١ - الأول: ويسمى القضاء: وهو أحكام قاطعة تتعلق أزلًا بأشياء موقوتة يقدر لها بداية ونهاية كالخلق والتكوين، والحياة والموت، والتذكير والتأنيث، وما إلى ذلك وقد استأثر الله تعالى بالعلم بهذا القسم ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه. فالله سبحانه إذ يقضي بحياة الإنسان لا بد أن يحيا، وإلا فلا. ولو خلق لولد ميتًا. وإلى هذا أشار تعالى بقوله: ﴿أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مع الله بل هم قوم يعدلون﴾، ﴿أمن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون﴾، وهذا القسم لا يوجب على الإنسان جزاء، ولا يتعلق به حساب ولا عقاب.
٢ - الثاني: ويسمى القدر وهو أحكام معلقة ومقدرة بشرط أو بشروط لا تنفذ إلا بتوافرها، وهي تتعلق بالأنظمة الكونية، والسنن المطردة، والقواعد الكلية، والأعمال الإيجابية كالعمل لطلب الرزق، ونيل السعادة في الدنيا والآخرة. وقد أعلن الله هذه الأحكام لخلقه في كتبه، وعن طريق رسله للإحاطة بها، والسير بمقتضاها، وأشار إليها بقوله: ﴿إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنا تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهو الذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌ ومستودعٌ قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون وهو الذي أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجناتٍ من أعنابٍ والزيتون والرمان مشتبهًا وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقومٍ يؤمنون﴾، ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور﴾. ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره﴾، فهو سبحانه الذي جعل الحب والنوى إذ وضع في التراب وأروي بالماء أنبت شجرًا ونخلًا، فذلك من نظام الكون النافذ؛ وهو إذ قدر أن مجرد سقي الأرض بالماء من شأنه أن ينبت العشب، وأن الحيوان يوجد من البيضة والنطفة، فذلك من سنن الله التي لا محيص عنها، وهو إذ قدر أن النار تحرق والسم الكثير يقتل فلا راد لهذا القدر، وهو إذ يجعل من
والله} بوصيته للزوجة التي مات عنها زوجها والإقامة في بيت الزوجية ﴿عزيز﴾ قد احتفظ للمرأة بعزتها فلم يكفلها بأن تظل مأسورة لأهل زوجها في زمن إقامتها في بيتها حرصًا على عدم التعدي على حريتها ﴿حكيم﴾ يراعي في أحكامه مصالح عباده ﴿وللمطلقات﴾ أي ويوصي أيضًا للمطلقات المدخول بهن على أزواجهن ﴿متاع بالمعروف﴾ زيادة عن مصرف العدة ليستعين به على النفقة بعد مضي مدة عدتهن ﴿حقًّا على المتقين﴾ أي أمرًا مطلوبًا لله من أحبائه الذين يخافونه ويرجون رحمته وهذا مبالغة في الدعوة إلى متعة المطلقات التي هي بمثابة تعويض لهن على ما ينالهن من أذى بسبب الطلاق ﴿كذلك يبين الله لكم﴾ معشر المسلمين ﴿آياته﴾ واضحة ﴿لعلكم تتقون﴾ ما ترمي إليه من حكم وغايات.
بعد أن بين الله بعض الأحكام الشخصية المتعلقة بالناس في أنفسهم وبيوتهم انتقل إلى الأحكام العامة التي تتعلق بسعادة الأمة في مجموعها من حيث حفظ كيانها ودوام استقلالها، فأشار إلى أن ذلك لا يكون إلا بانتزاع خوف الموت من النفوس وبذل الروح في سبيل الله، ومهد لذلك بما يثبت للمؤمنين أن الحياة بيد الله وأن الموت لا يرده حذر ولا يقربه خطر ولما كان ذكر القصص والحوادث الماضية أوقع في النفس وأشد تأثيرًا في الاعتبار ضرب الله مثلًا بما وقع من الأمم الماضية وأخبر عما كان من أمر جماعة من أهل قرية منيت بالطاعون فهرب أهلها خوفًا من الموت بطريق العدوى فأماتهم الله حيث ظنوا النجاة ثم أحياهم بدعاء أحد الأنبياء لهم، قيل إنه ذو الكفل ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم من الأمم، وقد ذاع أمر هذه القصة وشاع حتى قال تعالى ﴿ألم تر إلى الذين﴾ أي ألم ينته إلى علمك أيها السامع نبأ أولئك الذين ﴿خرجوا﴾ من الأمم التي قبلكم فإن خبرهم لكثرتهم من شأنه ألا يجهل، ﴿من ديارهم﴾ التي منيت بالطاعون ﴿وهم ألوف حذر الموت﴾ ظنًا منهم أن الحذر ينجي من تلقاء نفسه من القدر وأن التعرض للعدوى لا بد أن يؤدي
