ممنوع، وينبغي التحرز منه، لأن الشارع أوضح الحلال والحرام، وقدر العذاب على المذنبين، وجعل وسيلة النجاة في الآخرة هي الإيمان الصحيح والعمل الصالح.
ولقد عدد الله أيضًا من ضمن الأسباب التي تحول دون الطمع في إيمان بني إسرائيل عدم تمسكهم حتى بشريعتهم السابقة حيث قال ﴿و﴾ اذكر أيها النبي ﴿إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل﴾ من قبل وهذا الميثاق هو أن ﴿لا تعبدون إلا الله﴾ وقرئ ﴿لا تعبدوا﴾ و ﴿يعبدوا﴾ و ﴿أن لا تعبدوا﴾ والأمر بعدم عبادة غيره يستلزم الأمر بعبادته، ولم يصرح بهذا لأن اليهود حتى في عهد النبي ﷺ ما كانوا يمتنعون عن عبادة الله، لكنهم كانوا يشركون معه غيره، فأراد تنبيههم إلى أن الميثاق الأساسي هو إفراد الله بالعبادة، لا مجرد عبادته بمعنى، أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتقد في قدرة أحد على النفع والضر، غير الله فلا يدعو غيره، ولا يعول قط على سواه فيما لا يقدر عليه غير الله. ثم قال ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ أي وأوصيناهم بالإحسان إلى والديهم مقابل ما لهم من إحسان سابق ﴿وذي القربى﴾ لتقوية أواصر المودة ووشيجة الرحم بين الأسر، ﴿واليتامى﴾ لئلا يفسدوا فيفسد بهم غيرهم، فيعم الفساد الأمة ﴿والمساكين﴾ لأن الإحسان هو خير وسيلة لامتلاك النفوس، وبسط أجنحة الود بين طبقات الشعب ﴿وقولوا للناس حسنًا﴾ وقرئ بضم الحاء والسين وفتحها، أي وقلنا لهم قولوا للناس قولًا حسنًا، وليس معنى هذا الحسن أن تتلطفوا بالقول معهم فحسب، بل إن المراد من ذلك هو أداء واجب النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ على الصورة التي أرشدكم إليها موسى من قبل، ثم أرشدكم إليها عيسى من قبل، ثم أرشدكم إليها محمد ﷺ الآن ﴿ثم﴾ كان من أمركم أنتم أيها الإسرائيليون أن ﴿توليتم﴾ أي أعرضتم عن العمل بما قضيت به عليكم ﴿إلا قليلًا منكم﴾ كما ترون ﴿وأنتم معرضون﴾ بالفعل عن كل هذا إذ اتخذ بعضكم بعضًا أربابًا من دون الله، وتكالبتم على جمع الحطام، وألقيتم من بينكم واجب التناصح والتشاور. وهذا ما يشير إلى أنه يجب على الإنسان في هذه الحياة عدة واجبات فرض عليه أداؤها: واجب أمام ربه أن يخلص له العبادة دون سواه، فلا يدعو غيره، ولا يستعين بأحد سواه، وواجب أمام الناس: هو أن يقابل إحسان والدية بمثله، وأن يتودد إلى ذوي قرباه، ويسهم في كفالة اليتيم، وسد حاجة المساكين، وأن يحسن خلقه،
يكون تقديره بحسب ما هو متعارف في كل زمان بحسبه ﴿حقًّا على المتقين﴾ أي أمرًا مطلوبًا لله من الذين يخافون عذابه ويرجون رحمته وهذا مبالغة في الدعوة إلى متعة المطلقات.
٢ - أن الله تعالى قد شرع للمطلقة عدة تقضيها في نفس بيت الزوجية ويتعهد الرجل بالإنفاق عليها وتعتبر المرأة زوجة ترثه ويرثها خلالها ليكون فيها لكل من الزوجين فرصة كافية للعمل على ترضية الآخر وإصلاح ذات البين حيث قال تعالى في خطابه لنبيه وخطاب النبي خطاب لأمته ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف وفارقوهن بمعروف﴾.
٣ - إن رسول الله ﷺ قد كره من الرجل أن يطلق زوجته في حالتين اثنتين إحداهما في حالة ما إذا كانت حائضًا والحالة الثانية إن كانت في طهر جامعها فيه بحيث لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا؟. ومعنى هذا أنه لا ينبغي طلاق المرأة إلا إذا كانت في طهر لم تجامع فيه أو كانت حاملًا متبينة الحمل وقد ورد في هذا أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر أبوه ذلك للنبي ﷺ فقال «مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرًا أو حاملًا» وفي رواية أخرى فتغيظ رسول الله ﷺ وقال «ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله تعالى». والقصد من هذا هو الحيلولة دون تسرع الرجل بإيقاع الطلاق في حالة الغضب بل لا بد من تخير الوقت المناسب له ليدل عن كره وجفاء.
