لا يؤمنوا بها﴾ بمعنى لا يتوصلون بها إلى معرفة الله ووجوب القيام بطاعته بل يعتبرونها ظواهر طبيعية ﴿وإن يروا سبيل الرشد﴾ بضم الراء وسكون الشين وقرئ بفتح الراء والشين أي الصلاح والاستقامة الذي رسمه الله لعباده في القرآن ﴿لا يتخذوه سبيلًا﴾ أي لا يسيرون فيه ولا يرتضونه لأنفسهم ﴿وإن يروا سبيل الغي﴾ الذي نهى الله عن سلوكه ﴿يتخذوه سبيلا﴾ يلتزمون السير فيه بمعنى أنهم يتعمدون عصيان أوامر الله وعدم طاعته ﴿ذلك﴾ أي والذي يحملهم على هذا التصرف المشين إنما هو ﴿بأنهم كذبوا بآياتنا﴾ أي بسبب عدم تصديقهم بأن ما أنزل على الرسل إنما هو من عند الله إذ لو آمنوا بأنه من عند الله حقًّا لما كان لهم أن يقدموا على مخالفته ﴿وكانوا عنها غافلين﴾ بمعنى لم يصغوا إلى آيات الله ويعطوها حقها من التدبر والتفكير لاشتغالهم عن ذلك بأهوائهم وغرورهم بأنفسهم ﴿والذين كذبوا بآياتنا﴾ المنزلة على رسلنا فلم يؤمنوا بها ولم يهتدوا بهديها ﴿ولقاء الآخرة﴾ أي بما يلقاه الإنسان في الآخرة من حساب وعقاب ﴿حبطت أعمالهم﴾ أي ذهبت أعمالهم سدى وإن صلحت لأنه لم يقصد منها رضاء الله ونيل الثواب عليها منه ﴿هل يجزون إلا ما كانوا يعملون﴾ أي هل يمكن أن ينالوا غير الجزاء الذي قدره الله على الأعمال الخالصة لوجهه الكريم بحسب ما نص عليه في تلك الآيات.
وبعد أن سرد الله ما كان من أمر مناجاته تعالى لموسى في الموعد المحدد لها أخذ يوضح ما كان من قومه أثناء تلك الفترة فإن تأثرهم بما كانوا عليه في عهد فرعون من عبادة الأصنام الذي حملهم على أن يقولوا لموسى ﴿اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة﴾ ونهيهم عن ذلك ما كان ليحول دونهم
وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (٩) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (١٢) أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (١٣) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (٢١) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنَزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن
النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ (٦٠) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٧٠) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (٧١) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (٧٦) قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا
القبيل تجلى ضررها على فاعلها وهي أن رجلًا من أصدقائي السودانيين اسمه فهمي كان يجيد علم الرمل فكشف لوالده في الرمل فعلم أنه يموت في يوم كذا فظل حزينًا عليه وكلما رآه يبكي ويتودع منه دون أن يخبره بسره وما كاد يحل اليوم المعين حتى مات والده فعلًا ثم إنه رمل لنفسه فعرف أنه سيموت في أول يناير سنة ٩٣٥ في غرفة والحديد في يده فظل في هم وغم وتحت تأثير هذا الوهم ضعف وتعاقبت عليه الأمراض وأصبح ينتظر ساعة الموت وكنت أقول له لا تصدق هذا فلا يعلم الغيب إلا الله، فيجيبني بأنه لا يخطئ فقد رمل لوالده وصح ما تنبأ به ثم ما لبث أن أصيب بالجنون وأدخل مستشفى العباسية بمصر ووضع الحديد في يده، وبعد مضي شهر يناير شفي وأخرج من المستشفى فقلت له ألم أقل لك لا تصدق الرمل فقال ولكن ما رآه في الرمل حصل فإنه فقد عقله والحديد في يده وكان هذا هو ما حسبه الموت، قلت ولكنك كم تعذبت في حياتك الماضية بسبب محاولتك العلم بالمغيبات.