واجب الطاعة وأداء العبادات في أوقاتها وربما حملهم ذلك إلى الغرور وعدم طلب المعونة من الله (و) رابعها حب اقتناء (الخيل المسومة) المعلمة التي تعد للزينة والفخر كالتي تسير في مقدمة ركب الملوك والأمراء والتي استبدلت في عصرنا هذا بسيارات الجيب والدراجات النارية مما من شأنه أن يورث العجب والكبرياء والزهو والخيلاء (و) خامسها حب امتلاك أكبر عدد من (الأنعام) من الإبل والغنم والبقر التي هي ثروة أهل البادية التي يفاخرون بكثرتها ويأخذ عليهم رعيها واستثمار ألبانها وأصوافها جل أوقاتهم (و) سادسها حب (الحرث) أي الاشتغال بالزراعة التي هي ثروة الفلاح وما يستدعي ذلك من مجهود عظيم وعمل متواصل في الشؤون الزراعية التي تضطر المزارعين إلى ملازمة زراعاتهم والسهر عليها، الأمر الذي قد يحملهم على التقاعس عن أداء واجباتهم الدينية - وأخصها الجهاد - ويؤدي بهم إلى الذلة والهوان، وقد ورد في هذا حديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر ورضوا بالزرع أنزل الله بهم ذلًا فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم» (ذلك) أي ما ذكر من حب الشهوات وما بعدها ما هو إلا (متاع) قاصر على هذه (الحياة) الوقتية للإنسان مدة وجوده في (الدنيا) ويزول بزوالها فلا ينبغي أن يجعل الإنسان همه في الحياة منحصرًا في طلب الفاني وأن يوجه جهوده لنيله بل عليه أن يعمل ويسعى للحصول على نعيم دائم بعد الموت في الحياة الخالدة (والله) وحده الذي يجزي الناس يوم القيامة (عنده حسن المآب) لديه حسن المرجع يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا شفيع عنده إلا بإذنه فيجب حصر الأمل في عفوه وكرمه.
بعد أن نبه الله نبيه إلى ما يثبط الهمم ويحول دون الجهاد في سبيل الله من حب الناس للشهوات أمره أن يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وسعادتهم فقال (قل) يا أيها الناس (أؤنبئكم) أي أأخبركم بخبر صادق صادر عن الحق جل وعلا (بخير من ذلكم) بأفضل وأحسن مما زين لكم من المتاع الفاني الممثل في تلك الشهوات، وهو إن (للذين اتقوا) الله بتجنب الشرك ومراقبة الله في كل شيء، والحذر من عقابه (عند ربهم) في الآخرة نوعين من الجزاء: أحدهما تلتذ به أجسامهم وهو (جنات) وقرئ «جنات» بكسر التاء أرقى من جنات الدنيا (تجري من تحتها الأنهار) بكثرة متناهية من غير كد أو تعب خالدين فيها وتمتاز عن متع الدنيا بالخلود فيها أبدًا (وأزواج) جمع زوج يطلق
نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (٥١) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ
دون ذلك} أي غير ذلك أو ما هو أقل جرمًا من جرم الشرك بالله ﴿لمن يشاء﴾ الغفران من عباده بطلبه وسلوك السبل المؤدية إليه والتي في مقدمتها الإيمان بوحدانية الله الذي يقابله الشرك الذي لا يغفره الله فكأنه قال ويغفر للمؤمنين العاملين لنيل الغفران لا من يشاء الله غفران ذنوبه يؤيد هذا قول رسول الله ﷺ «كلكم يدخل الجنة إلا من أبى» قال الصحابة ومن يأبى يا رسول الله قال «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» ﴿ومن يشرك بالله﴾ أحدًا أو شيئًا فيدعوه معه أو من دونه للاستعانة به في الشدائد والملمات بقصد تفريج الكربات من الأمور التي لا يقدر عليها أحد غير الله ولو كان ذلك عن طريق الوساطة أو الوسيلة أو بأي صفة من الصفات التي تتنافى مع جلال الله وكرمه وعدله ﴿فقد ضل﴾ عن الطريق المستقيم الذي رسمه الله للفلاح ﴿ضلالًا بعيدًا﴾ ذلك لأن مشيئة الله معناها أحكامه التي شاء المخلوقات عليها بمعنى حملهم عليها حملًا يقال في اللغة أشاءه إلى كذا ألجأه إليه وشيئاته على الأمر حملته عليه وهي تشمل جميع ما يحب الله وما يكرهه فكلاهما داخل تحت مشيئته وهذه المشيئة هي الدستور الإلهي الذي وضعه الله بما يتلاءم مع استعداد وقدرة جميع المخلوقات للسير عليه والذي أذاعه على عباده لينفي عن ذاته صفة الاستبداد والظلم ويمنع الفوضى والعدوان على الحقوق ويؤاخذ الناس على أعمالهم بحسب مواده وأحكامه وينقسم هذا الدستور أو المشيئة الأزلية إلى قسمين مشيئة كونية قضائية ومشيئة قدرية شرعية وتسمى الأولى قضاء وهي أحكام قاطعة تتعلق أولًا بأشياء موقوتة يقدر لها بداية ونهاية كالخلق والتكوين والحياة والموت والتذكير والتأنيث والحركة والسكون وقد استأثر الله تعالى بالعلم بهذا القسم فلم يطلع عليه أحدًا وسوف لا يؤاخذ الناس عليه وتسمى الثانية قدرًا وهي أحكام معلقة ومقدرة بشرط أو شروط لا تنفذ إلا بتوافرها وهي
