وبهذا ينبه الله العلماء ورجال الدين على الإطلاق إلى ضرورة التحري في تحرير الأحكام وتقنينها، وتجنب الكذب على الله ورسوله فيها، وأن لا يبتدعوا في الدين ما ليس منه. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا حجة ولا عمرة حتى يدعها».
لقد أعاد الله بيان الأسباب التي تحول دون الطمع في إيمان بني إسرائيل، فعدد منها أنهم يعتقدون أن عذابهم قد تحدد من قبل فلا يمحى بإيمانهم، ولا يزداد بإقامتهم على كفرهم. وقد حكى الله عنهم ذلك بقوله ﴿وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة﴾ بقدر ما عبدوا العجل، وهي سبعة أيام أو أربعون يومًا على زعمهم، وقد رد الله على فريتهم هذه بقوله لنبيه عليه الصلاة والسلام. ﴿قل﴾ يا محمد لمن حولك من بني إسرائيل من أين لكم هذا؟ هل ﴿أتخذتم عند الله عهدًا﴾ بذلك ﴿فلن يخلف الله عهده﴾ فمن أجل هذا وثقتم كل الثقة ورفضتم الإيمان واتباع هذا الرسول ﴿أم﴾ أنه لا دليل عندكم على هذا، وبذلك فأنتم ﴿تقولون على الله ما لا تعلمون﴾ وفي كلتا الحالتين فأنتم خاطئون في جحودكم، وعدم انقيادكم لهذا الدين الحنيف ﴿بلى﴾ إن الله قد قطع على ذاته العلية عهدًا لن يخلفه أن ﴿من كسب سيئةً﴾ أو ارتكب إثمًا في هذه الحياة فإنما يؤاخذ على جرمه هو نفسه، ومتى استرسل في الذنوب وأصر على العصيان ﴿وأحاطت به خطيئته﴾ بحيث أصبح أسير الشهوات، حليف الموبقات ﴿فأولئك﴾ من ﴿أصحاب النار﴾ الذين كتب الله عليهم أن يكونوا من سكانهم و ﴿هم فيها خالدون﴾ فعلًا لإصرارهم على ارتكاب السيئات ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ من كل مأمور به، أو مندوب إليه فسينالون أجرهم الذي وعدهم الله به ﴿أولئك أصحاب الجنة﴾ الذين خلقت الجنة من أجلهم و ﴿هم فيها خالدون﴾ جزاء ما قدموا من إيمان صحيح وعمل صالح. وفي هذه الآيات ما يشير إلى أن بعض الاعتقادات الفاسدة التي لا تستند إلى دليل صحيح من الكتاب والسنة قد يكون لها تأثير في تقاعس الناس عن اتباع الدين الصحيح، والعمل بما جاء فيه، وذلك كتقاعس بعض المسلمين عن أداء العبادات اعتمادًا على مجرد الأمل في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حتى على عفو الله مع تماديهم في العصيان والشرك، فهذا
الزوجان وقرئ ﴿تقيما﴾ بالتاء بدل الياء ﴿حدود الله﴾ التي نبهكم إليها ﴿فلا جناح عليهما﴾ في هذه الحالة أن يتفقا على انفصال رابطة الزوجية من قبل الزوج مقابل شيء ترده له الزوجة أو تتنازل عنه، ولا إثم عليها في هذه الحالة ﴿فيما افتدت به﴾ أي المرأة نفسها من عشرته بالمال ولا إثم على الرجل أن يأخذ تلك الفدية ﴿تلك﴾ الأوامر والنواهي ﴿حدود الله﴾ في شؤون الزوجية: أي قانون المعاشرة ﴿فلا تعتدوها﴾ بالمخالفة ﴿ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾ الذين يعملون على فساد العالم بمخالفة النظام الذي سنه الله لعمران الكون ودوام هناءة الأسرة في الحياة.
ذلك أن الإسلام أقام الزواج على أساس قوي من الرغبة المتبادلة بين الزوجين وكامل الاختيار فيه حيث أباح لكل منهما النظر لمن يريد العشرة معه وقال ﷺ أنه «أحرى أن يؤدم بينهما» وأحاطه بسياج من التكاليف التي لا بد منها كضرورة العقد بإيجاب وقبول وشاهدين وولي ودفع المهر وسن إعلانه وإشهاره خشية التجاحد وأن يؤخذ إذن الزوجة فيه ولو كانت صغيرة وجعل لها حق الخيار في حالة ما إذا زوجها وليها بغير إذنها وأوجب على كل من الزوجين حقوقًا والتزامات لا بد من أدائها ودعا إلى التحكيم فيما يكون بينهما من خلاف ودعاهما إلى حسن المعاشرة بالمعروف. ولما كانت الطباع قد تختلف والألفة ربما لا تدوم والمحبة قد تتبدل والمصالح قد تتصادم فقد شرع الإسلام الطلاق رعاية لهذه الظروف وإلا كانت المعيشة مع ذلك بلاء لا يطاق وجحيمًا لا يحتمل وأفضى الأمر إلى فساد عظيم فلم تكن الغاية منه إذًا غير سعادة الأسرة ودوام الوفاق والهناءة حتى لا يكره الرجل على البقاء مع من كره طبعها أو ساء خلقها، واستعصت عشرتها ومع هذا فقد أحاط الشارع الطلاق بعدة قيود من شأنها أن تصد الرجل عن الإقدام عليه وتحمله على التريث والتدبر في أمر نفسه ومصير زوجته وأولاده نتيجة لذلك الطلاق تتلخص فيما يأتي:
١ - أن الله تعالى جعل للمرأة على زوجها في حال طلاقها أن يقدم لها شيئًا من المال بمثابة تعويض وترضية لها عما نالها بسبب إيقاع الطلاق بها دون رضاء منها حيث قال ﴿وللمطلقات متاع بالمعروف﴾
موسى (والإنجيل) على عيسى (من قبل) أي قبل تنزيل القرآن ليكون (هدى للناس) إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة (وأنزل) على الناس قوة يستطيعون بها (الفرقان) أي التفرقة بين الحق والباطل وهو – العقل – قال صلى الله عليه وسلم: «قوام المرء العقل، ولا دين لمن لا عقل له» وإنزال ذلك هنا من قبيل إنزال الحديد في قوله تعالى – وأنزلنا الحديد – لأن كل ما كان عن الحضرة الإلهية يسمى عطاؤه إنزالًا أو تنزيلًا (إن الذين كفروا) بعد كل هذا (بآيات الله) الدالة على وحدانيته ووجوب إفراده بالعبادة سواء ما كان منها في الكتب المنزلة أو المخلوقات العظيمة في هذا الوجود وأسرار الكائنات (لهم عذاب شديد) عقابًا لهم على عدم تدبرهم في تلك الآيات والاهتداء بها والعمل بمقتضاها (والله عزيز) لا يخشى أحدًا (ذو انتقام) ينتقم بسلطان عزه وجبروته من كل من خالف آياته وعصى أوامره.
