كذلك في القرآن من النذر ما يسترعي نظر العقلاء المفكرين ﴿وبرقٌ﴾ يبعث الأمل في النفوس كذلك في القرآن من آيات الترغيب في طاعة الله ما يستهوي الراغبين. ولقد كان موقف أولئك حيال القرآن، كما كان موقفهم إزاء تلك الظواهر إذ هم ﴿يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت﴾ أي أنهم يخافون الموت، ويتوقعون الهلاك من وراء هذه الصواعق، فيفقدون رشدهم، إذ يتقونها بما لا يتقي به خطر الهلاك، فوضع الأصابع في الآذان لا يمنع عنهم وقع الصواعق، ولا هو مما يدفع الموت عنهم، كذلك هم بصم آذانهم عن سماع آيات الله، لا يقون أنفسهم من عذاب الله ﴿والله﴾ مرسل الصواعق، ومنزل الكتب ﴿محيطٌ بالكافرين﴾ قادر على إهلاكهم أينما كانوا وحيثما لا يحذرون بأسه، ولا يسألونه الوقاية من وقع الصواعق وما أنذروا به من عذاب أليم. ﴿يكاد البرق يخطف أبصارهم﴾ من شدة الضوء كما تكاد آيات الله يشع نورها على الخافقين، تدعو الناس إلى الإيمان بالله، وهم مع هذا لا يحاولون الاستفادة منها بتدقيق النظر فيما حولهم، وتبين معالم الطرق الممهدة والوسائل المنجية من المهالك، منها بتدقيق النظر فيما حولهم، وتبين معالم الطرق الممهدة والوسائل المنجية من المهالك، حتى يتبعوها على بصيرة عندما يختفي ضوء البرق عنهم بل أنهم ﴿كلما أضاء لهم﴾ ذلك البرق ﴿مشوا فيه﴾ أي سلكوا ما يكون في اتجاههم من الطرق وهم لا يعرفون عنها إن كانت ممهدة أم غير ممهدة وتنجي من الخطر أم لا تنجي ﴿وإذا أظلم عليهم قاموا﴾ أي وإذا وقف البرق ظلوا في أماكنهم لأنهم لم يتدبروا ويتبينوا معالم الطرق أثناء لمعان البرق حتى أصبحوا في حيرة لا يعلمون طريقًا سويًّا يسلكونه وهكذا شأن أولئك القوم المسترسلين في غفلتهم حيال القرآن أو الدعوة الإسلامية فإنها رحمة من الله جاءت بالتعاليم الدينية ومنها الأمر والنهي والوعد والإنذار والتبشير، أحكام لم تكن مألوفة لهم، فيها مشتاق العبادات والمعاملات. وكبح جماح النفس عن الموبقات وتطهير القلوب من الدنايا والتجافي عنها وإقصاء الجوارح والنفوس عن الشهوات، وإرشاد الناس إلى طريق الهداية وسواء السبيل ولكنهم يجحدون تلك الرحمات ويصمون آذانهم عن سماع الآيات البينات، وكلما جاءهم الإيمان بما يوافق أهواءهم اتبعوا وإذا جاءهم بما لا تهوى نفوسهم عكفوا على ضلالهم وأعرضوا عنه وجافوه ﴿ولو شاء الله﴾ أي لو أن مشيئته تعالى ونظامه في خلقه كان يقضي بتعجيل عذابهم ﴿لذهب بسمعهم وأبصارهم﴾ أي بحواسهم الظاهرة انتقامًا منهم ﴿إن الله على كل شيءٍ قديرٍ﴾ ولكنه تعالى لم يفعل
الله ولا تنسبوا إلى هذا الدين ما ليس منه ولا تتقربوا إلى الله بغير ما دعا إليه ﴿واتقوا الله﴾ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﴿لعلكم تفلحون﴾ في جميع أعمالكم فإن من يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب. وعلى ذكر الحج وما كان للناس من عادة فيه منعهم الله عنها. ولما كان النبي ﷺ يتهيأ إلى زيارة بيت الله الحرام بناء على اتفاق سابق أبرم بينه وبين المشركين من العام الفائت في صلح الحديبية وكان أصحابه ﷺ يخشون غدر قريش وعدم وفائهم بالوعد وصدهم عن المسجد الحرام وكانوا كارهين مقاتلتهم في الشهر الحرام وفي أرض الحرم جريًا على عادتهم منذ الجاهلية أراد الله أن يبين لهم الخطة التي يجب أن يسيروا عليها في رحلتهم هذه ويضع لهم قاعدة عامة لجهاد أعدائهم فقال ﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾ ومن أجل إعلاء كلمته وحفظ عهوده وإقامة شعائره ﴿الذين يقاتلونكم﴾ من كل من يتصدى لقتالكم وصدكم عن