وأما العلم فمعناه: الإحاطة بحقائق الأشياء، دون الجزاء عليها؛ فهو ليس صفة تأثير كالقدرة وإنما هو صفة انكشاف وإحاطة وعلم الله: يطلق على إحاطته تعالى بحقائق جميع مخلوقاته، وما تقضي به مشيئته من نظام قضائه وقدره، وما يريده تعالى وما لا يريده، وما ينتهي إليه مصير كل شيء، ﴿أحاط بكل شيء علمًا﴾ وهو مما انفرد به سبحانه ودونه عنده في لوحه المحفوظ، وكل ما كتب فيه لا بد أن يكون وينفذ، وإنما أخبرنا جل وعلا بأن من شأنه تعالى وحده أن يغير ويبدل في ذلك اللوح ما يشاء، فلا راد له، ولا معارض حيث يقول ﴿لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾ ولا دخل لهذا العلم بالمشيئة أو الإرادة إذ هو لا يحد من سلطان الله وقدرته، ولا يعطل إرادته أو يحول دون تنفيذه ما يرضيه، ولا يمكن أن يمنع رحمته عمن يريد من عباده، فالإرادة والرحمة من الصفات الثابتة لذات الله، الدائمة بدوامه، المرتبطة بما كتبه على نفسه نحو عباده، وجعله معلقًا على أعمالهم، وأمر رسوله في القرآن أن يبلغه إليهم بقوله: ﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ﴾. وقال صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي» فكل ما يحصل من التغيير والتبديل، والمحو والإثبات، بسبب الإرادة والرحمة ما هو إلا نتيجة لما أخذه الله على نفسه، وجرى به قلمه في أزله، وجفت به الصحف.
وقد وضحت هذا بتفصيل واسع في كتابي «أسمى الرسالات» ورسالة «هل الله مستبد» والله أعلم.
النوع الثالث: من سيئات بني إسرائيل، ومطاعنهم ضد الإسلام: ما كان موجهًا إلى كتابه الكريم، وذلك أنهم كانوا يقولون ألا ترون محمدًا يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، ويأمر بخلافه. ويقول اليوم قولًا ثم يرجع عنه غدًا؟ فأراد الله الرد على فريتهم وعلى طعنهم هذا بقوله ﴿ما ننسخ من آيةٍ﴾ أي نبدلها بآية أخرى ﴿أو ننسها﴾ بأن نأمر بعدم تلاوتها فتنسى ويبطل حكمها حتى ﴿نأت بخيرٍ منها أو مثلها﴾ أي إذا شددنا في أمر لحالة تستدعي التشديد ثم أزيلت تلك الحالة فمن الحكمة أن نعمد إلى التخفيف؛ وإذا تساهلنا في أمر لظروف خاصة. اقتضت ذلك ثم زالت تلك الظروف، وجب أن نعدل إلى ما فيه المصلحة والخير العام. وذلك
وقرئ بكسرها من أخوات كان ﴿إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا﴾ أي ولكني أخشى إذ أنا عينت لكم ملكًا أن تحجموا عن القتال معه ﴿قالوا﴾ له ﴿وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله﴾ أي كيف يكون هذا ﴿وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا﴾ فإذا لم نحارب من أجل إعلاء كلمة الله فلا أقل من أن نحارب للأخذ بالثأر لأبنائنا والدفاع عن حياض بلادنا، فإقدامنا على الحرب أمر لا بد منه بمحض إرادتنا وبباعث نفسي ونية خالصة ورغبة صادقة فلا محل للشك في انحلال عزيمتنا ﴿فلما كتب عليهم القتال﴾ أي فلما حقق الله طلبهم وأمرهم الملك بالقتال ﴿تولوا﴾ مدبرين وأعرضوا غير ثابتين على الرغبة في القتال ﴿إلا قليلًا منهم﴾ تمسكوا بمبادئهم ولم يحيدوا عن موقفهم وصدقوا فيما عاهدوا الله عليه ﴿والله عليم بالظالمين﴾ الذين ينكثون عهد الله ويتقاعسون عن واجب الجهاد في سبيله وسيكون جزاؤهم الذل والاستعباد في الدنيا والشقاء في الآخرة.