بعد أن أنذر الله الكافرين بآياته بعذاب شديد أراد أن يشعرهم بأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء من أمر كفرهم سواء كان ظاهرًا أما باطنًا فقال (إن الله) مالك جميع القوى الخفية في هذا الوجود (لا) يمكن أن (يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) لأنهما ممتلئتان بمختلف القوى ذات الخواص المختلفة التي لا يعلم عددها ومزاياها غيره سبحانه وتعالى وكل حركة أو سكون لا تكون إلا بواسطة إحدى تلك القوى وهو عالم بها وبما تستعمل فيه وما يستنفد منها و (هو الذي يصوركم) بصور مختلفة وأجزاء متغايرة في الشكل والطبع والصفة (في) ظلمات (الأرحام) جمع رحم: مستودع الجنين في أحشاء المرأة، بدقة متناهية (كيف يشاء) أي بالصفة والشكل الذي يختاره جل وعلا كامل التكوين أو ناقصه أبيض أم أسود فلا يخفى عليه شيء من أسراركم ودخائل أمركم (لا إله إلا هو) خلق كل شيء فأحسن خلقه وعلم من أمره ما كان وما يكون وهو (العزيز) بسلطانه (الحكيم) في تصرفاته.
بعد أن أكد الله في أوائل هذه السورة أنه سبحانه هو الذي نزل على نبيه الكتاب بالحق أراد أن يخبر نبيه بأنه هو الذي قضت حكمته بتنزيل القرآن بنصه الحاضر منه ما هو صريح واضح المدلول مفهوم معلوم، ومنه ما يدل على معنى لا يسلم العقل أو الشرع بانصرافه إليه ليمتحن بذلك مبلغ الإيمان في قلوب المؤمنين، فيقع في الزلل قصار النظر من المشككين وترفع بالقول الثابت درجات
تحت أمري أصرفها كيف أشاء ولا حول لهم ولا قوة على فعل شيء إلا بما أهبهم من قوة الحياة وسائر الأعضاء التي هي من صنعي، وأنا وحدي صاحب السلطان المطلق الذي أستطيع أن أسلطهم عليكم فيقتلونكم في عقر داركم إذا أردت، والذي أملك أن أحميكم من شرهم وأرد كيدهم في نحورهم متى شئت ﴿وخافون﴾ فلا تعصوا أمري واتبعوا رسولي فيما يدعوكم إليه من طاعتي والجهاد في سبيلي بالنفس والمال ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ بوجودي واثقين حقًا بوحدانيتي وأني مالك لجميع القوى المسيطر على جميع العباد المعز المذل مانح النصر لمن أشاء، والذي لا يستحق أن يطاع أو يعبد بحق أحد سواي.
بعد أن طمن الله رسوله على مصير المجاهدين من قومه أخذ سبحانه وتعالى يعالج أمرًا نفسيًا في صدر رسوله هو أنه عليه الصلاة والسلام كلت يضيق ذرعًا بأعمال المنافقين وما يبثونه من الدعاية ضد الإسلام وتثبيط الناس عن متابعته والجهاد تحت لوائه وما يترتب على ذلك من تقليل عدد المسلمين فيساوره الحزن لانفصال ذلك النفر من قومه عنه، وقد كان يرجو أن يكون من أنصاره فأنزل قوله ﴿ولا يحزنك﴾ بفتح الياء وضم الزاي وقرئ بضم الياء وكسر الزاي والحزن: انقباض في النفس لفوات أمر محبوب أيها الرسول أمر أولئك ﴿الذين يسارعون في﴾ الدعوة إلى ﴿الكفر﴾ من المنافقين بالصد عن سبيل الله، وغرس خوف الناس في قلوب العباد وفضهم من حولك ﴿إنهم﴾ بعملهم هذا ﴿لن يضروا الله شيئا﴾ فانصياع الناس لأباطيلهم وتقاعسهم عن نصرتك لن يؤثر في دين الله الذي جئت به شيئًا ولن يؤدّي إلى خذلانك أبدًا، وحسبك أن الله مؤيدك وحاميك ﴿يريد الله﴾ بسلوكهم هذا المسلك ﴿ألا يجعل لهم﴾ بمقتضى دستور المشيئة ﴿حظا في الآخرة﴾ مما قدره جلّ وعلا لعباده المجاهدين في سبيله، فهم بذلك إنما حرموا أنفسهم من ذلك الحظ الوافر ﴿ولهم﴾ عدا ذلك ﴿عذاب عظيم﴾ شاق عقابًا على ما اقترفوا من الصد عن سبيل الله ﴿إن الذين﴾ أصغوا لترهاتهم و ﴿اشتروا الكفر بالإيمان﴾ حيث آثروا طاعتهم على طاعتك بتزلزل عقيدتهم في الله أولا، وفي صحة رسالتك ثانيًا حتى أصبحوا في حكم المرتدين ﴿لن يضروا الله شيئا﴾ أيضًا حيث برهنوا على تبلبل في الرأي وضعف في العقيدة وعدم ثبات على المبدأ، وكل هذه صفات لا تتفق مع ما يتطلبه الإسلام من معتنقيه، ومثل هذا الفريق من الناس الذين يتبعون كل ناعق لا خوف على الإسلام منهم ولا قدرة لهم على إلحاق الضرر به ولا
القاعدين} عن بذل المال من البخلاء وعن العمل من الكسالى من المتعطلين ﴿درجة﴾ أي منزلة وشأنًا ﴿وكلا﴾ من المجاهدين والقاعدين ﴿وعد الله الحسنى﴾ باعتبارهم عبيدًا له تعالى وقد تكفل برزقهم والإحسان إليهم وإن أساؤوا فرحمته تعالى ليست محصورة في الطائعين ولا محرمة على المتقاعدين ﴿وفضل الله﴾ أي ولكنه تعالى بالنسبة لتفاوت الناس في الأعمال قد اقتضت حكمته أن يفضل ﴿المجاهدين على القاعدين﴾ من غير أولي الضرر ﴿أجرًا عظيمًا﴾ أي من حيث الأجر العظيم ﴿درجات منه﴾ في الدنيا تتكافأ مع جهودهم بحسب نظام الفطرة وسنة الله في خلقه فلكل مجتهد نصيب ﴿ومغفرة ورحمة﴾ في الآخرة عندما يقضي الله بالعدل بين عباده ويختص سبحانه الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله بأعظم الدرجات حيث يقول تعالى ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون مظلمة فهو شهيد» ﴿وكان الله غفورًا رحيما﴾ أي من شأنه الغفران والرحمة لن يطلبها بسلوك سبيلها من الإيمان بالله والعمل الصالح ومن يستحقها بالإذعان لربه بالألوهية والإنابة إليه وإظهار الخضوع بين يديه.
