لحكمة تضمن تنفيذ الأحكام، وإقامة الشرع على أكمل وجه ﴿ألم تعلم﴾ يا من تستمع إلى تلك الاعتراضات على هذا النسخ والتبديل ﴿أن الله على كل شيء قدير﴾. أي أنه لو لم يكن في النسخ والتبديل حكمة إلهية لما أعجزه أن يتحاشى ذلك. ﴿ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض﴾ والمالك يتصرف في ملكه كما يشاء، والحاكم من واجبه أن يصدر الأحكام حسبما تقتضيه تطورات الأزمان، وعقلية الأمم بتغير الأحوال فلا محل للاعتراض على نسخه لآية أو إبدالها بسواها ﴿وما لكم من دون الله من ولي ولا نصيرٍ﴾ أي لا تبالوا بمن ينكر النسخ أو يعيبكم عليه وحذار أن يستهويكم إنكاره فيضعف ذلك من إيمانكم. واتقوا الله وحده، ولا يهمكم من أمرهم شيئًا ﴿أم﴾ داخلكم الريب من أقوالهم ولذلك ﴿تريدون أن﴾ تجاروهم في ضلالهم و ﴿تسألوا رسولكم﴾ محمدًا أسئلة تعجيز واختبار ﴿كما سئل موسى من قبل﴾ فتلحون في طلب الحكمة لهذا النسخ، أو بيان الأسباب الداعية له للتأكد من صحتها، وهذا كفر، إذ الدين الإسلامي دين إيمان وتصديق وتسليم ﴿ومن يتبدل﴾ وقرئ ﴿يبدل﴾ ﴿الكفر بالإيمان﴾ ويأبى إلا الاعتراض والعنت ﴿فقد ضل سواء السبيل﴾ وكان ممن اتبع سنن اليهود فيما كانوا عليه.
فلا يعيب القرآن وجود ناسخ ومنسوخ فيه، فذلك حق من حقوق الله، وسنة من سننه في وضع النظم والقوانين الوضعية، بحسب ما تقتضيه الأحوال، وتدعو إليه الحاجة.
والاعتراف بأن الله هو مالك الملك والكائنات بما فيها السموات والأرض لا يتفق مع الاعتراض على شيء من تصرفاته.
«النوع الرابع» من سيئات بني إسرائيل ومطاعنهم ضد الإسلام: ما كان موجهًا إليه حقيقته، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم من الهزيمة؟ ولو كنتم على الحق، وكان نبيكم مرسلًا من عند الله وسائرًا بأمره ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل، ونحن أهدى منكم سبيلًا، فنبه الله المؤمنين إلى مكرهم هذا بقوله ﴿ود كثيرٌ من أهل الكتاب﴾ الذين يضمرون البغض للإسلام من اليهود ﴿لو يردونكم من بعد الإيمان كفارًا﴾ بما يلقونه عليكم من المنطق الخداع الذي يحاولون به تشكيككم في دينكم، ويقصدون منه تسرب الشبه إلى نفوسكم ﴿حسدًا من عند أنفسهم﴾ لأنهم كرهوا اعتناق الإسلام بباعث
قضت بأن الملك لا يورث ولا ينحصر في البيوت العريقة في الحسب والنسب أو المال والجاه وإنما يؤتيه الله لمن يسعى إليه ويحكم الخطط لنيله وتتوفر فيه مؤهلاته وأنتم لم تعملوا لنيله ولم تتوفر فيكم مؤهلاته بدليل طلبكم من نبيكم أن يبعث الله لكم ملكًا فاصطفى سبحانه طالوت للملك عليكم لما توفرت فيه من مؤهلات الملك فما يكون بكم بعد هذا أن تعرضوا عن طاعته بل عليكم أن تستقبلوا هذا الأمر بالسمع والطاعة والانقياد التام لتنالوا العزة والكرامة ﴿والله واسع﴾ أي كثير العطاء ﴿عليم﴾ بمن يستحق الملك ويصلح له سواء كان من النبلاء أو من عامة الشعب.