الموقنين حيث قال (هو) الله الذي تفرد بالألوهية (الذي أنزل عليك) أيها الرسول (الكتاب) القرآن بنصه المنزل على لسان جبريل (منه) بعضه (آيات محكمات) تنصرف إلى المعنى المراد منها من غير احتمال ولا اشتباه (هن أم الكتاب) الأصل الذي عليه العمدة وإليه يرد غيرها من المتشابهات (وأخر) البعض الآخر من الآيات (متشابهات) ذهب المفسرون إلى أن المراد بها ما لا تفهم معانيها كأوائل السور وعندي أن المراد منها آيات تدل على معان لا يمكن صرفها على مجرد الظاهر أو هي محتملة لمعان متشابهة لا يمتاز بعضها عن بعض في تحقيق المراد بها، وليس من حق العبد ترجيح بعضها على الآخر (فأما الذين في قلوبهم زيغ) من قصار النظر وضعاف الإيمان (فيتبعون ما تشابه منه) ويأخذون هذا اللفظ المتشابه على ظاهره ويتعلقون به من غير تطبيق على المعنى المحكم (ابتغاء الفتنة) وذلك كأن يتخذوا من إثبات بعض صفات الله سبحانه جل قدره مثلًا وسيلة للتجسيم ولو ناقض ذلك محكم الآيات التي تنص على أنه «ليس كمثله شيء» بقصد إضلال العباد وفتنتهم في عقيدتهم (وابتغاء تأويله) أي ولأجل أن يكون لهم ميدان للحدس والتخمين لمعرفة حقيقة ما تئول إليه، وتقدير ما يوافق أهواءهم ويؤدي، إلى إبطال صريح القول وتعطيل ظاهر اللفظ، كحمل تلك الصفات على غير حقيقتها، والتحكم في مراد الله منها، كأن يقال إن المراد باليد القدرة وبالعين العلم مع أنه إذا كان هذا حقًا فما كان يعجز الله أن يصرح بهذا (وما يعلم تأويله إلا الله) أي والحال أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يعلم بحقيقة ما تئول إليه تلك الألفاظ غير الله وحده منزل الكتاب فما يكون لإنسان مهما بلغت درجته من العلم أن يدرك حقيقة ما يريده إنسان آخر من بعض أقواله فكيف بأقوال رب العالمين وما يكون للمخلوق أن يعلم ما يقصده الخالق مما وصف به نفسه ولا أن يتصور حقيقة كنه صانعه، وما يكون لمخلوق أن يكيف صفات الخالق، أو أن يعين الكيف من استوائه على عرشه، لأنه عبد لم يرتفع إلى صفات الخالق، والعرش مخلوق له، وقائم بقدرته (والراسخون) أي المتمكنون (في العلم) ذهب كثير من الصحابة وفي مقدمتهم السيدة عائشة إلى ضرورة الوقوف عند لفظ الجلالة وجعل قوله «والراسخون» كلام مستأنف، ورأى بعضهم الوقوف عند لفظ «العلم» ورجحه كثير من العلماء المتأخرين ويقولون إن ابن عباس كان يقول إنه من الراسخين في العلم وإنه يعلم تأويله – وهذا لا يتفق مع نظم الآية لأن «أما» في قوله تعالى «فأما الذين في قلوبهم زيغ» تقتضي وجود من يقابلهم وهم بلا شك
خير يرجى منهم ﴿ولهم عذاب أليم﴾ موجع. وقد وصف جل جلاله عذاب هؤلاء بالألم لأنهم كانوا كالأنعام فناسب أن يكون عذابهم شدة الإيلام ﴿ولا يحسبن﴾ وقرئ بالتاء ﴿الذين كفروا﴾ بالله ورسوله، أو لا تحسبن أيها الرسول الذي كفروا على القراءة الثانية ﴿أنما نملي لهم﴾ من إمهالنا والتخلية بينهم وبين ما يريدون هو ﴿خير لأنفسهم﴾ دليل على رضاء الله عنهم ولولا ذلك لخسف بهم الأرض، كلا بل ﴿إنما نملي لهم﴾ نرخي لهم العنان ليفعلوا ما شاءوا ويتخيروا من السنن ما أرادوا ﴿ليزدادوا إثما﴾ لأن المنهج الذي انتهجوه لا يؤدي إلا لزيادة الإثم ﴿ولهم عذاب﴾ من نوع ﴿مهين﴾ يتناسب مع حقارة المعاصي التي ارتكبوها. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» والمعنى أن إمهال الظالم وإمداده بالعطاءات الكثيرة تزيده بغيًا فتحل بذلك النقمة فلن يفلت منها.
بعد أن بين الله مصير المنافقين والكافرين وقال إنما يمليه لهم في هذه الحياة الدنيا لا يعد عنوانًا على السعادة بل هو استدراج لهم ليوغلوا فيما هم فيه من كفر ويزدادوا إثمًا أردف ذلك بما يشعر بأنه سبحانه وتعالى لم يكن يرضيه من المؤمنين أن يقولوا آمنا، أو ما يبدو من مظاهر العبادات، ولذلك شرع لهم الجهاد في سبيله ليمتحن قلوبهم ومبلغ طاعتهم ويفرق بين المؤمن الصادق والمنافق، فقال ﴿ما كان الله ليذر﴾ يدع ويترك ﴿المؤمنين﴾ وشأنهم ﴿على ما أنتم عليه﴾ من إقامة الصلوات وامتثال أوامر الرسول الخالية من الشدائد والمحن مما يتقبله عادة المؤمن الصادق والمنافق، مما يؤدي إلى الالتباس والاشتباه ﴿حتى يميز﴾ وقرئ بتشديد الياء الثانية وضم الأولى من التمييز ﴿الخبيث من الطيب﴾ ويفرق بين الصادق والمنافق وذلك بالجهاد في سبيله بالنفس والمال، فهناك من الشدائد ما يبتلي به الله قلوب المخلصين من عباده ويكشف الغطاء عن سوء نوايا المنافقين منهم ﴿وما كان الله﴾ بهذا ﴿ليطلعكم على الغيب﴾ وإنما هو مجرد أمارات وشواهد قد تخطئ وقد تصيب، فلا تتخذوا من ذلك دليلاً قاطعًا على خبث المتخلف وطيب المبادر، فإن وراء ما ذكر من حقائق الأمور ما لا يعلمه إلا الله ﴿ولكن الله يجتبي﴾ أي يصطفي ويختص ﴿من رسله من يشاء﴾ الاجتباء بالتفاني في حب الله وتمام الإخلاص له وتجرد القلب عن كل ما سواه حيث يطلعهم على حقائق بعض الأمور مما يكون في تبليغه للناس تنبيهًا لهم وتذكيرًا ﴿فامنوا بالله﴾ إلهًا واحدًا انفرد بعلم ما في الغيب ﴿ورسله﴾ المجتبين لديه فيما يخبرون به من المغيبات ﴿وإن تؤمنوا﴾ بهذا ﴿وتتقوا﴾
