باختياره، ومنا المؤمن الذي يلتزم هدى ربه عن رغبة منه من غير إكراه. فللأول عقابه وللثاني ثوابه والله عنده حسن الثواب.
ونحن في الحالين سائرون ضمن دائرة سنن الله التي لا يستطيع أحد بفطرته أن يخرج عنها، حيث يقول تعال: ﴿يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان﴾. ونحن في الحالتين لم نسلك طريقًا خارجًا عن مشيئة الله وضمن ما قضاه لنا من حياة، وقدره لنا من أحكام، فإذا ما استل رجل سكينًا مثلًا وضرب بها آخر فقتله فإنه بعمله هذا لم يخرج عن كونه إنما قتل بما أودع الله فيه من قوة الروح التي جعلته يتحرك والتي هي من قضاء الله كما أنه بالضرب بالسكين لم يكن إلا بقدر الله لأنه اتبع في ذلك حكم القدر الذي جعل الضرب بالسكين يؤدي إلى القتل وهذا هو معنى قوله: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ وقوله ﴿ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله﴾ لا كما يتصوره البعض من أن المراد بالقدر هو ما قدره الله على ذلك الإنسان بعينه من ارتكاب جريمة القتل. وقد ورد في السنن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقي بها. هل ترد من قدرة الله شيئًا فقال «هي من قدرة الله» وكذلك قول عمر لأبي عبيدة عندما قال له: «أتفر من قدر الله» يعني الطاعون فقال: «أفر من قدر الله إلى قدر الله».
أجل فالله سبحانه وتعالى إذ خلق الإنسان وفضله على كثير من خلقه تفضيلًا، ومنحه ملكة العقل والتمييز، والعلم بخواص الأشياء، لم يحل دونه ودون الاستفادة من كل تلك المواهب، وأبى أن يبخل عليه بأعظم نعمة في الحياة وهي نعمة الحرية في العقيدة، والقصد والقول والعمل. وقد جعل الله له الحق الكامل في أن يقرر أمر نفسه في الحياة، ومصيره بعد الممات على ضوء ما وضعه الله تعالى للمخلوقات من سنن، وما شرعه لهم من شرائع، دعاهم فيها إلى الهدى، ومزاولة الأسباب النافعة للدنيا والآخرة، حيث يقول تعالى: ﴿قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلًا﴾ ويقول ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى﴾ ويقول: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره﴾.
﴿قرضًا﴾ ينفقه في سبيل رضاه وخصوصًا ما كان على الفقير القادر على الجهاد ليعينه على كل ما يحتاج إليه ليمضي في سبيله ناعم البال قرير العين، قال ﷺ «من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» ﴿حسنا﴾ جميلًا عن طيب نفس غير متبوع بمنّ ولا أذى ﴿فيضاعفه﴾ بالألف بنصب الفاء وقرئ برفعها وقرئ ﴿فيضعفه﴾ بتشديد العين ورفع الفاء بلا ألف وقرئ ﴿يضعفه﴾ بتشديد العين ونصب الفاء ﴿له﴾ فيرده الله له مضاعفًا ﴿أضعافًا كثيرة﴾ من غير تحديد ﴿والله﴾ الذي أدعوكم إلى إقراضه هو الذي ﴿يقبض﴾ الرزق في هذه الحياة الدنيا أي يمسكه ﴿ويبسط﴾ وقرئ ﴿ويبصط﴾ بالصاد أي يوسع بمعنى أنه تعالى هو مصدر كل ما ينتفع به في الحياة موزع الأرزاق بين عباده فهو قادر على رد ذلك القرض مضاعفًا لكم في الدنيا ﴿وإليه ترجعون﴾ في الآخرة فيوفيكم أجوركم فيها بأكثر مما تأملون.
بعد أن أمر الله المؤمنين بالقتال بالنفس وحضهم على بذل المال في سبيله لأنه من أكبر دعائم النصر في ساحة الوغى، أخذ يبين لهم ما يحتاج إليه القتال من قيادة وطاعة وقوة إيمان فاستعرض حالة قوم من بني إسرائيل ظلموا وشردوا عن أوطانهم حتى شعروا بحاجتهم إلى زعيم يقودهم للحرب للأخذ بالثأر وإعادة الأوطان وأعربوا لنبيهم عن رغبتهم في الجهاد وطلبوا منه اختيار قائد لهم، فلما أن حقق لهم مطلبهم نكث أكثرهم عن القتال فكانوا ظالمين وبر القليل منهم بقوله وثبت في جهاده فنال النصر والظفر المبين، قال تعالى ﴿ألم تر﴾ أيها الرسول ﴿إلى الملأ من بني إسرائيل﴾ ألم يصل إلى علمك خبرهم وهم قريبو عهد منك لأنهم ﴿من بعد موسى﴾ وما كان من أمرهم ﴿إذ قالوا﴾ عندما تحدثوا ﴿لنبي لهم﴾ ونمسك عن ذكره لأن القرآن لم يسمه لنا ﴿ابعث لنا ملكًا﴾ يجمع كلمتنا ويوحد صفوفنا ويحملنا على أن ﴿نقاتل﴾ بسكون اللام وقرئ برفعها ﴿في سبيل الله﴾ وتنفيذ ما تدعونا إليه من الجهاد في سبيله ﴿قال﴾ لهم نبيهم ﴿هل عسيتم﴾ بفتح السين
٣ - (والقانتين) الذين سلمت عباداتهم من الشرك والرياء مع ملازمتهم لها آناء الليل وأطراف النهار ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا.