بعد أن بين الله ما كان من شأن ذلك الملأ من بني إسرائيل ونكثهم لعهودهم وتراجعهم عن إقدامهم، أخذ يبين لنا أن السر في تفككهم وهو ما أصابهم من الغرور والأنانية، حيث قال ﴿وقال لهم نبيهم﴾ ها ﴿إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا﴾ كما كنتم تطلبون فسارعوا إلى الجهاد في سبيل الله تحت لوائه ﴿قالوا أنى يكون له الملك علينا﴾ وكيف يكون هذا ﴿ونحن أحق بالملك منه﴾ لأنه لم يكن من بيت عريق في النسب ونحن من سلالة الملوك وأصحاب السلطان وورثة الأنبياء، ﴿ولم يؤت سعة من المال﴾ أي وفوق هذا فإنه رجل فقير من عامة الناس ﴿قال﴾ أي فرد عليهم الرسول بقوله ﴿إن الله اصطفاه عليكم﴾ أي أن اختياره لم يكن من قبلي بل إن الله هو الذي اختاره لهذا الملك لما أودعه فيه من الاستعداد الفطري للقيام بما سيعهد به إليه ﴿وزاده بسطة في العلم﴾ بتدبير شؤون الحرب ﴿والجسم﴾ حيث إنه كامل البنية قوي العضلات شجاع مهاب، والعقل السليم في الجسم السليم ﴿والله يؤتي ملكه من يشاء﴾ فاعل شاء عائد إلى (من) أي أن مشيئة الله قد
الذي يوافق أصل ما في كتبهم المقدسة المبشرة به وبالنبي الذي جاء به (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بأنه هو الدين الحق فما كان اختلافهم إلا (بغيًا) اعتداء بالانكار وجحودًا للحق (بينهم) بين زعماء اليهود والنصارى حيث أخفوا الحقائق عن أتباعهم وبدلوا ما أنزل الله تعالى وتلاعبوا بالدين وحرفوه عن صوابه (و) الحال أنهم يعلمون أن (من يكفر بآيات الله) المعلومة لديهم الداعية إلى توحيد الله وعدم الإشراك به ويجحدون أو يكابرون فيما هو منصوص عليه عندهم من رسالة هذا النبي المنتظر (فإن الله) ليس بغافل عن أعمالهم هذه، وهو (سريع الحساب) فيحصي ويسجل عليهم ثم يؤاخذهم به يوم القيامة ولا يحتاج إلى وقت كبير في حسابهم وعقابهم على الكفر بالآيات والإصرار على الاختلاف والبغي والفساد وغير ذلك (فإن حاجوك) أي جادلوك أيها الرسول بما لديهم من الكتب المحرفة التي وضعها رؤساؤهم وأصروا على أنها هي عين ما أنزل الله، فتلك هي عين المكابرة التي تعمدوها واختلفوا بها على مبدأ التوحيد فلا فائدة من مجاراتهم وإنما ظلمهم على أنفسهم (فقل) اللهم إني قد أديت واجبي وصدعت بالحق الذي جاءني، ولا تحاول أن تبرهن لهم على اختلاق رؤسائهم لتلك الآيات فتطعن بذلك شعورهم، فتجرأهم على الطعن في دينك الحق والتمادي في بغيهم وعنادهم واقتصر في الأمر على الدعوة إلى دينك فلا يضرن دعوة الحق ما غيروا وبدلوا من آيات الله لئلا يتخذوا من ذلك وسيلة للاختلاف، يراد بها الصد عن سبيل هذا الدين وقل (أسلمت وجهي) بفتح الياء وقرئ بسكونها (لله) وحده لا شريك له بإخلاص أنا (ومن اتبعن) بحذف الياء وقرئ «اتبعني» بإثبات الياء ممن صدق برسالتي (وقل للذين أوتو الكتاب) من اليهود والنصارى (والاميين) الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب إنما جئتكم لأدعوكم إلى عبادة إله واحد بصرف النظر عن حقيقة ما بين أيديكم من الكتب التي قضى الله بإلغائها ليحل محلها ما جئتكم به من كتاب جديد وتشريع جديد وطالبهم بالإجابة على ذلك بقولك (أأسلمتم) هل أنتم مسلمون بما جاء فيه من الحكم والأحكام والنصائح والآيات كما أسلمت أنا ومن اتبعني (فإن أسلموا) وقالوا كما قلت وآمنوا بما آمنت به واتبعوك فيما تدعو إليه (فقد اهتدوا) إلى الحق والغرض المنشود وفازوا بالسعادة الأبدية لأن الإسلام دين الحق يجبُّ ما قبله وتعاليمه تمنع من الدس والاعتداء بالبغي ولا تساعد على استفزاز النفوس وجرح العواطف وإثارة الفتن النائمة (وإن تولوا) أي أدبروا وأعرضوا بعد هذا أيضًا وأصروا على عنادهم (فإنما
الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً (٩٩) وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً (١٠٠) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً (١٠١) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً (١٠٢) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً (١٠٣) وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (١٠٦) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) هَاأَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً (١١٠) وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (١١٢) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمشتبهات من النساء بالرجال ﴿ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله﴾ فيطيعه فيما يوسوس له به في الصدر أو ما يأمر به دعائه من شياطين الإنس من عصيان الله ﴿فقد خسر خسرانًا مبينًا﴾ في الدنيا والآخرة إذ يكون في الدنيا أسير الأوهام والخرافات يتخبط في أعماله على غير هدى ويندفع إلى ما يؤدي به إلى سوء المصير في الحياة الأخرى ﴿يعدهم﴾ الشيطان بشيء لا يملكه ﴿ويمنيهم﴾ أي يزين لهم ما يعدهم به حتى يتمنوا إدراكه ﴿و﴾ الحال أن ﴿ما يعدهم الشيطان﴾ به ما كان ﴿إلا غرورًا﴾ أي لمحض التضليل والتغرير بهم ﴿أولئك﴾ الذين يدعون من دونه صنمًا أو يستجيبون لما يدعوهم إليه الشيطان ﴿مأواهم﴾ الذي ينتهي إليه ما سلكوه من سبل الضلال ﴿جهنم﴾ بحسب ما قضت به مشيئة الله القدرية الشرعية ﴿ولا يجدون عنها محيصًا﴾ إذ يبلغونها في الآخرة بعد فوات الأوان حيث لا سبيل إلى العودة إلى الدنيا ثانية ﴿والذين آمنوا﴾ بوحدانية الله ﴿وعملوا الصالحات﴾ باتباع أوامره واجتناب نواهيه ﴿سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا﴾ جزاء إيمانهم بالله واتباعهم لأوامره ﴿وعد الله حقًّا﴾ أي أن ذلك وعدًا حقًّا من الله بخلاف وعد الشيطان الذي لا يقصد منه إلا مجرد التغرير ﴿ومن أصدق من الله قيلًا﴾ إذ هو الذي إذا قال فعل وإذا وعد وفّى فما يكون للمؤمنين بعد هذا الوعد القاطع إلا أن يبادروا إلى عمل الصالحات ويتيقنوا منه الآن بدخول الجنة ولا يعبئوا بما يزعمه القائلون بأنه تعالى قد يعذب الطائعين استنادًا إلى ما يقولون بإعادة الضمير في يشاء إلى الله لا إلى العبد.
بعد أن حصر الله المعاصي التي لا يغفرها في أمر واحد فقط هو الشرك بالله وأكد جل وعلا بأن باب الغفران مفتوح على مصراعيه لكل راغب فيه وساع إليه بسلوك
لقد عدد الله لرسوله مساوئ أهل الكتاب واليهود بصورة خاصة وأخبره بما سيجزي به الله أعمالهم حسب نظام قدره ولما كان الرسول ﷺ من البشر ربما يحجم عن تبليغ ما أوحى إليه في الحال ويستعمل الحكمة في ذلك بأن يتحين الفرص المواتية للجهر بكل ما عنده وتقبل الناس لدعوته والأمن على نفسه من شرهم أراد السميع العليم أن يشعره بأنه لا حق له في الاجتهاد في تخير الوقت المناسب لتبليغ الوحي وعليه أداء الرسالة في الساعة التي يأتيه الوحي بها فقال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) واصدع بما تؤمر من ذكر معايب أهل الكتاب في الحال ولا تخف من أن يسفه الناس قولك أو يلحقوا بك أذاهم (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ما أمرت به من التبليغ بما أنزل إليك ولو مؤقتا (فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) وقرئ «رسالتِه» بخفض التاء أي فإنه يصدق عليك في هذه الحالة أو في تلك الفترة بلا شك أنك لم تبلغ ما أوحى به إليك والله أدرى بالمصلحة من التبليغ أما ما قد ترمي إليه من حذر من إيذاء الناس ذلك قبل أن تؤدي رسالتك كاملة فقد كفاك الله أمره بقوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يحفظك من أذى من يريد إيذاءك منهم (إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي) إلى معرفة مدى قدرته على عصمة المبلغين لرسالته والداعين إليه (الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) بالله أي الذين لا يقدرون عظمة الله ومدى قدرته وهيمنته الخفية على سائر القوى الغيبية التي تكمن وراء هذه الأشياء المادية ولست منهم أيها الرسول بلا شك ولا ريب فثق بعصمة الله لك، روى أبو هريرة قال كنا إذا صبحنا رسول الله ﷺ في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فقال يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله ﷺ «الله يمنعني منك ضع السيف» فوضعه وفي رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: يا محمد أعطني السيف أشيمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف منها فقال ﷺ «حال الله بينك وبين ما تريد» (قُلْ) أيها الرسول بكل صراحة ولا تخف (يَا أَهْل الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) من أمور الدين ولا أجر لكم على أي عمل تقومون به أو عبادة تؤدونها (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي ما لم يكن ذلك قائما على أساس ما جاء فيهما
<٧٧>
يكون العبد من ربه وهو ساجد» فإن حافظ الإنسان على صلاته بهذا الاعتبار اتبع سائر ما يأمر به الله، وانتهى عن جميع ما نهى عنه، وصدق عليه قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾.