بعد أن بين الله ما كان من تراجع ذلك الملأ في أقواله وما أصابه من غرور وما اقتبسه من الأعذار أخذ يوضح ما كان من أمر الرسول إذ ذاك حيث سعى إلى إصلاحهم وهدايتهم فأقام لهم البرهان على أن الأمر من عند الله لئلا يترددوا في قبوله حيث قال ﴿وقال لهم نبيهم إن آية﴾ أي علامة ﴿ملكه﴾ أي ما يدلكم على أنه إنما أوتي الملك من عند الله ﴿أن يأتيكم﴾ أن يرجع الله لكم عن طريقه أو بسر دعائه ﴿التابوت﴾ وهو صندوق من الخشب كان يضع فيه موسى التوراة أو جانبًا من متاعه وقد تداوله أنبياء بني إسرائيل ثم اختفى ولم يعلم مقره ﴿فيه سكينة﴾ أي فيه من الصفات والعلامات ما يجعلكم تجزمون أنه هو بعينه التابوت الذي كان لأنبيائكم من قبل فتطمئنون إلى أن من جاء به لا شك أنه مملك ﴿من ربكم﴾ وإلا فمن أين لطالوت أن يجيء بهذا التابوت الذي اختفى كل هذه المدة ﴿وبقية مما ترى آل موسى وآل هارون﴾ أي وفوق هذا فإنكم تجدون به بعض آثار من بقايا آل موسى وآل هارون ﴿تحمله الملائكة﴾ أي وغير هذا فإن التابوت سينزل على طالوت من السماء محمولًا من قبل الملائكة مما لا يترك لديكم أي شبهة في أن المنزل عليه هو مكلف من قبل الله بالحكم ﴿إن في ذلك لآية لكم﴾ على أنه هو الملك الذي اصطفاه الله
عليك البلاغ) وقد بلغت وانتهت مهمتك، وما عليك من حسابهم من شيء (والله بصير بالعباد) أدرى بما صنعوا وهو الذي يتولى حسابهم وعقابهم
بعد أن أخبر الله نبيه بأن «من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب» وأمره بالدعوة إلى الإسلام وقال له «وإن تولوا فإنما عليك البلاغ» أراد أن يخبره بمصير أولئك الكافرين وما أعده لهم ومن على شاكلتهم من عذاب أليم، فقال (إن الذين يكفرون بآيات الله) جميعها أو بعضها لأن الكفر ببعض ما جاء به الرسول كفر بالرسالة وجميع ما جاء به الرسول (ويقتلون) وقرئ (يقاتلون) (النبيين) ويعني اليهود الذين قتلوا كثيرًا من أنبيائهم وكل من صوب عملهم من أبنائهم، وفي هذا تنبيه وزجر لمن كان يحاول قتل رسول الله ﷺ لولا أن عصمه الله (بغير حق) لأن القتل في هذه الحالة يكون موجهًا إليهم باعتبارهم أنبياء الله فهو بمثابة الكفر بآيات الله بل أشد (ويقتلون) أي يغتالون (الذين يأمرون بالقسط) أي بسبب أمرهم به، ويراد بهم الداعون إلى العدالة العامة في كل شيء باعتبارها روح الفضائل وقوامها (من الناس) حتى ولو كانوا من غير المسلمين في كل زمان ومكان، لأن القتل في هذه الحالة وفي أثناء قيامهم بهذا الواجب موجه إليهم بوصفهم داعين لتنفيذ أمر من أوامر الله التي تعود على المجتمع بالسعادة والخير العام (فبشرهم) البشارة هنا للتهكم لأن الأصل في البشارة أن تكون بالسرور، والمعنى المراد منها إنذارهم (بعذاب أليم) لا بد منه عاجلًا أو آجلًا (أولئك الذين حبطت) جميع (أعمالهم) وما قد يكون لهم حسنات (في الدنيا) بسبب ما اقترفوه من إساءات موجهة لدين الله بتكذيب آياته وأنبيائه، واغتيال الداعين لتنفيذ أحكامه (والآخرة) إذ لم يكن لها أثر محمود يستحقون الثواب عليه، إذ الإيمان شرط في قبول العمل الصالح لقوله تعالى «وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا» (وما لهم) يوم القيامة (من ناصرين) حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
بعد أن أمر الله نبيه بالإعراض عن الكافرين بآيات الله وأخبره بمصيرهم، أراد سبحانه أن يخفف من تألمه من ذلك لما جبلت عليه نفسه الكريمة من الحرص على هداية البشر كافة واعتناق الجميع لدينه الحق فذكره بأنهم كانوا هم أسبق إلى الإعراض عنك برفضهم الاحتكام لآيات الله حيث قال (ألم تر) أيها الرسول (إلى الذين أوتوا نصيبًا) جانبًا هو مجرد التلاوة دون العناية بالمعاني بتفقهها