٤ - (والمنفقين) أموالهم فيما خلقت له ابتغاء مرضاة الله دون أن يتبعوها بشيء من المن والأذى أو أن ينفقوها فيما حرم الله من أنواع المعاصي.
٥ - (والمستغفرين) الطالبين المغفرة من الله بألسنتهم مع الندم بقلوبهم على ما اقترفوا من السيئات (بالأسحار) حيث يبعد الرياء وتطيب مناجاة الملك الديان والناس نيام.
بعد أن بين الله تعالى أوصاف المتقين التي جاء في مقدمتها قولهم «ربنا إننا آمنا» أخذ يبين أساس الإيمان فقال (شهد الله) بخلقه لجميع هذه الموجودات الدالة على اتصافه بصفة الربوبية (أنه) هو الخالق لها المدبر لشؤونها المهيمن على جميع حركاتها وسكناتها (لا إله) في الوجود يستحق الحب والعبادة والطاعة (إلا هو) المنفرد بالألوهية لا شريك له صاحب الأمر المطاع في التحليل والتحريم في الحياة الدنيا ومالك الجزاء والعقاب في الآخرة (والملائكة) بما أوتوا من علم واسع بأحوال المخلوقات – العلوية والعوالم السفلية المعلومة لنا وغير المعلومة – باعتبارهم من عباده المقربين الواقفين على كثير من الأسرار الكونية قد شهدوا أيضًا عن يقين وبينة (وأولوا العلم) الذين توخوا الهداية وتجردوا عن تقليد الآباء والتعصب لما قال رؤساء الأديان حتى وصلوا ببحثهم العلمي في حقيقة المخلوقات وأسرار الكائنات إلى الإيمان بوجود الله، وتصرفات باريء الأرض والسموات قد شهدوا أيضًا بما فتح الله به عليهم بأنه تعالى في كل أحكامه وتصرفاته في مخلوقاته (قائمًا بالقسط) وقرئ «القائم بالقسط» بالعدل ومتصفًا بصفات الكمال وأنه تعالى (لا إله إلا هو) لا شريك له ولا معبود سواه (العزيز) في ملكه وسلطانه (الحكيم) في تصرفاته وأحكامه.
بعد أن بين الله للناس أساس الإيمان بإثبات صفات الربوبية وتوحيد الألوهية أخذ يوضح لهم الشريعة التي يريد منهم اتباعها والسير عليها فقال (إن) بكسر الهمزة وقرئ بفتحها وقرئ «إنه» (الدين) المقرر والذي تتوقف عليه النجاة (عند الله) يوم القيامة (الإسلام) لأنه هو الدين المعتمد دون سواه وكل ما عداه قد ألغي بقوله تعالى «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) من اليهود والنصارى في أمر هذا الدين
الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (٨٤) مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً (٨٥) وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (٨٧) فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً (٩١) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأًً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأًً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤) لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً (٩٦) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي
الشر ويحببوا إليها فعل السيئات ﴿مريدًا﴾ أي متجاوزًا الحد في العتو والعصيان ﴿لعنه الله﴾ طرده من جنته لأنه لم يتب من ذنبه بل أصر عليه بأن سأل الله تعالى أن يجعله من المنظرين فلما أعطاه سؤله أعلنها حربًا على ربه ﴿وقال لأتخذن من عبادك نصيبًا﴾ حصة ﴿مفروضًا﴾ أي مما فرضته لهم من حق الاختيار وذلك النصيب هو الاستعداد الفطري للباطل والشر المقابل للاستعداد الفطري أيضًا للحق والخير ولم يكتم الشيطان على ربه الوسائل التي سيتخذها لنيل نصيبه من عباد الله فأعلنها سبحانه لعباده ليحذروها بقوله ﴿ولأضلنهم﴾ عن العقائد الصحيحة ألقيه في روعهم من الشبهات ﴿ولأمنينهم﴾ بأمان كاذبة وأزين لهم المعاصي بإعراضهم وأحبب إليهم ما لا يرضيك ﴿ولآمرنهم﴾ أي أسيطر عليهم في أفكارهم حتى أنهم ليطيعوني في أمور هي في منتهى السخف ﴿فليبتكن آذان الأنعام﴾ والمراد به ما كانوا يفعلونه من قطع آذان بعض الأنعام كالبحائر والسوائب وأمثال ذلك من البدع والسخافات التي لا يستسيغها العقل ولم ينزل الله بها من سلطان ﴿ولآمرنهم﴾ أي أبسط عليهم سلطاني حتى أزين لهم تشويه مناظرهم وتبديل معالم جمالهم فلا يترددون في استحسان ما أشير به عليهم ﴿فليغيرن خلق الله﴾ بأن يحلق الرجل لحيته وشاربه تشبهًا بالمرأة