﴿قال﴾ نوح عندما أدرك هذا التلميح: ﴿رب إني أعوذ بك أن أسألك﴾ بعد اليوم: ﴿ما ليس لي به علم﴾ من الأمور الشخصية والأسرار الغيبية التي لا يعلم بها أحد غيرك: ﴿وإلا تغفر لي﴾ هذه الزلة: ﴿وترحمني﴾ بقبولك توبتي الصادقة: ﴿أكن من الخاسرين﴾ المستحقين لعذاب الله لتداخلهم فيما لا يعنيهم من الشئون التي اختص الله بعلمها. فاستجاب الله دعوته و ﴿قيل يا نوح اهبط﴾ من السفينة التي استوت على الجودي إلى سطح الأرض مزودًا: ﴿بسلام منا﴾ من الفتن التي كان يدبرها المشركون الظالمون ضدك: ﴿وبركات﴾ في أمر المعاش وسعة الرزق: ﴿عليك وعلى أمم ممن معك﴾ الآن من سائر أنواع الحيوانات فإنهم بسر هذه البركة سيتناسلون ويكثرون ويمتلأ وجه الأرض منهم: ﴿وأمم﴾ آخرون: ﴿سنمتعهم﴾ في الدنيا بأرزاقها وبركاتها دون السلام الرباني الممنوح لك: ﴿ثم يمسهم منا عذاب أليم﴾ في الدنيا والآخرة وهم الذين لا يقدرون لله هذه النعم ولا يحافظون على السلام الذي كان عليه من قبلهم ويزين لهم الشيطان الكفر والشرك والظلم والبغي: ﴿تلك﴾ أي ما فصلناه من قصة نوح: ﴿من أنباء الغيب﴾ التي مرت في الحقب الماضية: ﴿نوحيها إليك﴾ أيها الرسول محمد ليتعظ بها قومك ولتثبت بها صلتك بنا ورسالتنا لك: ﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾ الوحي: ﴿فاصبر﴾ على تكذيب قومك لك كما صبر نوح على قومه فسيكون النصر لك فسنة الله في رسله وأقوامهم هي: {إن
وقد يكون كل منهما في زهرة كالقرع مثلًا: ﴿يغشى الليل النهار﴾ أي أنه تعالى هو الذي يغطي النهار بظلمة الليل فيصير الجو ظلامًا بعد أن كان مضيئًا وكذلك يلبس الليل ضياء النهار حتى يصبح الجو مضيئًا: ﴿إن في ذلك﴾ أي ما ذكر من مد الأرض وتثبيتها بالرواسي وإجراء الأنهار خلالها وما سنه من النظام العجيب في تكوين الثمار وطغيان الظلمة على الضوء بالليل والضوء على الظلمة بالنهار: ﴿لآيات﴾ دلائل وحجج: ﴿لقوم يتفكرون﴾ أي يحيلون الفكر ويطيلون النظر في هذه الأمور التي لا يمكن أن تحدث عفوًا بل لا بد أن تكون بقدرة إله حكيم لا يصدر في تصرفاته إلا على ما فيه مصلحة عباده وعمار كونه: ﴿وفي الأرض قطع متجاورات﴾ أي بقاع بقرب بعضها من بعض ولكنها تختلف بالتفاضل فمنها السبخة التي لا تنبت وإلى جانبها بقعة جيدة التربة تنبت أفضل الثمرات ومختلف النباتات ومنها الأرض الصلبة المتحجرة ومنها الرملية المتفتتة وكلها من صنع الله الذي وضعها في مواضعها للناس ليدركوا مبلغ قدرته ودقة تدبيره: ﴿وجنات من أعناب﴾ أي وفي الأرض بساتين من أشجار الكرم: ﴿وزرع﴾ من أنواع شتى منها ما هو صالح للغذاء كالحبوب والخضار ومنها ما هو للزينة كالزهور والرياحين: ﴿ونخيل صنوان﴾ أي يجمعهما أصل واحد تتشعب فروعه: ﴿وغير صنوان﴾ أي متفرقات مختلفة الأصول: ﴿يسقى﴾ الجميع: ﴿بماء واحد﴾ لا اختلاف في طبعه: ﴿ونفضل بعضها على بعض في الأكل﴾ أي ومع ذلك فإن الثمرات التي تنتج منها تجدها مختلفة في الشكل والقدر والطعم والرائحة فكيف حصل هذا.