حاسبته وأخذت منه حقي كاملًا وقرئ «توفتهم» ﴿الملائكة﴾ الذين وكل إليهم استجواب الناس ومحاسبتهم على أعمالهم لإعطاء تقرير عنهم لعرضه يوم القيامة ووجدوهم ﴿ظالمي أنفسهم﴾ بعدم إعلاء كلمة الله وإقامة شعائره ﴿قالوا فيم كنتم﴾ من أمر دينكم ولِمَ لم تجاهدوا في سبيله ﴿قالوا كنا مستضعفين في الأرض﴾ فلا رأي لنا ولا حرمة لأقوالنا وليس لدينا من وسائل القوة ما نستطيع به أن نملي إرادتنا ونحن عاجزون عن أن ننصر ديننا ونعلي كلمة الله في الأرض وهذا عذر واضح جلي فمن كان ضعيفًا في الذب عن حقوق نفسه فهو عن حقوق غيره أضعف غير أن الملائكة لم يقتنعوا بهذا الجواب ووجهوا إليهم سؤالًا آخر إذ ﴿قالوا﴾ سلمنا بما قلتم ولكن هنا سؤال آخر هو ﴿ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها﴾ أي وما هي الأسباب التي أدت بكم إلى الضعف وما الذي حملكم على الاستكانة والخضوع والإقامة في بلد لا تشعرون فيها لأنفسكم بعزة وكرامة وحرية كاملة ولا لدينكم بحرمة توجب عليكم الجهاد في سبيله وحمل الناس على اتباعه ألم يكن في مقدوركم أن تخلصوا بأنفسكم وتربؤوا بها من تحمل الضيم فتهاجروا من هذه الأرض لتحرروا أنفسكم من رق الذل الذي لا يليق بشرف المؤمن ولتكونوا أحرارًا فيما أنتم مطالبون به من نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله فلم يحر القوم جوابًا على هذا السؤال وهنا قال تعالى ﴿فأولئك﴾ القاعدون عن الجهاد في سبيل الله والذين سجلوا على أنفسهم ما لا يليق بالمؤمن من الضعف ﴿مأواهم جهنم﴾ جزاء لهم على ظلمهم أنفسهم بعدم اتباعهم لأوامر الله واعتذارهم بعذر أقبح من الذنب وهو ما احتجوا به من الضعف الناشئ عن عدم الإقدام على شيء من أبسط ما يكون عليهم وهو الهجرة بأنفسهم فرارًا بدينهم إلى بلاد أخرى من بلاد الله المترامية الأطراف. وقد استثنى الله من هذا الحكم من يأتي بقوله
منا ليس من حق أحد أن يجحد ما بها (فِيهَا هُدًى) للناس إلى ما يحل وما يحرم
<٦٠>
عليهم (وَنُورٌ) يضيء قلوب العاملين بها بنور الإيمان بالله واليقين بوعده ووعيده وجعلناها دستورا إليها (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وجوههم لله مخلصين له على ملة إبراهيم عليه السلام فالإسلام دين الجميع وإنما يحكمون بها (لِلَّذِينَ هَادُوا) لأن التوراة إنما أنزلت شريعة خاصة بهم لا عامة للناس (وَالرَّبَّانِيُّونَ) أي ويحكم بها الربانيون وهم المنسوبون إلى الرب أي الذين يعنون بالعلم الإلهي والتهذيب الروحي وهم بمثابة الأولياء العارفين بالله (وَالْأَحْبَارُ) جمع حبر العالم المتفقه في الدين أصوله وفروعه (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) أي بما تلقوه عن طريق الحفظ بعضهم عن بعض (مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) التوراة (وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) أي مدة حياتهم فكانوا رقباء عليها لا ما أحدثه من خلفهم ممن جمع التوراة وغيّر فيها وبدل (فَلَا تَخْشَوُا) أيها المسلمون (النَّاسَ) أن تجهروا بالحق وتدعوا إلى شريعتكم السمحاء التي جاء بها خاتم النبيين ولا تأخذكم في دين الله لومة لائم (وَاخْشَوْنِ) وحدي فقد روى في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا كره كاره» (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي) المنزلة عليكم في القرآن (ثَمَنًا قَلِيلًا) بمعنى لا تتركوا بيانها والحكم بها مقابل منفعة دنيوية مهما علت فإنها صائرة إلى الزوال وما عند الله خير وأبقى وأدوم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) منكم أيها المسلمون (بِمَا أَنْزَلَ اللهُ) من الأحكام لاعتقادهم بأنها غير وافية بإقامة الحق والعدل أو أنها لا تصلح للحكم بين الناس (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) بكتاب الله القرآن الذي أنزله تعالى دستورا للناس كافة إذ لو كانوا مؤمنين بهذا لما اعتقدوا ذلك الاعتقاد ثم إنه تعالى عقب على ذلك بما جاء
<٦١>
في التوراة والإنجيل وما أنذر به أتباعها في حالة ما إذا لم يحكموا بهما فقال (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ) أي فرضنا على بني إسرائيل (فِيهَا) أي في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
تستعجلون به} أي لو كان أمر العذاب في يدي ﴿لقضي الأمر بيني وبينكم﴾ وأنزلته بمن يقاومني ويصدني عن تبليغ دعوة ربي فقد خلق الإنسان عجولًا. ولكن الأمر في هذا يعود إلى الله ﴿والله أعلم بالظالمين﴾ الذين يستحقون العذاب من الذين يرجى هدايتهم فلا يستحقونه. وله سبحانه في عقاب الظالمين دستور أعلنه للناس في آية أخرى بقوله: ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير﴾.
بعد أن أمر الله رسوله في الآية السابقة أن يعلن للكافرين والمشركين أنه لا يستطيع أن يستعجل لهم العذاب الذي ارتضوه لأنفسهم لأن هذا عائد إلى أمر الله ودستوره الذي سنه لعقاب عباده، فهو سبحانه الذي يقضي بالحق وهو أعلم بالظالمين؛ أخذ يتحدث عن واسع علمه الذي لا يستطيع بشر أن يتصور مداه، أو يزعم لنفسه أن يدرك جزءًا ضئيلًا منه فقال ﴿وعنده مفاتح﴾ جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن وبكسرها وهو المفتاح الذي تفتح به الأقفال ﴿الغيب﴾ وهو كل ما غاب عن العين أو الإدراك ﴿لا يعلمها إلا هو﴾ أي لا يعلم السبل والوسائل التي تؤدي إلى اكتشاف الحقائق والعلم بالمغيبات غير الله فهو الذي علم آدم الأسماء كلها، وهو الذي يملك إنارة البصائر وتفتيق الأذهان وفق سنن هو واضعها. ولولاه لعاش الناس في جهل وإدراك بسيط محدود ﴿ويعلم﴾ إلى جانب هذا كل ﴿ما في البر والبحر﴾ من سائر المخلوقات الحية والجامدة باعتباره تعالى هو الخالق لها. والخالق لا يخفى عليه مقدار ذرة من عناصر مخلوقاته ﴿وما تسقط﴾ على الأرض ﴿من ورقة﴾ من أوراق الأشجار اليابسة على كثرتها ﴿إلا يعلمها﴾ يعلم بسقوطها أي إنه تعالى يعلم بجميع الحركات والسكنات حتى من الجمادات ﴿ولا حبة﴾ وجدت أو ستوجد ﴿في ظلمات الأرض﴾ أي فيما خفي وتوارى في داخلها ﴿ولا رطب﴾ أي اللين الناعم ﴿ولا يابس﴾ أي الصلب القاسي ﴿إلا﴾ وقد قدر الله خلقها ومزاياها ﴿في كتاب﴾ عند الله من قبل إيجادها ﴿مبين﴾ موضح ومفصل لكل ذلك. أي إنه تعالى هو الذي خلق كل شيء وقدر خواصه ومزاياه فلا يعزب عن علمه شيء من أحواله ﴿وهو الذي يتوفاكم﴾ أي يخرج نفس الإنسان من بدنه الحي بقضائه ﴿بالليل﴾ فلا يشعر بشيء مما يجري حوله، ولا يعلم بما يصدر منه في حال نومه من حديث أو عمل، فلا يؤاخذكم على شيء من ذلك، إذ لا خيار لكم
