المقصودة من الكلمات، فلكل كلمة في القرآن مدلولها، ومرماها البعيد، وإن غم علينا شيء من ذلك فالله أعلم بمراده منه، فلا بد أن تكون المشيئة غير الإرادة، وهذه غير العلم، فالإرادة في اللغة اسم يوضع موضع الارتياد ومحلها القلب. فهي بمعنى الرغبة المضمرة والخفية في النفس يقال أراد الشيء: عزم عليه أو عني به قبل أن ينفذه. ومتى تجاوزت ذلك إلى حد التعبير عنه بالقول كانت طلبًا أو إلى حد التنفيذ بالفعل كانت مشيئة، وعلى هذا فإن إرادة الله الحقيقية سر من أسراره الخفية التي لا يعلم بها، ولا بأسرارها أحد سواه، وإنما تنقسم في ظاهرها إلى قسمين: إرادة كونية قدرية وهي التي سبقت مشيئته تعالى بخلق جميع الكائنات، وما سن لها من نظام قضائه وقدره، وإرادة دينية أمرية: وهي تتعلق بما يحبه الله لعباده. وما يرضاه منهم من عمل صالح، فصله لهم وأرشدهم إلى سبيله، وطريق الوصول إليه في كتبه، وعن طريق رسله.
ومتى تعلق بشيء صدر به أمر خاص في أي وقت من الأوقات فلا يقف في طريق تنفيذه شيء؛ وفقًا لقوله تعالى: ﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ وهي فضل من الله يشمل به من يصطفي من عباده بالمعونة، وتفريج الكروب، والنصر على الأعداء، نتيجة لجوء العبد إلى ربه بالقول والعمل وفقًا لقوله تعالى: ﴿وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده هو الغفور الرحيم﴾، وتنفيذ مقتضى الإرادة إما أن يكون خارقًا للنظام والسنن فهي إرادة كونية من باب القضاء كما في قوله تعالى: ﴿فقلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم﴾. أو متمشيًا مع أحكام القدر بحسب ما تنقاد إليه الموجودات بفطرتها، وبمباشرتها للأسباب عن قصد وبغير قصد، فتكون إرادة دينية من باب القدر. ومشيئة الله هي أحكامه التي يحمل المخلوقات عليها حملًا. يقال في اللغة: أشاءه إلى كذا – ألجأه إليه – وشيأته على الأمر – حملته عليه. وهي تشمل جميع ما يحبه الله وما يكرهه، فكلاهما داخل تحت مشيئته. وهذه المشيئة هي الدستور الإلهي الذي وضعه الله بما يلائم – مع استعداد وقدرة – جميع المخلوقات للسير بمقتضاه، والذي أذاعه على عباده لينفي عن ذاته صفة الاستبداد والظلم، ويمنع بمقتضاه الفوضى والعدوان على الحقوق، ويؤاخذ الناس على أعمالهم بحسب مواده وأحكامه. وينقسم هذا الدستور إلى قسمين اثنين: أمر كوني قدري، وأمر ديني شرعي.
أخذًا مما رُوِيَ عنه ﷺ «خير الأمور الوسط» ﴿وقوموا لله﴾ بأدائها في أوقاتها ﴿قانتين﴾ أي طائعين خاضعين على أتم درجة بالكيفية التي رسمها لكم الرسول ﷺ وأمركم بالقيام بها ﴿فإن خفتم﴾ فإن كنتم في حالة خوف من عدو أو قاطع طريق لا يمكنكم معها أداء الصلاة على تلك الصورة ﴿فرجالًا وركبانًا﴾ أي فلتقوموا بأدائها كيفما تيسر لكم سواء كنتم مشاة أو ركبانًا ولا تتوانوا عن المحافظة عليها ﴿فإذا أمنتم﴾ من الخوف ﴿فاذكروا الله﴾ أي احمدوه على زوال الخوف بإقامة الصلاة ﴿كما علمكم﴾ أي على الوجه الذي أرشدكم إليه رسوله لأنه إذا زال المانع عاد الوجوب كما كان من قبل ﴿ما لم تكونوا تعلمون﴾ من الصفة التي كان يؤديها بشكلها إبراهيم عليه السلام من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
بعد أن أمر الله المؤمنين بالمحافظة على الصلاة وعدم التساهل فيها وعلى ذكر بعض الأحكام الشخصية المتعلقة بشؤون الزوجية، وقد جاء فيها وجوب تربص الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن أربعة أشهر وعشرًا، وكان من عادة العرب منذ الجاهلية أن يوصي الأزواج بالنفقة والسكن لنسائهم مدة حول كامل أراد سبحانه وتعالى أن يبين الحكم في هذا فقال ﴿والذين يتوفون﴾ بضم الياء وقرئ بفتحها ﴿منكم﴾ معشر المسلمين ﴿ويذرون﴾ أي يتركون ﴿أزواجًا﴾ فعليكم أن تستوصوا بهن خيرًا ﴿وصية﴾ بفتح التاء وقرئ بضمها، وقرئ "كتب عليكم الوصية لأزواجكم" من الله ﴿لأزواجهم﴾ أي فالله يوصي لهن من أجل أزواجهن أن تمتعوهن ﴿متاعًا﴾ وقرئ ﴿متاع﴾ ﴿إلى الحول﴾ بأن تنفقوا عليهن حتى نهاية الحول ﴿غير إخراج﴾ دون أن تخرجوهن من مكان الزوجية فلا يمنعن من السكن فيه ﴿فإن خرجن﴾ من بيت الزوجية لغرض مشروع ﴿فلا جناح عليكم﴾ يا آل الميت ﴿فيما فعلن في أنفسهن﴾ من الخروج من بيوتهن ﴿من معروف﴾ أي من أمر متعارف كزيارة أو سعي لرزق لا تشوبه شبهة إذ لا ولاية لكم عليهن {
قلب يحبك لله ولا يطمع منك جزاء ولا شكورًا ولا فخرًا ولا ظهورًا وإنما يريد منك أن تعمل لإعلاء كلمة الله الذي وهبك ما وهبك من نصره وتأييده ويرجو منك أن تعمل على جمع كلمة المسلمين وتحرير دين الله من البدع والخرافات وأن تثبت العقيدة الصحيحة والإيمان الخالص في القلوب ليعود للإسلام سابق مجده ويدخل الناس أفواجًا في دين الله، فتفضل سيادته وأجاب علي بخطاب بتاريخ ٨ – ١ – ١٩٥٧ هذا نصه السيد عبد الحميد الخطيب – سوريا. تحية طيبة وبعد فأشكر لك رسالتك الكريمة التي أعربت فيها عن خروج العروبة من المحنة التي ألمت بها وحاكتها الصهيونية التي تقوم مع الاستعمار مظفرة قوية يرجى منها الخير الكثير وليس من شك في أن التوفيق فيما امتنحت به العروبة إنما هو من عند الله الذي أعز العروبة والله يوفقنا ويسدد خطانا والله أكبر والعزة للعرب.