المسجد الحرام ﴿ولا تعتدوا﴾ ولا تكونوا بادئين بأي نوع من أنواع الاعتداء، سواء بالبدء بالقتال أو بقتل للآمنين الأبرياء من النساء والصبيان والشيوخ والمرضى أو من ألقى إليكم السلم وكف عن حربكم، ويدخل في الاعتداء تخريب المدن وقطع الأشجار ﴿إن الله لا يحب المعتدين﴾ المتجاوزين حدود ما أحل الله ﴿واقتلوهم﴾ إذا صدوكم عن المسجد الحرام وقاتلوكم أي فاقتلوا الذين يقاتلونكم ﴿حيث ثقفتموهم﴾ في أي مكان وجدتموهم فيه ولو كانوا في رحاب الحرم ﴿وأخرجوهم﴾ وأكرهوهم على الخروج إذا أصروا على شركهم ﴿من حيث أخرجوكم﴾ من البلد الذي أخرجوكم منه عند دعوتكم السابقة إلى الإيمان وهي مكة ﴿والفتنة أشد من القتل﴾ أي أن فتنتهم إياكم في دينكم أشد من قتلكم إياهم في الحرم، لأنهم يسعون بالفتنة لصدكم عن أداء العبادة والطاعة التي ما خلقت الجن والإنس إلا لها وخطر ذلك ضار بالبشر، وأما قتلكم لهم فأمره خاص بهم وفيه عبرة لسواهم ﴿ولا تقاتلوهم عن المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه﴾ إجلالًا لبيت الله المقدس وأمنًا لكل لاجئ إليه ولا تقاتلوا أحدًا فيه إلا إذا انتهك هو حرمته فليس له بعد ذلك أمن لتعديه ﴿فإن قتلوكم﴾ في المسجد الحرام بعد لجوئهم إليه ﴿فاقتلوهم﴾ ولا تتحاشوا عن قتلهم حينئذ فإنما جرم ذلك عائد
@فيه يتاح لي اللقاء وتزدهي
#نفسي بصحبة سيد السادات
@أهلا بذاك اليوم رغم خطيئتي
#وتلذذي بالعيش في دنياتي
@أو لست محتفظًا بقربك سيدي
#والقرب فيه حصانة للعاتي
@أفهل يظللني حماك وأنت لي
#كهف وأخشى النار في الميقات
@حاشا فأنت أحن من أم على
#أطفالها وأشد في الرأفات
@يا من وسعت برحمة كل الورى
#أنا أحوج الأشياء للرحمات
@أنت الرحيم وهل يريد مراحمًا
#إلا ضعيف خائر القوات
@أنت العفو وهل لعفوك موضع
#غير العصاة ودائمي العثرات
@بك قط لم أشرك فكل إساءة
#لي رهن عفوك غافر الزلات
لا أريد منهم التقشف، والترهب، ولا ملازمة المساجد والكنائس، بل أريدهم أن يفكروا تفكيرًا صحيحًا منتجًا، ويكونوا مثلاً عاليًا في الخلق الكريم والعمل الناجح. وحسبي أن أجد من عقلاء الأمة ومفكريها وقادة الرأي فيها كل تقدير وتأييد وأكبر دليل على هذا ما كتبه إلى بطل التحرير الإسلامي الرئيس جمال عبد الناصر رئيس مجلس الوزراء بالأمس ورئيس الجمهورية اليوم بتاريخ ١٥/ ٥/ ٥٦ عند تسلمه كتابي الأول يقول:
السيد الأستاذ عبد الحميد الخطيب – دمشق سوريا
تحية طيبة - وبعد
فأشكر لك أجزل الشكر إهداءك إلي كتابك القيم مستقبلك في يدك متى عرفت ربك فقد نحوت فيه نحوًا جديدًا يجلي مبادئنا القويمة... ويدفع عنها ما لحق بها من تخريجات، وتأويلات تضعف الشعوب العربية والإسلامية. والله أسأل أن يوفقك دائمًا لخدمة العروبة والله أكبر والعزة للعرب – القاهرة في ١٥/ ٥/ ١٩٥٦م.
كما جاءني من السيد (فتحي رضوان) وزير الإرشاد القومي بمصر برقم ١٠٤٨ وتاريخ ٣١/ ٧/ ٥٦ يقول:
السيد الأستاذ عبد الحميد الخطيب دمشق سورياـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد تلقيت شاكرًا خطابكم المؤرخ في ٢٩/ ١/ ١٣٧٥ الموافق ٨/ ٧/ ٥٦ الذي أرفقتم به نسخة من الجزئين الأول والثاني من كتابكم القيم (مستقبلك في يدك متى عرفت ربك ومتى فهمت حقيقة نفسك) وإني إذ أحمد لكم هذا الجهد الطيب الذي تبذلونه في سبيل ما رأيتموه من ضعف العقيدة في نفوس كثير من أبناء المسلمين لأرجو لكم دوام التوفيق في خدمة العروبة والإسلام. وتفضلوا بقبول فائق الإحترام.
بالخجل والندامة فيرجعوا عن غيهم ويحتكموا إليك ويرضوا بأحكام ربهم عن إيمان ويقين ورغبة صادقة.