في نعومة الوجه فتزول بذلك ما في الخشونة من مهابة ووقار وتغير المرأة ملامح وجهها بأنواع من الزينة المصطنعة كالوشم وأنواع الأصبغة ونتف شعر الحواجب وقص شعر الرأس وتفليج الأسنان ابتغاء الحسن فتستبدل بجمالها الطبيعي جمالًا زائفًا. قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواشمات والمتوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله» وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله ﷺ المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وفي رواية لعن رسول الله صلى الله عليه
وجمع الكلمة ولا رادع ينهاهم عن ارتكاب كل ما من شأنه أن يولد البغض والعداء في النفوس وكان من مقتضى هذا أن لا تخمد نار الحرب في العالم عن طريقهم وبسبب ما يبثونه من الفتن والمكائد غير أن لطف الله بعباده قد تدارك الأمر بما أخذه تعالى على نفسه من
<٧٥>
أنه (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ) بمعنى بذروا بذور فتنة توجب نشوب حرب عالمية تأتي على الأخضر واليابس (أَطْفَأَهَا اللهُ) بتدبير ووسيلة لم تكن في الحسبان فكل ما نراه اليوم من الفتن إنما هو من عملهم (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) أي وهم إلى جانب ما يتهمون به الله من البخل وما يكنون في أنفسهم من الكفر والطغيان يعملون دائماً على إفساد الأخلاق ونشر الدعارة والخنى وكل ما يغضب الله وما أنزلت الشرائع السماوية بتحريمه (وَاللهُ) قد أعلن لعباده وعلى لسان رسله أنه تعالى (لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) أي الذين يسهلون للناس طريق الفساد أو يزينونه لهم ويحرضونهم عليه (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا) بالله حق الإيمان (وَاتَّقَوْا) الله فأحجموا عن السعي إلى الفساد (لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) السابقة لأن الإيمان يجب ما قبله (وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ) في الآخرة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) جزاء إحجامهم عن الفساد وإقدامهم على فعل الصالحات براً بوعده بذلك في مواضع كثيرة من القرآن والله لا يخلف الميعاد (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي بالعمل بمقتضى ما جاء فيهما (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من قبل (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) من مختلف الثمار التي تتدلى عليهم من رؤوس الشجر والنخيل (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) من مختلف الأعشاب والنباتات وكنوز الأرض وفي هذا إشارة إلى أن سعة الرزق وسلامة الزرع والمحاصيل الزراعية إنما هو نتيجة العمل بما يرضي الله من مختلف الطاعات والعكس بالعكس (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي معتدلة في أمر الدين لا تغلوا بالإفراط ولا تهمل بالتقصير وتسير في حياتها وفق نظم اقتصادية (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) بعيدون عن الدين مبذرون مستهترون متهتكون يكثرون الفساد ويحطمون جميع القيم الاجتماعية والنظم الاقتصادية (سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) في محاربة الله ورسوله ومقاومة الشرائع السماوية كما هو شأنهم اليوم (قاتلهم الله أنى يؤفكون).
<٧٦>
القهار ﴿للناس﴾ الذين يريدون لأنفسهم الهداية ويهمهم الوقوف على حقائق الأمور ﴿تجعلونه﴾ أنتم أيها المستمعون وقرئ «يجعلونه» ﴿قراطيس﴾ أي تكتبون ما أنزل على موسى في صحائف ﴿تبدونها﴾ أي تعرض على الناس، وتتعبدون بتلاوتها، ﴿وتخفون كثيرًا﴾ من آياته إما بإسقاطها في أثناء كتابتها أو بإهمالها وعدم تدبر معانيها والعمل بمقتضاها ﴿وعلمتم﴾ يا بني إسرائيل بواسطة كتاب موسى وهو التوراة ﴿ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم﴾ فقد كنتم جميعًا في ضلال مبين ﴿قل الله﴾ هو الذي أنزل الكتاب على موسى إذ ناداه ربه قائلًا: ﴿إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى﴾.