بعد أن أقام الله الدليل على أنه تعالى هو الذي نزل التوراة على موسى، والقرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أشار إلى توقف نزول الوحي على غير الأنبياء فقال ﴿ومن أظلم﴾ أي من هو أشد ظلمًا لنفسه ﴿ممن افترى﴾ أي اختلق ﴿على الله كذبًا﴾ بأن نسب إليه تعالى كلامًا لم يقله أو شريعة لم تنزل منه ﴿أو قال أوحي إلي﴾ أي ادعى أن الله تعالى أسر إليه بأمر يخفيه عن غيره ﴿ولم يوح إليه شيء﴾ في حين أن الله لم يسر إليه شيئًا. والمراد بالوحي التكليم الإلهي الوارد في قوله تعالى: ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم﴾ وقد وصفه الرسول الأعظم ﷺ عندما سأله الحارث بن هشام بقوله: كيف يأتيك الوحي يا رسول الله فقال: «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ حتى يفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول» وقالت السيدة عائشة: «إنه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل» وهو الناموس الذي كان ينزل على موسى، وقد وقف الله تعالى نزوله بعد خاتم رسله، وحظر على الناس أن يزعموا نزوله عليهم لما في ذلك من كذب عليه. إذ الوحي بهذا الشكل حق لا مرية فيه. أما غيره من أنواع الكشف، عن طريق الرؤيا الصادقة، أو النفث في الروع، والإلهام لأقوم الطرق، فقد يكون حقًّا من عند الله لكل من صفت نفسه وأنيرت بصيرته، وقد يكون بتأثير نفسي أو توجيه من الشيطان فلا يعول عليه ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ أي من ادعى القدرة على مضاهاة كلام الله كقول من قال من المشركين ﴿لو نشاء لقلنا مثل هذا﴾ ﴿ولو ترى﴾ أيها الرسول أو كل سامع ﴿إذ﴾ أي ما يكون عليه ﴿الظالمون﴾ أنفسهم وهم ﴿في غمرات الموت﴾ أي في حال سكراته وما يتقدمه من شدائد الآلام البدنية والنفسية، التي تحيط به كما تحيط غمرات الماء بالغرقى ﴿والملائكة باسطو أيديهم﴾ لقبض أرواحهم وهم يقولون لهم ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ من هذه الأجسام التي ستنزع منها الروح ولم تعد صالحة لبقائكم فيها ﴿اليوم﴾ ينتهي يوم العظمة والغرور بالنفس في الحياة الدنيا وزخرفها
تهضموا حقوق من تعاملونهم في كل شيء سواء كان ذلك من المشتروات أو سواها ويدخل ضمن ذلك إعطاء العامل مثلًا أقل من أجر مثله وعدم تقدير قيمة العلوم والفنون لأربابها ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ بالخروج على ما وضعه الله من نظم لصلاح حال المجتمع كاستباحة الظلم والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل والبغي والعدوان على النفس والأعراض وغير ذلك مما يعود بالضرر على العموم ﴿ذلكم﴾ أي ما دعوتكم إليه من عبادة الله وحسن معاملة خلقه ﴿خير لكم﴾ أي نفعه عائد لكم وليس منه ما يعود على الله بأي فائدة فأنتم إذ تخلصون العبادة لله بمعنى تتوجهون إليه وحده بالدعاء لقضاء الحوائج وكشف السوء فذلك ما يعود نفعه لكم حيث يحقق لكم ما طلبتم من جهة ومن الأخرى فإن هذا من شأنه أن يكسبكم عزة في نفوسكم أن لا تخضع وتتدنى إلى سؤال غيره من البشر أمثالكم ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا وأنتم إذ توفون الناس حقوقهم يوفون لكم حقوقكم فكما يدين الفتى يدان ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ بان الله الذي خلق الكائنات وجعل لها أنظمة لا تتغير ولا تتبدل كذلك سن للخير والشر سننًا لا تخطئ وأرشد الناس إليها وترك لهم الخيار فيما يريدون ﴿من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد﴾. ﴿ولا