بعد أن بين الله عظيم شأن الطاعة وارتباطها بالإيمان أراد سبحانه وتعالى أن يبين السبب في وجوب الطاعة للرسول إلى جانب طاعة الله دفعًا لما قد يوسوس به الشيطان إلى قلوب بعضهم من أنه إذا كانت طاعة الله واجبة باعتباره هو مالك الملك الخالق للجميع فما علاقة الرسول بذلك. ولهذا فإنا نؤمن بالله ونطيعه فيما جاء في كتبه وأما الرسل فوظيفتهم منحصرة في تبليغ الرسالة فلا طاعة لهم إلا في حدود ما جاء في تلك الكتب فقط وهذا ما يروجه بعض المنافقين حتى في عصرنا هذا إذ يقولون إنا نعمل بكتاب الله ولا نتبع سنة رسوله ولقد أحبط الله هذا الزعم وأوصد الباب دونه بقوله ﴿وما أرسلنا من رسول﴾ من قبلنا ﴿إلا ليطاع﴾ أي ليكون له ما لنا من وجوب الطاعة والإجلال والاحترام ﴿بإذن الله﴾ الذي اصطفاه لرسالته إلى خلقه وجعله خليفة له في أرضه فهو مفوض في أن يقضي في ذلك وارتضاه ﴿ولو أنهم﴾ أي: أولئك الذين رغبوا عن حكمك إلا حكم الطاغوت ﴿إذ ظلموا أنفسهم﴾ أي ثبت ظلمهم لأنفسهم بما قدمت أيديهم ﴿جاؤوك فاستغفروا الله﴾ أي اعترفوا بالذنب وتابوا منه وطلبوا العفو بدلًا من تلمس الأعذار لتبرير عملهم بقولهم: ﴿إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا﴾. ﴿واستغفر لهم الرسول﴾ الذين أساؤوا إليه بالرغبة عن حكمه وعفا عنهم ـ وإنما قرن الله استغفار الرسول بالتوبة لحصول الغفران مع أن مجرد التوبة إلى الله من شأنها أن تقبل، إشارة إلى أن المعاصي المتعلقة بحقوق الناس لا تكون التوبة مقبولة فيها إلا بعد استرضاء صاحب الحق ويؤيد هذا أنه تعالى لم يقل واستغفرت لهم بل وضع الاسم
صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح على خفيه وجوربيه وإلى هنا انتهى حكم الحدث الصغر ثم انتقل إلى حكم الحدث الأكبر فقال (وإن كنتم جنباً فاطهروا) أي إذا قمتم إلى الصلاة وكنتم جنبا والمراد بالجنابة الوقاع على سنة القرآن في الكناية عما يستقبح التصريح به وفي معنى الوقاع خروج المني وهو لازم له عادة والمراد بالطهارة الغسل لقوله تعالى في آية أخرى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ولما فرغ من بيان الطهارة بالماء من الحدثين أخذ يبين الرخصة في تركها واستبدل التيمم بها فمثل لذلك بأربع حالات اثنتين فيما يتعلق بوجود الماء وعدمه واثنتين فيما يتعلق بنوع الحدث القائم بالإنسان هل هو من ما يستدعي الوضوء أم الغسل فمثل للحالتين الأوليين بقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) مرضاً يمنعكم من استعمال الماء في البدن في حال وجوده بقوله (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) طويل مهما كان سببه وشق عليكم وجود الماء لإدراك وقت الصلاة فهاتان حالتان
<٣٣>
لجواز استبدال التراب بالماء وأما الحالتان اللتان تتعلقان بنوع الحدث القائم بالإنسان هل هو مما يستوجب الوضوء أم الغسل فقد مثل للأولى بقوله
(أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) الغائط المكان المنخفض من الأرض وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول أو غائط ونحو ذلك من نواقض الوضوء المفصلة في السنة كخروج الريح ومثل الثانية بقوله (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) وقرئ «لمستم» وملامسة النساء هي المباشرة المشتركة بين الرجال والنساء إذ يقال إن فلانة لا ترد يد لامس بمعنى لا تمانع من يريد مباشرتها (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) في هاتين الحالتين الأخيرتين أي الوضوء أو الغسل (فَتَيَمَّمُوا) أي فيمكنكم في هذه الحالات الأربع العدول عن الماء إلى التراب وقد أول بعض الفقهاء الملامسة في الآية بمعنى اللمس أي التقاء بشرتي الرجل والمرأة من غير حائل واعتبروا هذا من نواقض الوضوء وقيده بعضهم بالشهوة وقاسوا على هذا لمس الأمرد مع أنه لم يرد في هذا حديث صحيح بل ورد عن عائشة حديث صحيح أنها كانت تضع يدها على قدم النبي وهو يصلي في المسجد وروي عنها من عدة طرق أنه ﷺ كان يقبل بعض أزواجه ولا يتوضأ وسياق الآية يدل على ما ذكرناه لأنه تعالى ليس في صدد تعداد نواقض الوضوء بل في صدد ذكر
أنباء كانوا بها يستهزئون كوعده تعالى بنصر رسوله وإعلاء كلمته وإظهار دينه ووعيد أعدائه بالتعذيب والخذلان. وقد حصل وحل بالمشركين ما حل في بدر ويوم الفتح مما حمل البقية الباقية منهم على الدخول في دين الإسلام، وتطهير جزيرة العرب من عبادة الأوثان، ونشر الإسلام في كل مكان. وفي هذا دعوة إلى تدبر آيات القرآن المشيرة إلى سنن الكائنات، والاتعاظ بما فيها والعمل بمقتضاها، والتحذير من الإعراض عن تدبر آيات الله بإهمالها واتخاذها لمجرد التلاوة والبركة لا للاستفادة بهديها، واستنباط الأحكام منها، واستخراج العبر من بين ثناياها ﴿ألم يروا﴾ أي ألم ينظر الذين كفروا بالله، أو شكوا في عظيم قدرته، في صحائف التاريخ نظرة عظة واعتبار، ليجدوا في أخبارها ﴿كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾ القرن من الناس القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون. واختلف في عدد السنين المحددة له، فقيل إنها سبعون أو ثمانون وقيل مئة. وقال الزجاج إنه عبارة عن أهل عصر فيهم نبي أو فائق في العلم أو ملك من الملوك، فيكون عصر نوح قرنًا وإن امتد إلى زهاء ألف سنة، وعصر الصحابة قرنًا، وعصر التابعين قرنًا. والمشهور عند الناس أن القرن مائة سنة ﴿مكناهم﴾ أي جعلنا لهم سلطانًا وقدرة عظمى ﴿في الأرض﴾ حملت البعض منهم، كفرعون مثلًا، على أن يستعبد الناس ويدعي الألوهية ﴿ما لم نمكن لكم﴾ أي ما لم تبلغوا مثله، ولذلك لم يدع أحد منكم الألوهية التي ادعوها وإن كفر أو استخف بقدرة الله ﴿وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا﴾ أي أنزلنا عليهم مطرًا غزيرًا من السماء، آية من الله تشعرهم بأن فوقهم من هو أعلى منهم ومن لا سلطان لهم عليه وهو الله الذي ينزل لهم الماء، الذي به حياة كل شيء ﴿وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم﴾ لينتفعوا بها كما يشاؤون دون أن يكون لهم يد في خلقها أو سلطان عليها فلم تهدهم عقولهم إلى التفكير في أمرها، والإيمان بالله خالقها ومجريها، بل كفروا بنعمه، وادعوا القدرة على كل شيء من دونه. ﴿فأهلكناهم بذنوبهم﴾ أي نتيجة لتجاهلهم نعم الله وعدم الاستدلال بها على ألوهيته وتكذيب رسله ﴿وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين﴾ من حقهم ومن واجبهم أن يؤمنوا بربهم ويأخذوا لأنفسهم عبرة وعظة مما حاق بمن سبقهم من القرون التي كفرت بأنعم الله، وكذبت رسله، ولم تتدبر آياته المنزلة من عنده. وقد حث الله الناس في مواضع كثيرة من القرآن على تدبر آيات الله، والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء، وأخبرنا بأن ما يصيب الإنسان من ضر أو هلاك ما
(٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (٣٠) يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ (٣٧) قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ
وبأنه بشر ميت ثم قال الإنجيل ما نصه: «٣ أجاب الكاهن أنه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل لنا مسيًا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم بحرمة الله ٤ لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هو أنت مسيا الله الذي ننتظره» «٥ أجاب يسوع حقًّا إن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي» «٦ أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال إنك نبي وقدوس الله ٧ لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حبًّا في الله بأية كيفية سيأتي مسيًا؟» «٨ أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض ٩ ولكن عند ما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى لهذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله ١٠ فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنًا ١١ حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله ١٢ الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام ١٣ وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر ١٤ وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به ١٥ وسيكون من يؤمن بكلامه مباركًا» ثم قال في الفصل ٩٧ ما نصه «١» ومع أني لست مستحقًّا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه «٢» فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين لا تزعج نفسك يا يسوع قدوس الله لأن هذه الفتنة لا تحدث في زمننا مرة أخرى لأننا سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار أمر ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد. الله. أو ابن الله» «٤» فقال حينئذ يسوع. إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور «٥» ولكن تعزيني هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم «٦» وإن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحًا «٧» أجاب الكاهن أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله؟» «٨» فأجاب يسوع لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله «٩» ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني «١٠» لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي. «١١» أجاب هيدروس كيف إن مجيء هؤلاء الكافرين يكون بحكم الله العادل «١٢» أجاب يسوع من العدل أن من لا يؤمن بالحق لخلاصه يؤمن بالكذب للعنته ١٣ لذلك أقول لكم إن العالم كان يمتهن الأنبياء الصادقين دائمًا وأحب الكاذبين كما يشاهد في أيام ميشع وأرميا لأن الشبيه يحب شبيهه «١٣» فقال الكاهن
شفقته على عشيرته من قريش ويترك لهم الحرية الكاملة فيما يدينون به وعبادة ما يعبدون حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا ومع هذا استطاع بحكمته أن يحصل منهم على عدة أشياء هي في مصلحة الإسلام أهمها ما يأتي:
١ - الاعتراف به كصاحب شرع لا حرج على من يتبعه من رجال العرب.
٢ - الاعتراف به كصاحب دولة له الحق في إبرام المعاهدات.
٣ - الإذعان بعدم الاعتداء عليه خلال عشر سنوات.
٤ - التعهد بعدم معاداته والامتناع عن الغدر به وخيانته.
٥ - الاعتراف له ولأصحابه بحق زيارة البيت الحرام والتعبد فيه.
٦ - تقديم الترضية له عن التجاوز عن زيارته للبيت الحرام في هذا العام بإخلاء مكة له نهائيًا في العام القادم لمدة ثلاثة أيام.
٧ - عدم المعارضة في دخول جيشه إلى مكة حاملًا سلاحه.
واحتفظت قريش لنفسها بثلاثة شروط قد تبدو في ظاهرها قاسية ولكنها في الواقع لا تتعارض وروح التشريع وهي لا تضر الإسلام في شيء وهي:
(أ) أن يرد الرسول إلى قريش من جاءه مسلمًا من قريش بغير إذن وليه وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على منتهى التسامح وأن الإسلام لا يحتم على معتنقيه التظاهر به والتعرض للأذى في حال الضعف والإكراه بل يكتفي منهم بمجرد اطمئنان القلب بالإيمان.
(ب) أن لا ترد قريش للنبي من لجأ إليها فإن هذا إنما يفعل ذلك عن ردة عن الإسلام وهذا لا خير فيه للإسلام والمسلمين بل هو شر محض يجب أن يبعد عن جماعة المسلمين.
(جـ) أن لا يشهر جيش النبي السلاح في الحرم – وهذا عندي أمر طبيعي إذ الإنسان لا يحتاج إلى شهر سلاحه ما دام آمنًا على نفسه فإن الإسلام يدعو المؤمن إلى الخضوع عند دخوله أرض الحرم.
وما كاد رسول الله ﷺ ينتهي مع سفير قريش على الاتفاق على هذه الأسس ويذاع خبرها بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حتى تلقاهم بعضهم بشيء من الفتور لأنهم لم يجدوا فيها ما يحقق لهم تلك الأمنية التي كانوا يحلمون بها من زيارة البيت الحرام في هذا العام –
بأنه لم يخلقهم عبثًا من غير غاية ولا عملًا من غير دستور ينظم سبيل معاشهم وحياتهم حيث قال: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾: ﴿أيحسب الإنسان أن يترك سدى﴾ بل إنهم خلقوا لعمارة الكون بالأعمال الصالحات التي في مقدمتها الإيمان بالله الذي بيده مقاليد أمورهم وهو الذي ينيلهم مقاصدهم وباتباع شرائعه تستقيم شئونهم في هذه الحياة وقد وعدهم على ذلك بأجر لا بد من أدائه لهم في الحياة الأخرى: ﴿والذين كفروا﴾ بالله وكذبوا رسله وآياته: ﴿لهم شرابٌ من حميمٍ﴾ أي شديد الحرارة وهو ما تأباه نفوسهم التي تعودت شرب الماء البارد في الحياة الدنيا: ﴿وعذابٌ أليمٌ﴾ في الآخرة: ﴿بما كانوا يكفرون﴾ أي بسبب ما كانوا يأتون من أعمال الكفر التي في مقدمتها الشرك بالله والكفر بنعمه ويليها الإصرار على مخالفة الله التي من شأنها أن تدنس نفس فاعلها وتبعدها عن الله خالقها وبهذا تستحق عقابه ولا تكون أهلًا لرحمته وبهذا تتحقق صفتان من صفات الله جل وعلا هما صدق الوعد والعدل في الحكم. وإنما جعل الله الآخرة دار جزاء ليدأب الناس في الدنيا على العمل المشترك ولا يتوانوا عن فعل الخير للصالح العام ولولا ذلك لاكتفى كل واحد بالعمل لمصلحته الشخصية وعلى قدر حاجته حيث لا مطمع فيما وراء ذلك بهذا يفسد النظام الاجتماعي الذي سنه الله لهذه الحياة.