رئيس الجمهورية: جمال عبد الناصر
بعد أن ضرب الله مثلًا لما يحدثه الإيمان في قلوب المجاهدين من الثبات وعدم المبالاة بكثرة عدوهم في ميدان القتال ثقة منهم بأن الخير بيد الله يمنحه لمن سلك السبيل الذي سنه له، عقّب على ذلك بذكر ما من شأنه أن يثبط الهمم ويحول دون تسابق الناس في هذا الميدان ميدان الجهاد لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله حيث قال (زين للناس) في هذه الحياة ما من شأنه أن يصرفهم عما فيه سعادتهم الحقة من الجهاد في سبيل الله والعمل لإعلاء كلمته وإقامة شريعته وذلك هو (حب الشهوات) من ملاذ النفس التي تصرفها عن حب الله والعمل لمرضاته (من النساء) وأولى تلك الشهوات حب النساء والمتعة بهن، إذ الاسترسال في هذا الباب مما ينسي القلب ذكر الله ويشغله عن طاعته بما يجلب رضائهن (و) ثانيها حب (البنين) الذين يأخذون على الإنسان كل عواطف الرحمة ومعظم الوقت للدأب على توفير أسباب السعادة لهم طمعًا في معونتهم في حالة العجز وإحياء الذكر بعد الموت، وقد يؤدي بهم ذلك إلى الاعتماد عليهم وحصر الأمل فيهم من دون الله، وهنالك الخسران المبين (و) ثالثها حب (القناطير المقنطرة من الذهب والفضة) التي يعتمد الناس عادة عليها في بلوغ ما يصبون إليه من رفعة وجاه وما يريدون من موجبات السرور والسعادة، فيحملهم ذلك الحب على الانهماك في أعمال الدنيا حرصًا على جمع أكبر مقدار منها ولو أدى ذلك إلى التقاعس عن
خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٥) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (٢٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥) وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قِرِيناً (٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِم عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (٤٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ
تعالى وأثرًا طبيعيًا لكفره بالله وعدم اتباعه لما جاء به رسوله ﴿وساءت مصيرًا﴾ وبئس هذا المصير مصيرًا للكافرين.
لقد كان من كمال فضل الله على عباده أن رسم لهم طريق الهدى والضلال وجعل لهم كامل الحرية في أن يختاروا في الحياة ما يريدون ووعدهم بإجابة دعواتهم وتحقيق مقاصدهم وعونهم على سلوك أي طريق يريدونه لأنفسهم وأخبرهم جل وعلا في الآية السابقة بأنه تعالى قد أخذ على نفسه عهدًا حتى في حال عصيان عباده له بأن من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين فإنه تعالى سوف لا يصادم رغبته ولا يحول بينه وبين ذلك بل إنه سيوليه ما تولى على مسئوليته الشخصية ولو أدى به الأمر إلى الاصطلاء بنار جهنم في الآخرة حيث يكون ذلك نتيجة طبيعية لما اختار لنفسه، ولما كانت المعاصي متعددة ومتنوعة والإنسان لا يمكن أن يتحرر منها مهما أوتي من القدرة على ضبط النفس فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن لا يسد أمام عباده باب الأمل في النجاة من عذابه وأن يطمعهم في رحمته فأخبرهم بأنه تعالى قد حصر الذنوب التي لا يمكن أن تغفر ضمن دائرة ضيقة جدًّا لا تتجاوز حد الشرك بالله فقال ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ ذلك لأن الشرك بالله معناه أن يعتقد الإنسان لكائن في الوجود قدرة وإرادة مع الله أو من دونه يمكن الاعتماد عليها والالتجاء بها وهذا أمر مناف للحقيقة والواقع وتكذيب صريح لما جاء به سائر الرسل من عند الله من وجوب الاعتقاد الجازم بوحدانية الله وانفراده تعالى بالنفع والضر وجميع التصرفات ومن كان هذا شأنه فلا غرو إذا ما أخذ الله على نفسه أن لا يغفر له هذا الجرم الذي ما يعده جرم ليطرق باب من يزعمه شريكًا له في حين أنه لا يملك من الأمر شيئًا ﴿ويغفر﴾ الله سبحانه {ما
<٧٢>
منه وأمنع ولم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب» (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) أي ولولا أن الربانيين وهم الداعون إلى الله والأحبار ويراد بهم رجال الدين كانوا ينهونهم (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) أي لساء صنيعهم وعم فسادهم أكثر فأكثر.