أن ذلك صورة طبق الأصل لما سيجري إذ ذاك ليأخذ الناس منه عبرة لهم وهذا يعد مبالغة في تحذيرهم من عصيان ربهم وإنذارًا لكل عاقل في هذه الحياة فقال ﴿ونادى أصحاب الجنة﴾ جرى المفسرون جميعًا على أن هذا النداء سيكون بعد دخولهم إلى الجنة وسياق الآية يدل على أنه سيكون في الحشر أثناء عرض الأعمال والمراد منهم المؤمنون الذين آمنوا بالبعث والحساب والعقاب ﴿أصحاب النار﴾ الذين كانوا يكفرون بالله وينكرون البعث والحساب في الدنيا ﴿أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا﴾ من البعث والحساب ﴿حقًّا﴾ وها أنتم تشهدونه معنا بأعينكم ﴿فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا﴾ ولم يقولوا «ما وعدكم ربكم» لأن ما وعدهم به الله من عذاب لم يحن وقته بعد وهذا يؤيد ما جنحنا إليه من أن المقصود هو تقريرهم بصحة وعد الله من أمر البعث والحساب ليس إلا بمعنى هل بقي عندكم ريب في ذلك ﴿قالوا﴾ أي أصحاب النار ﴿نعم﴾ لم يبق عندنا من ريب في ذلك فهو أمر مشاهد ملموس ﴿فأذن﴾ إذ ذاك ﴿مؤذن بينهم﴾ بمعنى نادى مناد ليعلن للناس أجمعين ﴿أن لعنة الله﴾ بفتح الهمزة وتخفيف النون وقرئ بفتح الهمزة وتشديد النون ونصب لعنة وقرئ بكسر الهمزة ﴿على الظالمين﴾ أي لقد آن أوان حلول الخزي والإهانة بالظالمين ﴿الذين﴾ كانوا ﴿يصدون﴾ أي يعرضون هم أو يصرفون غيرهم ﴿عن سبيل الله﴾ أي سلوك الطريق المؤدي إلى مرضاته ونيل ثوابه ﴿ويبغونها عوجًا﴾ أي معوجة غير مستوية وطرقًا غير مشروعة حتى يضل فيها الناس وذلك كأن يشوبون التوحيد بشوائب كثيرة من الوثنية كزعمهم أن للرسل أو الأولياء عند الله من المكانة ما يجعلهم يتصرفون في الكون ويمدون من يلجأ إليهم بمختلف الإمدادات وأن الله لا بد من ابتغاء الوسيلة إليه بأحد من خلقه والتشفع بهم لديه ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾.
﴿وهم بالآخرة كافرون﴾ أي أنهم كانوا ينكرون البعث ﴿وبينهما﴾ أي بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ﴿حجاب﴾ أي فاصل يفصل كلا منهما عن الآخر أي أن الله سبحانه وتعالى في المحشر يفصل بينهما وهو كما قال تعالى في سورة الحديد ﴿يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور﴾.
أصحاب العقول الضيقة الذين لم يعرفوا من الدين إلا ما قاله لهم مشايخهم خطأ أو صوابًا دون بحث أو استقراء حتى كان مضرب الأمثال لكل من تحدثه نفسه بالبحث عن أدلة الأحكام فيقال له أنت (وهابي) ثم انصرف إلى نشر الدعوة الصحيحة إلى الله ومحاربة الدجالين والمخرفين وإنكار البدع وكل ما يؤدي إلى الشرك بالله ومنع الناس عن سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وعن اعتقاد النفع والضر في الحجر والشجر والتمائم وما إلى ذلك من كل ما سوى الله ونهى الناس عن التدخين لما فيه من ضرر بالصحة ثابت باعتراف علماء الطب وما فيه من إتلاف للمال من غير نفع، وتبذير منهي عنه شرعًا، ولأن المال الذي ينفق فيه حري به أن يوجه في مصالح المسلمين ولذلك أطلق الناس على كل من يدعو لهذه الدعوة الصادقة أيضًا لقب (الوهابية) الذين هم أنصار التوحيد الخالص فلم يعبأ بهذا وظل كذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة حتى لقي بذلك وجه الله ونصر دينه الحق بكل ما أوتي من قوة وجلد وهو كبير الأمل بنصر الله له ما دام قائمًا على الحق ممتثلًا لقوله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ حتى إذا التف حوله بعض الأنصار ممن أثار الله بصيرتهم وسمع بأمره أمير الدرعية محمد بن سعود أنزل الله في قلبه حبه فخف لزيارته والسلام عليه والترحيب به وقال: «ابشر أيها الشيخ الصالح بالعون على نشر الدعوة فأجابه الشيخ بقوله: بل البشرى لك أيها الأمير بالنصر والتمكين ما نصرت هذا الدين فكلمة التوحيد التي دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلين من تمسك بها وأيدها أيده الله بروح من لدنه وأنت ترى بلاد نجد بأجمعها قد أشربت بالروح الوثنية وتمادت في الأعمال الشيطانية ودعت بدعوى الجاهلية وأرجو الله أن يمحو على يديك أساطير الضلال وأن يجعل منك ومن أبنائك خير من يجدد عز الإسلام وعظمته» ثم تعاهدا على العمل لنشر الإسلام الصحيح والعقيدة السلفية في نفوس الناس متبعين في ذلك هدي القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم ﷺ وسنته المحمدية.
لقد أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب بثاقب نظره أن ثقة الناس بأن النفع والضر لا يكونان إلا من الله وحده وأن الاعتقاد الجازم بأن الشفاعة عنده لا تنفع إلا بإذنه من شأنه أن يحملهم جميعًا على التقرب منه والاستعانة به وحصر الأمل فيه دون وسيط أو شفيع وهذا هو سبيل الوحدة والقوة أما إذا اعتقدوا بأن القدرة على النفع والضر قد تكون لغير الإله الواحد ولو
تحصروا أملكم فيه واتكالكم عليه دون مجرد الكسب والأسباب الظاهرة قال ابن عباس وحين ذهب المشركون عنهم أنزل الله المطر وأكثر خيرهم. ثم نالوا من الغنائم والخراج الشيء الكثير بل إن الله مهد لهم سبيل الملك وبسط لهم في الرزق وكان نصيب مكة نفسها عظيمًا بكثرة الحجاج حتى يومنا هذا: ﴿إن الله عليم﴾ بما أنتم في حاجة إليه: ﴿حكيم﴾ فيما افترضه عليكم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام فلو لم تكن في ذلك مصلحة لما أمر الله بذلك وهو القادر على أن يوفر رزقكم من طريق آخر.