بعد أن حث الله المؤمنين على الضرب في الأرض من أجل نشر الدعوة إلى الله وبين فضيلة المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في هذا السبيل على القاعدين عنه أتبع ذلك بذكر عقاب من قعد عنه وأهمل القيام بواجب نشر الدعوة لله والجهاد في سبيل نصرة دينه الحق فحكى سبحانه وتعالى ما كان من أمر أمثال هؤلاء في الماضي ليتعظ بهم أمثالهم في الآتي فقال: ﴿إن الذين توفاهم﴾ توفى مطاوع وفّى يقال توفيت من فلان مالي عليه أي
@ومهما تكن عند امرئ من خليقة
#وإن خالها تخفى على الناس تعلم
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) جزاء على فساد قلوبهم الذي هو منشأ فساد الأعمال في الحياة الدنيا (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أعاد الله وصفهم بكثرة سماع الكذب لتأكيد ما قبله إشارة إلى ما كان من طبائع بني إسرائيل (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) بضم السين وإسكان الحاء وضمها، ما خبث وما قبح من المكاسب غير المشروعة التي تجلب العار بحيث يخفيها صاحبها
<٥٩>
كالرشوة مثلا قال الحسن كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه من هو مبطل في دعواه برشوة سمع كلامه ولا يلتفت إلى خصمه فكان يسمع للكذب ويأكل السحت (فَإِنْ جَاءُوكَ) متحاكمين (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي فأنت مخير بين الحكم فيهم والإعراض عنهم وتركهم إلى رؤسائهم (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا) أي فليس لهم عليك من سبيل وسوف لا يؤاخذاك الله على عدم الحكم بينهم فهم لم يحكموك واثقين من عدلك بل طمعا في أن يجدوا عندك سبيلا لإرضاء شهواتهم فإن حكمت لهم بما يرضيهم أطاعوك وإلا أعرضوا عنك (وَإِنْ حَكَمْتَ) أي وأنت إن قبلت الحكم بينهم (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي فأنت مقيد بالحكم بالعدل لا بما يوافق أهواءهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الملتزمين واجب العدل (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) ويؤثرونك على رؤسائهم (وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) أي وهم أصحاب شريعة يزعمون التمسك بما فيها من أحكام الله (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ) عنها (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد زعمهم الإيمان بها ويرغبون عنها ويتحاكمون إلى نبي جاء بشريعة أخرى (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) بك ولا بشريعتك فهذا هو السبب في ترك الخيار لك في الحكم بينهم أو الإعراض عنهم.
بعد أن خيّر الله نبيّه في الحكم بين بني إسرائيل أو الإعراض عنهم وبين له تعالى السبب في ذلك وهو إعراضهم عن حكم التوراة التي بين أيديهم وقال (وما أولئك بالمؤمنين) أخذ يوضح مزايا التوراة والإنجيل ويؤكد أن ما فيها من الأحكام صادر منه حيث قال (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ) كتابا مقدسا صادرا
وقرئ بنصب سبيل وقرئ «ليستبين سبيل» بالياء ورفع سبيل أي ليظهر بها سبيل ﴿المجرمين﴾ فيمتازوا بها عن جماعة المسلمين بعدم سرورهم بهذه البشرى وتقاعسهم عن الإقبال على الله بكل جوارحهم.
بعد أن علم الله رسوله طريقة يجتذب بها قلوب المؤمنين إلى محبة الله أخذ يعلمه طريقة أخرى يستميل بها غير المؤمنين إلى الإيمان من غير إكراه ولكن بالحجة والبرهان فقال ﴿قل﴾ للكافرين والمشركين ﴿إني نهيت﴾ بفطرتي وما هداني إليه عقلي قبل رسالتي ﴿أن أعبد﴾ أي أدعو ﴿الذين﴾ كنتم ﴿تدعون﴾ وتستغيثون بهم ﴿من دون الله﴾ من الأصنام والأوثان التي لم تكن تسمع ولا تعقل ولا تنفع ولا تضر ﴿قل﴾ فمن البديهي إذًا أن ﴿لا أتبع أهواءكم﴾ أي ما تمليه عليكم نفوسكم المطبوعة على الشر من الزيغ والضلال ﴿قد ضللت إذًا﴾ أي إن اتبعتكم فيما أنتم عليه من ضلال لا يستند إلى بينة أو هدى ولا يقره العقل السليم ﴿وما﴾ أكون ﴿أنا﴾ في هذه الحالة ﴿من المهتدين﴾ إلى الحق والصراط المستقيم و ﴿قل﴾ لهم أيضًا ﴿إني﴾ فيما أخالفكم فيه قد حصلت ﴿على بينة﴾ أدلة وحجج عقلية وشواهد وآيات حسية ﴿من ربي﴾ أي هداني إليها ربي بما أنزله عليّ من القرآن الذي يدعو إلى توحيد الله رب العالمين بما يشير إليه من التفكير في خلق السموات والأرض والتأمل في سنن الكائنات وعجائب المخلوقات ﴿وكذبتم به﴾ أي بربي إذ لم تعترفوا بوحدانيته واتخذتم معه شركاء أو شفعاء تدعونهم لكشف الضر وقضاء الحاجات فنحن إذًا على طرفي نقيض. فكيف تريدون أن أعدل عن أمر وثقت به كل الثقة لاتباعكم فيما لا دليل لكم عليه، لمحض التقليد الذي يعد براءة من الاستدلال ودليلًا على ضعف التفكير والجمود عند الحد الذي وضعه الآباء. وهنا أشار الله إلى ما كان يقول المشركون ردًّا على دعوة الإسلام ﴿اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ ولقن رسوله الجواب عليه بقوله ﴿ما عندي ما تستعجلون به﴾ أي ليس لدي من القدرة ما يجعلني أعجل لكم ما طلبتموه من قذفكم بالحجارة وإنزال العذاب بكم في الحال ﴿إن الحكم﴾ في ذلك وغيره ﴿إلا لله﴾ وحده وله في ذلك سنن وأنظمة لا بد منها ومقدرات وآجال لا تتغير ولا تتبدل إلا بأمره ﴿يقص الحق﴾ في جميع ما أخبر به من وعد ووعيد وقرئ «يقضي الحق» أي يقضي في أمركم القضاء الحق ﴿وهو خير الفاصلين﴾ بين الصدق والكذب والحق والباطل {قل لو أن عندي ما