بعد أن نبه الله المؤمنين إلى أن العمل لإعلاء كلمة الله ولنصرة دينه وعدم السماح لأحد بالتعرض له بأذى من لوازم سبل العزة في هذه الحياة الدنيا وأشعر رسوله بالأسباب الداعية إلى نقمة أهل الكتاب منه وعرَّض باليهود بصورة خاصة لما استحقوه من جزاء وما هم عليه من نفاق وارتكاب لمختلف المعاصي والسيئات أخذ يذكر ما هو أنكى من كل ذلك من جرأتهم على مقام الألوهية ووصفه تعالى بما لا يليق أن يوصف به أو ما يتعالى عنه علوا كبيرا فقال (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) فيما يتحدثون به في أنفسهم أو مجالسهم الخاصة (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) غل اليد وبسطها مجاز مشهور عن البخل والجود كما قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وقد أراد اليهود بهذا نسبة البخل إلى الله إذ قال رجل منهم يقال له شماس بن قيس «إن ربك بخيل لا ينفق» كما قالوا مثل هذا في آية أخرى (إن الله فقير ونحن أغنياء) وقد استحقوا بقولهم هذا أن يبتليهم سبحانه بداء البخل حيث قال (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) فأصبح البخل سجية لهم وطبعا من طبائعهم (وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) أي بسبب اتهامهم الله بالبخل رغم ما أنعم عليهم سبحانه وتعالى من النعم التي لا تحصى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) من كثرة الجود والعطاء ولقد أثبت الله في هذه الآية وغيرها أن له يدا فاتخذ بعض الحمقى من ذلك وسيلة إلى نسبة التجسيم إلى الله ونزهه آخرون على أن تكون له سبحانه يد غير أنهم أولوها بالقدرة لينفوا عن ذاته التجسيم ولم يدركوا أنهم بهذا قد عطلوا صفة من صفات الله التي أثبتها لذاته العلية وحملوها على غير محملها وفاتهم أن ما أثبته الله لذاته من اليد والعين والوجه وغيرها من الصفات المتشابهات قد احتفظ لذاته بما يميزها عن صفات الخلق المعروفة بقوله (ليس كمثله شيء) ومعنى هذا أن الله جل وعلا أراد أن يعرفه الناس بأوصافه كما يعرفونه بآثاره فأخبرهم بأنه تعالى كامل الذات عالي الصفات وأن ذاته العلية ليست
بالرجم إذ قال: ﴿لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ الأمر الذي حمله في آخر الأمر أن يصنع الفلك وينجو بنفسه ومن معه من المؤمنين. وقد كافأه الله على ذلك بأن اختصه وإبراهيم بهداية البشر حيث قال: ﴿ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب﴾ منفردين ومجتمعين واعتبرهما كشخص واحد، وذكر أربعة عشر نبيًّا من نسلهما، غير مخصصين ولا مرتبين على حسب تاريخهم وأزمانهم، وقسمهم إلى ثلاثة أقسام، بحسب ما يجمعهم من رباط. فقال: ﴿ومن ذريته﴾ أي ذرية نوح وما تفرع عنه ممن آتاهم الله الملك والنبوة، وجمع لهم بين متع الدنيا وسعادة الآخرة، فأحسنوا التصرف فيما أنعم به عليهم، ولم تشغلهم مباهج الحياة عن واجب الدعوة إلى الله، وهم ﴿داود﴾ الذي أغدق عليه من نعيم الدنيا الشيء الكثير وسخر له الجبال والطير وألان له الحديد ﴿وسليمان﴾ ابنه الذي أورثه الله الملك والنبوة، وعلمه منطق الطير، وسخر له الريح تجري بأمره، وأخضع له الجن والشياطين. وكانت حياتهما سعادة مستمرة لا ينغصها شيء ﴿وأيوب﴾ الذي كان أميرًا غنيًا عظيمًا محسنًا ولكنه ابتلي إلى جانب هذا بكثير من المصائب والبلايا فكان صابرًا وشاكرًا في الحالين ﴿ويوسف﴾ ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الذي أنعم الله عليه بالنبوة، وابتلاه بأنواع من البؤس والنعيم والفتن والمؤامرات فصمد لها صمود الراسيات حتى نال الحكم وواسع السلطان ﴿وموسى وهارون﴾ اللذين نالا الحكم والسلطان على بني إسرائيل، ولكنهما قاسيا من عنتهم الشيء الكثير، ومع ذلك فقد وجدا لذة الحياة في الدعوة إلى الله ﴿وكذلك﴾ أي بمثل ما آتينا هؤلاء الرسل من متع دنيوية وأخلاق مرضية وملك وسلطان ﴿نجزي المحسنين﴾ على إحسانهم، فمنهم من يقضي حياته في سعادة كاملة خالية من الشدائد والمنغصات، ومنهم من يتذوق في الحياة خيرها وشرها وذلها وعزها، ومنهم من يكتفي من نعيمها بتحمل أرزائها وعظيم مسئولياتها ويدخر جزاءه في الآخرة. ومن الأنبياء من امتازوا بشدة الزهد في الدنيا والإعراض عن لذاتها والصدوف عن مباهجها واعتزال أهلها، وكانت العبادة أكبر همهم، فاعتبروا عنوانًا للصلاح والتقوى. وقد أشار إليهم الله بقوله ﴿وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل﴾ هؤلاء الأنبياء الأربعة كانوا ﴿من الصالحين﴾ من الصلح خلاف التخاصم أي من المسلمين الذين كانت مهمتهم في الحياة مقصورة على مجرد الدعوة فقط من غير تطلع إلى استعمال القوة، ومن الأنبياء من لم يكن لهم شيء من الملك
بقولكم ﴿فأتنا بما تعدنا﴾ ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ وأنا على يقين من حلول ذلك العذاب بكم وإن كنت أعلم أن طلبكم لم يكن ناشئًا عن ثقة منكم بحلوله ﴿فأجنيناه والذين معه برحمة منا﴾ أي بطريقة خاصة ترجع لمحض رحمة الله بهم ﴿وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين﴾ أي استأصلناهم بريح عاتية ﴿تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم﴾.