<٧٣>
كذوات البشر فلا يمكن أن تكون صفاته كما نتصورها من صفات المخلوقين فصفات المخلوقين صفات نقص وحدوث والله منزه عن ذلك وإذا كانت نفس الإنسان غير مماثلة لجسمه في الأوصاف والحركات والسكنات فكيف يجوز لنا أن نتصور صفات الله سبحانه وتعالى كصفات الجسم وأفعاله وإذا كانت الملائكة وهم مخلوقون من نور والجان وهم مخلوقون من مارج من نار لا تماثل صفاتهم وأفعالهم صفات الإنسان وأفعاله فالله أعظم مباينة لمخلوقاته من مباينة الملائكة والجان للآدميين فكلاهما مخلوق والمخلوق أقرب مشابهة للمخلوق من المخلوق للخالق جل وعلا. والعقول مهما بلغت من الإدراك والتفكير عاجزة كل العجز عن إدراك الأسرار الإلهية في أصغر المخلوقات فكيف يمكن لها وقوة عاقليتها محدودة أن تتصور صفات خالقها إذن فلا بدّ من التسليم بهذه الصفات مع الجزم بأن كل ما يخطر بالبال عن صفات الله فالله غير ذلك مع التنزيه الكامل لله عن مشابهته للحوادث ومن الخطأ أن نقول ما دام الله قد أثبت لذاته العلية يدا فلا بد وأن يكون المراد بها الجارحة المعلومة لدينا لأننا نرى أن اليد في المخلوقات ليست كلها جوارح وليست بشكل واحد فكيف بيد الخالق جلا وعلا كما لا يصح أن ننفي عنه تلك الصفات ونعتبرها صفات نقص فنجله تعالى عن أن ننسب إليه حقيقتها ونعمد إلى تأويلها بما يقربها إلى عقول البسطاء كما يراه علماء الخلف زاعمين أن عقيدتهم هذه أحكم كأن تقول إن المراد باليد القدرة مثلا لعدة أسباب:
أولا: إنه لو كان في إثبات حقيقة اليد إلى الله ما يزري بمقام الألوهية لما أثبتها الله لذاته العلية.
ثانيا: لأن في نفي تلك الصفات عن الله تعطيل لتلك الصفات التي وصف الله بها ذاته وعدم إيفائها حقها من التعريف.
ثالثا: إن في تأويلها بما يروق لنا افتئات على الله فهو سبحانه أدرى بمقصوده من ذلك ولا يحق لإنسان أن يؤول كلام غيره ويتحكم في مراده فما بالك بتأويل كلام الله والتحكم في مراده سبحانك اللهم هذا إثم مبين.
ومن المسلم به أننا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا وكذلك لا نعقل من السمع
والسلطان ولم يعرفوا بالزهد في الدنيا والإعراض عن لذاتها بل كانوا يكثرون من مخالطة الناس وقلوبهم مع الله. ولذا فضلهم الله على أقوامهم لجمعهم بين العمل للدنيا والآخرة. وقد أشار إليهم سبحانه وتعالى بقوله ﴿وإسماعيل واليسع﴾ وقرئ «الليسع» بتشديد اللام وسكون الياء على وزن الضيغم. أحد أنبياء بني إسرائيل ﴿ويونس ولوطًا وكلًّا﴾ من هؤلاء الأنبياء الأربعة ﴿فضلنا على العالمين﴾ لقد جاء في كتب اللغة أن المراد بالعالم كل ما سوى الله. واستدل العلماء من هذا على تفضيل الأنبياء على الملائكة. غير أن ما ورد في القرآن حكاية عن قوم لوط لنبيهم: ﴿أولم ننهك عن العالمين﴾ وقوله عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين﴾ وهي أرض الشام لا يدل على ذلك بل يتعين أن يكون المراد بالعالمين ما سوى الله من البشر. فيكون المعنى أن الأنبياء قد فضلوا على غيرهم من الناس ﴿ومن آبائهم﴾ من للتبعيض. أي وكذلك بعض آباء الأنبياء ﴿وذرياتهم وإخوانهم﴾ قد فضلناهم على غيرهم من الناس ﴿واجتبيناهم﴾ اصطفيناهم أي خصصناهم ببعض مميزات من نعم الله ﴿وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾ أي وجهناهم دائمًا إلى خير السبل التي لا اعوجاج فيها ﴿ذلك﴾ أي الهدى إلى صراط مستقيم هو ﴿هدى الله﴾ الذي هو فوق هداية سائر الحواس والعقل والوجدان ﴿يهدي به﴾ أي يرشد بواسطته الله ﴿من يشاء﴾ الهداية بطلبها منه والعمل لنيلها ﴿من عباده﴾ المعترفين بعبوديتهم له وأنه هو الله وحده مصدر الهدي الصحيح ﴿ولو أشركوا﴾ أي ولو فرض أن أولئك المهديين