عليهم فالله يضاعف الحسنات ويمحو بها السيئات ومن أجل هذا ﴿أولئك﴾ يعتبرون في عداد الصالحين الذين هم ﴿أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ التي أعدت خصوصية لهم في الحياة الأخرى ﴿ونزعنا ما﴾ كان ﴿في صدورهم من غل﴾ لبعضهم في الحياة الدنيا إذ لا داعي لوجود الغل والحسد في تلك الحياة والجميع إخوة على سرر متقابلين ﴿تجري من تحتهم الأنهار﴾ ولا عمل لهم إلا التحدث بنعم الله عليهم ﴿وقالوا الحمد لله الذي هدانا﴾ بما أنعم علينا من عقل وتدبر لما جاء في كتبه وعلى لسان رسله إلى الأعمال التي من شأنها أن توصل ﴿لهذا﴾ النعيم المقيم ﴿وما كنا لنهتدي﴾ من تلقاء أنفسنا إلى دستور الله الذي قضى بأن العمل الصالح يدخل الجنة ﴿لولا أن هدانا الله﴾ إليه بحسن إرشاده وتوفيقه إيانا لاتباع رسله ومعونتنا على ذلك بمحض رحمته ﴿لقد جاءت رسل ربنا بالحق﴾ أي أنهم يشفعون الدعاء في الآخرة بالإذعان بصحة رسالة الرسل كما كانوا يؤمنون بهم في الحياة الدنيا ﴿ونودوا﴾ من قبل الرب جل وعلا جوابًا على الحمد والثناء ﴿أن تلكم الجنة﴾ المعجبين بما فيها من أنواع الملذات ﴿أورثتموها﴾ الإرث انتقال مال الميت إلى ورثته بمقتضى أمر الله ﴿بما كنتم تعملون﴾ أي أن الجنة حق من حقوقكم الثابتة التي نلتموها على العمل بأمر الله كحق الوارث في مال مورثه، وهذا تأكيد من الله بأن العمل هو السبب المباشر لدخول الجنة خلافًا لما فهمه بعضهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدًا عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» وحسبوا فيه تعارضًا مع الآيات الواردة في الحض على العمل وآثروا الحديث على الآيات وقالوا بأنه لا عبرة في دخول الجنة بالعمل وإنما العبرة برحمة الله فكان هذا سببًا في التكاسل في الطاعة والاعتماد على مجرد الرحمة التي ترجى من غير عمل بل اعتمادًا على شفاعة الشافعين في زعمهم وهذا خطأ بين فالرسول ﷺ صادق في قوله إنه «لن يدخل أحدًا عمله الجنة» ذلك لأن العمل مهما كثر فهو ضئيل في جانب السيئات لولا أن رحمة الله قد تدخلت في الأمر فجعلت الحسنة بعشر أمثالها ومنها ما يضاعف إلى أضعاف مضاعفة فهذه الرحمة هي التي عناها الرسول ولولاها لم تؤهل الأعمال الإنسان لدخول الجنة، وعليه فالأعمال الصالحة هي الأساس أو البذرة التي ينميها الله برحمته حتى تبلغ مبلغًا يجعل صاحبها أهلًا لدخول الجنة.
بعد أن نبه الله بني آدم بأنه سيبعث لهم رسلًا وحذرهم من تكذيبهم عقب على ذلك بما سيكون مصير العباد جميعًا يوم العرض في الموقف وما بعده فصل ما سيحصل من حوار بين العباد وعبر عنه بصفة الماضي إشارة إلى
#ومن علومك علم اللوح والقلم
وكما يقول أمير الشعراء شوقي في نهج البردة:
@حتى بلغت سماء لا يطار لها
#على جناح ولا يسعى على قدم
@وقيل كل نبي عند رتبته
#ويا محمد هذا العرش فاستلم
وإذا حاول ناصح أن ينبه الناس إلى مخالفة هذا لنص القرآن ومنافاته للتوحيد الخالص من شوائب الشرك انبرى له بعض العلماء وقالوا عنه إنه (وهابي) وزعموا أن الوهابيين يكرهون الرسول ﷺ وينتهكون حرمته ومن أجل هذا لا يرضون عن مثل هذا المديح وينكرون شفاعته فيصدقهم عامة المسلمين من غير أن يشعروا أن هذه المزاعم كانت في الأصل فرية استعمارية روجها العثمانيون في الماضي لتثبيت ملكهم عن طريق تفريق كلمة العرب وإخماد الروح الإسلامية في قلوب المسلمين فلا محل لترديدها الآن وقد ضربنا المثل بما هو محل النقد من المعتقدات الفاسدة ووجب أن نأتي بنبذة عن تاريخ الوهابية وحقيقة دعوتهم بحسب ما نعلم ليتنبه إلى ذلك المخلصون ممن يعلمون لجمع شتات المسلمين وتوحيد الصف العربي الإسلامي فأقول: إن الوهابية نسبة إلى العقائد التي كان يعتنقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو رجل من أهل نجد ولد عام ١١١٥ ببلدة العينية من أسرة عرفت بالعلم والتقى بين أهلها فحفظه أبوه القرآن وتلقى على يده العلم وكان شغوفًا بالبحث ومعرفة الحقائق. فصار يسأل أساتذته في كل حكم من الأحكام عن دليله من الكتاب والسنة فلم يجد من بعضهم جوابًا في كثير من المسائل؟ الأمر الذي دعاه إلى مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الدمشقيين فوجد فيهما ضالته من البحث والتحقيق عن أسس الدين وأدلته النقلية والعقلية فأعجب بها أشد الإعجاب وسرت أفكار ذينك الشيخين الجليلين في أفكاره سريان الداء في الأحشاء وتلفت حوله فوجد البدع والخرافات قد تسربت إلى بني قومه وضعف الإيمان في قلوبهم فأخذ يدعوهم إلى الرجوع إلى جوهر الدين وما يوجبه الإسلام من إفراد الله بالألوهية وتجنب الشرك في الأقوال والأعمال ومحاربة البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان فقامت عليه ثورة بعض العلماء الجامدين
أعجبتكم كثرتكم} التي كنتم تعلقون عليها الأمل في النصر إذ قلتم لن نغلب اليوم عن قلة إذ كان عددكم ثلاثة أضعاف جيش المشركين وكان جلكم من الطلقاء من أهل مكة ومنهم من هو ضعيف الإيمان ومنهم من جاء لنيل الغنيمة لا بقصد إعلاء كلمة الله فلما رأوا تكاثر العدد عليهم فرّ هؤلاء وأدبروا فذعر الجيش واضطرب: ﴿فلم تغن عنكم﴾ تلك الكثرة: ﴿شيئًا﴾ لانتصاركم ولم تفدكم ولم ينفعكم إذ ذاك مال ولا ولد: ﴿وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين﴾ لا تلوون على شيء: ﴿ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ وكان عددهم لا يتجاوز الثمانين رجلًا فلم يخافوا من عدوهم بل ثبتوا ثبوت الراسيات: ﴿وأنزل﴾ الله: ﴿جنودًا﴾ روحانية: ﴿لم تروها﴾ ولكنكم وجدتم أثرها في نيل النصر في الموقعة، الأمر الذي يصور لكم كيف يؤيد الله بنصره من يشاء من عباده المتبعين لهديه الواثقين بنصره المتوكلين عليه.: ﴿وعذب﴾ الله: ﴿الذين كفروا﴾ في تلك المعركة بالقتل والأسر والسبي: ﴿وذلك جزاء الكافرين﴾ بالله المعتمدين على محض قوتهم من دون الله وكان من رحمة الله تعالى بخلقه أنه بعد أن أمر نبيه بأن ينذرهم بالتربص إذا هم لم يؤثروا محبته ومحبة رسوله والجهاد في سبيله على كل شيء وبعد أن ذكرهم بما كان من نصره لهم عند اعتمادهم عليه وخذلانهم عندما اعتمدوا على الكثرة أخبر رسوله بأنه تعالى قد يتجاوز عما يكون من تفاوت في درجات الحب والتضحية في سبيل الله والثقة به فقال: ﴿ثم يتوب الله من بعد ذلك﴾ الإنذار: ﴿على من يشاء﴾ التوبة من عباده الذين قصر استعدادهم الفطري عن بلوغ مستوى الكمال النفسي والطاعة التامة: ﴿والله غفور﴾ لما يصدر من الذنوب: ﴿رحيم﴾ بعباده الذين يرجون رحمته ويخافون عذابه.