بعد أن أتى الله بقصة عاد وما كان منهم مع نبيهم هود أردفها بقصة ثمود فقال ﴿وإلى ثمود﴾ وهم جماعة من العرب كانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام في الجنوب الشرقي من أرض مدين بالقرب من خليج العقبة بعث الله فيهم ﴿أخاهم﴾ في النسب والوطن ﴿صالحًا﴾ يدعوهم إلى التوحيد إذ ﴿قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾ وقد سبق بيان معنى العبادة بأن المقصود منها الدعاء الذي هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مخ العبادة» وفي رواية «الدعاء هو العبادة» لأن معناه الإذعان لله وحده بالقدرة على تحقيق المطالب وإفراده وحده بالسؤال وكل عبادة خلت من هذا المعنى ليست بعبادة وكل دعاء وجه إلى غير الله فيما لا يقدر عليه غير الله يعد شركًا وقانا الله من ذلك ﴿قد جاءتكم بينة من ربكم﴾ أي معجزة ظاهرة تدلكم على عظيم قدرة الله وهي ﴿هذه ناقة الله لكم آية﴾ أي خلقها على خلاف سنته في خلق الإبل ليختبر لها مبلغ إيمانكم به وطاعتكم لأوامره ﴿فذروها تأكل من أرض الله﴾ أي لا تمنعوها من أن ترعى في أي أرض تجد فيها كلأ أو غيره فهي ناقة الله والأرض كلها ملك لله وقد ورد في سورة الشعراء قوله ﴿هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم﴾ أي أنه تعالى قسم الماء بينهم وبينها فهي تشرب في يوم لا يزاحموها فيه وهم جميعًا يشربون في يوم آخر لا تزاحمهم فيه ﴿ولا تمسوها بسوء﴾ أي لا تؤذوها بأي نوع من أنواع الإيذاء سواء في نفسها أو أكلها أو شربها ﴿فيأخذكم عذاب أليم﴾ أي فيأتيكم الله بعذاب شديد الإيلام ﴿واذكروا﴾ عند توقيكم من إيذائها والتغاضي عن أكلها ما تريد أكله من زرعكم ابتغاء مرضاة الله ﴿إذ جعلكم﴾ الله ﴿خلفاء﴾ على هذه الأرض تعملون فيها وتستخرجون خيراتها دون أن يكون لكم يد في خلقها وإيجادها ﴿من بعد عاد﴾ أي بعد انقراضهم ﴿وبوأكم في الأرض﴾ أي أنزلكم فيها وجعلها مباءة أي منازل لكم ﴿تتخذون من سهولها قصورًا﴾ دورًا عالية بما ألهمكم الله من فنون الصناعة كضرب الأجر واللبن والجص وهندسة البناء ودقة النجارة ﴿وتنحتون الجبال بيوتًا﴾ أي علمكم فن نحت الجبال واتخاذها بيوتًا تأوون إليها ﴿فاذكروا آلاء الله﴾
طائف} وقرئ «طيف» أي إذا دار في مخيلتهم شيء يدعو إلى الشر عرفوا أنه ﴿من الشيطان﴾ أي مما يحبذه الشيطان من مخالفة أمر الله ﴿تذكروا﴾ أن الله نبههم إلى مخالفته وأنذرهم بعداوته لهم ﴿فإذا هم مبصرون﴾ أي فإذا هم أولو بصيرة وعلم يربأ بأنفسهم أن تطيع الشيطان وتترك أمر رب العالمين ﴿وإخوانهم﴾ أي إخوان المتقين في الدين من الجاهلين الذين لا يتذكرون ولا يبصرون ﴿يمدونهم﴾ بفتح الياء وضم الميم من المد وقرئ بضم الياء وكسر الميم من الإمداد والضمير عائد إلى الشيطان وعبر عنه بصيغة الجمع لأن المراد به الجنس لا الشخص وهم الشياطين ﴿في الغي﴾ أي في غيهم وفسادهم لأنهم لا يذكرون الله تعالى إذا شعروا في أنفسهم بنزغ الشيطان ﴿ثم لا يقصرون﴾ أي لا يكفون عن إغوائهم وإفسادهم حتى يصبح سجية فيهم والعناد والمشاكسة ديدنًا لهم ﴿وإذا لم تأتهم﴾ أيها الرسول ﴿بآية﴾ أي بمعجزة من المعجزات التي يقترحونها عليك ﴿قالوا لولا اجتبيتها﴾ أي هلا اخترت لنا ما اخترناه من الآيات التي تقنعنا بدلًا من هذا القرآن الذي تتمسك به ونحن لا نؤمن به ﴿قل﴾ جوابًا على ذلك ﴿إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي﴾ أي إن مهمتي محصورة في اتباع ما يوحي به إليّ من ربي من القرآن الذي لا معجزة لي سواه فليس في مقدوري خرق العادات وتحقيق ما تقترحونه من المعجزات ﴿هذا﴾ القرآن الذي أوحاه الله إليّ لم يكن بقصد التبرك بتلاوته أو حمله للتحصن به من البلاء بل هو ﴿بصائر﴾ أي عبر ﴿من ربكم﴾ لكل معتبر ﴿وهدى﴾ إلى الحق والطريق القويم ﴿ورحمة﴾ أي وسيلة لنيل رحمة الله لمن اتبعه وطبق أحكامه ﴿لقوم يؤمنون﴾ أي لمن كان يؤمن بأنه من عند الله فيتبعون ما جاء فيه أما من سواهم فإن كفرهم به لما يحول دونهم ودون الاستفادة منه.