المجتبين، على ما لهم من منزلة عند الله، دعوا الناس إلى عبادتهم مع الله ﴿لحبط﴾ أي بطل وسقط ﴿عنهم﴾ ثواب ﴿ما كانوا يعملون﴾ لأن توحيد الله هو أساس كل طاعة فإذا زال الأساس انهار ما بني عليه ﴿أولئك﴾ أي من سبق ذكرهم من ذرية إبراهيم ونوح هم ﴿الذين آتيناهم﴾ أي حصرنا فيهم ﴿الكتاب﴾ فلم ننزله على أحد من غير ذريتهم ﴿والحكم﴾ العدل الذي لا يخطئ. أما غيرهم من الناس فأحكامهم اجتهادية قد تخطئ وقد تصيب ﴿والنبوة﴾ فلا نبي من غيرهم ﴿فإن يكفر بها﴾ أي بهذه المنة وهي إيتاء الله لهم الكتاب والحكم والنبوة ﴿هؤلاء﴾ أي من وجد من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم بمعنى أنهم لم يراعوا حقوقها ولم يؤدوها واجب شكرها بالعمل بمقتضاها ﴿فقد وكلنا بها﴾ أي بالمحافظة عليها واتباعها ﴿قومًا﴾ لم يكونوا من ذرية أولئك الأنبياء من سائر الأمم وإنما اتصفوا بأنهم ﴿ليسوا بها بكافرين﴾ أي سلمت نفوسهم من التمرد
أي اشكروه لأنه جعل لكم من الصناعات ميدانًا فسيحًا للعمل والرزق يعوضكم ما قد تفقدونه من الزرع الذي تأكله تلك الناقة التي أراد الله أن يختبر بها مدى طاعتكم له ﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ أي لا تقابلوا هذه النعم بالإمعان في الفساد بالكفر ومخالفة أوامر الله ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه﴾ أي أكابر القوم وأغنياؤهم الذين هم أصحاب الأراضي الزراعية الواسعة ﴿للذين استضعفوا﴾ أي للمزارعين في تلك الأراضي الذين جاهدوا في إحيائها وغرسها وريها ﴿لمن آمن منهم﴾ أي للفريق الذين آمن بوحدانية الله وبدت منهم علائم الرضا بأمر نبي الله صالح ﴿أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه﴾ أي هل أنتم على يقين بأن صالحًا صادق في دعوى الرسالة وأن ما يقوله عن الله حق ﴿قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون﴾ أي أن كل ما جاء به حق لا ريب فيه فيجب أن لا نتعرض للناقة بأي أذى ونتركها ترعى حيث شاءت من أرضنا ﴿قال الذين استكبروا﴾ أي أكابر القوم الذين رفضوا الرضوخ لأوامر الله ﴿إنا بالذي آمنتم به كافرون﴾ أي ولكنا نحن ملاك الأراضي لا نؤمن برسالة صالح عن ربه ولا نسمح للناقة بأن تدنوا من أراضينا ورأوا أنه لا خلاص لهم من عدوانها على أراضيهم إلا أن قاموا إليها ﴿فعقروا الناقة﴾ أي قطعوا قوائمها حتى منعوها من السير أو نحروها ﴿وعتوا عن أمر ربهم﴾ أي تمردوا مستكبرين عن امتثال أمر ربهم ﴿وقالوا يا صالح أئتنا بما تعدنا﴾ به من العذاب الأليم بعد أن عقرنا الناقة ﴿إن كنت من المرسلين﴾ من عند الله حقًّا وأن ما تدعيه من الإنذار موجه من قبله لا منك ﴿فأخذتهم الرجفة﴾ أي الهزة وجاء في سورة هود قوله ﴿فأخذ الذين ظلموا الصيحة﴾ ولذلك اختلف المفسرون في التوفيق بين اللفظين فقيل الصيحة صيحة جبريل رجفت منها قلوبهم وقيل الصيحة من فوقهم والرجفة الزلزلة من تحتهم مع أن القرآن قد صرح بالمراد منها بقوله في سورة السجدة بقوله: ﴿فأخذتهم صاعقة العذاب الهون﴾ ومعلوم أن لنزول الصاعقة صيحة شديدة ترجف من هولها القلوب وتضطرب الأعصاب وتتهدم البيوت وتهوى بمن فيها ﴿فأصبحوا في دارهم جاثمين﴾ أي التصقوا بالأرض من شدة الهلع والخوف بمعنى ماتوا من الرعب ﴿فتولى﴾ صالح ﴿عنهم﴾ أي بعد هلاكهم ﴿وقال﴾ شاهدًا عليهم على سوء تصرفهم وأنهم قد نالوا جزاءهم ﴿يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين﴾ وهذا كما حدث في نداء النبي ﷺ لبعض قتلى المشركين في بدر بعد دفنهم في القليب إذ قال «يا فلان ابن فلان يا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا فإني وجدت ما وعدني