بعد أن نبه الله الأذهان إلى مصير الإنسان بعد الموت أخذ يعدد فضله على الناس بما أودعه في بعض المخلوقات من خواص هي في مصلحتهم ومن أجل سعادتهم فقال: ﴿هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا﴾ ذهب علماء اللغة وتبعهم المفسرون إلى أن الضياء والنور مترادفان والأفضل التفريق بينهما بمعناهما الواقعي فالضياء نور ينبعث أو يتولد من الحرارة فيكون له خاصيتها كما أشار الله إلى ذلك بقوله: ﴿وجعل الشمس سراجًا﴾ وقوله: ﴿وجعلنا سراجًا وهاجًا﴾ والوهج اتقاد النار أو حرها من بعيد بخلاف النور فإنه كلما يبين الأشياء بمعنى خلاف الظلمة: ﴿وقدره منازل﴾ أي قدر سيره في عدة منازل ينزل في كل ليلة في واحد منها لا يخطئ ولا يتخطاه: ﴿لتعلموا﴾ عن طريق هذين النيرين: ﴿عدد السنين والحساب﴾ أي تقدير منازل كل منهما وحساب الأوقات من الأشهر والأيام لضبط عبادتكم وسائر معاملاتكم فلولا هذا النظام المشاهد لتعذر عليكم العلم بذلك وقد نبه سبحانه الأفكار بهذا إلى ضرورة
الضيف يطلق على الواحد والمثنى والجمع وذلك بمحاولتكم الاعتداء عليهم: ﴿أليس منكم رجل رشيد﴾ يعقل هذا فيرشدكم إليه: ﴿قالوا﴾ يا لوط: ﴿لقد علمت ما لنا في بناتك من حق﴾ أي أنك علمت أنه ليس لنا من حق على بناتك لأنه لا رغبة لنا في الزواج بهن: ﴿وإنك لتعلم ما نريد﴾ من الاستمتاع بالذكران: ﴿قال﴾ لوط لضيوفه كم كنت أتمنى: ﴿لو أن لي بكم قوة﴾ تقاتل معي هؤلاء القوم وتدفع عنكم شرهم إذن لقاتلتهم: ﴿أو آوي إلى ركن شديد﴾ أي أو أن يكون لي مكان حصين وركن منيع إذن لتحصنت فيه وإياكم من عبث القوم وفحشائهم: ﴿قالوا يا لوط﴾ لا تخف ولا تحزن: ﴿إنا رسل ربك﴾ أي لسنا من البشر ولكنا من الملائكة الأقوياء الذين أرسلنا لنجدتك وإهلاكهم وأنت بحماية الله لك في ركن شديد فكن مطمئنًا بأنهم: ﴿لن يصلوا إليك﴾ بما يسوءك في نفسك ولا فينا، وما هي إلا لحظة حتى أعمى الله عيونهم كما جاء ذلك صراحة في سورة القمر إذ قال: ﴿ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر﴾، وقال الملائكة للوط: ﴿فأسر﴾ بالقطع من الإسراء وقرئ بالوصل من السري: ﴿بأهلك بقطع من الليل﴾ أي عجل بأخذ الأهبة للرحيل عن هذه القرية أو القرى في ظلام هذه الليلة مستصحبًا معك جميع أفراد أهلك: ﴿ولا يلتفت﴾ أي ينظر ما وراءه بمعنى لا يتخلف: ﴿منكم أحد﴾ عن الرحيل: ﴿إلا امرأتك﴾ بالنصب أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تصحبها معك وقرئ بالرفع بمعنى إنها ستلتفت وتتخلف عن السير معك: ﴿إنه مصيبها ما أصابهم﴾ أي أنها تستحق العذاب الذي سيقعون فيه وقد صرح الله بجرمها الذي أدى بها إلى ذلك المصير بأنه الخيانة التي كانت تتعلق بعدم الإيمان بزوجها لوط وممالأتها للكفار من قومه: ﴿إن موعدهم الصبح﴾ أي موعد عذابهم العام سيبتدئ من طلوع الفجر: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ فلتعجل بالسير قبل حلول ذلك الوقت: ﴿فلما جاء أمرنا﴾ أي حل الموعد المضروب: ﴿جعلنا عاليها سافلها﴾ أي قلبنا مباني تلك القرى رأسًا على عقب، ومن أجل هذا أطلق على قرى لوط في القرآن: ﴿المؤتفكات﴾ لأنها ائتفكت على أهلها أي انقلبت عليهم: ﴿وأمطرنا عليها﴾ أي على تلك المباني بعد قلبها: ﴿حجارة من سجيل﴾ السجيل: الطين المتحجر أو القاسي من الحجارة بحيث يكون أثره قويًّا وقد وصفه الله بقوله: ﴿منضود﴾ أي منضم بعضه إلى بعض بشكل محكم: ﴿مسومة﴾ أي مرسلة من سومه الأمر إذا كلفه إياه وخلى بينه وبين ما يريد: ﴿عند ربك﴾ أي من عنده جل
وعظيم حكمته إذ يجمع سبحانه وتعالى في الشيء الواحد بين النقيضين ويوزع النفع والضر بين المتجاورين فقال: ﴿هو﴾ الله: ﴿الذي يريكم البرق﴾ وهو النور اللامع خلال السحب: ﴿خوفًا وطمعًا﴾ أي الذي يلوح لكم بالبرق مؤذنًا بما يأتي بعده من مطر يخاف منه المسافر وأصحاب الأشجار المثمرة التي يضرها المطر ويفرح بها أصحاب الأراضي القاحلة التي يرجونها لتنبت لهم العشب وتصلح لرعي الماشية: ﴿وينشئ السحاب الثقال﴾ أي يوجد السحب ويرفعها ممتلئة ماء لا تمطر إلا حيث يأذن الله لها: ﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ أي أن الصوت الذي نسمعه ما هو إلا إيذانًا بعظمة الله وحده وتنبيهًا للناس إلى