٤ - إقصاء كل من لا يؤمن بالله عن بيته الحرام ولو كان في هذا الإقصاء أضرار مادية حيث قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ بالله: ﴿إنما المشركون نجس﴾ في عقائدهم الباطلة وعبادتهم الفاسدة شأنهم كشأن سائر النجاسات من حيث إنها تؤذي برائحتها من يجاورها ويخشى أن تلوثهم بجراثيمها: ﴿فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ أي فلا تمكنوهم من دخول أرض الحرم سواء للعبادة أو لسبب آخر كالتجارة التي تعود بعضهم أن يأتيكم بها: ﴿وإن خفتم عيلة﴾ أي فقرًا لقلة مواد المعيشة التي كانوا يصحبونها لكم معهم: ﴿فسوف يغنيكم الله﴾ في المستقبل: ﴿من فضله﴾ الواسع: ﴿إن شاء﴾ وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. فمن واجبكم أن
إلا بالإيمان فإذا ما حلف الرجل على شيء صدقوه خلافًا لما عليه الناس في هذا العصر الذي استخف الناس فيه الحلف بالله حتى انتفت الثقة من بين الناس بتاتًا ولو أقسموا بأغلظ الأيمان: ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي وليس لديكم من القوة ما يعجز الله أن يحل بكم ما حل بمن قبلكم من عذاب فما هو وجه ترددكم في تصديقه أو تصوركم أن ما ذكر عنه من باب التهويل والتخويف فقط: ﴿ولو أن لكل نفسٍ ظلمت﴾ نفسها جميع: ﴿ما في الأرض﴾ من أنواع الملك والزينة ومختلف النعم وعلمت أنه ينفعها أن تقدمه فداء لها من ذلك العذاب: ﴿لافتدت به﴾ لما ترددت في تفديته ولما ادخرت منه شيئًا في ذلك الوقت ولكن يحول دونها ودون ذلك أن الله في حكمه لا يقبل الفداء الذي هو نوع من أنواع الرشوة والله ليس بحاجة لأن يرشى: ﴿وأسروا الندامة﴾ أي أخفوا ندمهم على تفريطهم في اتباع الرسل في حياتهم الدنيا: ﴿لما رأوا العذاب﴾ بأنواعه قد تجلى للناس في ذلك اليوم الرهيب وقد كان في إمكانهم أن يتفادوا ذلك من قبل بقليل من العمل الصالح: ﴿وقضي بينهم﴾ وبين خصومهم من الرسل والمؤمنين بهم: ﴿بالقسط﴾ أي بالعدل: ﴿وهم لا يظلمون﴾ بما ينالونه من جزاء أنذروا به إذ قال تعالى: ﴿إنا أنذرناكم عذابًا قريبًا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا﴾ فإذا أبوا تصديق ذلك الإنذار فإنما جرمهم على أنفسهم ولا تنفعهم الحسرة والندامة، - وهنا أراد الله أن يدلل على عظيم قدرته على إنفاذ حكمه وإنجاز وعده وأن هؤلاء الظالمين لا يعجزونه ولا يستطيعون أن يفتدوا أنفسهم من عذابه فقال: ﴿ألا﴾ فليتنبه الغافل وليعلم الجاهل: ﴿إن لله ما في السماوات الأرض﴾ أي إن جميع ما في السموات والأرض من حي وجماد هو ملك لله الخالق له ويد العباد في التصرف فيه يد عارية وفق أوامر الله ما داموا على قيد الحياة وسوف لا يأخذ أحد منهم معه شيئًا عند موته يمكن أن يستجلب به رضاء الله عنه غير صالح العمل: ﴿ألا﴾ فليتنبه الغافل ويعلم الجاهل: ﴿إن وعد الله﴾ الذي قطعه على نفسه على لسان رسله من ثواب المحسنين وعذاب الكافرين: ﴿حقٌ﴾ لا ريب فيه لأنه وعد المالك القادر على كل شيء والذي لا يعجزه شيء: ﴿ولكن أكثرهم﴾ أي أكثر الناس: ﴿لا يعلمون﴾ مبلغ صدق الله ولذلك فإنهم لا يثقون ببره سبحانه بوعده ولو أنهم علموا ذلك ووثقوا به لتسابقوا إلى فعل الخيرات
بنصه الذي تلقاه به إلى رسوله ﷺ الذي سمعه فوعاه وأمر بترتيله وتلاوته على الناس كما أنزل وقد أمروا بالإصغاء إليه وتدبر معانيه والعمل وفق تعاليمه ففعلوا ثم جاء جماعة من الضالين فاتخذوا من كونه عربيًّا ونزوله مركبًا من كلمات وآيات دليلًا على حدوثه وقالوا إنه مخلوق كسائر الحوادث وكان هذا مثار فتنة كبرى بين المسلمين من قبل وللتخلص من هذا قال جماعة من العلماء: «القرآن كلام الله القديم الأزلي ليس بمحدث، وأما هذا القرآن المركب من الحروف والكلمات والألفاظ والعبارات فإنه يعبر عن ذلك المعنى القائم بذات الله» وقال الإمام الموفق في كتابه: «البرهان في حقيقة القرآن» إن القرآن كتاب الله العربي الذي أنزله على محمد ﷺ وهو سور وآيات وحروف وكلمات بغير خلاف. وقد أخبر الله بتنزيله وأمر بقراءته والاستماع له والإنصات إليه وأجمع المسلمون على أنه يقرأ ويسمع ويحفظ ويكتب وكل هذا من صفات هذا الموجود عندنا لا من صفات ما في النفس الذي لا يظهر للحس ولا يدري ما هو ولا يمكن أن ينطبق على المعنى القائم بذات الله وقد ورد في الحديث: «إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه فاتلوه فإن الله يؤجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ألا إني لا أقول الم حرف ولكن الألف عشر واللام عشر والميم عشر». وإن في قوله تعالى: ﴿وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين﴾ ما يدل على أن جبريل لم يؤلف نظم القرآن بل كان أمينًا في نقل ما سمعه من ربه من غير تصرف ولا زيادة ولا نقصان وهو بعينه الذي نتلوه نحن بألسنتنا ونحفظه في صدورنا ونكتبه في صحفنا من ألفه إلى يائه. وقد نظمت في هذا قصيدة لتوضح المعنى المراد من القرآن وتقريبه للأذهان أثبتها فيما يأتي:
