والنذر، ولا بالعظات والعبر، ولم يعد فيها موضع للرحمة وحب الخير للإنسان ﴿وما الله بغافل عما تعملون﴾ وقرئ ﴿يعملون﴾ أي أولئك القوم من بني إسرائيل. فاحذروا أن تسيروا سيرتهم، وقد بينا لكم ما نالهم. إن التشكك في علم الله بكل ما في الكون، وما بين ثنايا القلوب من شأنه أن يورث القسوة، ويميت عواطف الرحمة في الإنسان. بعد أن خاطب الله بني إسرائيل وعدد نعمه عليهم وبين لهم الأسباب الداعية لما أصابهم من الذلة والهوان وغير ذلك، وحذرهم من الاستمرار على ما كان عليه آباؤهم وجه الخطاب للنبي ﷺ ومن معه من المؤمنين الذين كانوا يحسنون الظن ببني إسرائيل، ويحسبونهم أولى الناس بالإيمان، لأنهم من أهل الكتاب المنزل من الله، ولأن الإسلام قد جاء مصدقًا لما معهم، محلًا لهم الطيبات، محرمًا عليهم الخبائث. فقال تعالى ﴿أفتطمعون﴾ في التآخي مع بني إسرائيل بما لديكم من نظريات معقولة وتأملون ﴿أن يؤمنوا لكم﴾ بعد ما تبين لهم من الحق ﴿وقد﴾ فاتكم أن هؤلاء من نسل أولئك الذين ﴿كان فريقٌ منهم﴾ ممن اختاره موسى لصحبته عند خطاب ربه ﴿يسمعون كلام الله﴾ الذي أنزل على موسى وهو التوراة ﴿ثم يحرفونه﴾ بتغيير لفظه وتأويله ﴿من بعد ما عقلوه﴾ لفظًا ومعنى وهم بذلك قد تعمدوا التحريف عن سوء قصد ﴿وهم يعلمون﴾ أي مع عمهم بالحقيقة والصواب، لأنهم كانوا على صلة بموسى، ولم يكونوا في حالة ذهول وفقد جنان. وبهذا ينتفي عنهم عذر الخطأ والنسيان، ويثبت عليهم تعمد الفسق والعصيان، فلا طمع في حسن إيمانهم، ولا أمل في التآخي معهم والثقة بهم، لا سيما وأنهم جبلوا على النفاق، وتعودوا التملق والشقاق ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا﴾ لهم ﴿آمنا﴾ معكم بالله ليكتسبوا بذلك ثقتهم ﴿وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا﴾ أي قال واحد منهم لأخيه ﴿أتحدثونهم﴾ أي المؤمنين ﴿بما فتح الله عليكم﴾ به في التوراة من أخبار بعثة محمد ﷺ ووجوب نصرته ﴿ليحاجوكم به﴾ بما رويتموه لهم عن نفس كتابكم وهو التوراة ﴿عند ربكم﴾ أي أمام ربكم بعد أن قامت عليكم الحجة ﴿أفلا تعقلون﴾ إن هذا يحط من قدركم ويضركم. فوبخهم الله على هذيانهم هذا بقوله: ﴿أولا يعلمون أن الله﴾ سبحانه وتعالى لا يخفى عليه أمر التحريف، ولا يخفى عليه أمر التلون والنفاق فالله ﴿يعلم ما يسرون﴾ من كفر وكيد ﴿وما يعلنون﴾ من إيمان كاذب للمؤمنين ﴿ومنهم أميون﴾ أي ومن بني إسرائيل جماعة ليسوا
«رفقًا بالقوارير» على أن الشارع الحكيم عندما أعطى للرجل حق القوامة وجعل أمر الطلاق في يده لم يقصد بهذا اضطهاد المرأة أو سلب شيء من حقوقها بل إنه أمر باستفتائها في أمر الزواج وأخذ موافقتها عليه بمن تحب وترضى وأوصى بحسن عشرتها فإذا لم يحسن عشرتها فعليها أن تعمل لإصلاح الأمر بحكمتها وحسن سياستها للوصول إلى تفاهم يرضى حيث قال تعالى ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير﴾ فإذا لم يتفقا فلا يجوز أن تظل علاقتهما في فتور وتنافر مستمر بل يصبح واجبًا على كل منهما أن يحتكما في أمر الخلاف الذي بينهما إلى اثنين ممن يرتضيان ليصلح بينهما حيث قال تعالى ﴿وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا﴾ فإن امتنع الوصول إلى حل يضمن السعادة والهناءة فقد قال تعالى ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعًا حكيمًا﴾.