وبعد أن علم الله رسوله والمتبعين له طريق نشر الدعوة من الأخذ بالعفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين وأن يبلغ المعاندين بأن القرآن الذي أنزل عليه إنما هو بصائر وهدى ورحمة لقوم يؤمنون أخذ يشعره أن هناك طريقة سهلة بسيطة يمكن بواسطتها الحصول على هذه المزايا وهي تتلخص في أمرين سالب وموجب فأما السالب فقوله ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له﴾ الاستماع من السمع إلا أنه إنما يكون بقصد ونية وتوجيه الحاسة إلى الكلام لإدراكه بخلاف السمع فإنه قد يحصل من غير قصد فلا يعي الإنسان ما يسمع ﴿وأنصتوا﴾ أي ارهفوا آذانكم بحيث لا يكون لكم أي شاغل عن تدبر ما يتلى منه وبهذا يغرس وينمو الإيمان في القلب ويتجه
أو نعمة أو شدة: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ أي أن من واجب كل مؤمن أن لا يخرج إلى القتال في سبيل الله ابتغاء نيل النصر فقط بحيث يجزع إذا هو لم ينله بل عليه أن ينفذ أمر الله بالخروج لقتال أعدائه وفق سننه ويكل إلى الله أمر النصر الذي هو حق من الحقوق التي اختص بها سبحانه دون تقيد بسبب من الأسباب فما من موضع ذكر الله فيه النصر في القرآن إلا نسبه إلى ذاته العلية وقال: ﴿وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم﴾ وهذا في كل الأحوال يجب على المسلم أن يباشر الأسباب التي شرعها الله لبلوغ المقاصد وقضاء الحوائج ويسأل الله أن يمده من قوة الروح والصحة وغيرهما من الوسائل ما يضمن له النجاح: ﴿قل﴾ أيها الرسول للمنافقين: ﴿هل تربصون بنا﴾ أي تتوقعون لنا: ﴿إلا إحدى الحسنيين﴾ النصر على الأعداء والحصول على الغنائم، أو الموت في ميدان الشرف ونيل الشهادة وكلاهما حسن وجميل قد روضنا النفس عليه فلا محل لأن تشمتوا بنا: ﴿ونحن نتربص بكم﴾ في مقابلة ذلك إحدى السوءين وهما: ﴿أن يصيبكم الله بعذاب من عنده﴾ أي يهلككم بقارعة سماوية لا دخل لنا فيها كما أهلك من قبلكم من الكافرين: ﴿أو بأيدينا﴾ أي أو أن يأذن الله لنا بقتلكم والتخلص منكم كما أذن لنا بقتال المشركين: ﴿فتربصوا إنا معكم متربصون﴾ أي فنحن على انتظار أمر الله فيكم إذ الشرع لا يبيح لنا قتلكم ما دمتم تظهرون الإيمان وتقيمون شعائر الإسلام، ولقد كان لهذا القول أثره في نفوس القوم فتاب أكثرهم من النفاق من بعد ما انكشف أمرهم وأنجز الله لرسوله جميع ما وعده به وقويت شوكة المسلمين وقد أمر الله رسوله أن يبلغ أولئك المنافقين الذين كانوا يعتذرون عن الخروج للقتال بأنفسهم ويبدون استعدادهم لمساندة الرسول والجهاد معه بأموالهم فقال: ﴿قل أنفقوا﴾ في مساعدة المجاهدين: ﴿طوعًا﴾ من تلقاء أنفسكم: ﴿أو كرهًا﴾ بفتح الكاف وقرئ بضمها أي تحت تأثير الخوف: ﴿لن يتقبل منكم﴾ ما تنفقونه وذلك لسبب قائم بذاتكم وهو: ﴿إنكم كنتم قومًا فاسقين﴾ والمراد بالفسق هنا الخروج عن دائرة الإيمان الذي لا يتحقق إلا بمحبة الله ورسوله وهو شرط في قبول الأعمال الصالحات: ﴿وما منعهم أن تقبل﴾ بالمثناة الفوقية وقرئ بالتحتية على البناء للفاعل وهو الله أي وما حال دون قبول نفقاتهم التي منها الزكاة وغيرها: ﴿منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله﴾ دون أن تؤمن قلوبهم بالله ورسالته وإن نطقوا بكلمة الشهادة: ﴿و﴾ هم بذلك: ﴿لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى﴾ أي متثاقلين ومن غير رغبة: ﴿ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ أي أن