القرآن كلام الله
@هو من كلام الله يسره لنا
#بلساننا بالنص في الأبيات
@وأتى به جبريل نقلًا عنه لا
#بتصرف في الوحي للسورات
@عربية آياته قد فصلت
أن تدافعوا عنا وتتحملوا من سيئاتنا التي اقترفناها بسبب اتباعنا لكم في الكفر ودواعي الشرك والإلحاد أو بما حللتموه لنا وحرمتموه كأن تقولوا لله هكذا نحن علمناهم ونحن نتحمل مسئولية ذلك على عاتقنا: ﴿قالوا﴾ أي الذين استكبروا جوابًا على سؤال الأتباع: ﴿لو هدانا الله﴾ لمعرفة الحق واتباعه: ﴿لهديناكم﴾ إليه ولكنا ضللنا فأضللناكم واخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا: ﴿سواء علينا﴾ اليوم: ﴿أجزعنا أم صبرنا﴾ أي أظهرنا حزننا بالبكاء والعويل أم كتمناه في أنفسنا.
﴿ما لنا من محيص﴾ أي من مهرب أو سبيل للنجاة فليس البكاء والعويل من دواعي الرحمة ولا الصبر والجلد في هذا اليوم مما يكسب الإنسان أجرًا بل إن اليوم يوم عدل وقصاص: ﴿وقال الشيطان﴾ الذي أضل كلا الفريقين: ﴿لما قضي الأمر﴾ أي بلغ الغاية التي من أجلها طلب من ربه الانظار إلى يوم يبعثون وحان وقت الاعتراف بالحقائق لقد تجاوز كلاكما حد الصواب والحقيقة التي لا مراء فيها هي: ﴿إن الله وعدكم وعد الحق﴾ أي وعدكم الوعد الحق الذي لا كذب ولا خداع فيه بوافر الأجر ودخول الجنة إذا آمنتم به وأخلصتم العبادة له: ﴿ووعدتكم﴾ وعودًا كاذبة متنوعة إذا أنتم عصيتم ربكم فلم تكترثوا بوعده ووعيده: ﴿فأخلفتكم﴾ لأني مخلوق لا أملك من أمر نفسي شيئًا فكيف أستطيع أن أبر لكم بما وعدتكم به: ﴿وما كان لي عليكم من سلطان﴾ أي قدرة على قهركم وإرغامكم على ما أريد كما قال تعالى: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾: ﴿إلا أن دعوتكم﴾ إلى الضلال بما ألقيته في قلوبكم من وساوس وأوهام: ﴿فاستجبتم لي﴾ أي فصدقتم وعودي وآثرتم وساوسي على ما جاءكم به الرسل من عند الله بأدلة وبراهين قاطعة وكان الواجب يقضي عليكم أن لا تغتروا بقولي ولا تلتفتوا إليَّ خصوصًا وقد أخبركم الله بعداوتي لكم وحذركم من اتباع وساوسي: ﴿فلا تلوموني﴾ على ترجيحكم قولي على كلام الله: ﴿ولوموا أنفسكم﴾ فقد كان لكم كامل الخيار في هذا الترجيح: ﴿ما أنا بمصرخكم﴾ أي لست بمغيثكم ولا منقذكم في هذا اليوم مما ينالكم من عذاب: ﴿وما أنتم بمصرخي﴾ وما أنتم بمغيثي مما سأناله من العذاب والنكال: ﴿إني كفرت بما أشركتمون من قبل﴾ ما مصدرية أي إني كفرت بإشراككم إياي مع الله تعالى في الطاعة إذ لم تقدموا على الكفر والمعاصي إطاعة لي بل استجابة لأهوائكم وكبريائكم ونفسكم الأمارة بالسوء: ﴿إن الظالمين﴾ أي الذين ظلموا أنفسهم بطاعتها فيما يغضب الله: ﴿لهم عذاب أليم﴾ أي أن هذه هي سنة الله فطاعة النفس هي أساس الشر وهي التي حملت
وبالعكس حسب مقتضيات الأحوال التي من أجلها عدد الله الشرائع بما يضمن مصالح العباد في سائر الأزمان: ﴿قالوا﴾ أي الآخذين بوساوس الشيطان وما يزينه من زائف الأقوال: ﴿إنما أنت مفتر﴾ أي كاذب لأن ما جئت به يخالف ما جاءنا به الرسل. والله لا تتناقض أحكامه، ولو صح أنك رسول من عنده لما أقدمت على مثل هذا: ﴿بل أكثرهم لا يعلمون﴾ أي إن قولهم هذا دل على تلبسهم بالجهل وعدم العلم ذلك لأن الله جل جلاله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح حال المجتمع وتعليم الناس ما ينفعهم وما يضرهم منذ كانوا كالأطفال إلى أن يبلغوا درجة الكمال وهذا لا يمكن أن يكون دفعة واحدة بل لا بد من اتباع سننه تعالى في التدرج فالأطفال لا يخاطبون كما يخاطب الكبار والطبيب اليوم قد يأمر المريض باستعمال علاج ثم يحرمه عليه في الغد بحسب ما يكون من تطور حالة المريض وهكذا فلو كان هؤلاء على علم بل لو عقلوا لما قالوا مثل هذا القول الذي هو من فتن الشيطان ولعلموا أن الأمم كالأفراد فهي في حاجة لتعهدها والأخذ بيدها إلى الكمال وقد أمر الله رسوله بالرد على هذا بقوله: ﴿قل نزله﴾ أي القرآن الذي أتلوه عليكم: ﴿روح القدس﴾ أي خلاصة الطهر يعني جبريل فهو منزه عن الكذب: ﴿من ربك بالحق﴾ أي أن لكل آية نزلت في وقتها حكمتها الإلهية وذلك: ﴿ليثبت﴾ الله على الإيمان: ﴿الذين آمنوا﴾ بأنه ما حصل من التبديل هو الحق من ربنا بمعنى يحكم لهم بثبات القدم في الدين وصحة اليقين فيزيدهم الله درجات عنده: ﴿وهدى﴾ أي وليكون بما فيه من آيات لم تأت في الكتب السابقة وسيلة لهداية الناس إلى ما لم يكونوا يعلمون: ﴿وبشرى للمسلمين﴾ بما خصهم به الله من الفضائل التي لا تحصر والتي من أهمها قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾ ومنها قوله: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