لقد كان من عادة الرجل في الجاهلية أن يطلق امرأته ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها وهكذا من غير تحديد بقصد الإضرار دون أن يكون للمرأة حق الاعتراض فجاء الإسلام باستنكار أمر الطلاق حتى قال رسول الله ﷺ «أبغض الحلال إلى الله الطلاق وأنه يهتز منه عرش الرحمن» ولا غرو فهو من أكبر أسباب الفتك بالأسر وهو معول الدمار وتشتيت الأبناء وكثرة الأرامل ولذلك جاء القرآن محددًا عدد الطلقات فقال ﴿الطلاق﴾ أي الذي تجوز فيه الرجعة ﴿مرتان﴾ أي طلقتان مرتبتان بمعنى أن الطلقتين يكون كل منهما مرة تحل بها العصمة ثم تبرم لا أنهما يكونان بلفظ واحد لما رُوِيَ عن علي وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد وكثير من الصحابة وجماعة من المتأخرين منهم شيوخ الإسلام ابن تيمية وابن القاسم وابن القيم والفخر الرازي أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة فقط لأن الآية نزلت بضرورة تعدد المرات والشارع عندما طلب أن يسبح المرء ويحمد ويكبر ثلاثًا وثلاثين لا يعني أن يقول المرء سبحان الله ويتبعها بلفظ «ثلاثًا وثلاثين» بل لا بد من تكرار التسبيح والتكبير غير أن الأئمة الأربعة قد اتفقوا على أن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثًا بانت
وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (١٧٨) مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠) لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٨٣) فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (١٨٦) وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا
رؤوس يجتمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، وأخذوا في أسباب الأهبة للكرة عليهم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان واشترط أن لا يخرج معه إلا من كان معه في القتال فخرج معه نحو سبعين رجلاً من أصحابه جلهم مثخنون بجراحهم يتوكأ بعضهم على بعض من شدة التعب حتى بلغوا حمراء الأسد، وهو مكان على بعد ثلاثة أميال من المدينة لم يداخلهم خوف أو وهن. فلما علم المشركون بخروجهم لمقاتلتهم وما هم عليه من قوة الإيمان والجلد، قذف الله في قلوبهم الرعب منهم فعادوا إلى مكة ثانية ورجع جيش النبي إلى المدينة ظافرًا برضاء الله عنه على ما بدا منه من عظيم الثقة بالله ووافر التضحية في سبيله ومن أجل هذا قال الله عنهم ﴿للذين أحسنوا منهم﴾ بالمحافظة على الائتمار بما أمر الله من الطاعات ﴿واتقوا﴾ بالانتهاء عن جميع المنهيات ﴿أجر عظيم﴾ قد لا يقل عن أجر من استشهد في ساحة الوغي، بل قد يكون أكثر منه لأنهم جاهدوا وصبروا وتزودوا بكثير من صالح الأعمال. ثم إنه تعالى وصف القسم الثاني من المؤمنين بقوله ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم﴾ روى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة أن المراد بهم من خرج إلى غزوة بدر الصغرى، ذلك أن أبا سفيان عندما همّ بالانصراف من أحد نادى المسلمين: موعدكم موسم بدر القابل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا نعم بيننا وبينك إن شاء الله» فلما كان العام القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل «مجنة» وقيل بلغ «عسفان» فألقى الله تعالى الرعب في قلبه فبدا له الرجوع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرًا فقال له أبو سفيان إني توعدت محمدًا وأصحابه بميعاد أن نلتقي بموسم بدر وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن أرجع وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة. فالحق بالمدينة فثبطهم عن ذلك ولك عندي عشرة من الإبل أضعها في يد سهيل بن عمرو، فأتى نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال لهم ما هذا بالرأي، أتوكم في دياركم وقراكم فلم يفلت منك إلا شريد أفتريدون أن تخرجوا إليهم وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت منكم أحد. فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي» فخرج ومعه سبعون راكبًا يقولون «حسبنا الله ونعم الوكيل» حتى وافى بدرًا فأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان فلم يحضر لأنه رجع إلى مكة بجيشه،
السعادة والراحة فيها حيث يقول تعالى ﴿ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى﴾ أي سفل مقامه وساءت أحواله وثم أمور أخرى أعظم من تلك ذكرها تعالى بقوله ﴿ولعنه﴾ أي طرده من رحمته ﴿وأعد له عذابًا عظيمًا﴾ خاصًّا به لا يعلم ماهيته وعظيم آلامه غير الله وقد يكون من مقتضى هذا أن لا تقبل توبته غير أنه رُوِيَ عن ابن عباس ما يشعر بأن لا يلهم التوبة حتى يموت أو لا يوفق إليها من يقتل عمدًا فقد جاءه رجل فقال له ما تقول في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا فتلا الآية فقال له الرجل أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى فقال ابن عباس ثكلته أمه وأنى له التوبة فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم ﷺ يقول: «ثكلته أمه رجل قتل رجلًا متعمدًا جاء يوم القيامة آخذًا بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دمًا من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بيده الأخرى يقول سل هذا فيم قتلني» والذي نفس عبد الله بن عباس بيده لقد نزلت هذه الآية فما نسخها من آية أخرى حتى قبض نبيكم وما نزل بعدها من برهان. فإن قال قائل هل معنى هذا أن القتل العمد في درجة الشرك يوجد سقط صفحة ٢٩ غير موجودة تكتب * ***************************************************
حسن إسلامكم ونلتم القوة والعزة فما يكون لكم الآن الآن تكذبوا من نطق بالشهادة التي نطقتم بها من قبل وكانت مفتاح هدايتكم ﴿فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرًا﴾ فلا يخفى عليه إن كان الحكم الذي تصدرونه بكفر أحد أو قتله صادرًا بعد تثبت وعن يقين أم هو مبني على مجرد الظن أو لغاية شخصية وعرض دنيوي أو مجاراة
أن يقدم أحد على سرقته فإنه تعالى (حَكِيمٌ) إذ شرع ذلك لحكمة سامية هي أن يطمئن الناس على أموالهم وتتوفر الثقة فيما بينهم (أَلَمْ تَعْلَمْ) أيها السامع لهذا الخطاب (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) قد سن دستورا أبلغه لعباده يقضي فيما يقضي به أنه تعالى (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) فاعل يشاء عائد إلى أقرب مذكور هو من أي من يشاء لنفسه العذاب باقتراف السيئات التي يستحق عليها الجزاء فلو لم يسرق السارق لما قطعت يده ولما جلب لنفسه هذه الفضيحة التي لا تمحي (وَيَغْفِرُ) الله (لِمَنْ يَشَاء) لنفسه الغفران برجوعه إلى الله بالتوبة والندم والدعاء وصالح العمل فلا يؤخذ السارق التائب على سرقته يوم القيامة وإنما يتقاضى المسروق حقه منه إذ ذاك (وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) من التعذيب والغفران (قَدِيرٌ) فمن سلك السبيل لأحدهما فقد شاء ذلك لنفسه فلا يعجزه تعالى أن ينيله غايته على مسئوليته الشخصية.