ذكره: ﴿والملائكة من خيفته﴾ أي ويسبح الملائكة خوفًا ومهابة منه جل وعلا: ﴿ويرسل الصواعق فيصيب بها﴾ الله: ﴿من يشاء﴾ أي من يشاءها لنفسه بتعرضه لسخط الله كما يدل على ذلك ما ورد في أسباب نزولها من أن رسول الله ﷺ بعث رجلًا مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال اذهب فادعه لي قال فذهب إليه فقال يدعوك رسول الله ﷺ فقال له من رسول الله وما الله أمِنْ ذهب هو أم من فضة هو أم من نحاس فكرر عليه الدعوة ثلاثًا فلم يزل يجادله في ذلك وبينما هو يكلمه إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله هذه الآية: ﴿وهم يجادلون في الله﴾ أي في حال جدالهم في الله من أمثال أولئك القوم: ﴿وهو شديد المحال﴾ أي العذاب والعقاب إذ يوقعه بالمجادلين في الحال: ﴿له دعوة الحق﴾ أي إن الدعاء الحق لا يكون إلا لله: ﴿والذين يدعون﴾ أي والقوم الذين يدعون أحدًا: ﴿من دونه﴾ أي من دون الله سواء كان ذلك المدعو صنمًا أو وليًّا ضعيفًا من مخلوقات الله: ﴿لا يستجيبون لهم بشيء﴾ أي لا يستطيعون تحقيق طلباتهم: ﴿إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه﴾ أي إلا كما يستجيب الماء لمن يبسط كفيه إليه يسأله أن يصيبه في فمه والماء جماد لا شعور له ببسط الكفين ولا بقبضهما ولا يستطيع أن يتحول عن مجراه ولا يصل إلى فم الإنسان من تلقاء نفسه فلا ثمرة لعمله ولا ثمرة لدعائه: ﴿وما دعاء الكافرين﴾ لمن اعتقدوا فيهم النفع والضر بكشف السوء وتحقيق الغايات: ﴿إلا في ضلال﴾ أي إلا أمر يؤدي إلى الهلاك وسوء العاقبة لمخالفته لما يأمر به الله من إفراده تعالى بالدعاء: ﴿ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا﴾ السجود: الانحناء أو وضع الجبهة في الأرض إشارة إلى منتهى الخضوع أي أن جميع من في السماوات والأرض من الملائكة
﴿وما لهم من ناصرين﴾ أي ليس لهم من أحد ينصرهم ويعينهم على الخلاص من الضلال غير اتباع سنة الله التي تؤدي إلى الهدى من الإيمان والعمل الصالح.
بعد أن ذكر الله سببين من الأسباب التي من أجلها أنكر المشركون أمر البعث أردف ذلك بسبب ثالث هو عدم تصورهم للغاية من البعث: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾ أي بالغوا في تأكيدها ليثبتوا للناس أنه: ﴿لا يبعث الله من يموت﴾ لأن البعث أمر لا يسلم به العقل فالجسم إذا بلى وذابت أجزاؤه كيف يمكن تجمعها من جديد وأي معنى لهذه العملية وقد رد الله على هذا بتأكيد أمره وبيان الأسباب الداعية إليه بقوله: ﴿بلى﴾ سيبعث الله من يموت لأن ذلك قد كان: ﴿وعدًا عليه حقًّا﴾ أي واجب التحقيق فالله لا يمكن أن يخلف وعده: ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ الأسباب الداعية إليه أو الغاية منه فينكرونه وهذا منتهى الجهل والضلال فعدم علم الإنسان بحقيقة الشيء وأسبابه لا يقتضي إنكار وجوده، والله سبحانه وتعالى إذ يخبرنا بأمر لا بد أن نؤمن به وإن لم تتصور عقولنا حقيقته ولقد كان من رحمة الله بالمشركين أن أراد أن يقنعهم بأمر البعث بما لا يدع لهم مجالًا لاستمرارهم في الإنكار فعدد لهم أسباب الأول قوله: ﴿ليبين لهم الذي يختلفون فيه﴾ أي أن السبب في بعث الناس بأشخاصهم إنما هو لإظهار الحق فيما كانوا يختلفون فيه في حياتهم الدنيا من الأعمال العقائدية والأحوال الشخصية ليتبين العاصي من المطيع والخبيث من الطيب والفاسد من الصحيح والظالم من المظلوم والسبب الثاني لبعث الناس بأشخاصهم قوله: ﴿وليعلم الذين كفروا﴾ بالله وكذبوا رسله ولم يصدقوا بما جاء في كتبه: ﴿أنهم﴾ هم الذين: ﴿كانوا كاذبين﴾ إذ يتأكدون صحة كل ما أخبروا به عيانًا بيانًا: ﴿يوم يدعون إلى نار جهنم دعًا﴾ ويقول لهم زبانيتها: ﴿هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون﴾ السبب الثالث لبعث الناس بأشخاصهم هو أن يتأكدوا قدرة الله على جميع وكافة أجزاء الجسم من لحم وعظم وجلد فهذا ما لا يعجزه ولذا قال: ﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ برفع النون وقرئ بنصبها أي إن مشيئتنا الأزلية قد اقتضت أنه متى أردنا إيجاد شيء لا يكلفنا ذلك أكثر من أن نأمر بحصوله فيحصل في الحال كما نريد فلا غرابة إذا ما بعثتم الآن كما أخبرنا كم من قبل.