الإنسان دائمًا إلى الله ويترتب على هذا احتمال اتباع أوامره والانتهاء عما لا يرضيه ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي فتنالوا رحمته أما سماع القرآن من غير إنصات وتدبر والتشاغل عنه بأحاديث الناس أو بالتفكير في غيره أو حتى في طريقة إلقاء القارئ له والإعجاب بها كما يفعل الناس اليوم فكل ذلك لا يؤدي إلى رحمة الله. ومتى رحم الله قومًا نعموا بالسعادة في الدارين وأكبر شاهد على هذا أن أسلافنا الصالحين عندما أقبلوا على تدبر القرآن والعمل به فتحوا الدنيا وسادوا العالم ورفعوا راية الإسلام في كل مكان وعندما أهملنا تدبر القرآن والعمل بما فيه واكتفينا بتلاوته على الأموات وشبه الأموات وأن نفتتح به الحفلات ونتلوه للتبرك ونحمله لشفاء الأمراض زالت الفائدة منه وحل بنا غضب الله وأصبحنا في مؤخرة الأمم وأضعف الشعوب ولا سبيل لاستعادة مجدنا إلا بالرجوع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح والعمل على تفهيم الناس معاني القرآن ليتدبروها ويتعظوا بها ويهتدوا بهديها، الأمر الذي من أجله وضعت لهم هذا التفسير وعملت على توزيعه على العلماء في المساجد ودور المطالعة ابتغاء وجه الله وقيامًا بواجبي نحوه ولأذكرهم بأن الله قال: ﴿وذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ وقد بسطت هذا الموضوع في الصفحة ٣٢ من الجزء الثاني من هذا التفسير أسأله تعالى حسن القبول وما توفيقي إلا بالله وأما الأمر الذي أوجبه الله على عباده والذي يتسنى للإنسان الحصول به على منتهى السعادة في الدارين بل به يعم السلام العالم بأجمعه فهو قوله: ﴿واذكر ربك في نفسك﴾ أي راقب الله بقلبك في جميع حركاتك وسكناتك واعلم أنك إنما تسير في هذه الحياة بقوة الروح التي وهبها الله لك فلا تستعملها في ما يغضبه مخافة أن ينتزعها منك في الحال عدا ما سيؤاخذك عليه في الآخرة ﴿تضرعًا﴾ أي حال كونك مظهرًا لله الضعف والخضوع ﴿وخيفة﴾ أي وفي حالة خوف وخشية من عذاب الله ﴿ودون الجهر من القول بالغدو والآصال﴾ أي واذكره أيضًا بصوت ضعيف في صباحك ومسائك وجميع أوقاتك فهذا ما لا يعسر عليك فعله وأنت في طريقك ووراء مكتبك وفي سائر المجتمعات فهذا هو إكسير السعادة في هذه الحياة إذ هو خير علاج وصفه رب العزة لطمأنينة النفس العاتية أو القلقة للحصول على السعادة الحقة وبدونها لا يكون الإنسان سعيدًا مهما أوتي من مال وجاه حيث قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾.
قيامهم بهذين الركنين من أركان الإسلام اللذين هما من أظهر آيات الإيمان لا يدل على صحة إيمانهم لأنهم لا يأتونها إلا بتكلف وبقصد الرياء والتقية لا إيمانًا بوجوبها وطمعًا في نيل رضوان الله: ﴿فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم﴾ العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء أي لا تعجب أيها السامع بما سردناه من أحوال أولئك المنافقين إذا ما رأيت ما لديهم من أموال وأولاد: هما زينة الحياة الدنيا: ﴿إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا﴾ أي إنما جعل الله الأموال والأولاد لاختبار الناس في دينهم حيث قال تعالى: ﴿إنما أموالهم وأولادهم فتنة﴾ فهم يشغلون المنافقين عن الله بما يعانونه من المتاعب والمنغصات في جميع الأموال وصيانتها وتنميتها وما يعترضها من الخسائر والتلف وما يقاسونه من الجهد في تربية البنين والمحافظة على صحتهم وشدة الآلام في حال مرضهم أو فقدهم: ﴿وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ إذ لم يؤمنوا بالله الذي منّ عليهم بهم ولم يقدروا له سبحانه هذه المنن العظمى: ﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم﴾ أي من شأن المنافقين أنهم لا يتورعون عن خداع المؤمنين بالحلف بالله أنهم مخلصون في حبهم لكم: ﴿وما هم منكم﴾ بينما الواقع أنهم لا يحبونكم ولا يخلصون لكم: ﴿ولكنهم قوم يفرقون﴾ الفرق شدة الخوف أي أن الذي يحملهم على تأكيد محبتهم لكم بالقسم بأغلظ الأيمان إنما هو الخوف الذي يملأ صدورهم منكم ولولا ذلك ما كان هناك حاجة إلى الحلف لكم فالمثل يقول «كاد المريب أن يقول خذوني» وهم من فرط خوفهم منكم: ﴿لو يجدون ملجأ﴾ الملجأ هو المكان الذي يأوي إليه الخائف ويعتصم به من قلعة أو حصن: ﴿أو مغارات﴾ في جوف الجبال الشم: ﴿أو مدخلًا﴾ وهي الأسراب التي في جوف الأرض: ﴿لولوا إليه وهم يجمحون﴾ أي لذهبوا إليه بسرعة متناهية من شدة رعبهم وخشية افتضاح أمر نفاقهم لكم فتنزلون بهم أشد العقوبات التي يخشونها في هذه الحياة.