بعد أن بيّن الله أحكامه العامة في حق من يفسد في الأرض ويقطع الطرق أو يأكل أموال الناس خلسة مما يسبب اختلال الأمن وشيوع الفوضى أراد أن يسرِّى عن رسوله من أمر كان يحزنه ويحزّ في نفسه من أناس تتناقض أفعالهم
<٥٧>
وأقوالهم ولا يستطيع الإنسان أن يعرف حقيقة أمرهم لما جبلوا عليه من النّفاق وكأنه كان يود أن ينزل في حقهم تشريع يرد عنهم ذلك الطبع الذميم فقال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) لقد خاطب الله خاتم أنبيائه بوصفه رسولا إشارة إلى أن مهمته مقصورة على ذلك فقط كما خاطبه بهذه الصفة في بضع آيات أخر من هذه السورة وخاطبه في بضع سور بصفة النبي (يا أيها النبي) ولم يخاطبه قط باسمه فقط مجردا عن الصفة تكريما وتشريفا له وبيانا إلى أن ما طلب منه لم يكن موجها لشخصه غير أن بعض السذج من الأعراب لم يلاحظوا هذا الأمر فكانوا ينادونه باسمه الشريف «يا محمد» فأنزل الله نصا خاصا بالنهي عن هذا حيث قال (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) فلم يعد إلى ندائه ﷺ باسمه أحد بعد ذلك وإن مما يؤسف له أن الكثير من المفسرين لم يفطنوا لهذا الأمر فصاروا يستعملون كلمة «يا محمد» عند خطاب الله لرسوله في كثير من المواضع حتى فيما لم يذكر فيها النداء
أخبر به الرسول عن أمر البعث حقًّا و ﴿ليس لهم من دونه﴾ أي الله ﴿ولي﴾ ينسبون إليه النفع والضر ويكلون إليه كل أمورهم ﴿ولا شفيع﴾ يعتمدون على وساطته، بمعنى لم يكونوا متعصبين لعقيدة فاسدة ورأي خاطئ ﴿لعلهم يتقون﴾ أي أن هؤلاء هم الذين يرجى انتفاعهم بالإنذار. أما الذين ينكرون البعث ويشركون مع الله غيره أو يتخذون له الوسطاء فإنهم لا يعبئون بما في القرآن من وعد ووعيد، إما لإنكارهم البعث بتاتًا، وإما لعدم اعترافهم بالسلطان لله وحده، أو للطعن في قواعد حكمه وعدله بين خلقه. ولما كانت هذه الخصال من الأمور التي لا يمكن للرسول أن يتبينها من ظاهر الناس، وجلهم من الضعفاء، فقد أشكل عليه الأمر وجاءه بعض أشراف قريش قائلين: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ أنكون نحن تبعًا لهؤلاء؟ أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فأنزل الله قوله: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ الغداة: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي: آخر النهار وقيل من الغروب إلى العتمة، والدعاء: مخ العبادة كما قال ﷺ والمعنى ولا تطرد الذين يتعبدون الله طرفي الليل والنهار ويكني بطرفي الشيء عن جملته أي في سائر الأوقات ﴿يريدون وجهه﴾ أي يتوجهون بالدعاء إلى الله وحده مخلصين له الدين فلا يشركون معه أحدًا ولا يرجون ثوابهم من غيره. مما يدل على كمال الإخلاص في العمل ابتغاء رضاء الله ﴿ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء﴾ أي إنك لست موكلًا من قبل الله بأمر حسابهم على أعمالهم الدينية كما أنهم ليسوا موكلين بأمر حسابك. فأعمالكم جميعًا لله، وهو الذي يتولى حسابهم وحسابك. والطرد: جزاء على عمل سيئ وهو لم يثبت بعد فما يكون لك أن تتسرع وتجازيهم عليه ﴿فتطردهم﴾ اجتذابًا لبعض أشراف قريش أو استجابة لطلباتهم ﴿فتكون من الظالمين﴾ الذين يتأثرون بالعاطفة، ويراعون خواطر الناس، ويبنون أحكامهم على غير أساس صحيح ﴿وكذلك﴾ أي بمثل ما قاله لك زعماء قريش الناشئ عن غرورهم بأنفسهم ﴿فتنا بعضهم ببعض﴾ أي جعلنا كل فريق ينقم على الآخر لما أنعم الله به عليه ويتمنى لو كان هو مكانه ﴿ليقولوا﴾ أي المشركون من سراة قريش وأغنيائها ﴿أهؤلاء﴾ الصعاليك من العبيد والفقراء والمساكين هم الذين ﴿منّ الله عليهم من بيننا﴾ نحن الذين أنعم الله علينا بنعمة الغنى والجاه في الدنيا. ولو كان هذا الدين خيرًا لما حرمنا منه. كما حكى الله عنهم