٥ - عدم إكراه أهل الكتاب من اليهود والنصارى على الإيمان والاكتفاء منهم في حالة الرفض بدفع الجزية للمؤمنين حيث قال تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله﴾ إيمانًا خالصًا من الشرك وعبادة غيره معه: ﴿ولا باليوم الآخر﴾ الذي يبعث الله فيه الناس بشرًا بأجسامهم كما كانوا لينالوا ثوابهم وعقابهم: ﴿ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله﴾ في شرعتهم أي لا يلتزمون العمل بكل ما جاء به رسلهم وما ثبت في كتبهم فإن الله حرم عليهم الشحوم فأذابوها وباعوها وأكلوا أثمانها إلى غير ذلك من التحريف والتأويل وتقليد الأحبار والرهبان الذين اتخذوهم أربابًا من دون الله.: ﴿ولا يدينون دين الحق﴾ الكامل الأخير الذي جاء به خاتم النبيين مبينًا لما اختلفوا فيه من قبل: ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ الإلهي وهو ما يشمل التوراة والإنجيل والزبور وغيرها: ﴿حتى يعطوا الجزية﴾ مشتق من جزى دينه إذا قضاه وهي نوع من الخراج يضرب على الأشخاص مقابل حقن دمائهم وحمايتهم والدفاع عنهم من غير تكليفهم بالتجند للقتال في صفوف المؤمنين مشتق من جزى دينه إذا قضاه وقد أمر الرسول معاذًا عندما بعثه إلى اليمن أن يأخذ من نصارى نجران من كل حالم دينارًا: ﴿عن يد﴾ أي قدرة وسعة فلا يظلمون ولا يرهقون فيها: ﴿وهم صاغرون﴾ أي خاضعون لسيادتكم وحكمكم، وسمى هؤلاء أهل الذمة وهم يتساوون في العدل وكافة الحقوق التي تكون لهم بمقتضى ذمة الله ورسوله إلى أن يسلموا فترفع عنهم هذه الجزية ويصبحوا لهم ما لنا وعليهم ما علينا يتساوون معنا في الحقوق والواجبات أما الذين بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق يعترف به كل منهم باستقلال الآخر فيسمون أهل العهد والمعاهدين فهؤلاء يجب احترام عهودهم وتحرم خيانتهم سرًّا وجهرًا حتى إن الله تعالى لم يبح لنا أن ننصر إخواننا المسلمين غير الخاضعين لحكمنا على المعاهدين من الكفار حيث قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا
ليظفروا منه بوافر الجزاء: ﴿هو يحيي ويميت﴾ أي الذي أوجدكم من العدم في الدنيا ثم يميتكم بعد الحياة: ﴿وإليه ترجعون﴾ بعد الموت للحساب والجزاء على جميع الأعمال.
بعد أن أوضح الله لرسوله ما يكون من نتيجة تكذيب المعاندين وما يصدر منهم من أقوال عددها ودحضها أخذ يشرح للناس مقاصد القرآن ومشتملاته التي من شأنها أن تصلح شئون البشر وتملأ قلوبهم بهجة وسرورًا وهداية ونورًا فقال: ﴿يا أيها الناس﴾ من ذكر وأنثى وعرب وعجم: ﴿قد جاءتكم موعظةٌ﴾ حسنة وهي الوصية باتباع الخير واجتناب الشر وتذكر آلاء الله والقيام بواجب شكرها: ﴿من ربكم﴾ العالم بما ينفعكم وما يضركم وهذه الموعظة هي ما أنزل على رسوله من القرآن الكريم الجامع من التعاليم ما هو كفيل بتهذيب الأخلاق وترويض النفوس وتنقية السرائر وإصلاح الأعمال: ﴿وشفاءٌ لما في الصدور﴾ من الأمراض الباطنة كالبغض والعداء والحسد والعدوان: ﴿وهدًى﴾ إلى سلوك السبل التي تؤدي إلى رضوان الله وضمان سعادة البشر في الحياة وبعد الممات من التوحيد وإخلاص العبادة لله وتجنب الضلال: ﴿ورحمة﴾ أي ما تثمره لهم هداية القرآن من بذل المعروف وإغاثة الملهوف: ﴿للمؤمنين﴾ أي إن هذه المزايا الأربع قد ضمنها الله لعباده المؤمنين نتيجة لتدبر آيات الله والعمل بمقتضاها فإذا ما أهملوا القرآن وأعرضوا عنه فقست قلوبهم وملئت ضغينة وحقدًا وحرموا الهدى فإنما جرم ذلك عائد إليهم: ﴿قل﴾ أيها الرسول: ﴿بفضل الله﴾ أنزل سبحانه على رسوله هذا القرآن: ﴿وبرحمته﴾ جعل فيه ما ذكر من الخواص والثمرات: ﴿فبذلك﴾ أي ما نالهم من فضل الله ورحمته: ﴿فليفرحوا﴾ أي ليتذوقوا لذة السرور الخفية المنبعثة من صميم القلب: ﴿هو﴾ أي الفرح بفضل الله ورحمته: ﴿خير مما يجمعون﴾ أي خير من الفرح بالإكثار من الأموال من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وسائر متع الحياة الدنيا.