فرعون} أي بالرغم مما كان يداخل قلوبهم من خوف من فرعون أن يبطش بهم: ﴿وملئهم﴾ أي بالرغم مما كان يداخل قلوبهم أيضًا من الخوف من أشراف قومهم الجبناء من صنائع فرعون الذين اختارهم فرعون ليكونوا عرفاء وأمراء عليهم: ﴿أن يفتنهم﴾ أي فرعون وملئهم عن الإيمان لموسى واتباع دينه بالتعذيب والإرهاق إذ الفتنة معناها الابتلاء والإخبار الشديد للحمل على الشيء أو تركه: ﴿وإن فرعون لعالٍ في الأرض﴾ أي والحال إن فرعون بعلوه وقهره واستبداده جدير بأن يخاف منه: ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ أي المتجاوزين حدود الرحمة والعدل إلى الظلم والبغي: ﴿وقال موسى﴾ لمن آمن من شباب قومه وقد رأى خوفهم من الفتنة والاضطهاد: ﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله﴾ إلهًا واحدًا قادرًا ومهيمنًا على كل شيء وآخذًا بناصية كل مخلوق: ﴿فعليه توكلوا﴾ أي ضعوا ثقتكم فيه واعتمادكم عليه ولا تخافوا بأس فرعون وملئه: ﴿إن كنتم﴾ في إيمانكم: ﴿مسلمين﴾ أي مصدقين برسالة موسى ومتبعين لما جاء به من الشريعة يجعل الله لكم من أمركم فرجًا ومخرجًا وينصركم على فرعون وملئه ويثيبكم على كل ما ينالكم من شرهم: ﴿فقالوا على الله توكلنا﴾ أي فأعلنوا امتثالهم للأمر متوجهين إلى الله بالدعاء قائلين: ﴿ربنا لا تجعلنا فتنةً﴾ أي موضع اختبار وابتلاء: ﴿للقوم الظالمين﴾ أي لا تضعفنا وتذلنا فيظن الظالمون أنهم خير منا وأنا على غير حق وإلا لما كان هذا شأننا فيزدادوا كفرًا وعنادًا وتمسكًا بعقائدهم الفاسدة كما هو حال أغلب المسلمين اليوم حتى أصبحوا مثلًا سيئًا للإسلام: ﴿ونجنا برحمتك من القوم الكافرين﴾ أي لا تسلطهم علينا ************* شرعنا فاستجاب الله دعوتهم هذه وقال: ﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا﴾ أي أعدوا مساكن يلجأ إليها كل من يتبعكما من قومكما: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلةً﴾ القبلة في اللغة ما يقابل الإنسان ويكون تلقاء وجهه أي اجعلوا بيوتكم متقابلة في منطقة واحدة بحيث يعلم كل منكم بما يحصل لمن يقابله: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي أدوا ما فرض الله عليكم من الصلاة بصورة مستديمة: ﴿وبشر المؤمنين﴾ بالله يحفظه تعالى لهم من كل ما يسوءهم متى اتكلوا عليه واتبعوا شريعته: ﴿وقال موسى﴾ بعد تلقيه لهذا الوحي الإلهي: ﴿ربنا إنك آتيت فرعون وملأه﴾ من أشراف قومه وكبرائهم دون دهمائهم من الصناع والزراع والجند والخدم: ﴿زينةً﴾ من الحلي والحلل والأثاث والرياش الفاخر:
ما يتكئن عليه من نمارق ومساند: ﴿وآتت كل واحدة منهن سكينًا﴾ لتقطيع الطعام كما هي العادة عند قدماء المصرين وفي عصرنا هذا فلما باشرن تناول الطعام وأمسكت كل واحدة بسكينها انتهزت هذه الفرصة: ﴿وقالت﴾ ليوسف: ﴿اخرج عليهن﴾ لتقدم لهن ما يحتجن إليه من ماء وخلافه: ﴿فلما رأينه﴾ أي رأت النسوة يوسف: ﴿أكبرنه﴾ أي دهشن مما هو عليه من جمال فاتن وحسن رائق وأدب فائق: ﴿وقطعن أيديهن﴾ بالسكاكين وهن يظنن أن التقطيع إنما هو لما فيها من الطعام أو الفاكهة من فرط ذهولهن بجماله: ﴿وقلن حاش لله﴾ أي معاذ الله: ﴿ما هذا بشرًا﴾ فهذا الجمال لم يعهد في البشر مثله: ﴿إن هذا إلا ملك كريم﴾ أي إنه لم يكن مخلوقًا من الطين بل إنه خلق من النور، وتمنت كل امرأة أن يكون لها مثله في الحسن والجمال، وبهذا وصلت امرأة العزيز إلى الغاية التي قصدتها من دعوة النسوة اللاتي حكمن بضلالها وهي إيقاعهن في شراك حبه أو عذرهن لها في تطلعها إليه: ﴿قالت﴾ لهن: ﴿فذلكن﴾ الجمال الفاتن الذي أذهلكن وأفقدكن إحساسكن حتى قطعتن أيديكن من غير اختيار هو: ﴿الذي لمتنني فيه﴾ أي في بلوغ حبه إلى شغاف قلبي ولا شك أنكن قد عذرتنني فيما صدر مني فلا مانع عندي أن أصارحكن بالحقيقة التي كنت أخفيها: ﴿ولقد راودته عن نفسه﴾ دون أن أشعر بما لي ولزوجي من كرامة كما قطعتن أيديكن دون أن تشعرن: ﴿فاستعصم﴾ لم تقل فامتنع إشارة إلى ما وجدته من شدة امتناعه القائم على أساس من العقيدة والإيمان الكامل، وهذه شهادة من امرأة العزيز بصدق يوسف فيما قاله لزوجها وبراءته مما اتهمته به من إرادة السوء من شأنها أن توقفها عند حدها وتكبره في نظرها وتكف عن محاولاتها إيقاع الأذى به غير أن مشاركة النساء لها في الإعجاب بجماله قد ضاعف في نفسها حبه وحملها على أن تعلن ما اعتزمت عليه أخيرًا من استعمال الشدة معه لبلوغ غايتها إذ قالت لهن على مسمع منه: ﴿ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين﴾ فإني صاحبة الأمر المطاع وبيدي أمر السجن والتعذيب. وما إن سمع يوسف مقالة النسوة وما هددت به امرأة العزيز وخاف على نفسه من تألبهن عليه حتى لجأ إلى مولاه قائلًا: ﴿قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه﴾ أي إني لا أملك إلا جسمي وأنا قادر على تحمل ما يصيبني من أذى في سبيل رضاك وأما قلبي فإنه ليس في يدي ولا سلطان لي عليه وأنت وحدك المهيمن عليه ولذلك فإني أسألك أن تعصمه من كل ما يغضبك: ﴿وإلا تصرف عني كيدهن﴾ أي ترد