بعد أن حصر الله ما حرم على بني آدم من الأعمال وجه إليهم نداءه الرابع والأخير في هذه السورة وهو يعلمهم فيه بأنه سيبعث لهم رسلًا من قبله وأنه يوجب عليهم تصديقهم واتباع ما سينزل عليهم من آيات ويحذرهم نتيجة تكذيبهم ومخالفتهم ويشرح لهم ما سيكون منهم وما سيؤول إليه أمرهم يوم القيامة فقال ﴿يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي﴾ أي أنه سيأتيكم رسل من جنس البشر ليعرفوكم بي عن طريق آياتي الدالة على مبلغ عظمتي وجلالي ﴿فمن اتقى﴾ أي آمن بي وخاف بأسي ﴿وأصلح﴾ أعماله وفق ما يرضيني ﴿فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ أي فليطمئنوا على حاضرهم ومستقبلهم ويثقوا بأنهم في مأمن من عذابي وأني سوف لا أحرمهم من جزاء أعمالهم ﴿والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها﴾ فلم يؤمنوا بالكتب المنزلة وأبوا الانصياع لأوامرنا وأعرضوا عنها واحتقروا من جاء بها أو دعوا إليها لأنهم يرون أنفسهم أعلا شأنًا منهم ﴿أولئك أصحاب النار﴾ الذين خلقت النار من أجلهم فلا يقبل منهم عمل ولا يثابون عليه أبدًا ﴿هم فيها خالدون﴾ أي لا يخرجون منها أبدًا وإذا كان هذا شأن من يجحد آيات الله ويحتقر الدعاة إليها ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا﴾ أي آمن بالله ولكنه افترى عليه بأن زعم أنه لا بد لنيل ثواب الله من وسطاء وشفعاء ﴿أو كذب بآياته﴾ صراحة بالقول أو الاستهزاء بها أو تفضيل غيرها عليها ﴿أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب﴾ أي يطبق في حقهم ما جاء في الكتاب الإلهي الذي يتضمن الوعد على الأعمال الصالحات والوعيد على الشرور والآثام سواء في الدنيا أم في الآخرة ﴿حتى إذا جاءتهم رسلنا﴾ من الملائكة يوم القيامة ﴿يتوفونهم﴾ أي لحسابهم وإيفائهم حقوقهم ﴿قالوا﴾ لهم أي يبدؤونهم الحساب بقولهم ﴿أين ما كنتم تدعون من دون الله﴾ لقضاء الحاجات ودفع المضرات أو للشفاعة لكم عند الله كما قال تعالى: ﴿وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء﴾. ﴿قالوا ضلوا عنا﴾ أي لم نجد لهم أثرًا ﴿وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين﴾ بدعائهم إياهم وما كانوا يتصورونه من أن لهم من المكانة عند الله ما يخولهم حق الشفاعة لهم لديه، وقد سمعت بأذني من كثير من العلماء وغيرهم من يقول إن الله قد قال في كتابه ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ وهذا معناه أنه كما أن الناس لا تقضى حوائجهم في الدنيا عند الملوك والأمراء إلا عن طريق الوزراء وأصحاب المكانات العالية في البلاد فكذلك الله جل جلاله يريد منا أن نتوسل إليه بالرسل والصالحين من عباده وفي هذا من تشبيه الله في أحكامه بملوك الدنيا المستبدين ما يتعالى الله عنه علوًا كبيرًا ﴿قال﴾ الله لمن أجاب الرسل بهذا الجواب {ادخلوا
وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع كنظام بال انقطع سلكه» وقوله: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان من المسلمين يكون بينهما مقتلة دعواهما واحدة - ولعلها الحرب الثالثة ودعواهما في سبيل السلام العالمي - وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان - ولعله يعني بسرعة المواصلات - وتظهر الفتن ويكثر الهرج والقتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته فيقول الذي عرض عليه لا أرب لي فيه وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني كنت مكانه وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين فذلك حيث ﴿لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا﴾» وكل هذه الأشراط حدثت وتجلت للعيان في عصرنا هذا وما زالت أخبارها تتناقل إلينا من مختلف أقطار العالم وكل عنها لاهون ولم يبق منها إلا طلوع الشمس من مغربها وإن مما يؤسف له أن نرى الكثير من العلماء قد انصرفوا عن واجب الدعوة للرجوع إلى الله واهتموا بالفروع دون الأصول وشغلوا بالخلاف وقصروا في واجب تذكير الناس بهذه الآيات والأحاديث وإنذارهم باقتراب الساعة التي أخبر الله أنها ستأتيهم بغتة ليرجعوا إليه وليتوبوا قبل فوات الأوان لا بل إن منهم اليوم من يشغل نفسه بمحاولة تحديد وقتها وتطمين الناس ببعد ذلك اليوم المنتظر بما يروونه من بعض الأحاديث الضعيفة في أشراط الساعة يكفي في التدليل على عدم الاعتماد على صحتها أنها تصطدم مع الغاية التي من أجلها أمر الله رسوله أن يعلن للناس أن أمرها عنده جل وعلا وأنها تأتيهم بغتة فعليهم أن يترقبوها من وقت لآخر ولا يتمادوا في الضلال والانغماس في الشهوات وقد ﴿ثقلت في السموات والأرض﴾ فيجب أن يهتم الناس بأمرها في هذه الحياة. أصلحنا الله وإياهم ووفقنا لما يحبه ويرضاه.