تقعدوا بكل صراط﴾ يؤدي إلى الهدى والصلاح أي لا تتصدوا لإضلال الناس كالشيطان إذ قال ﴿لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ بواحد من طرق ثلاثة الأولى ﴿توعدون﴾ أي تخوفون الناس من اعتناق شريعة الله وتنزلون الضرر بمن يخالفكم والثانية قوله ﴿وتصدون عن سبيل الله من آمن به﴾ أي بصرف المؤمنين عن العمل بشريعتهم بمختلف المغريات وثالثها قوله ﴿وتبغونها عوجًا﴾ أي بالطعن في شريعة الله وإلقاء الشكوك والشبهات فيها كقولهم له عليه السلام في سورة هود ﴿أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء﴾ وإن مما يؤسف له أن نرى المسلمين اليوم يقلدون أولئك القوم في مثل هذا القول فإذا ما دعاهم الداعي إلى التوحيد الخالص وتجنب كل ما يشم منه رائحة الشرك من دعاء غير الله والنذر للأولياء والصالحين ونهاهم عن الربا وغيره من المحرمات أبوا إلا أن يقلدوا ما وجدوا عليه آباءهم وسكت عليه مشايخهم من الضلال وقالوا إن من حقهم التصرف في أموالهم كما يشاءون فإن هذا من الأمور الشخصية التي يملكون كامل الحرية فيها ﴿واذكروا إذ كنتم قليلًا فكثركم﴾ الله بمحض فضله فأنتم مدينون له جل وعلا بهذه الكثرة ولو أراد الله لرماكم بداء العقم وكان مصيركم إلى الانقراض فقدروا له تعالى هذه المنة واشكروه عليها بالإيمان به والانقياد
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٣٧) قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ (٣٨) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ (٤٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٢) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ
يتعلق بشخصيته من حيث الأخلاق والتصرفات والمعاملات كرفع الصوت في ندائه ومخاطبته من وراء الحجرات وإطالة المكث في بيوته فكل هذا لا يعد كفرًا بخلاف إيذائه فيما يتعلق بصفة الرسالة فإنه كفر لمنافاة ذلك لأساس الإيمان وصرح بعض العلماء بأن إيذاءه ﷺ بعد وفاته كإيذائه في حال حياته ومنه نكاح أزواجه من بعده وقال بعضهم ومنه الخوض في أبويه وآل بيته بما يعلم أنه يؤذيه لو كان حيًّا: ﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم﴾ أي أن من شأن هؤلاء المنافقين أن يتخذوا من الحلف بالله وسيلة لإرضائكم فيما إذا بلغكم عنهم ما يسوءكم فلا يصابوا منكم بأذى في هذه الحياة: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ من المؤمنين فلو فرض أن صدقهم المؤمنون فيما يحلفون عليه فما الذي يجعلهم يأمنون من إخبار الله لرسوله بحقيقة الأمر فيفضحهم ويظهر كذبهم ونفاقهم: ﴿إن كانوا مؤمنين﴾ أي لو كانوا مؤمنين حقًّا كما يدعون ما اتخذوا من الحلف بالله وسيلة لإثبات أقوالهم الكاذبة إرضاء لبشر مثلهم. وفي هذا تنبيه إلى أن الحلف بالله من شأن المنافقين وفيه تحذير شديد من اتخاذ الأيمان الباطلة وسيلة لإرضاء الناس ونيل ما يريدون منهم ولا يبالون بسخط الله عليهم من أجل ذلك: ﴿ألم يعلموا﴾ بما جاء في سائر الكتب السماوية: ﴿أنه من يحادد﴾ أي يعادي ويغضب: ﴿الله﴾ بالكفر به أو مبارزته بالعصيان والقسم بذاته العلية كاذبًا: ﴿ورسوله﴾ أي بوصفه رسولًا وذلك بتكذيبه فيما جاء به: ﴿فأن له نار جهنم﴾ أي أن الله قد أعد له نار جهنم: ﴿خالدًا فيها﴾ بعد الحساب في يوم القيامة لا مخرج له منها: ﴿ذلك﴾ الاصطلاء بنار جهنم والخلود فيها هو: ﴿الخزي العظيم﴾ أي الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة بظهورها على رؤوس الأشهاد.