﴿ثم ذرهم﴾ أي دعهم ﴿في خوضهم﴾ أي خلطهم بين الحق والباطل ﴿يلعبون﴾ يسلكون سبيلًا لا يريدون منه تبين الحقائق والهدى إلى سواء السبيل. فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب والجزاء ﴿وهذا﴾ أي القرآن ﴿كتاب أنزلناه﴾ على خاتم رسلنا محمد ﷺ كما أنزلنا على موسى التوراة من قبل ﴿مبارك﴾ من برك البعير: استناخ وألصق صدره بالأرض. أي ثابت ومستقر بلفظه ومعناه وأحكامه، لا يتغير ولا يتبدل إلى قيام الساعة ﴿مصدق الذي بين يديه﴾ أي يقر ما سبقه من الكتب السماوية ولا ينفيها ﴿ولتنذر﴾ به أيها الرسول ﴿أم القرى﴾ مكة المكرمة التي فيها أول بيت وضع للناس والمراد أهلها ﴿ومن حولها﴾ من أهل الأرض كافة نظرًا لأن رسالته كانت لسائر البشر حيث يقول تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا﴾.
﴿والذين يؤمنون بالآخرة﴾ ممن يحكم عقله ويؤمن بأن الحياة الدنيا لا يمكن أن تكون هي كل شيء بل لا بد أن تعقبها حياة أخرى ﴿يؤمنون به﴾ أي بالقرآن لأنه يتحدث عن وصف تلك الحياة التي يجهلونها وما فيها من حساب وعقاب ونعيم وسعير حديث خبير بها، أما الماديون الذين يحسبون أن لا حياة بعد الموت فإنهم لا يشعرون بالحاجة إلى هداية القرآن لما بعد الموت ﴿وهم﴾ أي الذين يؤمنون بالقرآن كتابًا منزلًا من عند الله تجدهم دومًا ﴿على صلاتهم يحافظون﴾ أي يؤدونها في أوقاتها. وإنما خصها بالذكر لأنها عماد الدين ورأس العبادات وسبيل الاتصال بالله. فقد رُوِيَ في الحديث: «إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه» وقوله: «إن أقرب ما
غير بيت من المسلمين} وهو بيت لوط. ﴿من قريتكم﴾ فلا سبيل إلى مساكنتهم ومعاشرتهم ﴿إنهم أناس يتطهرون﴾ أي أنهم يزعمون أنهم أطهر منا ولذلك يحتقروننا ونحن لا نرضى بهذا ﴿فأنجيناه وأهله﴾ من العذاب المقدر لمعصيتهم هذه ﴿إلا امرأته﴾ لم ننجها لأنها ﴿كانت من الغابرين﴾ أي من الذين أصابها شيء من غبار معاصي القوم ولعلها كانت راضية بذلك الفعل ولم تنقم عليهم وتخون به زوجها ﴿وأمطرنا عليهم مطرًا﴾ ليست من الماء ولكنها مطر من نوع آخر وصفه الله لنا في سورة هود بقوله: ﴿فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد﴾ وهو القادر على كل شيء ﴿فانظر كيف كان عاقبة المجرمين﴾ أي أن في قصصهم وما أصابهم عبرة لكل معتبر ولهذا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط» فكل من عمل عملهم مهدد بحلول غضب الله عليه كما أصاب قوم لوط وقد جرت سنة الله في خلقه أن يبتليهم الله بمختلف المصائب نتيجة لسوء أعمالهم.