﴿ومنهم﴾ أي من المنافقين: ﴿من يلمزك﴾ اللمز مصدر لمزه إذا عابه وطعن فيه سواء في وجهه أو في غيبته: ﴿في الصدقات﴾ أي يعيبك ويطعن في موضوع قسمتك للصدقات وهي أموال الزكاة المفروضة فيزعمون أنك تحابي فيها وتعطيها لمن لك غاية من إعطائه: ﴿فإن أعطوا﴾ أي فإن تظاهروا لك بالحاجة وأعطيتهم: ﴿منها رضوا﴾ عنك في ذلك الوقت: ﴿وإن لم يعطوا منها﴾ لأنهم لم يكونوا مستحقين للعطاء: ﴿إذا هم يسخطون﴾ عليك في سرهم وجهرهم: ﴿ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله﴾ أي قدروا نعم الله عليهم: ﴿ورسوله﴾ أي وقنعوا لما أعطاهم من أموال الغنائم وغيرها:
﴿وأموالًا﴾ كثيرة ينفقونها في قضاء شهواتهم ونيل مآربهم: ﴿في الحياة الدنيا﴾ وهذا من شأنه أن يطغيهم ويفتن غيرهم: ﴿ربنا ليضلوا عن سبيلك﴾ أي ومن شأنه أن يحفزهم على إضلال عبادك عن السبل الموصلة إلى مرضاتك فالزينة والزهو والخيلاء وكثرة المال تطغي الناس وتزين لهم التحكم في رقاب العباد وكلاهما يحملان الناس على التزلف إلى أصحابها والتعلق بهم من دون الله: ﴿ربنا اطمس على أموالهم﴾ طمس الشيء محاه وأذهب معالمه أي اجعل أموالهم عرضة لمختلف الآفات التي تحد من غرورهم بها وتشعرهم بذل الحاجة إلى من هم دونهم من الفقراء لتصرفهم عنهم: ﴿واشدد على قلوبهم﴾ أي زدها قسوة وإصرارًا وعنادًا حتى يستحقوا عذابك: ﴿فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم﴾ أي حتى يتأكد لهم وعيدك باصطلائهم بنار جهنم ولما كان الداعي موسى وكان هارون مؤمنًا على دعائه اعتبرهما الله مشتركين في الدعاء فأجابهما إلى طلبهما: ﴿قال قد أجيبت دعوتكما﴾ أي قبلت وأصبحت في حكم القضاء المبرم والسنة التي لا تتبدل فكل من اغتر بماله وطغى على الناس بسببه لا سبيل إلى إزالة ذلك المرض النفسي منه حتى ينكب في ماله ويذوق وبال أمره في الدنيا والآخرة كما حدث ذلك لقارون إذ خسف الله به وبداره الأرض وجعل منه عبرة لكل من يعتبر: ﴿فاستقيما﴾ أي استمرا على ما أنتما عليه من دعوة فرعون وقومه إلى الحق ولا تنيا عن ذلك اكتفاء بما أخبرتما به من إجابة دعوتكما فتلك سنة من سنن الله في الناس لا يعارضها أن يكون منهم من لم يطغه ماله ويتعظ بغيره فيهتدي ويكون من الناجين: ﴿ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون﴾ أي لا تسلكان طريق الذين يجهلون طريق التوفيق بين وعدي لرسلي وتنفيذي مقتضى سنني في خلقي ممن يستعجلون الأمر قبل أوانه ويستبطئون وقوعه في أيامه ثم أنه بعد أن أخبر الله رسوله باستجابته لدعوة موسى وأخيه وأمرهما بالاستمرار في نشر دعوتهما أخبره أيضًا بما كان من تأييد الله لهما رغم ضعفهما في فرعون وقومه الذين كانوا أعظم الناس غرورًا وطغيانًا فقال: ﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر﴾ جاوز المكان: ذهب فيه وقطعه حتى خلفه وراءه وهم في طريقهم إلى بيت المقدس وفي هذا إشارة إلى أن مجاوزتهم للبحر لم تكن إلا بمعونة الله وحفظه لهم: ﴿فأتبعهم﴾ أي لحقهم: ﴿فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا﴾ أي لينتك بهم ويرجعهم إلى مصر يستعبدهم ويسومهم سوء العذاب: ﴿حتى إذا أدركه الغرق﴾ أي فغاصوا
عني بلطف خفي منك ما يدبرنه لي من مختلف المكائد والمغريات فإني وإن استطعت أن أقاوم امرأة واحدة لا أقدر على مقاومة جمع منهن وعندئذ: ﴿أصب إليهن﴾ أي أميل بقلبي إلى حبهن فما أنا إلا بشر يجوز عليّ ما يجوز على سائر البشر من الحب والبغض والرغبة في الاستمتاع بأنواع الملذات: ﴿وأكن من الجاهلين﴾ الذين يستجيبون لعواطفهم ويتبعون شهواتهم: ﴿فاستجاب له ربه﴾ الذي قطع على ذاته العلية وعدًا لن يخلفه هو أن يستجب دعاء من دعاه: ﴿فصرف عنه كيدهن﴾ أي أنه صرفهن عن معاكسته وتدبير الفتن والمغريات لإيقاعه في شباكهن وذلك بالحيلولة بينه وبينهن: ﴿إنه هو السميع﴾ لدعاء يوسف: ﴿العليم﴾ بخير الوسائل لصرف كيدهن عنه وما يؤدي به إلى الرفعة والسلطان المنتظر: ﴿ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات﴾ الدالة على براءته وعفته ونزاهته واحتقاره للشهوات: ﴿ليسجننه﴾ من غير ذنب مع المجرمين والسفاحين: ﴿حتى حين﴾ أي سجنًا مؤقتًا لا يقصد منه التأديب ولا الجزاء على