بعد أن أمر الله رسوله في الآية السابقة أن يجيب السائلين له عن الساعة بأن علمها عند الله وحده وأكد ذلك بالنسبة لمن كان يظن أن الله قد أعلمه بها ولم يشأ هو أن يبوح بها إلى أحد أخذ يملي عليه أعظم ركن من أركان التوحيد الصحيح الذي يجب أن يدين به كل مؤمن ويعتقده عقيدة جازمة لا تردد فيها وهو ضرورة التفريق بين مقام الربوبية ومقام الرسالة فالرسول لا يمكن أن يبلغ درجة الألوهية وليس له من الأمر أكثر من أداء الرسالة التي عهد بها إليه ولذلك
يجوز أن يضايقهم أحد ممن لا يقيمها، الصفة الرابعة: ﴿وآتى الزكاة﴾ لمستحقيها لأجل أن يتعرف بهم ويوصلها إليهم الصفة الخامسة: ﴿ولم يخش إلا الله﴾ باعتقاده أنه وحده النافع والضار ولذلك يخلص له الحب ويحصر فيه الرجاء فمن حقه أن يعتكف في مساجده ويديم صلته الروحية به: ﴿فعسى أولئك﴾ الجامعون لهذه الصفات الخمس: ﴿أن يكونوا من المهتدين﴾ بهدي القرآن المتبعين لسنة سيد الأنام: ﴿أجعلتم سقاية الحاج﴾ بالماء: ﴿وعمارة المسجد الحرام﴾ بالحراسة والأعمال الظاهرة أسبابًا تخول لكم حق الإقامة في جوار بيته: ﴿كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله﴾ عن خلوص نية وصفاء سريرة وتوجه إلى الله وحده فهذا خطأ منكم في التصور إذ هم: ﴿لا يستوون عند الله﴾ فهذه أعمال اخترعتموها لتفاخروا بها الناس وتلك أعمال أمر الله بها ووعد بتقبلها: ﴿والله لا يهدي﴾ إلى الحق: ﴿القوم الظالمين﴾ لأنفسهم بعدم طلبهم الهداية من الله وسلوك السبل المؤدية إليها لعدم رغبتهم فيها. ثم وصف الله المرجحين عنده بأربع صفات بقوله تعالى: ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله﴾ من غيرهم ممن لم تتوفر فيهم هذه الصفات الأربع: ﴿وأولئك هم الفائزون﴾ عند الله بالثواب ونيل الحسنى: ﴿يبشرهم ربهم﴾ منذ الآن: ﴿برحمة منه ورضوان﴾ في الدنيا على أعمالهم: ﴿وجنات﴾ في الآخرة: ﴿لهم فيها نعيم مقيم﴾ دائم لا يتبدل: ﴿خالدين فيها أبدًا﴾ غير مهددين بالزوال: ﴿إن الله عنده﴾ لأمثال هؤلاء: ﴿أجر عظيم﴾ لا يصل إليه تصور الناس بعد فهناك في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. بل إن هنالك من الأجر المعنوي ما يكون أعظم لذة للنفس عند العقلاء من جميع الأجور التي يتمتع بها الناس بأجسامهم ذلك هو شرف القرب والرضا من مالك الملك الله رب العالمين ففي ذلك من اللذة العظمى ما لا يتصوره في الناس إلا من حظي بعطف الملوك والأمراء في هذه الحياة فما بالك برضا الخالق العظيم في الدار الآخرة يوم لا مال ينفع ولا ولد يشفع إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبعد أن انتهى التشريع الإلهي المشتمل على الأوامر الخاصة بعدم احترام عهد المشركين وضرورة إخضاعهم للإيمان وذكر الأسباب الموجبة لذلك أخذ يملي على المؤمنين من النصائح ما يضمن لهم باتباعها العزة والسلطان وهي تتلخص فيما يأتي:
ساعة} ولا غرو فقد وصف الله لنا ذلك اليوم بقوله: ﴿كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾. ﴿قد خسر﴾ السعادة الأبدية في الحياة الأخرى: ﴿الذين كذبوا بلقاء الله﴾ أي عندئذ يشعر الذين كانوا ينكرون البعث بمبلغ خسرانهم بعدم اغتنامهم لتلك اللحظات القليلة في الدنيا فيتزودون فيها بعمل الصالحات التي تنفعهم في حياتهم الأخرى: ﴿وما كانوا﴾ فيما اختاروه لأنفسهم من إيثار المتع الحسية الفانية على الأجر العظيم الخالد: ﴿مهتدين﴾ أي بالمتبعين سبل الهداية وأسباب النجاة والربح العظيم.