بعد أن أخبر الله نبيه بما كان من أمر إرساله لوطًا إلى قومه يدعوهم إلى الكف عما ابتدعوه من فاحشة هي من أسوأ الفواحش التي تزري بمقام الرجولة ورفضهم نصحه وما كان من مصيرهم نتيجة لذلك أخذ يخبره بما كان من إرساله نبيه شعيبًا إلى أهل مدين وهي مدينة تقع بالقرب من معان في الطريق إلى المدينة المنورة فقال ﴿وإلى مدين﴾ أرسلنا ﴿أخاهم شعيبًا﴾ برسالة تجمع بين الدعوة إلى التوحيد وحسن التعامل مع الناس ﴿قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾ أي أفردوا الله بالدعاء ولا تشركوا معه غيره من الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ﴿قد جاءتكم بينة من ربكم﴾ لم يصرح الله في هذه الآية بنوع البينة كما صرح في قصة سيدنا صالح بأنها ناقة الله ولم يشر الله إليها في باقي الآيات فلم يعلم ما هي تلك المعجزة التي جعلها الله لنبيه شعيب لإقامة البرهان على رسالته ولقد أخبرنا الرسول ﷺ أنه لم يرسل الله رسولًا إلا وله معجزة من المعجزات فيما رواه الشيخان من قوله «ما من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» ولعل معجزة شعيب وضحت لهم تمام الوضوح بحيث لم يستطيعوا المكابرة فيها ولهذا لم يذكرها وبنى عليها قوله ﴿فأوفوا الكيل والميزان﴾ إذا بعتم شيئًا من المكيلات أو الموزونات ولا تنقصوا فيهما ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾ أي لا
آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (١٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (١٥) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨) إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (٢٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥) وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٣٤) وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
لهؤلاء بأمر الله فليس لأحد رأي فيها ولا يحل لغيرهم الأخذ منها: ﴿والله عليم﴾ بأحوال عباده ومصالحهم: ﴿حكيم﴾ إذ خص هذه الأصناف الثمانية بأموال الصدقات دون غيرهم لعلمه بأن كفاية أمثال هؤلاء ضرورة اجتماعية لحفظ كرامة الإنسان وصد الناس عن التفكير في الحصول على ما يسد الحاجة بطرق غير مشروعة وقد اختلف الأئمة في ضرورة توزيعها على هذه الأصناف أم جواز الاكتفاء ببعضهم فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يجوز للإمام أن يصرفها على صنف واحد أو أكثر وقال الشافعي لا يجوز ذلك بل يقسمها على الأصناف الثمانية وظاهر الآية يدل على أن الشارع الحكيم إنما يرمي إلى تأمين حاجة هذه الأصناف من عباده فتصرف الزكاة إلى من حضر منهم كل بقدر حاجته والله أعلم.
﴿ومنهم﴾ أي ويعتبر من ضمن المنافقين: ﴿الذين يؤذون النبي﴾ محمد بن عبد الله ﷺ بمعنى يتكلمون عنه كلامًا لا يرضيه وذلك بالعيب في خلقه: ﴿ويقولون هو أذن﴾ بضم الذال والنون وقرئ بسكون الذال وهذا من تسمية الشخص باسم الجارحة للمبالغة في وصفه بوظيفتها وهي كثرة السمع لما يقال وتصديقه كما يقال عن الجاسوس إنه عين والمراد بهذا أنه يصغي لأقوال الناس ويخدع بها: ﴿قل﴾ نعم ولكنه: ﴿أذن خير لكم﴾ وقرئ «أذن» بالتنوين و «خير» بالرفع فهو يسمع كل ما يلقى إليه من خبر يعود بالمصلحة عليكم ولكنه لا يصغي ولا يقبل ما كان باطلًا كالكذب والغيبة والنميمة والجدل والمراء وما أشبه ولا يصدق ما لا يقبله العقل ولا يؤاخذ بوشاية الواشين وإفساد المفسدين فهو: ﴿يؤمن بالله﴾ فيصدق بما يأتيه من الوحي الذي لا شك فيه ويتبع هداه ومن يؤمن بالله لا يقدم على ما لا يرضيه: ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ أي أنه لا يصدق كل ما يلقى إليه من كل أحد بل إنه ليميل إلى الاطمئنان إلى من ثبت لديه إيمانهم ممن برهنوا على صدقهم بجهادهم معه بالنفس والمال فلا يتصور منهم لديه الكذب فيما يحدثونه به أما غيرهم من المنافقين فلا قيمة لأقوالهم عنده فهو والحالة هذه أذن خير لكم: ﴿ورحمة﴾ وقرئ بالخفض عطفًا على: ﴿خير﴾.: ﴿للذين آمنوا منكم﴾ أي ممن أظهر الإيمان ولو كان في سره من المنافقين وتتجلى هذه الرحمة بعدم مؤاخذتهم على ما يعلم من نفاقهم وإحالتهم لله فيما كان بسرهم: ﴿والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾ أي والحال أنه يعلم من ربه أن الذين يؤذونه لهم عذاب أليم فلم يشأ أن يسأل الله أن يعجل لهم عذابه وقد دل هذا على أنه يحرم إيذاء الرسول فيما