أمر اقترفه بل من أجل تضليل الرأي العام وإفهامه أنه كان مجرمًا في حق امرأة العزيز وما ذلك في الواقع ونفس الأمر إلا وسيلة للحيلولة بينه وبين النساء وصرفهن عن الاتصال به وتدبير المكائد له وتحقيقًا لقوله: ﴿السجن أحب إلي﴾: ﴿و﴾ عند تنفيذ ما رأوا من سجنه: ﴿دخل معه السجن فتيان﴾ رُوِيَ عن ابن عباس أن أحدهما خازن طعام الملك والآخر ساقيه بتهمة أنهما دسا له السم: ﴿قال أحدهما﴾ ليوسف: ﴿إني أراني أعصر خمرًا﴾ أي إني رأيت في المنام كأني أعصر عنبًا أعده ليكون خمرًا: ﴿وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه﴾ الطير جمع واحده طائر: ﴿نبئنا بتأويله﴾ أي قال كل منهما ليوسف نبئني بتأويل ما رأيت: ﴿إنا نراك من المحسنين﴾ في معاملتك لأهل السجن والإحسان على الناس دليل على صلة المحسن بالله تجعله على هدى ونور منه جل وعلا فما إن سمع يوسف منهما هذا القول حتى أراد أن يؤيد لهما رأيهما فيه ويتحدث لهما عن نعم الله عليه وأنها لم تكن قاصرة على مجرد تعبير الرؤيا بل لقد تجاوزتها إلى الإخبار بشيء من المغيبات، ولما كان من المعروف في ذلك العصر أن الملك إذا أراد قتل إنسان أمر بسجنه ووضع له السم في الطعام، الأمر الذي من شأنه أن ينغص عيش المساجين ويلوح لهم بشبح الموت في كل وقت أراد يوسف أن يطمئن صاحبيه على حياتهما قبل كل شيء: ﴿قال لا يأتيكما طعام ترزقانه﴾ من حيث لا تعلمان: ﴿إلا نبأتكما بتأويله﴾ أي أخبرتكما به وبحقيقة ماهيته إن كان نافعًا أو مضرًا
القرآن مخرج الناس من الظلمات
الحكمة في نزول القرآن بالعربية
معنى يضل من يشاء
بعثة موسى عليه السلام
بالشكر تتضاعف النعم
قوم نوح وعاد وثمود
معنى: ﴿يمنّ على من يشاء﴾
التوكل والصبر
التهديد بالنفي وجزاؤه
خيبة الجبابرة
السر في عدم انتفاع الكفار بأعمالهم
محاورة بين الأتباع والمتبوعين
تقرير الشيطان للحقيقة
دخول المؤمنين الجنة
ما للكلمة من أثر في سعادة الناس وشقاؤهم
تثبيت الله للمؤمنين وإضلاله للظالمين
جزاء الكافرين بنعم الله
الأمر بإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله
تعداد نعم الله على عباده
منشأ الدعوة الإسلامية
الغاية من إسكان إبراهيم أبناءه حول البيت
دعاء إبراهيم لوالديه وللمؤمنين
الجامعة الإسلامية
سعة علم الله وإنذار الناس بما سيكون
﴿وأموالًا﴾ كثيرة ينفقونها في قضاء شهواتهم ونيل مآربهم: ﴿في الحياة الدنيا﴾ وهذا من شأنه أن يطغيهم ويفتن غيرهم: ﴿ربنا ليضلوا عن سبيلك﴾ أي ومن شأنه أن يحفزهم على إضلال عبادك عن السبل الموصلة إلى مرضاتك فالزينة والزهو والخيلاء وكثرة المال تطغي الناس وتزين لهم التحكم في رقاب العباد وكلاهما يحملان الناس على التزلف إلى أصحابها والتعلق بهم من دون الله: ﴿ربنا اطمس على أموالهم﴾ طمس الشيء محاه وأذهب معالمه أي اجعل أموالهم عرضة لمختلف الآفات التي تحد من غرورهم بها وتشعرهم بذل الحاجة إلى من هم دونهم من الفقراء لتصرفهم عنهم: ﴿واشدد على قلوبهم﴾ أي زدها قسوة وإصرارًا وعنادًا حتى يستحقوا عذابك: ﴿فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم﴾ أي حتى يتأكد لهم وعيدك باصطلائهم بنار جهنم ولما كان الداعي موسى وكان هارون مؤمنًا على دعائه اعتبرهما الله مشتركين في الدعاء فأجابهما إلى طلبهما: ﴿قال قد أجيبت دعوتكما﴾ أي قبلت وأصبحت في حكم القضاء المبرم والسنة التي لا تتبدل فكل من اغتر بماله وطغى على الناس بسببه لا سبيل إلى إزالة ذلك المرض النفسي منه حتى ينكب في ماله ويذوق وبال أمره في الدنيا والآخرة كما حدث ذلك لقارون إذ خسف الله به وبداره الأرض وجعل منه عبرة لكل من يعتبر: ﴿فاستقيما﴾ أي استمرا على ما أنتما عليه من دعوة فرعون وقومه إلى الحق ولا تنيا عن ذلك اكتفاء بما أخبرتما به من إجابة دعوتكما فتلك سنة من سنن الله في الناس لا يعارضها أن يكون منهم من لم يطغه ماله ويتعظ بغيره فيهتدي ويكون من الناجين: ﴿ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون﴾ أي لا تسلكان طريق الذين يجهلون طريق التوفيق بين وعدي لرسلي وتنفيذي مقتضى سنني في خلقي ممن يستعجلون الأمر قبل أوانه ويستبطئون وقوعه في أيامه ثم أنه بعد أن أخبر الله رسوله باستجابته لدعوة موسى