﴿ولقد نعلم أنهم يقولون﴾ أقوالًا سخيفة لا يقرها العقل ولا تهضمها نفوسهم ولكنهم يتمسكون بها في إنكار الوحي لأنها من وحي الشيطان وفتنه هي قولهم: ﴿إنما يعلمه﴾ أي محمدًا القرآن: ﴿بشر﴾ يعنون به جبر الرومي غلام عامر بن الحضرمي كان بمكة يقرأ التوراة والإنجيل وكان النبي ﷺ يتردد عليه في بعض الأحيان وهذا قول ظاهر الفساد إذ: {لسان
إلا بالإيمان فإذا ما حلف الرجل على شيء صدقوه خلافًا لما عليه الناس في هذا العصر الذي استخف الناس فيه الحلف بالله حتى انتفت الثقة من بين الناس بتاتًا ولو أقسموا بأغلظ الأيمان: ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي وليس لديكم من القوة ما يعجز الله أن يحل بكم ما حل بمن قبلكم من عذاب فما هو وجه ترددكم في تصديقه أو تصوركم أن ما ذكر عنه من باب التهويل والتخويف فقط: ﴿ولو أن لكل نفسٍ ظلمت﴾ نفسها جميع: ﴿ما في الأرض﴾ من أنواع الملك والزينة ومختلف النعم وعلمت أنه ينفعها أن تقدمه فداء لها من ذلك العذاب: ﴿لافتدت به﴾ لما ترددت في تفديته ولما ادخرت منه شيئًا في ذلك الوقت ولكن يحول دونها ودون ذلك أن الله في حكمه لا يقبل الفداء الذي هو نوع من أنواع الرشوة والله ليس بحاجة لأن يرشى: ﴿وأسروا الندامة﴾ أي أخفوا ندمهم على تفريطهم في اتباع الرسل في حياتهم الدنيا: ﴿لما رأوا العذاب﴾ بأنواعه قد تجلى للناس في ذلك اليوم الرهيب وقد كان في إمكانهم أن يتفادوا ذلك من قبل بقليل من العمل الصالح: ﴿وقضي بينهم﴾ وبين خصومهم من الرسل والمؤمنين بهم: ﴿بالقسط﴾ أي بالعدل: ﴿وهم لا يظلمون﴾ بما ينالونه من جزاء أنذروا به إذ قال تعالى: ﴿إنا أنذرناكم عذابًا قريبًا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا﴾ فإذا أبوا تصديق ذلك الإنذار فإنما جرمهم على أنفسهم ولا تنفعهم الحسرة والندامة، - وهنا أراد الله أن يدلل على عظيم قدرته على إنفاذ حكمه وإنجاز وعده وأن هؤلاء الظالمين لا يعجزونه ولا يستطيعون أن يفتدوا أنفسهم من عذابه فقال: ﴿ألا﴾ فليتنبه الغافل وليعلم الجاهل: ﴿إن لله ما في السماوات الأرض﴾ أي إن جميع ما في السموات والأرض من حي وجماد هو ملك لله الخالق له ويد العباد في التصرف فيه يد عارية وفق أوامر الله ما داموا على قيد الحياة وسوف لا يأخذ أحد منهم معه شيئًا عند موته يمكن أن يستجلب به رضاء الله عنه غير صالح العمل: ﴿ألا﴾ فليتنبه الغافل ويعلم الجاهل: ﴿إن وعد الله﴾ الذي قطعه على نفسه على لسان رسله من ثواب المحسنين وعذاب الكافرين: ﴿حقٌ﴾ لا ريب فيه لأنه وعد المالك القادر على كل شيء والذي لا يعجزه شيء: ﴿ولكن أكثرهم﴾ أي أكثر الناس: ﴿لا يعلمون﴾ مبلغ صدق الله ولذلك فإنهم لا يثقون ببره سبحانه بوعده ولو أنهم علموا ذلك ووثقوا به لتسابقوا إلى فعل الخيرات
فحرمها ولم ير الرسول في هذا أي حرج لأنه لم يخرج عن كونه امتناعًا عن الاستمتاع بأمته وقال لها لا تذكري ذلك لأحد. فلما خرج طرقت الجدار الذي بينها وبين عائشة وكانتا متصافيتين متظاهرتين دائمًا على سائر أزواجه فقالت لها ألا أبشرك؟ رسول الله قد حرم عليه أمته مارية وقد أراحنا الله منها واستكتمتها الخير ولعلها لم تروها السبب في ذلك فأظهر الله نبيه بما حدث حيث أنزل هذه الآية وما بعدها وفي هذا ما يصور لنا مبلغ تأثير المرأة في الرجل إلى حد أن الرسول الأعظم ﷺ قد حاول إرضاء السيدة حفصة فحرم على نفسه ما أحل الله له من الاتصال الجنسي بأم ولده إبراهيم من أجلها وعدم تقديرها لذلك إذ أباحت بما طالبها لقاء ذلك من أن تغتفر له زلته بالنسبة لها أو على الأقل أن تسترها عليه فلا تذكر ذلك لأحد فلم تفعل فما كان من رب العزة إلا أن عاتبه على ذلك ثم قال: ﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ إشارة إلى أن حفصة إذ لم تغفر لك أمرًا هو من حقك وإنما حرمته أنت على نفسك إرضاء لها فإن في غفران الله ورحمته ما يغنيك عن هذا فلا تلتمس غيره، وكنتيجة لهذا حث رسوله على التكفير عن خطيئته هذه بالتحلل من يمينه التي أقسمها بعد الاتصال بمارية المرأة الضعيفة التي حرمها الرسول على نفسه من غير ذنب جنته فقال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ أي أن الله يوجب عليكم أن لا تحرموا على أنفسكم شيئًا لم يحرمه عليكم وإذا حرمتوه بالقسم بذاته العلية فلتتحللوا منه بالكفارة التي وضحها الله في سورة المائدة: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
﴿وَاللهُ مَوْلاكُمْ﴾ وهو وحده صاحب الحق في التحليل والتحريم: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بحقائق الأمور: ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي قصد من هذا الحادث تشريعًا للناس في مستقبلهم، وما إن نزلت هذه الآيات حتى حزن الرسول ﷺ على ما فرط منه وكفر يمينه وأهمل جميع نسائه إرضاء لله ونكالًا بمن شمت في مارية ومكث تسعًا وعشرين ليلة في بيت مارية وطلق حفصة تأديبًا لها فأنزل الله السورة السابقة في أحكام الطلاق وأمره بمراجعتها فإنها صوامة قوامة فأعادها إلى عصمته وبين الله السبب في طلاقها فقال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ وهي حفصة: ﴿حَدِيثًا﴾ هو