بعد أن بين الله مقاصد القرآن ومشتملاته التي من شأنها أن تصلح شئون البشر وتملأ قلوبهم بهجة وسرورًا وهداية ونورًا أمر رسوله أن يشعر الناس بضرورة التقيد بما جاء فيه من التحليل والتحريم، ذلك لأن الأصل في الأرزاق وسائر الأشياء التي ينتفع بها إنما هي منحة من الله لعبيده فليس من حق أحد من دونه جل جلاله أن يحرم شيئًا منها أو يحلل، فذلك من حق الله تعالى وحده، والتدخل في هذا الأمر يعد افتراء عليه وكفرًا به يستحق فاعلوه أشد
#نزل الأمين بها على دفعات
@إذ أنما التكليم منه حقيقة
#ثبتت لموسى ساعة الميقات
@ناداه موسى استمع لي إنني
#أنا ربك المعبود فرد الذات
@فأجاب لبيك استمعت فهل أرا
#ك فقال كلا وانظر الصخرات
@فإذا استقرت عندما يبدو لها
#مني التجلي فارتقب رؤياتي
@وبلحظة دكت وخر لهول ذا
#صعقًا ونادى تبت من رغباتي
@ولقد غدا هذا دليلًا قاطعًا
#بسماع موسى الحرف والأصوات
@لكن بلا كيف فموسى لم يطق
#وصفًا لما لا يشبه الهيئات
@هو منه حاشا أن تقول بخلقه
#صفة الكلام لصاحب الكلمات
@وتلاوة التالين تحكي ذاك لا
#مما تعبر عن كلام ذاتي
وسيلة النطق بكلام الله تعالى
@فالله ربي قد تكلم بالكلا
#م ولم يكن من مخرج ولهات
@كلا ولسنا قط تدرك كنهه
#ويجل عن شبه بمخلوقات
إبليس على عدم السجود لمن خلقه الله من طين وأدت به إلى سوء المصير: ﴿وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أثناء محاورة الضالين والمضلين: ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم﴾ أي إن الله يأذن لمن كان مؤمنًا قد عمل الصالحات بدخول الجنة قبل أن يفصل في أمر أولئك المجرمين: ﴿تحيتهم فيها سلام﴾ أي إنهم يحيون بعضهم بعبارات التهاني بالسلامة من آفات الدنيا وآلامها، وأهوال الموقف وعذابه، كما يحيي الناس القادم من سفر أو الذي خلص من محن بقولهم «الحمد لله على السلامة».
بعد أن شرح الله مصير الأشقياء ومصير السعداء أخذ يبين السر في سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء وهو كلمة الإيمان وكلمة الكفر فقال: ﴿ألم تر﴾ أيها السامع: ﴿كيف ضرب الله مثلًا﴾ للتفاوت العظيم بين مصير كل من الفريقين نتيجة كلمة بسيطة خرجت من أفواههم وهم لا يعلمون إن: ﴿كلمة طيبة﴾ قال ابن عباس هي قول «لا إله إلا الله»: ﴿كشجرة﴾ قائمة ناضجة موصوفة بأربع صفات الأولى قوله: ﴿طيبة﴾ في منظرها ورائحتها ووفرة منافعها، والصفة الثانية قوله: ﴿أصلها ثابت﴾ راسخ في الأرض فلا يخشى عليها من الزوال والصفة الثالثة قوله: ﴿وفرعها في السماء﴾ أي إن أغصانها من القوة بحيث ترتفع دون أن تؤثر فيها العواصف والصفة الرابعة قوله: ﴿تؤتي أكلها كل حين﴾ أي ثمرتها لا تنقطع صيفًا ولا شتاء: ﴿بإذن ربها﴾ أي بأن الله قد جعل لها هذه الميزات عن سائر الأشجار كذلك كلمة التوحيد طيبة لعظم منافعها، وأصلها ثابت لأنها منبعثة عن أساس الفطرة وفرعها في السماء لأنها تستند إلى عقيدة قوية لا تنهار، وتؤتي أكلها في جنات النعيم في دار الخلود: ﴿ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون﴾ أي إن في ضرب الأمثال تصوير للمعاني من شأنه أن يحمل الناس على عدم الاستخفاف بالكلمات التي تصدر منهم ولها عند الله شأن كبير فقد ورد عن رسول الله ﷺ قوله «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم»: ﴿ومثل كلمة خبيثة﴾ بالكفر أو الشرك: ﴿كشجرة﴾ قائمة ولكنها موصوفة بثلاث صفات الأولى قوله: ﴿خبيثة﴾ في منظرها ورائحتها وأذاها كشجر الحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت في الأرض وعروقها لا تتجاوز سطحها، والصفة الثانية قوله: ﴿اجتثت من فوق الأرض﴾ أي استؤصلت واقتلعت جذورها بدون عناء من وجه الأرض والصفة الثالثة
الذي يلحدون إليه} بضم الياء وكسر الحاء وقرئ بفتح الياء والحاء الإلحاد الإمالة عن الاستقامة أي الذي يميلون إليه القول عن الاستقامة: ﴿أعجمي﴾ لا يحسن النطق بالعربية فكيف يلقنه القرآن: ﴿وهذا﴾ الذي تسمعونه من الرسول: ﴿لسان عربي مبين﴾ أي صادر بلهجة عربية فصحى ونظم منسق عجز الفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثله لا في اللفظ ولا في المعنى لا ريب إن في التشبث بهذا القول والمكابرة في الحق دليل قائم على أنه من فتنة الشيطان: ﴿إن الذين لا يؤمنون بآيات الله﴾ أي لا يصدقون إنها من عند الله فلا يهتمون بتلاوتها وتدبر معانيها: ﴿لا يهديهم الله﴾ إلى الحق الذي يتلألأ من بين ثناياها وهذا لا يعني أن الله قد قضى بعدم هدايتهم من غير سبب بل إن المعنى إن حجب الهداية عنهم كان نتيجة لعدم الإيمان بآيات الله ولو أنهم آمنوا بها وتدبروها لاهتدوا إلى الحق لا محالة فالقرآن قد أنزل هدى للعالمين: ﴿ولهم﴾ في الآخرة: ﴿عذاب أليم﴾ على الكفر بآيات الله والطعن فيها بما يوسوسه لهم الشيطان من نسبة الافتراء إلى الرسول: ﴿إنما يفتري الكذب﴾ أي والواقع أن تلفيق الأقوال الكاذبة إنما يصدر من: ﴿الذين لا يؤمنون بآيات الله﴾ قبل دراستها وتدبر ما جاء فيها من حكم وما ترمي إليه من غايات يشهد بصحتها العقل والمنطق السليم ولو أنهم تدبروها حقًّا لما أمكن لهم أن يحكموا عليها بأنها مفتريات وأنها من تلقين بشر: ﴿وأولئك﴾ الموصفون بالحكم بالشيء قبل تبين حقيقته: ﴿هم الكاذبون﴾ حقًّا في العرف والشرع أما من يؤمن بآيات الله ويتلوا فيها ما توعد الله به الكاذبين من العذاب فلا يمكن أن يصدر منه الكذب. رُوي أن النبي ﷺ قيل له هل يكذب المؤمن؟ قال «لا» ثم قرأ هذه الآية.