بعد أن أخبر الله رسوله بخسران الذين كذبوا بلقائه وأنهم ما كانوا مهتدين أخذ يشير إلى ما يكون من نتيجة تكذيبهم ما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله من العقاب الذي أنذروا به وما سيصدر منهم من أقوال عددها ودحضها فقال: ﴿وإما نرينك﴾ أيها الرسول بعيني رأسك في هذه الحياة الدنيا: ﴿بعض الذي نعدهم﴾ به من العقاب العاجل من نصرة على صناديد قريش وقتلهم وفتح عاصمتهم الكبرى أم القرى: ﴿أو نتوفينك﴾ بقبض نفسك قبل أن ترى انتشار الإسلام في سائر الأقطار ودخول الناس فيه أفواجًا: ﴿فإلينا مرجعهم﴾ أي فإلينا ترجع أمورهم في الحالين ولا دخل لرؤيتك ذلك فأنت قد أديت الرسالة: ﴿ثم الله شهيد على ما يفعلون﴾ سواء كنت حيًّا أو ميتًا وعقابهم على أعمالهم راجع إليه: ﴿ولكل أمةٍ رسول﴾ أي أنه تعالى جعل لكل أمة من الأمم السابقة رسول بعثه فيها ليبين لهم أصول دينه القائمة على ثلاث. الإيمان بالله. واليوم الآخر. والعمل الصالح: ﴿فإذا جاء رسولهم﴾ يوم الحساب وأعلن ما بلغهم به وشهد لمن آمن به أو كذبه: ﴿قضي بينهم بالقسط﴾ أي قضى بينهم الله بالعدل: ﴿وهم لا يظلمون﴾ يجزون وفق دستور الله الذي بلغه إليهم بلا تحيز ولا محاباة: ﴿ويقولون﴾ أي المعاندون المكذبون: ﴿متى هذا الوعد﴾ الذي تنذرونا به. حددوا لنا موعده: ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم إن الله سينتقم لكم منا وينصركم علينا: ﴿قل لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا﴾ أي إنني بشر رسول لا أستطيع ضر نفسي أو نفعها حتى أضركم أو أنفعكم: ﴿إلا ما شاء الله﴾ أي إلا في حدود ما شاء الله أن يملكه لي من العلم بالأسباب المؤدية إلى كل منهما أما خرق العادات والعلم بالمغيبات فذلك مما اختص الله به وجعله معجزة لبعض رسله وهذا نص صريح في نفي ما يزعمه بعض المشتغلين بالعلم من أن لبعض الأولياء كرامات تجعل لهم
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ (٩٤) قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٩٦) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)}
لقد بدأ الله سورة الأعراف ببيان الغاية التي من أجلها أنزل القرآن فأقسم أنه أنزل على رسوله لينذر به وذكرى للذاكرين ولذلك أتى بذكر قصة خلق آدم وغواية الشيطان له مما كان سببًا في هبوطهم إلى الأرض وما كان من إرساله تعالى الرسل لدعوة الناس إلى توحيد الله وما كان منهم من الكفر بما جاءوا به وما حل بهم نتيجة لذلك، ثم أعقبها بسورة يونس لبيان كيفية نزول القرآن فأقسم بأنه إنما أنزل عن طريق الوحي الذي كان ينزل إلى الرسل السابقين وأثبت
وقذف في قلوبهم الرعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديرًا} وهكذا أرتنا الأيام مصير سلاطين آل عثمان لما ظلموا والحسين بن علي الذي كان يهدد الناس دائمًا بقوله «اخرجوا من بلادي» حتى أخرجه الله منها وهو صاغر وأخيرًا بما حل بملك مصر وملك العراق وإن في ذلك لعبرة لمن اعتبر: ﴿واستفتحوا﴾ أي استنصر الرسل بالله واستفتحت الأمم على نفسها إذ قالوا: ﴿اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ فاستجاب الله دعوتهم ونصر المؤمنين: ﴿وخاب كل جبار﴾ لا يخضع لأوامر الله: ﴿عنيد﴾ لا يصغي للحق ويصر على مخالفته: ﴿من ورائه﴾ أي وراء حياة الجبار العنيد في الدنيا: ﴿جهنم﴾ يصلاها في الآخرة: ﴿ويسقي﴾ فيها: ﴿من ماء﴾ مخصوص لا كالمياه المعهودة بل هو مكون من: ﴿صديد﴾ وهو القيح الذي يسيل من الجرح المتعفن: ﴿يتجرعه﴾ أي يتناوله على دفع متعددة: ﴿ولا يكاد يسيغه﴾ الإساغة: إجراء الشراب في الحلق بقبول النفس واستطابة المشروب والمعنى أن ذلك الجبار العنيد بتجرع الصديد على مضض وكراهة مرغمًا تحت تأثير العطش الشديد: ﴿ويأتيه الموت من كل مكان﴾ أي إنه يعالج من الآلام الشديدة التي يشعر بها في كل جزء من أجزاء جسمه ما يظنه سكرات الموت الذي هو نهاية الشدة وخاتمة المآسي ويؤمل بعده الراحة: ﴿وما هو بميت﴾ أي وإذا به لم يمت: ﴿و من ورائه عذاب غليظ﴾ أي ولم يكد ينتهي من عذاب إلا ويعقبه ما هو أشد وأشق منه. أجارنا الله من ذلك بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وهو على كل شيء قدير.