المعقبات التي تحفظ من أمر الله
سبب تحول أحوال الناس
معنى: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له﴾
مثل من لطف الله
إرسال الصواعق على من يشاؤها
مثل من يدعو غير الله
البراهين العقلية والحسية على الوحدانية
تضارب الحق والباطل
جزاء المؤمنين والكافرين
من هم أولوا الألباب
من هم أصحاب العقول الضالة
بسط الرزق لمن يشاؤه
ضلال من شاء الضلال وهداية من أناب
القرآن أنزل تشريعًا لا للإتيان بخوارق العادات
الإيمان والكفر بمشيئة الله
إملاء الله للمستهزئين
سنة الله في إمهال الكافرين
معنى من يضلل الله فما له من هاد
جزاء المتقين والكافرين
التحزب لآراء المشايخ
الرسل بشر والمعجزات من الله
المحو والإثبات لا يتعارض مع ما في علم الله
نصر الإسلام وخذلان أعدائه
سورة إبراهيم
فتغمد الله فقيدنا الأستاذ الصديق السيد عبد الحميد الخطيب بواسع رحمته ورضوانه، وأسكنه مقام الآمنين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بمقدار ما كتبت يداه وأنشدت نفسه من كل رائع مفيد كان ولم يزل يقوي العقيدة المؤمنة ويزيد في سيادتها وإذاعتها بين الناس وفي رحاب الحياة.
وعفا الله عنه وجعل أبناءه من بعده خير خلف لخير سلف، والله واسع الرحمة ومع الصابرين والمتقين.
دمشق. م. أنور سليم سلطان
في غرة شعبان سنة ١٣٨١
توجد هنا صورة بوصلة دليل القبلة
دليل القبلة في جميع أنحاء العالم: لأجل معرفة القبلة تضع «البوصلة» في وسط الدائرة للتأكد من معرفة الجهات الأصلية ثم تمد خطًّا مستقيمًا من البيت الحرام الذي هو وسط الدائرة إلى البلدة التي تكون بها فتهتدي إلى القبلة.
فرعون} أي بالرغم مما كان يداخل قلوبهم من خوف من فرعون أن يبطش بهم: ﴿وملئهم﴾ أي بالرغم مما كان يداخل قلوبهم أيضًا من الخوف من أشراف قومهم الجبناء من صنائع فرعون الذين اختارهم فرعون ليكونوا عرفاء وأمراء عليهم: ﴿أن يفتنهم﴾ أي فرعون وملئهم عن الإيمان لموسى واتباع دينه بالتعذيب والإرهاق إذ الفتنة معناها الابتلاء والإخبار الشديد للحمل على الشيء أو تركه: ﴿وإن فرعون لعالٍ في الأرض﴾ أي والحال إن فرعون بعلوه وقهره واستبداده جدير بأن يخاف منه: ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ أي المتجاوزين حدود الرحمة والعدل إلى الظلم والبغي: ﴿وقال موسى﴾ لمن آمن من شباب قومه وقد رأى خوفهم من الفتنة والاضطهاد: ﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله﴾ إلهًا واحدًا قادرًا ومهيمنًا على كل شيء وآخذًا بناصية كل مخلوق: ﴿فعليه توكلوا﴾ أي ضعوا ثقتكم فيه واعتمادكم عليه ولا تخافوا بأس فرعون وملئه: ﴿إن كنتم﴾ في إيمانكم: ﴿مسلمين﴾ أي مصدقين برسالة موسى ومتبعين لما جاء به من الشريعة يجعل الله لكم من أمركم فرجًا ومخرجًا وينصركم على فرعون وملئه ويثيبكم على كل ما ينالكم من شرهم: ﴿فقالوا على الله توكلنا﴾ أي فأعلنوا امتثالهم للأمر متوجهين إلى الله بالدعاء قائلين: ﴿ربنا لا تجعلنا فتنةً﴾ أي موضع اختبار وابتلاء: ﴿للقوم الظالمين﴾ أي لا تضعفنا وتذلنا فيظن الظالمون أنهم خير منا وأنا على غير حق وإلا لما كان هذا شأننا فيزدادوا كفرًا وعنادًا وتمسكًا بعقائدهم الفاسدة كما هو حال أغلب المسلمين اليوم حتى أصبحوا مثلًا سيئًا للإسلام: ﴿ونجنا برحمتك من القوم الكافرين﴾ أي لا تسلطهم علينا ************* شرعنا فاستجاب الله دعوتهم هذه وقال: ﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا﴾ أي أعدوا مساكن يلجأ إليها كل من