بعد أن نبه الله إلى فتن الشيطان التي يضل بها العباد ويحملهم على تكذيب الرسول في أمر الوحي والكفر بآيات الله فيحرموا بذلك أنفسهم من الاهتداء بهدي القرآن ثم حصر افتراء الكذب فيهم وقال: ﴿وأولئك هم الكاذبون﴾ أردف ذلك بذكر نوع آخر كفر بالله بعد إيمانه بآياته أي ضل بعد الهدى فقال: ﴿من كفر بالله﴾ هذا كلام مستأنف خبره محذوف لدلالة الخبر الآتي عليه هو قوله: ﴿فعليهم غضب من الله﴾.: ﴿من بعد إيمانه﴾ أي تلفظ بكلمة الكفر بعد أن كان مؤمنًا بقلبه: ﴿إلا من أكره﴾ على التلفظ بالكفر بأي وسيلة من وسائل الإكراه: ﴿وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ أي وكان في حال تلفظه بالكفر ثابت القلب على ما به من إيمان بالله لم تتغير عقيدته.
ليظفروا منه بوافر الجزاء: ﴿هو يحيي ويميت﴾ أي الذي أوجدكم من العدم في الدنيا ثم يميتكم بعد الحياة: ﴿وإليه ترجعون﴾ بعد الموت للحساب والجزاء على جميع الأعمال.
بعد أن أوضح الله لرسوله ما يكون من نتيجة تكذيب المعاندين وما يصدر منهم من أقوال عددها ودحضها أخذ يشرح للناس مقاصد القرآن ومشتملاته التي من شأنها أن تصلح شئون البشر وتملأ قلوبهم بهجة وسرورًا وهداية ونورًا فقال: ﴿يا أيها الناس﴾ من ذكر وأنثى وعرب وعجم: ﴿قد جاءتكم موعظةٌ﴾ حسنة وهي الوصية باتباع الخير واجتناب الشر وتذكر آلاء الله والقيام بواجب شكرها: ﴿من ربكم﴾ العالم بما ينفعكم وما يضركم وهذه الموعظة هي ما أنزل على رسوله من القرآن الكريم الجامع من التعاليم ما هو كفيل بتهذيب الأخلاق وترويض النفوس وتنقية السرائر وإصلاح الأعمال: ﴿وشفاءٌ لما في الصدور﴾ من الأمراض الباطنة كالبغض والعداء والحسد والعدوان: ﴿وهدًى﴾ إلى سلوك السبل التي تؤدي إلى رضوان الله وضمان سعادة البشر في الحياة وبعد الممات من التوحيد وإخلاص العبادة لله وتجنب الضلال: ﴿ورحمة﴾ أي ما تثمره لهم هداية القرآن من بذل المعروف وإغاثة الملهوف: ﴿للمؤمنين﴾ أي إن هذه المزايا الأربع قد ضمنها الله لعباده المؤمنين نتيجة لتدبر آيات الله والعمل بمقتضاها فإذا ما أهملوا القرآن وأعرضوا عنه فقست قلوبهم وملئت ضغينة وحقدًا وحرموا الهدى فإنما جرم ذلك عائد إليهم: ﴿قل﴾ أيها الرسول: ﴿بفضل الله﴾ أنزل سبحانه على رسوله هذا القرآن: ﴿وبرحمته﴾ جعل فيه ما ذكر من الخواص والثمرات: ﴿فبذلك﴾ أي ما نالهم من فضل الله ورحمته: ﴿فليفرحوا﴾ أي ليتذوقوا لذة السرور الخفية المنبعثة من صميم القلب: ﴿هو﴾ أي الفرح بفضل الله ورحمته: ﴿خير مما يجمعون﴾ أي خير من الفرح بالإكثار من الأموال من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وسائر متع الحياة الدنيا.
بعد أن بين الله مقاصد القرآن ومشتملاته التي من شأنها أن تصلح شئون البشر وتملأ قلوبهم بهجة وسرورًا وهداية ونورًا أمر رسوله أن يشعر الناس بضرورة التقيد بما جاء فيه من التحليل والتحريم، ذلك لأن الأصل في الأرزاق وسائر الأشياء التي ينتفع بها إنما هي منحة من الله لعبيده فليس من حق أحد من دونه جل جلاله أن يحرم شيئًا منها أو يحلل، فذلك من حق الله تعالى وحده، والتدخل في هذا الأمر يعد افتراء عليه وكفرًا به يستحق فاعلوه أشد
ما استكتمها عليه مما حصل منه ما أقسم عليه: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ جارتها عائشة: ﴿وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ﴾ أي أخبره الله بما كان من إفشاء حفصة للسر: ﴿عَرَّفَ﴾ الله رسوله بتشديد الراء وقرئ بتخفيفها أي الرسول: ﴿بَعْضَهُ﴾ لعله أمر تحريم مارية: ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ أي أنه لم يذكر الشطر الثاني من السر وهو ما كان من أمر خلوته بمارية: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ أي أخبر حفصة بذلك إذ قال لها كيف أخبرت عائشة بتحريمي لمارية: ﴿قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا﴾ أي من قال لك هذا ولعلها ظنت أن عائشة هي التي أخبرته بما استكتمها من الخبر أو أنها هي التي أذاعته: ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ﴾ بما صدر منك: ﴿الْخَبِيرُ﴾ بما طبعتم عليه من الغيرة التي جعلتك وصاحبتك تتظاهران دائمًا على غيركما من نساء النبي وتشمتان في مارية: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ﴾ من إفشاء السر الذي أساسه الغيرة التي تأكل عادة قلب المرأة وتحملها على ارتكاب معظم الآثام والتي كانت سببًا في إفشاء السر وأدت بحفصة إلى الطلاق حتى قيل إن غيرة المرأة على رجلها مفتاح طلاقها: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ أي مالت إلى الحق والخير وكتمان السر: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا﴾ بتخفيف الظاء وقرئ بتشديدها وقرئ «تتظاهرا» بتاءين بمعنى تتعاونا: ﴿عَلَيْهِ﴾ أي على رسول الله بباعث الغيرة: ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ القوي العليم بما تخفي الصدور القدير على رد العدوان ونصر من يريد نصره: ﴿هُوَ مَوْلاهُ﴾ الذي يرد عنه كيد أعدائه في السر بحسن تدبيره: ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ أمين وحيه دائم الاتصال به سوف يكشف أمر تظاهركما: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أيضًا أنصاره: ﴿وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ أي معين ومن كان كل هؤلاء مؤيديه لا يهمه تظاهر كما عليه لا محالة: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ﴾ الإسلام هو التصديق باللسان والإيمان هو التصديق بالقلب بمعنى يتحقق فيهن صفة التصديق باللسان والقلب: ﴿قَانِتَاتٍ﴾ أي متواضعات: ﴿تَائِبَاتٍ﴾ أي كثيرات الندم على ما قد يصدر منهن: ﴿عَابِدَاتٍ﴾ أي ملازمات لطاعة الله ورسوله والحرص على عدم إغضابها: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ الساحة المكان الواسع ومنه ساحة الدار وساح الماء إذا جرى على وجه الأرض والسائح دائم التنقل في البلاد ولعل المراد بالسائحات واسعات الصدور أو الدائبات على العمل للقيام بواجباتهن: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ أي من كلا النوعين وفي هذا إشارة إلى أن البكر لا تفضل الثيب إذ العبرة في جمال المرأة خلقها والله أعلم، وإذا كانت هذه مكانة الرسول عند ربه وكان هذا وعيد الله لمن يتظاهر ضده حتى ولو بإفشاء سره من نسائه فكيف بمن يكذبه ويحارب دعوته ولذا
أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى على القصعة أكلتها قال الصحابة أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم منكم ويلقي في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الحياة وكراهة الموت».