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (١١٦) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (١١٧) لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (١١٨) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢) لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (١٢٣) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (١٢٩) وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً (١٣٠) وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيّاً حَمِيداً (١٣١) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا
طرقه المتفرعة عن أصل واحد هو الإيمان بالله وعدم الشرك به وأنه ضمن الجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات أراد سبحانه وتعالى أن ينبه الناس أن مجرد الإيمان باللسان لا يكفي لنيل الغفران بل لا بد من العمل الصالح لأنه بمثابة برهان على صحة الإيمان فقال ﴿ليس﴾ الغفران الذي وعد الله المؤمنين به ﴿بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب﴾ أي لا ينال بمجرد الأماني لأن مشيئة الله قد قضت بأن يكون الثواب والعقاب مرتبًا على ما يؤديه الإنسان في الحياة من عمل ولذلك فإن ﴿من يعمل سوءًا يجز به﴾ أي أن الجزاء أثر طبيعي للعمل بحسب سنة الله في خلقه ﴿ولا يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا﴾ أي ولا يستطيع أحد أن يخلصه من عقوبة الإساءة غير الله وحده ومعنى هذا أن غفران الذنوب عائد لرحمة الله التي يمنحها لمن يطلبها بالاستغفار والتوبة في كل وقت فقد قال صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» وقال أيضًا: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم» وجاء أيضًا في الصحيحين أنه قال: «قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لآتينك بقرابها مغفرة» ﴿ومن يعمل من الصالحات﴾ أي شيئًا منها ﴿من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة﴾ في النهاية وإن عذبوا على ما اقترفوه من الكبائر غير الشرك ﴿ولا يظلمون نقيرًا﴾ النقير النقرة في ظهر النواة أي يؤجرون على جميع ما عملوه من الصالحات ولو كانت تافهة جدًّا في ذاتها ثم إنه بمناسبة اشتراط الإيمان في النجاة والفوز بالجنة أراد جل وعلا أن يبين درجة الكمال في الإيمان وهو الدين القيم فقال ﴿ومن أحسن دينًا﴾ ممن اشتمل إيمانه على أمرين اثنين
من الإيمان بوحدانية الله وإخلاص الأعمال له وإتباع من بشر ببعثته من النبي الذي يجيء من ولد إسماعيل (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) على لسان خاتم أنبيائه وهو القرآن المجيد الذي أكمل الله به سائر الأديان وجعله نظاما عاما للبشر يتمشى مع سنن الكائنات وتطور الزمان والله سبحانه وتعالى إذ أمر رسوله بأن يصارح أهل الكتاب بهذه الحقيقة دون خوف أو وجل أخبره إلى جانب هذا بما يعلمه سبحانه من أن هذه الصراحة سوف لا ترضيهم فقال (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) إذ تأخذهم العصبية والأنانية فيعرضوا عنك ويكيدوا لك (فَلَا تَأْسَ) أي لا تحزن (عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) لأنهم ليسوا على شيء ما لم يقيموا التوراة والإنجيل. ولما كان هذا الحكم عاماً ينطبق على أتباع جميع الرسل فلا فضيلة إلا بالإيمان بالله