اليوم بحسب ما يقدم من عمل في هذه الحياة: ﴿ولو ألقى معاذيره﴾ أي مهما حاول أن يعتذر بلسانه عن تصرفاته فإنه لا يستطيع أن يجحد ما كان يقصده وما يخفيه في قلبه من نيات حسنة أو سيئة وهو يعلم أن الله جل جلاله لا يخفى عليه شيء من أمرها، وهنا خشي الرسول ﷺ أن ينسى شيئًا من الوحي فيؤاخذ عليه فشرع يحرك لسانه به أولًا فأولًا بقصد حفظه فأراد الله جل جلاله أن ينبه رسوله إلى أن هذا مما لا ينبغي أن يصدر منه في أثناء تلقيه لما يوحي به إليه بل عليه أن يصغي للوحي ويتدبره ويعلق في ذهنه كل شيء عنه وعندئذ يحق له أن يتلوه ويحفظه ويعمل على نشره وفي هذا بيان لسنة من سنن الله في نيل العلم والإحاطة بسائر المعلومات وخصوصًا القرآن فقال: ﴿لا تحرك به﴾ أي بالقرآن: ﴿لسانك لتعجل به﴾ وهذا كما ينبه المدرس تلميذه إلى ضرورة فهم الموضوع إذا لاحظ منه اشتغالًا بتدوين المعلومات قبل فهمها منه جيدًا لأن مجرد كتابة الدرس عن الأستاذ لا تفيد إذا لم يسبقها فهم تام: ﴿إن علينا جمعه﴾ أي فقد تعهدنا بجمعه في صدرك بحيث لا تنسى منه شيئًا: ﴿وقرآنه﴾ أي وتعهدنا بترتيبه وتبويبه بحيث يصبح قرآنًا يتلى أما هو بحالته التي يوحى بها إليك متفرقًا في المناسبات فقد كان بقصد التشريع والعظة والذكرى: ﴿فإذا قرأناه﴾ بمعنى نقله إليك جبريل عنا: ﴿فاتبع قرآنه﴾ أي فإن مهمتك محصورة أولًا وقبل كل شيء في اتباع ما جاء فيه من أحكام ومواعظ عليك أن تنفذها بقولك وعملك ولا تسأل حتى عما استشكل عليك فهمه منه: ﴿ثم إن علينا﴾ فيما بعد: ﴿بيانه﴾ للناس بحسب ما نلهمه لهم من الحقائق كلما نضج العقل واتسعت دائرة الفكر وتقدم العلم بسنن الكائنات حتى يكون صالحًا لكل زمان ومكان: ﴿كلا﴾ هذا عود لمناقشة الإنسان في الأسباب التي تدعوه إلى إنكار البعث ونفي لقوله: ﴿يريد الإنسان ليفجر أمامه﴾ والمعنى أن إنكاره للبعث لم يكن لمجرد رغبته في الاستمرار على الفجور فحسب: ﴿بل تحبون﴾ بالتاء وقرئ بالياء بدلًا عنها: ﴿العاجلة﴾ أي الحياة الدنيا فتجدّون في طلبها والاستزادة من الخير فيها: ﴿وتذرون﴾ بالتاء وقئ بالياء أي تتركون: ﴿الآخرة﴾ بمعنى لا تفكرون في مصيركم فيها ولا تعملون لما ينجيكم من عذابها مع أنها هي أجدى وأحق بالاهتمام فالدنيا لم تخلق إلا لتكون قنطرة إليها والموت أولى درجاتها وقد أخبرنا الرسول ﷺ أن حب الحياة وكراهة الموت هما سر تخاذل المسلمين وزوال سلطانهم وتسلط الأجنبي على ديارهم بحسب دستور الله ونظامه الاجتماعي حيث قال: «يوشك
يدعي الإيمان بلسانه ويحسب أن مجرد انتسابه لدين الإسلام يكفي لدخول الجنة دون أن يكون لديه يقين كامل بربه وعمل خالص في سبيله.
سورة الزلزلة
مدنية عدد آياتها ثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (٨)﴾
سورة الزلزلة: إن موضوع البعث أو الحياة بعد الموت وما يلاقيه الإنسان في الحياة الأخرى من نعيم مقيم أو عذاب أليم أمر يستبعده الكثير من الناس ولا يؤمنون به حق الإيمان ولذلك فإنهم ينسونه أو يتناسونه فلا يعتبرونه شيئاً من انتباههم وحذرهم من أن ذلك أمر ضروري لاستقامة الناس في أفعالهم وتعاملهم في هذه الحياة من شأنه أن يؤدي إلى صلاح المجتمع الإنساني.
ولذلك أكثر الله في القرآن من ذكر البعث ليحض الناس على تطهير النفس وعمل الخير ويحذرهم مغبة الكفر والإمعان في المعاصي وقد ختم الله السورة السابقة بما اقتضته مشيئته تعالى من تقسيم الناس إلى فريقين: أحدهما شر البرية والآخر خير البرية وفصل جزاء كل منهما، وها هو ذا في هذه السورة يشير إلى أن عمل الإنسان في هذه الحياة هو الذي يجعله يحشر في زمرة أحد الفريقين وهذا إنما يظهر ويتضح في ساعة الحساب والقضاء العادل في يوم القيامة فقال: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ﴾ أي تحركت واضطربت: ﴿زِلْزَالَهَا﴾ الأخير المرتقب الذي لا يبقي ولا يذر وهو أشد أنواع الزلازل: ﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ أي نفد ما كان فيها من المعادن الكامنة في جوفها: ﴿وَقَالَ الإِنسَانُ﴾ وهو يشهد تلك الزلازل الغريبة ونضوب ما في الأرض من معادن سائلة وجامدة فلا بترول ولا ذهب ولا نحاس ولا حديد: ﴿مَا لَهَا﴾ أي يحار في تعليل ما أصابها: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ﴾ الأرض: ﴿أَخْبَارَهَا﴾ أي تكشف عن السر في هذه التطورات الغير مألوفة: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ أي أن ذلك بوحي من الله إيذاناً بدنو الساعة وقيام القيامة: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ﴾ أي يرجع: ﴿النَّاسُ﴾ إلى ربهم خائفين وجلين: ﴿أَشْتَاتاً﴾ متفرقين لا يفكر كل واحد منهم إلا في أمر نفسه: ﴿لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾


الصفحة التالية
Icon