بأنه لم يخلقهم عبثًا من غير غاية ولا عملًا من غير دستور ينظم سبيل معاشهم وحياتهم حيث قال: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾: ﴿أيحسب الإنسان أن يترك سدى﴾ بل إنهم خلقوا لعمارة الكون بالأعمال الصالحات التي في مقدمتها الإيمان بالله الذي بيده مقاليد أمورهم وهو الذي ينيلهم مقاصدهم وباتباع شرائعه تستقيم شئونهم في هذه الحياة وقد وعدهم على ذلك بأجر لا بد من أدائه لهم في الحياة الأخرى: ﴿والذين كفروا﴾ بالله وكذبوا رسله وآياته: ﴿لهم شرابٌ من حميمٍ﴾ أي شديد الحرارة وهو ما تأباه نفوسهم التي تعودت شرب الماء البارد في الحياة الدنيا: ﴿وعذابٌ أليمٌ﴾ في الآخرة: ﴿بما كانوا يكفرون﴾ أي بسبب ما كانوا يأتون من أعمال الكفر التي في مقدمتها الشرك بالله والكفر بنعمه ويليها الإصرار على مخالفة الله التي من شأنها أن تدنس نفس فاعلها وتبعدها عن الله خالقها وبهذا تستحق عقابه ولا تكون أهلًا لرحمته وبهذا تتحقق صفتان من صفات الله جل وعلا هما صدق الوعد والعدل في الحكم. وإنما جعل الله الآخرة دار جزاء ليدأب الناس في الدنيا على العمل المشترك ولا يتوانوا عن فعل الخير للصالح العام ولولا ذلك لاكتفى كل واحد بالعمل لمصلحته الشخصية وعلى قدر حاجته حيث لا مطمع فيما وراء ذلك بهذا يفسد النظام الاجتماعي الذي سنه الله لهذه الحياة.
بعد أن نبه الله الأذهان إلى مصير الإنسان بعد الموت أخذ يعدد فضله على الناس بما أودعه في بعض المخلوقات من خواص هي في مصلحتهم ومن أجل سعادتهم فقال: ﴿هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا﴾ ذهب علماء اللغة وتبعهم المفسرون إلى أن الضياء والنور مترادفان والأفضل التفريق بينهما بمعناهما الواقعي فالضياء نور ينبعث أو يتولد من الحرارة فيكون له خاصيتها كما أشار الله إلى ذلك بقوله: ﴿وجعل الشمس سراجًا﴾ وقوله: ﴿وجعلنا سراجًا وهاجًا﴾ والوهج اتقاد النار أو حرها من بعيد بخلاف النور فإنه كلما يبين الأشياء بمعنى خلاف الظلمة: ﴿وقدره منازل﴾ أي قدر سيره في عدة منازل ينزل في كل ليلة في واحد منها لا يخطئ ولا يتخطاه: ﴿لتعلموا﴾ عن طريق هذين النيرين: ﴿عدد السنين والحساب﴾ أي تقدير منازل كل منهما وحساب الأوقات من الأشهر والأيام لضبط عبادتكم وسائر معاملاتكم فلولا هذا النظام المشاهد لتعذر عليكم العلم بذلك وقد نبه سبحانه الأفكار بهذا إلى ضرورة
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
سورة الجمعة: بعد أن أملى الله على المؤمنين في السورة السابقة ما يغضبه وما يرضيه منهم وأكد لهم بما لا يعلمونه من تسبيح كل شيء إذ قال: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ فلا تخفى عليه سبحانه مخالفة أعمالهم لأقوالهم وختم السورة بدعوتهم لأن يكونوا أنصار الله وأخبرهم بما اقتضته سننه من تأييد مناصريه حتى أصبحوا ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله أخذ يثبت جل وعلا في هذه السورة الإيمان في قلوبهم ويعدد آلاءه عليهم وافتتحها بقوله: ﴿يُسَبِّحُ﴾ بصيغة المضارع بعد أن افتتح الأولى بصيغة الماضي إشارة إلى ذلك التسبيح لا يزال مستمرًّا في الحاضر والمستقبل: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ من كل مخلوق باعتباره تعالى: ﴿الْمَلِكِ﴾ صاحب السلطان المطلق المسيطر على جميع حركاتهم وسكناتهم: ﴿الْقُدُّوسِ﴾ المنزه في حكمه عن الاستبداد والظلم: ﴿الْعَزِيزِ﴾ في سلطانه: ﴿الْحَكِيمِ﴾ في تصرفاته: ﴿هُوَ الَّذِي﴾ يفعل العجائب ويأتي بالمعجزات التي من أهمها وأبرزها ما لا يستطيع أن يأتي بمثلها أحد سواه أن: ﴿بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ﴾ أي الذين لا يقرؤون ولا يكتبون من رجال البادية سكان الصحراء: ﴿رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ أي من جنسهم تربى في أحضانهم ونشأ نشأتهم فأصبح أميًّا مثلهم ولكنه ما لبث أن أخبر قومه برسالته عن ربه وأن معجزته ﷺ أن: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾ أي على قومه: ﴿آيَاتِهِ﴾ أي آيات الكتاب المنزل عليه وهو القرآن ويتحداهم بالإتيان بآية من مثله وما فيه من فصاحة وبلاغة وأخبار وسير ومواعظ وحكم يدل دلالة لا تقبل الشك أنه كلام رب العالمين: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أي يطهر نفوسهم من سيئ العقائد والخرافات ويروضها على تقبل الهداية والاستنارة بنور الإسلام بما يبثه فيهم من سعة الصدر ومكارم الأخلاق: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ﴾ وهو ذلك الفتى الأمي بما آتاه الله من ملكة العلم والقدرة على التعليم بمختلف الوسائل: ﴿الْكِتَابَ﴾ أي كتاب الله وفهمه فهمًا صحيحًا قائمًا على أساس التدبر والتفكير في آلاء الله والإقرار بوحدانيته: ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ أي كيف يسوسون الأمور ويحلون المشاكل ويعالجون مختلف الشؤون عن طريق استنباط الأحكام من