بما أنزل إليك أنزله بعلمه} أي عندما شرع لهم الأحكام فأولوها واختلفوا فيها: ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ من الكتاب باعتباره سبحانه وتعالى هو المنزل للكتب السماوية واضحة جلية وهو أدرى بمراده منها وسيفصل في شأن المؤولين لها والمختلفين فيها سواء من بني إسرائيل أو من أمة محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
بعد أن أقام الله الحجة على أن القرآن هو سبيل الهداية ورد على مزاعم الطاعنين فيه وأعلن خسران المكذبين بما أخبر عنه من أمر البعث والرسالة وأمر بضرورة التقيد بما جاء فيه من تحليل وتحريم لأن الخروج عن هذا يعد افتراء عليه وكفرًا به والذين يفترون الكذب لا يفلحون وأمر رسوله أن يقص على الناس ما كان من أمر من كذبوا رسلهم السابقين مبتدئًا بقوم نوح ومنتهيًا بقوم موسى عليه السلام ليؤكد أن ما جاء به من عند الله حق لا مراء فيه وقد ختم القصة بما يشعر بأن بني إسرائيل ما اختلفوا في رسالة نبيه موسى إلا عند ما شرع لهم الأحكام فأولوها واختلفوا في مراميها ولم ينفذوها على وجهها الصحيح وقال: ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ عاد إلى تأكيد صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده وكونه لا مجال للامتراء فيه ملمحًا بما يجول بخاطر بعض الناس من خواطر نحوه بأسلوب التعريض والتلطف بالعبارة على حد قولهم: «إياك أعني واسمعي يا جارة» فقال: ﴿فإن كنت﴾ أيها الرسول أو يا أيها السامع لهذا القرآن بدليل قوله تعالى في آخر السورة: ﴿يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني﴾.: ﴿في شكٍ مما أنزلنا إليك﴾ في هذه الآيات من قصة نوح وموسى ومن بينهما على سبيل الفرض والتقدير: ﴿فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾ أي يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى فإنهم يعلمون أن ما ذكرناه من الشواهد حق لا يستطيعون إنكاره: ﴿لقد جاءك الحق من ربك﴾ أي فإن ما أنزل في القرآن إنما هو الحق لأنه صادر من إله العالمين العليم بحقائق كل شيء: ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ أي الشاكسين الذين يحتاجون إلى السؤال وتأكد الأخبار بعد أن وردت في القرآن الذي: ﴿لا يأتيه الباطل من بيد يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾.: ﴿ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله﴾ قولًا أو عملًا بعدم الاهتداء بهديها واتباع ما جاء فيها: ﴿فتكون من الخاسرين﴾ في الدنيا والآخرة: ﴿إن الذين حقت﴾ أي صدقت وانطبقت: ﴿عليهم كلمة﴾ وقرئ «كلمات» بالجمع: ﴿ربك﴾
العبد الذي له ملّاك متعددون شأنهم التفرق والانقسام سيجعلونه في حيرة من أمره وقلق دائم للحصول على إرضائهم جميعًا بخلاف من كان له مالك واحد فإنه يستطيع أن يعيش هادئًا وادعًا، وفي هذا يقول تعالى: ﴿ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون ورجلًا سلمًا لرجل هل يستويان مثلًا﴾ وما دام الأمر كذلك فخير للناس أن يؤمنوا بوحدانية الله كما آمنت ويتبعوا رسله كما اتبعت لتتحد بذلك كلمتهم حوله وتطمئن نفوسهم لنيل رضاه أما الشرك فإنه مدعاة لتشويش نفس العابد وتفريق أمره فيما بينه وبين معبوديه، وتعدد الآلهة مدعاة لتنازعها وهذا مفسد للنظام كما قال تعالى: ﴿لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا﴾ وقال أيضًا: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذًا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون﴾ والاعتقاد بتعدد الآلهة من شأنه أن يفرق كلمة الأمة ويجعل الناس في حيرة من أمرهم فلا يستطيعون التأكد من ترجيح أحدهم على الآخرين وما ينفعهم لديهم من العبادات ولذا أنكر يوسف ذلك بقوله: ﴿ما تعبدون﴾ أي تدعون لقضاء الحوائج وتفريج الكرب: ﴿من دونه إلا أسماء﴾ زعمتم أنها أربابًا وليست بأرباب وإنما: ﴿سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ من قبل كذلك إذ نسبتم إليها شيئًا من النفع والضر والوساطة والشفاعة: ﴿ما أنزل الله بها﴾ في كتبه ولا على السنة رسله: ﴿من سلطان﴾ أي برهان أو دليل بل هو من محض مفترياتكم: ﴿إن الحكم﴾ أي حق التشريع في أمر العبادة والدين: ﴿إلا لله﴾ دون غيره فليس لأحد أن يبتدع شيئًا من العبادات وقد: ﴿أمر﴾ عباده في جميع كتبه: ﴿ألا تعبدوا إلا إياه﴾ لقد حسب الكثير من الناس أن المراد بالعبادة الأمور التعبدية كالصلاة والصيام وما أشبه وفاتهم أن العبادة عند المسلمين غيرها عند النصارى وغيرها عند اليهود وأن الجامع لها عند سائر الأمم إنما هو الدعاء كما قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مخ العبادة» وفي رواية: «الدعاء هو العبادة» كما جعل ﷺ طاعة القسيسين والرهبان في أمور التشريع عبادة لهم من دون الله فيكون المعنى بهذا الاعتبار النهي عن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه سواء وإطاعة غيره في أمور الدين: ﴿ذلك﴾ أي عدم عبادة غيره هو: ﴿الدين القيم﴾ أي الثابت الذي له قيمته العلمية والعقلية: ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ قيمة هذا الدين وما يرمي إليه من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الصفات وإخلاص العبادة له، ولذلك تراهم يتساهلون في جواز دعوة غير الله ممن لا ينفع ولا يضر ولا يحيي ولا