بعد أن وصف الله هذا الفريق من المنافقين بأنهم يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ويأمنوا على أنفسهم في هذه الحياة وقال إنه تعالى أحق بالاسترضاء إن كانوا مؤمنين وتوعدهم بعذابه وفضيحته لهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد عاد يتحدث عما كان يخالج نفوسهم من شك في صحة الوحي ورسالة الرسول أثناء حلفهم للمؤمنين لاسترضائهم فقال: ﴿يحذر المنافقون﴾ في سرهم أن يكون الرسول على حق و ﴿أن تنزل عليهم﴾ أي على المؤمنين: ﴿سورة تنبئهم بما في قلوبهم﴾ من نفاق وكذب على ما كانوا يحلفون عليه فيفتضح أمرهم ولكنهم لم يسمعوا بشيء من هذا فيزيدهم هذا شكًّا في صحة الرسالة ويتمادوا في كفرهم واستهزائهم بالوحي: ﴿قل﴾ أيها
أي كلمة التكوين في من يتبع السنن التي سنها الله للكفر والضلال وهي الإعراض عن هداية الله التي أشار إليها تعالى بقوله: ﴿فإما يأتينكم مني هدًى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {٣٨﴾ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحابُ النارِ هم فيها خالدون} وهؤلاء هم الذين عناهم بقوله: ﴿لا يؤمنون﴾ لأنهم كفروا بالله وكذبوا آياته لا لأنه تعالى منعهم من الإيمان منعًا خلقيًا بأساس الفطرة وقهرهم عليه وقدره عليهم فلا كسب لهم ولا اختيار في ذلك كما يتصوره فريق من الناس: ﴿ولو جاءتهم كل آيةٍ﴾ من الآيات الكونية وخوارق العادات أو من الآيات العقلية والعلمية التي أشار إليها القرآن الكريم بل لأنهم وطنوا أنفسهم على التكذيب والإعراض عن دعوة الحق تعنتًا واستكبارًا فإني لهم بالهداية ما دام هذا شأنهم وأنى للجاهل أن يصير عالمًا إلا إذا عمل على طلب العلم وسلك سبيله: ﴿حتى يروا العذاب الأليم﴾ محدقًا بهم ويروه بأعينهم وحينئذ يكون إيمانهما اضطراريًا لا عن رغبة منهم فلا يقبل منهم بل يقال لهم كما قيل لفرعون: ﴿آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾.
بعد أن أكد الله صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده وكونه لا مجال للامتراء فيه ونهى عن أن يكون الإنسان من المكذبين بآيات الله وأخبر بما اقتضته سننه في خلقه من أن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم وضح الله المعنى المراد منها مما ينفي ما قد يعلق بالذهن من فهم خاطئ هو أن الإنسان في هذه الحالة يكون مجبرًا ومقهورًا على عدم الإيمان حتى يرى العذاب بإرادة الله التي لا سبيل له أن يعمل بخلافها وضرب لذلك مثلًا بأن هناك من استطاع بمحض مشيئته أن يتقي العذاب عن نفسه وأن لكل فرد القدرة الكاملة على نفع نفسه أو ضرها في حدود ما سنه الله لذلك من سنن هي التي اقتضتها مشيئته تعالى الأزلية التي جعل سبحانه لعباده حق اختيار ما يروق لهم منها فقال: ﴿فلولا كانت قريةٌ﴾ والمراد بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين: ﴿آمنت﴾ بما جاء به أولئك الرسل: ﴿فنفعها إيمانها﴾ أي هل آمن أهل قرية واحدة من القرى التي أهلكناها وتابوا عن الكفر وأخلصوا في الإيمان قبل معاينة العذاب فنفعهم إيمانهم واتقوا العذاب الذي أنذروا به: ﴿إلا قوم يونس﴾ روى أن ديارهم في جهة الموصل وأن يونس لما عجز عن إقناعهم بالإيمان
يميت من الأموات والجمادات مما يتنافى مع توحيد الألوهية مقتفين في ذلك أثر من كان قبلهم من عباد الأوثان الذين قال الله في حقهم: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون﴾ ولئن سألتهم عن سر اتخاذهم من دونه أولياء قالوا: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ لأي ليكونوا وسطاء وشفعاء لنا عنده. وبعد أن فرغ يوسف من إقناع السائلين له بأنه على علم من ربه بتعبير الأحلام والأخبار عن بعض المغيبات نتيجة إيمانه بالله ونبذ الشرك وشرح لهم مزايا التوحيد أخذ يعبر لهما رؤياهما فقال: ﴿يا صاحبي السجن أما أحدكما﴾ وهو الذي رأى أنه يعصر خمرًا: ﴿فيسقي ربه خمرًا﴾ أي يخرج من السجن ويعود إلى سيده فيسقيه خمرًا لأن العنب مصيره إلى الخمر والمراد بالرب مالك رقبته لأن ملك مصر في عهد يوسف لم يدع الربوبية والألوهية كفرعون موسى بل كان من العرب الذين ملكوا مصر عدة قرون: ﴿وأما الآخر﴾ وهو الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه: ﴿فيصلب﴾ ويبقى مصلوبًا حتى يتعفن: ﴿فتأكل الطير من رأسه﴾ ويعني بالطير أكلة اللحوم منها كالغراب والحدأة: ﴿قضي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾ أي بت في تعبير رؤياكما وليس لهما