يتبعكما من قومكما: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلةً﴾ القبلة في اللغة ما يقابل الإنسان ويكون تلقاء وجهه أي اجعلوا بيوتكم متقابلة في منطقة واحدة بحيث يعلم كل منكم بما يحصل لمن يقابله: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي أدوا ما فرض الله عليكم من الصلاة بصورة مستديمة: ﴿وبشر المؤمنين﴾ بالله يحفظه تعالى لهم من كل ما يسوءهم متى اتكلوا عليه واتبعوا شريعته: ﴿وقال موسى﴾ بعد تلقيه لهذا الوحي الإلهي: ﴿ربنا إنك آتيت فرعون وملأه﴾ من أشراف قومه وكبرائهم دون دهمائهم من الصناع والزراع والجند والخدم: ﴿زينةً﴾ من الحلي والحلل والأثاث والرياش الفاخر:
﴿إن الله كان عليمًا﴾ بأعمال العباد: ﴿حكيمًا﴾ إذ ترك لهم الحق في اختيار ما يريدون لهم من غاية وما يشاءونه من عمل لا يخرج عما قدره تعالى من سنن ولم يجعل أمر ذلك عائدًا لقضائه تعالى لينفي عن ذاته العلية صفة الاستبداد والظلم: ﴿يدخل من يشاء﴾ الرحمة من الناس بطلبها والعمل لها: ﴿في رحمته﴾ بمعنى يمنّ عليهم بها فيوجههم سبحانه إلى سبل الرشاد ويتجاوز عما ارتكبوه من السيئات ولا يؤاخذهم بما يستحقون فضلًا منه وإحسانًا: ﴿والظالمين﴾ أنفسهم بعدم طلب الرحمة من الله وسلوك سبيلها بما يقرب إليه بالرغم عن وعد الله بها من يشاؤها من عباده فقد أنذرهم الله منذ الآن بأنه تعالى: ﴿أعد لهم﴾ في الآخرة: ﴿عذابًا أليمًا﴾ كان عليهم أن يخافوا بأسه ويعملوا للخلاص منه فإذا لم يفعلوا فليس هناك ما يمنعه من رحمتهم متى أراد من واسع كرمه. نسأله تعالى أن يمن علينا برحمته ولا يؤاخذنا بذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
تدري ما أحدثوا من بعدك»، وقد وصفه الرسول ﷺ في أحاديث أخرى في الصحاح بأنه «نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على اللؤلؤ وماؤه أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل».
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾ أي فمن الواجب عليك أن تخلص لربك الصلاة: ﴿وَانْحَرْ﴾ والنحر ذبح الأنعام للنسك والمعنى ألا تتقرب إلى غيره بالنحر: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ أي مبغضك أو من يعاديك: ﴿هُوَ الأَبْتَرُ﴾ والأبتر المقطوع بمعنى المفصول من أمتك المؤمنة المحروم من الشرب من ذلك النهر الذي أعد لك يوم القيامة.
سورة الكافرون
مكية وعدد آياتها ست

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (٤) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
سورة الكافرون: لقد سبق أن أمر الله رسوله أن يدعو قريشاً إلى عبادة رب هذا البيت ثم بين حقيقة العبادة وعرفها بما ينافيها ثم أعلن عمّا وعده له من نهر الكوثر يوم القيامة ليجذب الناس إلى طاعته ودعاه إلى إخلاص العبادة حيث قال: ﴿فصل لربك وانحر﴾ عقب على ذلك في هذه السورة بما يقتضيه هذا الإخلاص من البراءة من أعمال المشركين ببيان أوجه التخالف بينه وبينهم ومن أجل هذا كان رسول الله ﷺ يكثر من تلاوتها في سنة الصبح والمغرب وعند النوم ويقول: «إنها براءة من الشرك» ولا غرو فقد أمر الله بها نبيه أن يصارح الكفار أجمعين بقوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ أي كل من يكفر بدين الإسلام في جميع بقاع الأرض وإن كان المخاطبون بهذا هم كفار قريش،: ﴿لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ أي لا أعبد الذي تعبدونه فإنكم تعبدون إلهاً ذا شخصية مادية يشبه المخلوقين في إنجاب البنين والبنات ويمكن أن يحل أو يظهر في شخص أو يتجلى في صورة معينة أو نحو ذلك،: ﴿وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ لأني أعبد إلهاً منزهاً عن جميع ما تصفون لم يلد ولم يولد ولا يحل في جسم ولا يتكيف بصورة ما فنحن مختلفون تماماً في شخص الإله المعبود،: ﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ ما هنا مصدر أية أي ليس عبادتي كعبادتكم فأنتم تتقربون


الصفحة التالية
Icon