منه: ﴿ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرا﴾ كل هذه أسماء الأصنام التي كان يصنعها قوم نوح ويعبدونها ويتقربون إلى الله بها ورابع المعاصي قوله: ﴿وقد أضلوا كثيرًا﴾ من الناس بتمويهاتهم وترهاتهم إذ قالوا: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ – فحملوهم على الاعتقاد بأن عبادة هذه الأصنام لا تتنافى مع الإيمان بالله: ﴿ولا تزد﴾ لا هنا: نافية بمعنى أن ترهاتهم هذه قد مكثت الشرك في القلوب فلم تزد: ﴿الظالمين إلا ضلالًا﴾ بمعنى أنها لم تصحح إيمانهم وتصلهم بالله حقًّا بل زادتهم ضلالًا حيث صورت لهم الله بصورة المستبد الذي يكون أشبه بالألعوبة في يد المقربين والذي لا تنال رحمته إلا عن طريق وساطة الشافعين: ﴿مما خطيئاتهم﴾ بالهمزة وبقلبها ياء مدغمة وفي قراءة «خطاياهم» «وخطيئتهم» إشارة إلى الجنس أي بسبب هذه الخطيئات المتعمدة والمتنوعة التي صدرت منهم نالوا جزاءهم حيث: ﴿أغرقوا﴾ بالطوفان: ﴿فأدخلوا نارًا﴾ أي أنه بعد أن انجزر عنهم الماء انتقلوا من تيار البحر إلى حرارة الشمس التي كانت تلهب أجسامهم: ﴿فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارًا﴾ يحفظونهم من الغرق أو يقونهم حرارة الشمس المحرقة بمواراتهم التراب بل ظلوا هكذا عبرة للناس إلى أن بليت أجسامهم: ﴿وقال نوح﴾ من شدة غضبه وما رأى من عبث قومه: ﴿رب لا تذر﴾ أي لا تترك ولا تبق: ﴿على الأرض من الكافرين ديارًا﴾ أي صاحب دار بمعنى لا تبق منهم أحدًا: ﴿إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا﴾ فقد جرت العادة أن الكافر الضال يحب أن يرى الناس كلهم كفارًا ضالين مثله فيبث فيهم سمومه وكفره ويغرس الكفر في قلوب أبنائه فينشئون على دينه، ثم إن نوحًا عاد فشعر بخطئه في هذا الدعاء الذي يتنافى مع ما قضى به الله من أن يكون من الناس مؤمن وكافر والذي يستند إلى عادة لا يقرها الله في دستوره فقد يلد الكافر مؤمنًا والمؤمن كافرًا كما كان من إبراهيم وأبيه ونوح وابنه فندم على ذلك وتوجه إليه بالدعاء قائلًا: ﴿رب اغفر لي﴾ هذه الخطيئة: ﴿ولوالدي﴾ فقد كان بين نوح وآدم عشرة آباء لم يكن أحد منهم كافرًا: ﴿ولمن دخل بيتي مؤمنًا﴾ وقد قيد طلب الغفران لمن كان مؤمنًا إشارة إلى عدم جواز الدعاء للكفار: ﴿وللمؤمنين والمؤمنات﴾ الأحياء منهم والأموات فهم الذين ترجى لهم رحمة الله: ﴿ولا تزد الظالمين﴾ أي الذين أغرقوا وعذبوا: ﴿إلا تبارًا﴾ هلاكًا ودمارًا بمعنى لا يعيدهم إلى الحياة ثانيًا.
سورة الجن
من الحق من ربهم: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ بالسين والصاد قراءتان أي لم تكلف بهدايتهم للإيمان برغم أنوفهم، وليس معنى هذا أن الله راض عن إعراضهم لا بل إن مشيئته تعالى قد قضت بأن يكون الناس أحرارًا في آرائهم ومعتقداتهم وأعمالهم وبمقتضى هذه الحرية فإنه هو الذي سيتولى حسابهم ولذا قال: ﴿إِلاَّ﴾ لكن: ﴿مَن تَوَلَّى﴾ عن الإصغاء لما تذكّره به: ﴿وَكَفَرَ﴾ بما جئت به: ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ﴾ في الآخرة ولا عبرة بما يناله في الدنيا من خير أو شر فذلك عائد لنظم الله الاجتماعية لهذه الحياة: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ بعد موتهم: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ وفق ما أعلناهم به من أحكام في كتبنا المنزلة على جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
سورة الفجر
مكية وعدد آياتها ثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤) فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (٢٠) كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾.
بعد أن حدد الله ولرسوله ﷺ في نهاية السورة السابقة مهمته في التذكير دون السيطرة وقال إنه تعالى هو الذي سيعذب الكافرين يوم القيامة عقب على ذلك في هذه السورة بأن مصير الظالمين في هذه الدنيا إنما يسير وفق الأنظمة الكونية التي سنها الله لهم وقامت الشواهد


الصفحة التالية
Icon