ومن أجل هذا أخذ جل وعلا يحث الناس على العمل للآخرة ويصف حال المجدين في طلبها بقوله: ﴿وجوه يومئذ ناضرة﴾ أي حسنة ناعمة: ﴿إلى ربها ناظرة﴾ أي شاخصة لا تنظر إلى غيره. متوقعة رؤيته التي وعد الرسول بها كما في الصحيحين من، أن أناسًا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونها سحاب» قالوا لا قال «فإنكم ترون ربكم كذلك».: ﴿ووجوه يومئذ باسرة﴾ الباسر الشديد العبوس: ﴿تظن أن يفعل بها فاقرة﴾ الفاقرة الداهية الشديدة كأنها تكسر فقر الظهر والمعنى أنها تحسب أن العذاب في ذلك اليوم لا يتجاوز أعظم المصائب في الدنيا ومن أجل هذا تكون باسرة ولو علمت الحقيقة من أن عذاب الآخرة أعظم بكثير من عذاب الدنيا لذهلت وفقدت وعيها.
وبعد أن بين الله السر الحقيقي لإنكار الناس أمر البعث وهو حبهم للحياة وكرههم للموت ووصف حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم أخذ يذكر الإنسان بأنه لا بد للحياة الدنيا من نهاية تعقبها الحياة الأخرى لا محالة فقال: ﴿كلا﴾ ردع وزجر عن إيثار الدنيا على الآخرة فإن الموت أمر لا بد لكل حي من أن يذوق مرارته: ﴿إذا بلغت﴾ النفس: ﴿التراقي﴾ جمع ترقوة وهي عظم وصل بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين ويكنى بهذا عن دنو ساعة الموت ومفارقة الروح للبدن: ﴿وقيل من راق﴾ بإظهار النون وقرئ بإدغامها في الراء أي قال من حول الإنسان المشرف على الموت هل من طبيب روحاني يعالجه بالرقية بعد أن قال الطبيب فيه كلمته بأن لا أمل في شفائه: ﴿وظن﴾ أي المحتضر: ﴿أنه الفراق﴾ دون أن يجزم به وفي هذا إشارة إلى مبلغ طمعه في الحياة وحبه للدنيا العاجلة وعدم قطع رجائه عنها: ﴿والتفت الساق بالساق﴾ أي انضمت رجلاه إلى بعضها فلم تعد تحملانه بعد أن كان عليهما جوالًا: ﴿إلى ربك يومئذ المساق﴾ ساق الماشية حثها على السير من خلف بمعنى أن النفس بمفارقتها للبدن إنما تساق منقادة طائعة لأمر ربها تنال جزاء ما قدمت من عمل يتعلق بأصول الدين وفروعه وهناك تظهر نتيجة إنكار الإنسان أمر البعث وما كان يحسبه من أن الله سبحانه وتعالى لن يجمع عظامه: ﴿فلا صدق﴾ بما جاءت به الرسل من عند الله:
أي ليريهم الله نتيجة اختبارهم وجزاء ما قدمت أيديهم من خير أو شر: ﴿فَمَن﴾ كان في حياته الدنيا: ﴿يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ والذرة هي الهباء وهو ما يظهر عندما تدخل أشعة الشمس من كوة والمراد بها الشيء التافه: ﴿خَيْراً يَرَهُ﴾ مثبتاً في صحائفه: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ أي ينال جزاءه كاملاً غير منقوص مهما بلغ في الدقة والضعف المتناهي وهناك يعرف كل إنسان نفسه هل هو من شر البرية أم من خيرها ويدرك مصيره إلى الجنة أم إلى النار؟ نسأله تعالى أن يحفظ علينا ديننا ويصلح عاقبتنا بمحض كرمه ورحمته إنه سميع مجيب.
سورة العاديات
مكية عدد آياتها إحدى عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (١١)﴾
سورة العاديات: بعد أن قرر الله في السورة السابقة أن سعادة الإنسان أو شقاءه لا يمكن أن يعرفها إلا في يوم القيامة بحسب ما قدمه من عمل أخذ يندد في هذه السورة بما جبل عليه الإنسان من كفرانه بالنعم واعتداده بنفسه في طلب الرزق متجاهلاً قدرة الله التي يسرت له كل صعب وأقسم على ذلك بشيء عظيم من فضل الله على بني الإنسان حيث قال: ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾ جمع عادية من العدو وهو الجري أي الخيل التي تعدو: ﴿ضَبْحاً﴾ الضبح: صوت أنفاس الخيل عند جريها: ﴿فَالْمُورِيَاتِ﴾ جمع مورية من الإيراء وهو إخراج النار بنحو الزناد: ﴿قَدْحاً﴾ القدح الضرب لإخراج النار أي جعلها في سيرها تقدح الشرر من ضرب حوافرها بالحجارة: ﴿فَالْمُغِيرَاتِ﴾ جمع مغيرة من أغار على العدو إذا هجم عليه: ﴿صُبْحاً﴾ أي وقت الصباح بمعنى أن الله يقسم بالخيل التي خلقها وسخرها للإنسان تضبح من شدة التعب ويخرج الشرر من حوافرها لتهاجم أعداء أصحابها في الصباح الباكر: ﴿فَأَثَرْنَ﴾ أي فهيجن وحركن: ﴿بِهِ﴾ أي بذلك الوقت: ﴿نَقْعاً﴾ أي غباراً من شدة عدوهن: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً﴾ أي حتى اقتحمن في الوقت المذكور جمع الأعداء


الصفحة التالية
Icon