تأويل سوى ذلك ولم يعبر لكل سائل رؤياه على انفراد بل أتى بلفظ الإبهام فقال أما أحدكما وأما الآخر لأن إحدى الرؤيتين مزعجة فلم يشأ أن يزعج صاحبها مقدمًا بل ترك له الأمل في أن يكون هو صاحب الرؤيا السارة وأدخل السرور إلى قلب الآخر بما يشعره بأنه هو الناجي: ﴿وقال للذي ظن﴾ لقد كان يوسف واثقًا من صدق ما يقول باعتباره مما علمه ربه حتى قال: ﴿قضي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾ غير أن الله تبارك وتعالى عبر بلفظ الظن إشارة إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يدعي الجزم بحصول أي أمر هو في كفة القدر ولله الأمر والكلمة الأخيرة فيه ليكون في ذلك عظة لقوم يؤمنون: ﴿أنه ناج منهما﴾ وهو من قال عنه إنه يسقي ربه خمرًا: ﴿اذكرني عند ربك﴾ أي حدث سيدك الملك بما رأيت وسمعت وعلمت من أمري لعله ينصفني من ظلامتي ويخرجني من السجن، وما لبث غير قليل حتى تحققت رؤياهما واحتل الرجل مكانته لدى الملك وكان عليه أن يرد الجميل إلى من بشره بذلك المركز الذي ناله ولكنه لم يفعل: ﴿فأنساه الشيطان﴾ بسبب قوله هذا: ﴿ذكر ربه﴾ أي فمكن الله الشيطان من نفس الساقي حتى نسي أن يذكر يوسف: ﴿فلبث في السجن بضع سنين﴾ مظلومًا منسيًا لا يذكره أحد ولا يرثى
أي كلمة التكوين في من يتبع السنن التي سنها الله للكفر والضلال وهي الإعراض عن هداية الله التي أشار إليها تعالى بقوله: ﴿فإما يأتينكم مني هدًى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {٣٨﴾ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحابُ النارِ هم فيها خالدون} وهؤلاء هم الذين عناهم بقوله: ﴿لا يؤمنون﴾ لأنهم كفروا بالله وكذبوا آياته لا لأنه تعالى منعهم من الإيمان منعًا خلقيًا بأساس الفطرة وقهرهم عليه وقدره عليهم فلا كسب لهم ولا اختيار في ذلك كما يتصوره فريق من الناس: ﴿ولو جاءتهم كل آيةٍ﴾ من الآيات الكونية وخوارق العادات أو من الآيات العقلية والعلمية التي أشار إليها القرآن الكريم بل لأنهم وطنوا أنفسهم على التكذيب والإعراض عن دعوة الحق تعنتًا واستكبارًا فإني لهم بالهداية ما دام هذا شأنهم وأنى للجاهل أن يصير عالمًا إلا إذا عمل على طلب العلم وسلك سبيله: ﴿حتى يروا العذاب الأليم﴾ محدقًا بهم ويروه بأعينهم وحينئذ يكون إيمانهما اضطراريًا لا عن رغبة منهم فلا يقبل منهم بل يقال لهم كما قيل لفرعون: ﴿آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾.
بعد أن أكد الله صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده وكونه لا مجال للامتراء فيه ونهى عن أن يكون الإنسان من المكذبين بآيات الله وأخبر بما اقتضته سننه في خلقه من أن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم وضح الله المعنى المراد منها مما ينفي ما قد يعلق بالذهن من فهم خاطئ هو أن الإنسان في هذه الحالة يكون مجبرًا ومقهورًا على عدم الإيمان حتى يرى العذاب بإرادة الله التي لا سبيل له أن يعمل بخلافها وضرب لذلك مثلًا بأن هناك من استطاع بمحض مشيئته أن يتقي العذاب عن نفسه وأن لكل فرد القدرة الكاملة على نفع نفسه أو ضرها في حدود ما سنه الله لذلك من سنن هي التي اقتضتها مشيئته تعالى الأزلية التي جعل سبحانه لعباده حق اختيار ما يروق لهم منها فقال: ﴿فلولا كانت قريةٌ﴾ والمراد بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين: ﴿آمنت﴾ بما جاء به أولئك الرسل: ﴿فنفعها إيمانها﴾ أي هل آمن أهل قرية واحدة من القرى التي أهلكناها وتابوا عن الكفر وأخلصوا في الإيمان قبل معاينة العذاب فنفعهم إيمانهم واتقوا العذاب الذي أنذروا به: ﴿إلا قوم يونس﴾ روى أن ديارهم في جهة الموصل وأن يونس لما عجز عن إقناعهم بالإيمان
القيامة لا من الأمور التي تسبقه وتكون علامة عليه كما تشير إليه هذه الآيات ومعنى التوقيت في اللغة تحصيل الوقت وتكوينه إذ التسويد تحصيل السواد والتحريك تحصيل الحركة فيكون التأقيت حصول الوقت ويكون المعنى إذا جعلت الرسل بمعنى ظهورها مواقيت ولعل المراد بذلك ما أخبرنا به الرسول ﷺ أن من أشراط الساعة نزول نبي الله عيسى ابن مريم وقوله ﷺ «لينزلن ابن مريم وليس بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين مصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» وفي حديث آخر قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة» وقد أخبر الله بنزوله في قوله: ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا﴾.