﴿إن في ذلك﴾ أي أن ما حصل من التفاضل والاختلاف بين الثمرات رغم تلاصقها في المنبت وتشابهها في وسائل النمو وسقياها بماء واحد: ﴿لآيات﴾ تدل على وجود صانع مدبر حكيم: ﴿لقوم يعقلون﴾ أي لكل من حكم عقله وتجرد عن عصبيته لما تلقاه من الخرافات والمعتقدات الفاسدة التي لا أصل لها في دين الله.
بعد أن عرّف الله ذاته العلية لعباده بآثاره البادية للعيان وتصرفاته التي لا ينكرها كل من له عقل وجنان أخذ يندد بمنكري البعث فقال: ﴿وإن تعجب﴾ لشيء أيها السامع من أقوال العقلاء الذين يؤمنون بوجود الله من آثاره وتصرفاته: ﴿فعجب قولهم أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد﴾ لأن هذا القول منهم يدل على منتهى الغباوة فإن من خلق السماوات والأرض وسائر العوالم على هذا الصنع الدقيق والنظام البديع الذي لا يستطيعون المكابرة فيه لا يعجزه إعادته بعد فنائه في خلق
@فالعلم منك وقد صنعنا طبق ما
#ألهمتنا من أحدث الآلات
@هي ضمن خلقك أصلها وجميع ما
#آلت إليه بملهم الفكرات.
﴿وعلى الله قصد السبيل﴾ قصد السبيل استقامته أي أن الله قد أخذ على ذاته العلية عهدًا بتعبيد سائر الطرق المؤدية إلى الخير والشر والهدى والضلال: ﴿ومنها﴾ أي من السبل التي تعهد بتعبيدها ما هو: ﴿جائر﴾ من الجور وهو الميل عن الحق ليثيب الإنسان على تجنبه والإحجام عن سلوكه: ﴿ولو شاء﴾ الله: ﴿لهداكم أجمعين﴾ إلى السبيل السوي الموصل إلى مرضاته من غير جهد ولا رغبة منكم بل لو شاء أن لا يكون هناك سبيل جائر حتى تحملوا على سلوك سبيل الهدى رغمًا عنكم لفعل ولكنه لم يشأ ذلك لأنكم في هذه الحالة تكونون مجبرين على الطاعة فلا تستحقون الثواب الذي قدره الله لها منة وكرمًا: ﴿هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب﴾ أي ماء حلوًا مكررًا نقيًا من المكروبات أعد للشارب بخلاف ماء الأرض فإنه قد يكون حلوًا وقد يكون مالحًا: ﴿ومنه شجر﴾ أي ومنه ما يسير في عروق الشجر فيكسبها قوة ويستحيل بعضه إلى مختلف الفواكه التي تفيض حلاوة: ﴿فيه تسيمون﴾ سام السلعة عرضها وذكر ثمنها أو طلب بيعها فيكون المعنى جعل لكم فيها مادة للبيع والشراء سواء في نفس الشجرة أو ما تحمله من أثمار: ﴿ينبت﴾ وقرئ «ننبت» بالنون بدل الياء: ﴿لكم به﴾ أي بما ينزل من السماء: ﴿الزرع﴾ ما فيه غذاؤكم وغذاء حيواناتكم: ﴿والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات﴾ المتعددة والتي لا تعملون الأصل فيها وكيف أتت والسر في اختلاف طعمها ولذتها: ﴿إن في ذلك﴾ الخلق المتفاوت في أشكاله وألوانه وطعمه ومزاياه: ﴿لآية لقوم يتفكرون﴾ في عظمة الله ويستدلون من وجودها على وجود ووحدانية خالقها الذي جعل الحبة والنواة إذا وقعت في التراب وسقيت بالماء انشق أسفلها وخرجت منه عروق تنبسط في أعماق الأرض ثم تخرج منه على وجهها أوراق تستحيل إلى ساق يحمل الأزهار وأنواع الحبوب والأثمار: ﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ يتعاقبان خلفة عليكم لتحديد مواعيد العمل والراحة بحسب الحاجة في الصيف والشتاء: ﴿والشمس والقمر﴾ يدأبان في سيرهما لأداء ما نيط بهما من تزويد الأجسام والأشجار
النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ (٦٠) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٧٠) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (٧١) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (٧٦) قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا
هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لأن المرأة متى أسلمت لا يحل لها أن تتزوج الكافر ولم يعد هو أمينًا عليها بل إنها لتحرم على زوجها لو كانت متزوجة ويجب على القاضي التفريق بينهما فلا معنى لإرجاعهن: ﴿وَآتُوهُم﴾ أي ادفعوا لأزواجهم المشركين: ﴿مَّا أَنفَقُوا﴾ من المهر لأن هذا حق لهم علهن وعملًا بهذه الآية دعا الرسول ﷺ أم كلثوم واستحلفها فحلفت فقال لأخويها (كان الشرط في الرجال دون النساء) ثم قال تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ الأجر الجزاء على العمل كالإجارة وهو كناية عن المهر ولهذا بادر سيدنا عمر فتزوجها لهجرتها في سبيل الله وأعطى زوجها ما أنفق: ﴿وَلا تُمْسِكُوا﴾ بتخفيف السين وقرئ «تَمَسَّكوا» أي أخرجوهن من عصمتكم بمعنى طلقوهن: ﴿بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ جمع كافرة أي من زوجاتكم اللاحقات بالمشركين أو المرتدات: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ﴾ أي طالبوا بالمهور التي دفعتموها لهن ممن يتزوجهن من الكفار: ﴿وَلْيَسْأَلُوا﴾ هم: ﴿مَا أَنفَقُوا﴾ على المهاجرات: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ﴾ في صلح الحديبية واستثناء النساء منه: ﴿يَحْكُمُ﴾ به: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ أي لكم وعليكم: ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بما يصلح عباده: ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يصدر أي حكم إلا عن حكمة ولغاية سامية: ﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ أي إذا فرت إلى الكفار امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها المسلم شيئًا من المهر الذي دفعه لها: ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أي فأنزلتم بالمشركين عقابًا وملكتم عليهم أمرًا وقرئ «فأعقبتم» و «فعقبتم» بالتشديد وبالتخفيف بفتح القاف وكسرها: ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا﴾ أي فإذا جاءت منهم امرأة فلا يدفع إلى زوجها شيء حتى يدفع المشركون إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها قال ابن عباس لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار فأمر رسول الله ﷺ أن يعطي مثل ما أنفق من الغنيمة قبل أن تخمس أي قبل أن تقسم أخماسًا كما هي القاعدة في تقسيم الغنائم: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ فلا تأخذوا منهم أكثر مما تستحقون من مهور تنكيلًا بهم ظلمًا وعدوانًا.
بعد أن أمر الله المؤمنين بامتحان المؤمنات المهاجرات وجعل من إيمانهن سبيلًا للحيلولة دون إرجاعهن إلى أهلهن من الكفار أخبر رسوله بأن هذا لا يكفي في اعتبارهن مسلمات حقًّا بل إنه يشترط في صحة إسلام النساء عدة شروط لا بد من توافرها فيهن فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ وخطاب الله لنبيه خطاب للأمة جميعها: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ أي اللاتي آمنّ بالله وملائكته وكتبه ورسله
والآثام: ﴿لو يفتدي﴾ نفسه: ﴿من عذاب يومئذ﴾ بفتح الميم وكسرها وفي قراءة «من عذابٍ يومئذَ» بتنوين عذاب ونصب يومئذ: ﴿ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته﴾ فصيلة الرجل أقرب أقربائه الذين يفصل عنهم وينتهي إليهم: ﴿التي تؤويه﴾ أي التي كانت تضمه وتتعهده بالإحسان إليه: ﴿ومن في الأرض جميعًا ثم ينجيه﴾ بمعنى أنه ينسى كل صلة له بالناس ويتمنى أن لو كان هؤلاء جميعًا تحت يده فيبذلهم ثمنًا لفداء نفسه من العذاب: ﴿كلا﴾ لا محل للأمل فلا هو يملك ذرة في ذلك اليوم ولا ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه: ﴿إنها﴾ أي النار التي يكون بها العذاب في ذلك اليوم: ﴿لظى﴾ هي اسم من أسماء جهنم: ﴿نزاعة﴾ أي تواقة تحن: ﴿للشوى﴾ هو اليدان والرجلان وما كان غير مقتل من الأعضاء بمعنى أن لظى من خصائصها أن تحرق أهلها وتعذبهم من غير أن تقضي على حياتهم: ﴿تدعو﴾ أي تجذب إليها كل: ﴿من أدبر﴾ أي أعرض عن قبول الدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر مما جاء به الرسل من عند الله وأقبل على ما تسوله له نفسه من الكفر والشرك بالله: ﴿وتولى﴾ أي تقلد الأمر وجعل لنفسه الولاية فلم يعترف بسلطان الله عليه: ﴿وجمع﴾ كل شيء: ﴿فأوعى﴾ جعله في وعاء واستأثر به نتيجة لاعتقاده بأنه إنما حصل عليه بسعيه وعمل يده ولا دخل لله فيه مع أنه في الواقع ضعيف إلى أقصى درجات الضعف وكل ما يناله في الحياة ما هو إلا بقوة الله ومعونته، ثم إنه بعد أن ذكر الله أهوال القيامة وقال إن لظى لتنتظر ونجذب إليها من أدبر عن الاستجابة لدعوة الإسلام وركب رأسه واتبع شيطانه واستأثر لنفسه بكل شيء استطرد سبحانه إلى ذكر طبائع الإنسان وأنه بالرغم مما يبدو عليه من غطرسة وكبرياء فهو في ذاته يذل في الشدة ويستأسد في الرخاء ولا يصلحه غير الاتصال بالله فقال: ﴿إن الإنسان خلق﴾ بفطرته وأصل تكوينه: ﴿هلوعًا﴾ الهلع: حالة نفسية حساسة تعبر عن سرعة التأثر وقلة الجلد فهو: ﴿إذا مسه﴾ أي أصابه: ﴿الشر جزوعًا﴾ أي يظهر الحزن والكدر على محياه وتخور أعصابه فلا يملك قواه ويشعر بالحاجة إلى مولاه لتخفيف بلواه بمعنى أنه لا يعرف ربه إلا في الشدة: ﴿وإذا مسه الخير منوعًا﴾ أي امتنع عن طاعة الله، لعدم شعوره بفضله ونعمه عليه، فيركب رأسه وتطغى عليه نفسه، ويطيع شهواته ويؤثر نزواته، وينسى ربه، ولا يحذر غضبه، ولا سبيل إلى إصلاحه، إلا بسلوك السبيل إلى فلاحه، باتباع هدى مولاه، ومراقبته في السر دون سواه، وهناك تسمو نفسه وتزكو صفاته فيصبح قويًّا بالله قادرًا على نيل مناه ومن أجل هذا
﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ بضم الباء: ﴿طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ أي حالًا بعد حال، روى البخاري عن ابن عباس قوله: «قال هذا نبيكم» ولعل المعنى أن الحياة هكذا رخاء بعد شدة وشدة بعد رخاء ونعيم بعد شقاء وشقاء بعد نعيم: ﴿فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بالله وهو سبحانه يحول الأحوال وهم إليه بعد الموت صائرون: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ﴾ وهو المذكر بآيات الله والصارف عن دواعي النفس والشيطان: ﴿لا يَسْجُدُونَ﴾ خضوعًا وطاعة لأوامره: ﴿بَلِ﴾ إن: ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالله وأنكروا وجوده ووحدانيته هم الذين: ﴿يُكَذِّبُونَ﴾ بالقرآن كتابًا منزلًا من عند الله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ أي يجمعون في صدورهم من الشرك والتكذيب: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ جزاء الكفر والتكذيب: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بالتوبة والرجوع إلى الله: ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ ابتغاء مرضاته: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي خالص من الشوائب دائم غير منقطع لا نقص فيه ولا بخس من واسع فضله ورحمته جعلنا الله منهم.
سورة البروج
مكية عدد آياتها اثنتان وعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (٢٢)﴾.
سورة البروج: بعد أن توعد الله في السورة السابقة الكافرين المكذبين بعذاب أليم وقال: إنه تعالى أعلم بما يوعون أخذ سبحانه يؤكد في هذه السورة علمه بكل ما حصل من المظالم المنكرة في سابق


الصفحة التالية
Icon