بعد أن ذكر سبحانه ما سيلاقيه كل جبار عنيد من أنواع العذاب يوم القيامة أراد أن ينبه الأفكار إلى خطأ الكافر في اعتماده على ما قدمه من أعمال صالحة في حياته إذ صور تلك الأعمال على حقيقتها وضرب بها مثلًا فقال: ﴿مثل الذين كفروا بربهم﴾ ولم يؤمنوا برسله ولم يصدقوا بما جاء في كتبه عن البعث والحساب والجزاء والعقاب: ﴿أعمالهم﴾ هذا بدل من قوله مثل الذين كفروا والتقدير مثل أعمالهم والخبر قوله: ﴿كرماد﴾ وهو ما يبقى من المواد المحترقة وإنما شبهت أعمال الكفار بالرماد لأنه لم يقصد بها وجه الله فلا ثواب لها عنده والرماد أيضًا لا نفع فيه فإنه مهما كثر وتزايد حتى أصبح كالجبال لا يلبث أن يزول إذا: ﴿اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾ ولذلك فهم: ﴿لا يقدرون﴾ الاحتفاظ بشيء: ﴿مما كسبوا﴾ من الأعمال التي قدموها تقربًا لأصنامهم أو
#صبرًا على الآلاء والمثلات
@ومراقبًا حكم المهيمن في الورى
#ومعددًا للفضل والمنات
@وغدا جلالك ماثلًا في ناظري
#وأراه في نفسي وفي حركاتي
@وشعرت أنك بي حفي راحم
#فوضعت بين يديك كل ثقاتي
@ورضيت بالعيش الذي ترضاه لي
#عن رغبة في السر والجهرات
@وغمرتني بالفضل منك فلم يعد
#لليأس سلطان على خطراتي
@وتجلت الألطاف لي فشكرتها
#ورقصت من فرح ومن نشوات
@ووجدت في حبي لذاتك بغيتي
#وطربت من ذكراك في خلواتي
@والشوق يدفعني إليك وجنتي
#بالقرب منك وسلوتي أنّاتي
@ووسيلتي ضعفي وحلمك جُنتي
#ولبحر جودك أسرعت خطواتي
بعد أن أوضح الله ما اقتضته سننه الكونية من أن العمل الصالح إذا صدر من المؤمن الواثق بحسن جزاء الله من شأنه أن يشعره بنعم ربه عليه في نفسه بحياة طيبة ويجزى في الآخرة بأحسن مما صدر منه من عمل في الدنيا أخذ يرشده إلى أمر به تخلص الأعمال من جميع الشوائب هو أن يطلب من الله أن يعيذه من الشيطان عند البداءة بكل عمل فقال: ﴿فإذا قرأت﴾ أي إذا أردت أن تقرأ: ﴿القرآن﴾ أيها المؤمن وهو من أفضل الأعمال وأشرفها. وما سواه من سائر الأعمال
ساعة} ولا غرو فقد وصف الله لنا ذلك اليوم بقوله: ﴿كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾. ﴿قد خسر﴾ السعادة الأبدية في الحياة الأخرى: ﴿الذين كذبوا بلقاء الله﴾ أي عندئذ يشعر الذين كانوا ينكرون البعث بمبلغ خسرانهم بعدم اغتنامهم لتلك اللحظات القليلة في الدنيا فيتزودون فيها بعمل الصالحات التي تنفعهم في حياتهم الأخرى: ﴿وما كانوا﴾ فيما اختاروه لأنفسهم من إيثار المتع الحسية الفانية على الأجر العظيم الخالد: ﴿مهتدين﴾ أي بالمتبعين سبل الهداية وأسباب النجاة والربح العظيم.
بعد أن أخبر الله رسوله بخسران الذين كذبوا بلقائه وأنهم ما كانوا مهتدين أخذ يشير إلى ما يكون من نتيجة تكذيبهم ما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله من العقاب الذي أنذروا به وما سيصدر منهم من أقوال عددها ودحضها فقال: ﴿وإما نرينك﴾ أيها الرسول بعيني رأسك في هذه الحياة الدنيا: ﴿بعض الذي نعدهم﴾ به من العقاب العاجل من نصرة على صناديد قريش وقتلهم وفتح عاصمتهم الكبرى أم القرى: ﴿أو نتوفينك﴾ بقبض نفسك قبل أن ترى انتشار الإسلام في سائر الأقطار ودخول الناس فيه أفواجًا: ﴿فإلينا مرجعهم﴾ أي فإلينا ترجع أمورهم في الحالين ولا دخل لرؤيتك ذلك فأنت قد أديت الرسالة: ﴿ثم الله شهيد على ما يفعلون﴾ سواء كنت حيًّا أو ميتًا وعقابهم على أعمالهم راجع إليه: ﴿ولكل أمةٍ رسول﴾ أي أنه تعالى جعل لكل أمة من الأمم السابقة رسول بعثه فيها ليبين لهم أصول دينه القائمة على ثلاث. الإيمان بالله. واليوم الآخر. والعمل الصالح: ﴿فإذا جاء رسولهم﴾ يوم الحساب وأعلن ما بلغهم به وشهد لمن آمن به أو كذبه: ﴿قضي بينهم بالقسط﴾ أي قضى بينهم الله بالعدل: ﴿وهم لا يظلمون﴾ يجزون وفق دستور الله الذي بلغه إليهم بلا تحيز ولا محاباة: ﴿ويقولون﴾ أي المعاندون المكذبون: ﴿متى هذا الوعد﴾ الذي تنذرونا به. حددوا لنا موعده: ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم إن الله سينتقم لكم منا وينصركم علينا: ﴿قل لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا﴾ أي إنني بشر رسول لا أستطيع ضر نفسي أو نفعها حتى أضركم أو أنفعكم: ﴿إلا ما شاء الله﴾ أي إلا في حدود ما شاء الله أن يملكه لي من العلم بالأسباب المؤدية إلى كل منهما أما خرق العادات والعلم بالمغيبات فذلك مما اختص الله به وجعله معجزة لبعض رسله وهذا نص صريح في نفي ما يزعمه بعض المشتغلين بالعلم من أن لبعض الأولياء كرامات تجعل لهم