﴿لأي يوم أجلت﴾ أي نتائج الاختبار وما يتعلق بها من جزاء الأبرار والظالمين: ﴿ليوم الفصل﴾ أي فصل الرحمن بين الخلائق: ﴿وما أدراك ما يوم الفصل﴾ أي ما أعلمك بشدته وهوله: ﴿ويل﴾ الويل حلول العذاب: ﴿يومئذ للمكذبين﴾ أي أن يوم الفصل هو اليوم الذي يعذب فيه المكذبون لا محالة ولا ينفع الإنسان فيه إلا ما قدمت يداه ولأجل أن لا يستبعد الناس ذلك وليدخل سبحانه وتعالى الرعب في قلوب عباده ذكرهم وضرب لهم المثل بالسلالة البشرية من مبدئها إلى منتهاها حيث قال: ﴿ألم نهلك الأولين﴾ أي ألم نفن ونمت سائر البشر السابقين: ﴿ثم﴾ ها نحن أولاء: ﴿نتبعهم الآخرين﴾ أي الباقين من الأحياء في هذه الحياة فلا يستطيع أحد أن ينقذ نفسه من الموت الذي قضينا به عليه فلا بد من وقوعه ولا مرد له: ﴿كذلك نفعل بالمجرمين﴾ أي هكذا إذ قضينا على المجرمين بالعذاب فلا بد لهم أن ينالوه في الآخرة لا محالة: ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ بالبعث بعد الموت الذي لم يخرج عن كونه نهاية طبيعية لمبدأ خلق الإنسان بحسب سنة التدريج والارتقاء: ﴿ألم نخلقكم﴾ من الأصل: ﴿من ماء مهين﴾ أي ضعيف وحقير: ﴿فجعلناه في قرار﴾ المكان الثابت الذي يحصل فيه السكون وهو الرحم: ﴿مكين﴾ بمعنى متمكن بحيث إذا علق به الماء لا يمكن أن
الصفة الأولى: قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ ومعنى الأحد الذي لا كثرة له في ذاته فهو ليس بمركب من جواهر مختلفة مادية، ولا هو من أصول متعددة غير مادية فلا يشبه سائر المخلوقات بل هو واجب الوجود ووجوب الوجود يستلزم ببداهة العقل وحدة الذات لأن التعدد في الذات مستلزم لافتقار المجموع إلى الأجزاء فلا يكون المجموع المسمى بالله أو موجد العالم واجب الوجود وكذلك الأجزاء نفسها لا يكون كل واحد منها واجب الوجود لأنه يختلف عن الآخر بميزة وذلك المميز غير ما يشتركان فيه من الوجود فيكون كل منهما مركبًا، والمركب غير واجب الوجود فلم يبق إلا أن يكون واجب الوجود واحداً فالله أحد ثم إن جميع ما يصل إليه عقلنا وحواسنا من هذا العالم يدخل في نظام واحد يرتبط بعضه ببعض تمام الارتباط، وهذا يدل على أن موجده واحد.
الصفة الثانية: قوله: ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ ومعنى الصمد السيد الذي يصمد إليه ويقصد في الحوائج فهو الذي يلجأ الناس إليه بفطرتهم ويدعونه في سرهم وجهرهم إذ هو السميع للدعاء والمالك من القوى الخفية ما يحقق به جميع المراد.
الصفة الثالثة: قوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ أحداً إذ الولد إنما يحتاج إليه للمعونة ودوام النسل والله جل وعلا الذي خلق جميع هذه المخلوقات ولم يعي بخلقهن ليس في حاجة إلى من يخلفه لدوام النسل، وفي هذا رد على من يزعم أن لله ولداً أزليًّا مثله يجب أن يعبد مع أبيه إذ إن العقل لا يمكن أن يسلم بموت من يزعمون أنه ولد الله الحي الذي لا يموت لأن هذا يتنافى مع الأزلية التي يصفونه بها على أن الإسلام الذي يقول بأن عيسى لم يمت وأنه رفع إلى السماء يقرر بأنه سيعود إلى الأرض في آخر الزمن ثم يمكث فيها أربعين سنة يحكم فيها بالإسلام ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون كما أخبر بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فند الله مزاعم القائلين بهذا في القرآن الكريم حيث قال: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا﴾،: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾.


الصفحة التالية
Icon