واليوم الآخر وعمل الصالحات قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) من أتباعك أنت أيها الرسول في مقدمة الجميع (وَالَّذِينَ هَادُوا) من أتباع موسى (وَالصَّابِئُونَ) وقري «والصابون» بحذف الهمزة ونقل ضمتها إلى الباء وهم الذين يزعمون أنهم على دين نوح (وَالنَّصَارَى) من أتباع عيسى كل هؤلاء (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي من كان صادقا منهم في إيمانه بوحدانية الله (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بمعنى صدق بما أخبر به الرسل في عصورهم من الحساب والعقاب (وَعَمِلَ صَالِحًا) وفق ما أنزل على رسلهم من الكتب دون تحريف أو تبديل (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من عذاب الله فالله لا يعذب عبده المؤمن بوحدانيته ولم يتخذ معه شريكا وأخلص عمله لوجهه الكريم (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) على أمر ضاع منهم طالما هم متمسكون بهذه الأسس الثلاث وإلا فكل ما يعملون هباء لا قيمة له وليسوا جميعاً على شيء وبالنظر لما حصل في التوراة والإنجيل من تحريف وتغيير وتبديل أنزل الله القرآن بتصحيحها قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).
<٧٨>
بعد أن أمر الله رسوله بتبليغ رسالته في الحال وأمره بمصارحة أهل الكتاب بأنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل أخذ يوضح له السبب في ذلك فقال (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) أي عهداً عليهم بالإيمان بالله فهم لا يجحدون وجود الله الخالق لهم (وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا) تبلغهم أوامره فكان موقفهم حيال تلك الأوامر أنه (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ) من عند الله (بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ) أي بما لا يروق
و ﴿تجزون﴾ في البرزخ ﴿عذاب الهون﴾ أي الذل والضعف والمسكنة ﴿بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ أي أن المفتري على الله المستكبر عن الرضوخ لآياته ليشعر بالذل والهوان إذ يجد نفسه وحيدًا لا أنيس ولا جليس له، وقد هجره أعز الناس لديه. أما غيره فإن له من أعماله الصالحة ما يؤنس وحشته. ثم يقال لهم يوم القيامة ﴿ولقد جئتمونا فرادى﴾ واحدًا بعد الآخر ﴿كما خلقناكم﴾ وأنزلناكم إلى الأرض ﴿أول مرة﴾ حفاة عراة لا حول لكم ولا طول ﴿وتركتم ما خولناكم﴾ أي ما منحناكم إياه من حق التصرف في أبدانكم وأموالكم والانتفاع بها والاستفادة منها ﴿وراء ظهوركم﴾ فلم يخول لكم بعد اليوم القيام بأي عمل يستفاد منه ولا ينفعكم إلا ما قدمت أيديكم من استعمال ذلك النفوذ الذي كان لكم فيما أمرتم به من الأعمال الصالحات
﴿وما نرى معكم﴾ في هذا الموقف ﴿شفعاءكم﴾ من الأنبياء والأولياء ﴿الذين﴾ أهملتم العمل بأوامر الله اعتمادًا على شفاعتهم لكم و ﴿زعمتم﴾ في الدنيا ﴿أنهم فيكم شركاء﴾ لله في السيطرة عليكم بحيث يستطيعون تخليصكم من العذاب بجاههم ووجاهتهم، ولذلك كنتم تدعونهم ليشفعوا لكم عند الله ويقربوكم إليه زلفى ﴿لقد تقطع بينكم﴾ بفتح النون أي ما كان بينكم من صلات وقرئ برفع النون على الفاعلية إذ البين في اللغة معناه الصلة أو المسافة الحسية أو المعنوية الممتدة بين شيئين ﴿وضل﴾ أي غاب ﴿عنكم ما كنتم تزعمون﴾ من شفاعة الشفعاء وتقريب الأولياء إذ علمتم بطلان ما كنتم تتخيلونه من نفعهم وشفاعتهم لكم فلم تجدوا لأحد في ذاته قوة يستطيع أن يؤثر بها في إرادة الله أو تنجي من عذابه.