بما أنزل إليك أنزله بعلمه} أي عندما شرع لهم الأحكام فأولوها واختلفوا فيها: ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ من الكتاب باعتباره سبحانه وتعالى هو المنزل للكتب السماوية واضحة جلية وهو أدرى بمراده منها وسيفصل في شأن المؤولين لها والمختلفين فيها سواء من بني إسرائيل أو من أمة محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
بعد أن أقام الله الحجة على أن القرآن هو سبيل الهداية ورد على مزاعم الطاعنين فيه وأعلن خسران المكذبين بما أخبر عنه من أمر البعث والرسالة وأمر بضرورة التقيد بما جاء فيه من تحليل وتحريم لأن الخروج عن هذا يعد افتراء عليه وكفرًا به والذين يفترون الكذب لا يفلحون وأمر رسوله أن يقص على الناس ما كان من أمر من كذبوا رسلهم السابقين مبتدئًا بقوم نوح ومنتهيًا بقوم موسى عليه السلام ليؤكد أن ما جاء به من عند الله حق لا مراء فيه وقد ختم القصة بما يشعر بأن بني إسرائيل ما اختلفوا في رسالة نبيه موسى إلا عند ما شرع لهم الأحكام فأولوها واختلفوا في مراميها ولم ينفذوها على وجهها الصحيح وقال: ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ عاد إلى تأكيد صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده وكونه لا مجال للامتراء فيه ملمحًا بما يجول بخاطر بعض الناس من خواطر نحوه بأسلوب التعريض والتلطف بالعبارة على حد قولهم: «إياك أعني واسمعي يا جارة» فقال: ﴿فإن كنت﴾ أيها الرسول أو يا أيها السامع لهذا القرآن بدليل قوله تعالى في آخر السورة: ﴿يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني﴾.: ﴿في شكٍ مما أنزلنا إليك﴾ في هذه الآيات من قصة نوح وموسى ومن بينهما على سبيل الفرض والتقدير: ﴿فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾ أي يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى فإنهم يعلمون أن ما ذكرناه من الشواهد حق لا يستطيعون إنكاره: ﴿لقد جاءك الحق من ربك﴾ أي فإن ما أنزل في القرآن إنما هو الحق لأنه صادر من إله العالمين العليم بحقائق كل شيء: ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ أي الشاكسين الذين يحتاجون إلى السؤال وتأكد الأخبار بعد أن وردت في القرآن الذي: ﴿لا يأتيه الباطل من بيد يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾.: ﴿ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله﴾ قولًا أو عملًا بعدم الاهتداء بهديها واتباع ما جاء فيها: ﴿فتكون من الخاسرين﴾ في الدنيا والآخرة: ﴿إن الذين حقت﴾ أي صدقت وانطبقت: ﴿عليهم كلمة﴾ وقرئ «كلمات» بالجمع: ﴿ربك﴾
أشراط الساعة فقال: ﴿فإذا النجوم طمست﴾ لقد جرى المفسرون على أن المراد بالطمس بحق ذواتها وحملوا هذا وما بعده على ما يكون عليه الحال في يوم القيامة من زوال كل شيء وهذا ما لا يتفق مع قوله تعالى: ﴿لأي يوم أجلت ليوم الفصل﴾ الأمر الذي يدل صراحة على أن هذه الأشياء ليست سوى علامات لقيام القيامة كأنه يقول: إذا كان كذا وكذا قامت القيامة. مع أن طمس النجوم في اللغة هو ذهاب ضوئها إذ يقال: طمس الغيم النجوم. ولعل هذا ما يحصل بسبب قوة الإضاءة بالكهرباء في عصرنا الحاضر حتى أصبحنا لا نكترث بضوء النجوم التي في السماء بل حتى ضوء القمر في ليلة تمامه لا نشعر بوجوده في المدن إلا كقطعة حمراء في كبد السماء: ﴿وإذا السماء فرجت﴾ من الفرج وهو انكشاف الغم بمعنى تكشف ما غم من أسرارها ولعل هذا ما حصل فعلًا باكتشاف طبقات الأثير حتى لقد سهل على الناس أمر الارتقاء إلى طبقات الجو العليا بل لقد أطلقت روسيا أول كوكب سيار اصطناعي دار حول الأرض على خط إهليلجي الشكل في ارتفاع يقدر بـ٩٠٠ كيلو متر وقطره ٨٥ سنتيمتر وزنته ٨٣. ٦ كيلو غرام وهو مجهز بمحطتي إرسال لاسلكيتين وهم يفكرون الآن في الوصول إلى القمر واختراع بعض الأقمار أو محطات للطيران فيها ولعل هذا الوقت هو الذي أشار إليه تعالى بقوله: ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلًا أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾.