يا أيها: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر: ﴿قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾ من عنده وهو القرآن وأرسل: ﴿رَّسُولًا﴾ هو محمد بن عبد الله: ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾ بكسر الياء وفتحها أي موضحات سبل الخير وسبل الشر وما يضركم وما ينفعكم وخواص كل شيء من العبادات وغيرها: ﴿لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بها: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ مما تدعو إليه: ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أي من غياهب الجهل والتخبط في الحياة على غير هدى: ﴿إِلَى النُّورِ﴾ أي نور العلم بحقائق الأشياء وسنن الكائنات وما أودع الله النباتات من خواص والعبادات من فوائد والتي من أهمها قوله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ﴾ في الآخرة وقرئ: ﴿ندخله﴾ بالنون بدل الياء: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أي إقامة دائمة لا يتخللها انقطاع ذلك لأنه: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا﴾ في الحياة فأدى حقه من الشكر فاستحق النعيم في الآخرة ولا غرو فهو: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ بفتح اللام وقرئ بضمها أي في العدد لا في الكيفية: ﴿يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ وقرئ: ﴿ينزل﴾ أي نزل الوحي بكل ما يقضي به الله أو يقدره من أقصى السموات إلى أسفل الأرضين في الحال: ﴿لِتَعْلَمُوا﴾ وقرئ «ليعلموا» أي كل من في السماوات السبع والأرضين السبع: ﴿أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فمن بلغت قدرته هذا المبلغ لا يمكن إلا أن يطبق أحكامه في الآخرة وفق أوامره التي أوحي بها ويكافئكم على أعمالكم وفق ما وعدكم مما هو فوق تصوراتكم خصوصًا: ﴿وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة فلا يمكن أن يغمطكم حقكم بل إنه تعالى ليسجل لكم من الحسنات ما لا تشعرون به قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم». اللهم ألهمنا ما فيه خيرنا وسعادتنا إنك على كل شيء قدير وأنت أرحم الراحمين.
سورة التحريم
مدنية وعدد آياتها اثنتا عشرة

(بسم الله الرحمن الرحيم)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا
سورة القيامة
﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٥) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)﴾
لقد أمر الله رسوله في السورة السابقة بالقيام بواجب الدعوة إليه بالقول والعمل وتوعد المعرضين عن الاستجابة لتلك الدعوة بسوء المنقلب وبين سننه تعالى في طريقة اختبار عباده وسبيل نجاحهم أو سقوطهم ليكون الناس على علم بكل هذا وأشار إلى مدى إعراض الكافرين عن كلام الله وعدم خوفهم من الآخرة وإنكارهم أمر البعث أخذ يناقش سبحانه في هذه السورة الأسباب التي تدعوهم إلى ذلك ويؤكد حصوله فقال: ﴿لا أقسم بيوم القيامة﴾ أي لندع القسم بذلك اليوم العظيم ما داموا يجحدونه ولا يؤمنون به: ﴿ولا أقسم﴾ أي ولنعرض أيضًا عن القسم: ﴿بالنفس اللوامة﴾ أي بنفس الإنسان لأنها موصوفة بكثرة اللوم ومطبوعة عليه إذ تقول في حالتي الخير والشر لو فعلت كذا لكان كذا أو لما كان كذا فهي ليست أهلًا لأن يقسم بها ولم يعد القسم يجدي في إقناع الجاحدين الكافرين وإنما نريد أن نناقش هؤلاء في الأسباب التي تحملهم على إنكار البعث: ﴿أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه﴾ أي هل كان الباعث له على نكرانه البعث عدم
وفتح سبيل الهداية قال صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر في العشر البواقي من رمضان من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة».
سورة البينة
مدنية عدد آياتها ثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)﴾
سورة البينة: بعد أن بيّن الله في السورة السابقة وقت بدء نزول القرآن وشرف الليلة التي أُنزل فيها أشار سبحانه في هذه السورة إلى وجهة نظر فريق من الناس إليه قبل نزوله وبعد إنزاله وتلاوته من قِبَل رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قبل بعثة الرسول ونزول القرآن: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ اليهود النصارى: ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ عبدة الأصنام والنجوم والنار وما أشبه: ﴿مُنفَكِّينَ﴾ أي منفصلين عن التمسك بما كان عليه آباؤهم من عادات وتقاليد وعبادات فاسدة ولا يتخلون عنها في زعمهم: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ الظاهرة القاطعة من عند الله ليعرفوها ويؤمنوا بها وهي أن يأتيهم: ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ حسب ما أخبروا ببعثته في التوراة والإنجيل: ﴿يَتْلُو صُحُفاً﴾ منزلة من عند الله: ﴿مُّطَهَّرَةً﴾ من الخلط والباطل من أقوال مدوني التوراة والأناجيل: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ أي مستقيمة بمعنى اشتمالها على الحق الذي لا يتطرق إليه الباطل والفساد: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أي في حين أن تفرقهم ما كان: ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ التي كانوا يتطلبونها من الله ببعثة الرسول الذي


الصفحة التالية
Icon