وأخيه وأمرهما بالاستمرار في نشر دعوتهما أخبره أيضًا بما كان من تأييد الله لهما رغم ضعفهما في فرعون وقومه الذين كانوا أعظم الناس غرورًا وطغيانًا فقال: ﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر﴾ جاوز المكان: ذهب فيه وقطعه حتى خلفه وراءه وهم في طريقهم إلى بيت المقدس وفي هذا إشارة إلى أن مجاوزتهم للبحر لم تكن إلا بمعونة الله وحفظه لهم: ﴿فأتبعهم﴾ أي لحقهم: ﴿فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا﴾ أي لينتك بهم ويرجعهم إلى مصر يستعبدهم ويسومهم سوء العذاب: ﴿حتى إذا أدركه الغرق﴾ أي فغاصوا
سورة المرسلات
﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً (٣) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ (١٧) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (٢١) إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً (٢٦) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتاً (٢٧) وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)﴾
بعد أن وضح الله في السورة السابقة حكمته الإلهية من خلق الإنسان وهي أن يؤدي في الحياة دور الاختبار وفصل جزاء كل من الطائع والعاصي وجعل له من تلك السورة تذكرة تدعوه إلى أن يتخذ إلى ربه سبيلًا ووعد سبحانه برحمته كل من يشاؤها ويعمل لها واعتبر من يرفض طلبها والسعي إليها من الظالمين لأنفسهم لإعراضهم عن ابتغاء رحمة عرضها سبحانه عليهم أخذ جل جلاله يؤكد في هذه السورة صحة ما ذكر بالقسم بما له تعالى من قوى عظمى منبثة في الأثير لا نشعر بها بينما هي في الواقع جند من جنوده التي يسخرها سبحانه حينًا لمصلحة الإنسان وسعادته وحينًا لإيقاع العذاب به. فهذا الهواء الذي نستنشقه ونعده نعمة من أعظم نعم الله لأنا لا نستطيع
إلى الله بالوسطاء والشفعاء الذين تزعمون أنها تقربكم إليه زلفى كما هو شأن ملوك الدنيا المستبدين الظالمين: ﴿وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ فأني أعبد إلهاً عادلاً لا يحابي ولا يظلم وليس في شرعه مراعاة خاطر المقربين أو الاعتماد على شفاعة الشافعين الذين تزعمون أنهم يتحملون أوزار المذنبين فالفارق عظيم بين عبادتي التي تقوم على الإيمان بعدل الله، وحسن جزائه على العمل الصالح الخالص لله وحده براً بوعده عز وجل وبين عبادتكم المشوبة بالشرك والتي تعتمد على مجرد الوهم والأمل في شفاعة الشافعين: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ أي أنه بعد أن بينت لكم موضع الخلاف الذي بيننا فلكم أن تتمسكوا بدينكم وتتحملوا تبعة ذلك: ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ وقرئ: ﴿وَلِيَ دِينِي﴾ الذي أدعو إليه القائم على أساس العقل والمنطق والهدى وأضمن النجاة لمن تمسك به بمقتضى وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.
سورة النصر
مدنية وعدد آياتها ثلاث

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (٣)﴾
سورة النصر: بعد أن أمر الله نبيه في السورة السابقة بمصارحة الكفار بأوجه الخلاف الذي بينه وبينهم أخذ يبشره بما سيكون نتيجة لذلك من انتشار دينه الحق الذي لا يمكن إلا أن يتقبله كل ذي بصيرة جرّد نفسه من العاطفة والهوى والتمسك بما قاله الآباء ولو كان على ضلال فقال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ افتتح الله هذه السورة بـ ﴿إِذَا﴾ أشارة إلى تحقق وقوع ما يجيء بعدها وهو نصر الله لدينه الحق الذي تقوم البراهين العقلية على صحته: ﴿وَالْفَتْحُ﴾ الذي سيمنُّ به عليه ولعل المراد به فتح مكة أو فتح المدن بالسيف الذي يؤدي إلى الغلبة التي يستطيع معها المؤمن أن يجهر بحقيقة الدعوة الإسلامية فيتدبرها الناس ويؤمنوا بها إيماناً قويًّا،: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً﴾ أي طوائف وجماعات عن رغبة وإخلاص بعكس ما كان عليه الحال في بدء الأمر أيام كنت تعاني مختلف الآلام في سبيل هداية الناس فلا يهتدون إلا قليلًا: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي فقل: سبحانك ربي إن الهدى هداك، أحمدك الذي جعلت بقدرتك هذه القلوب القاسية المتحجرة


الصفحة التالية
Icon