﴿وإذا الجبال نسفت﴾ أي اقتلعت من أصولها ولعل المراد من ذلك ما حصل فعلًا عن طريق التجارب الذرية التي تنسف الجبال وتبيد المدن بمن عليها في أقل من لمح البصر وقد نشرت الأهرام في عددها ٣٤٤٤٣ الصادر في ١١ مايو سنة ١٩٥٤ لمراسلها في كاليفورنيا يقول: أعلن الدكتور ولتوبيد وهو عالم فلكي في محاضرة له أن الشمس كلها ستنفجر يومًا ما وتدمر المجموعة الشمسية كلها وذلك لأن الهيدروجين في الشمس يتحول بالتدريج إلى هيليوم كلما تقدم هذا الكوكب من القمر فإذا بلغت نسبة الهيليوم ١٢ في المائة اشتدت حرارة الشمس وانفجرت ودمرت جميع الكواكب.
﴿وإذا الرسل أقتت﴾ وقرئ «وقتت» قال بعض المفسرين إن معناها أجلت وقال آخرون إن معناها أوعدت وأن المراد تبيين الوقت الذي يحضر الرسل فيه للشهادة على أممهم وهذا إنما يكون في يوم
في صدر أبي لهب عندما رأى وسمع ما يناله الرسول من النصر والفتح المبين وهي نار الحسد والضغينة، والغيظ من الهزيمة، التي حطمت عظمته وكبرياءه وجعلت حياته شقاء وعذاباً مستمراً حتى قتل وذهب إلى مقره الأخير، في جهنم وبئس المصير، لا كما يتراءى لبعض الناس من أن المقصود منها نار الآخرة فتلك قد أعدت لجميع الكافرين وامتاز عنهم أبو لهب بالنار التي تأكل قلبه في هذه الحياة: ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ معه ستصطلي بتلك النار أيضاً لأنها كانت في حياتها: ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ والحطب ما أعد من الشجر وقوداً للنار أي كانت بنميمتها الواشية كأنها تحمل الحطب لتؤجج نار البغض في النفوس وتحرق ما بينهم من صلات ﴿فِي جِيدِهَا﴾ أي عنقها ﴿حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ أي حبل من ليف بمعنى أنها فيما كانت تقوم به من جهد ومشقة للفساد بين الناس تشبه المرأة التي تحمل الحطب وفي عنقها حبل خشن تشد به حطبها حتى تكاد تختنق ولا محل لما قيل من أن المراد صفتها في جهنم إذ تحمل الحطب وتلقيه على زوجها، فجنهم بشدة نارها لا تحتاج حطب أم جميل، ومن أين تأتي به؟!
سورة الإخلاص
مكية وعدد آياتها أربع

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)﴾.
سورة الإخلاص: بعد أن بشر الله رسوله في السورتين السابقتين بانتشار الإسلام ومصير خصومه أخذ يلقنه في هذه السورة ما يجب أن يدعو الناس إلى معرفته جل وعلا معرفة تامة تحملهم على الإخلاص له في السر والجهر ولذا سميت سورة الإخلاص ووردت في فضلها أحاديث كثيرة عن رسول الله ﷺ منها أنه قال لأصحابه «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك؟! فقال: ﴿قل هو الله أحد﴾ ثلث القرآن»، وفي رواية من قرأ: ﴿قل هو الله أحد، الله الصمد﴾ في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن» وقال - لمن كان يواظب على تلاوتها ويقول: إنه يحبها لأنها صفة الرحمن-: «إن حبك إياها أدخلك الجنة»، ولا غرو فقد وصف الله ذاته العلية فيها بخمس صفات هي زبدة التوحيد الخالص.


الصفحة التالية
Icon