بعد أن أشار الله إلى توقف الوحي بعد خاتم رسله وأنذر مدعيه بسوء المصير، وصور لنا ما يكون عليه حال الظالم ساعة الموت إذ تعطل مواهبه عن العمل ويوم القيامة إذ يفقد ما يكون له من أمل في شفاعة أحد؛ أخذ يعرف الناس بالله معرفة دقيقة لا يحتاجون معها إلى رسول يدعوهم إلى الإيمان به بل يكلهم إلى تدبر آياته وتحكيم عقولهم فيما سنه تعالى من أحكام قضائية وقدرية لم تكن قط قائمة على أساس الشفاعة أو تدخل أحد في شأن من الشئون أو سبب من الأسباب فهو الذي سن السنن وسبب الأسباب وإليه المرجع والمآب فقال ﴿إن الله فالق الحب والنوى﴾ فلق الشيء شقه أي أن الله هو الذي اقتضت حكمته أن يجعل كلا من الحب وهو بذور
لأحكامه ﴿وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين﴾ أي وليكن لكن عبرة بمصير من جاوركم من الشعوب المجاورة كقوم لوط وقوم صالح وغيرهم أهلكهم الله بسبب فسادهم ﴿وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا﴾ أي إن كان بعضكم آمن برسالتي واتبع أوامري وبعضكم لم يؤمن فإني لا أستطيع أن أقول إن الله لا بد أن يحفظكم ويهلكهم كما فعل بمن قبلكم أم يهلكنا جميعًا كما قال تعالى: ﴿واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة﴾ ويحتسب لنا الأجر في الآخرة وإنما آمركم بالصبر حتى ينفذ حكم الله بيننا ﴿وهو خير الحاكمين﴾ الذي لا يحكم إلا بالحق والعدل وهو سبحانه أرحم الراحمين.
وقد انتهينا من وضع هذا الجزء من التفسير بفضل الله وكرمه في يوم الأربعاء ٤ رجب ١٣٧٨ هـ الموافق ٤ يناير ١٩٥٩ نسأله تعالى أن يوفقني لإتمام باقي الأجزاء ويجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم.
صدى هذا التفسير في مختلف الأوساط
تابع لما قبله
كتب العلامة الجليل الأستاذ أبو الوفا محمد درويش رئيس جماعة أنصار السنة بسوهاج يقول لقد سعدت بتسلم الجزء السابع من تفسير الخطيب المكي الذي حمله إلي البريد صبيحة اليوم الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ولقد انصرفت في هذا اليوم عن جميع أعمالي وخصصته لقراءة هذا الجزء فوجدت فيه كما وجدت في الأجزاء الأخرى التي قرأتها من قبله غذاء للروح وجلاء للقلب وتنبيهًا للمشاعر وتوضيحًا لمعاني كلام الله تعالى وسهولة في التعبير تقرب الفهم وتيسر الذكرى ولقد أعجبني جدًّا جملة فضيلتكم الجريئة على التقليد وإيراد أقوال الأئمة في النهي عنه وإبداء رأيكم الصريح في أنكم لا تجيزون الاجتهاد إلا للعالم المتبحر في علوم اللغة والدين. ومطالبته بضرورة توضيح الدليل ليكون الآخذ عنه تبعًا لله ورسوله. كما سرني أعظم السرور توضيحكم لقول الله تعالى: ﴿من يشأ الله يضلله﴾ فقد أتيتم فيه بالقول الفصل والمنطق الجزل والدليل الذي لا ينقص كما راقني بيان أحكام الله القضائية والقدرية أجلى بيان فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين وخدمة القرآن أفضل ما جزى عالمًا عاملًا بذل قصارى جهده في خدمة دين الله ونفع بتفسيركم طلاب الحق ووفق الغافلين للانتفاع والاهتداء بما فيه إنه سميع قريب ولفضيلتكم أزكى تحياتي وأطيب تمنياتي وأعظم تقديري.
خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (٥٨) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (٦٥) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٦٩) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٧٠) وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)}
الرسول: ﴿استهزئوا﴾ بالوحي لعدم إنزال سورة في حقكم فما ذلك إلا إمهال من الله لكم و ﴿إن الله مخرج﴾ أي مظهر: ﴿ما تحذرون﴾ من بيان ما في قلوبكم: ﴿ولئن سألتهم﴾ الآن أي بعد نزول هذه الآيات بفضح أسرارهم عما كان يصدر منهم من استهزاء بالقرآن: ﴿ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب﴾ أي سيقولون لك حاشا يا نبي الله ما كنا في شك من أمرك ولكن ما حصل لم يكن إلا بمثابة أحاديث السمر التي كنا نقطع بها بعض الوقت: ﴿قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون﴾ أي ألم تجدوا ما تقطعون به الوقت وتتسامرون أثناء لعبكم غير الخوض فيما ليس لكم به علم أو ما لا تؤمنون به عن الله وآياته ورسوله. لا شك إن هذا منكم يعد استهزاء: ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم﴾ ممن يصغي لأحاديثكم وخوضكم دون أن يتصدى للرد عليكم أو نهيكم عن ذلك لضعف نفوسهم: ﴿نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾ أي بسبب ما صدر منهم من الإجرام بالخوض وقرئ: ﴿يعف﴾ بالياء وضمها وفتح الفاء على ما لم يسم فاعله و ﴿تعذب﴾ بالتاء على البناء للمفعول.
لقد أشارت الآيات السابقة إلى ما حدث من بعض الذكور من أعمال تصمهم بوصمة النفاق وختمت بقوله تعالى نعف عن طائفة منهم وخشية أن يظن من هذا أنه لا دخل للنساء في هذا الأمر أو أنهن المعنيات بالعفو لأنه لا إرادة لهن أمام قوات الرجال أراد سبحانه أن ينص على مساواة المرأة للرجل في المسئولية الشخصية عن الأمور التعبدية فقال: ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض﴾ أي أن الرجال والنساء متشابهون في النفاق وصفًا وعملًا كأن كلًّا منهم عين الآخر فهم جميعًا: ﴿يأمرون بالمنكر﴾ أي يصدر منهم ما هو من أنواع النفاق وهو استحسان ما أنكره الشرع: ﴿وينهون عن المعروف﴾ أي يستسيغون المعاصي أو يدعون إلى استباحتها وقد فصل الرسول ذلك بقوله: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» وفي حديث آخر: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر»: ﴿ويقبضون أيديهم﴾ عن النفاق في سبيل الله فهذه الأعمال الثلاثة تعد أيضًا من أنواع النفاق بل هي أشدها لأنها مخالفة واضحة لما يزعم صاحبها من الانتماء لدين الإسلام: ﴿نسوا الله﴾ بتجاهلهم لأوامره من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبذل في سبيله وإتيانهم بعكس ذلك:
تركهم وذهب عنهم غاضبًا بغير إذن من ربه وأنذرهم بحلول العذاب عليهم بعد أربعين ليلة فخافوا وآمنوا وتضرعوا إلى الله تائبين وقال الله: ﴿لما آمنوا﴾ بالله عندما علموا بقرب وقوع العذاب عليهم من بعد خروج نبيهم عنهم مغاضبًا: ﴿كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا﴾ أي صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان ولم نسجل عليهم الإصرار على الكفر حتى الهلاك: ﴿ومتعناهم إلى حين﴾ أي أطلنا في حياتهم إلى زمن معلوم وهو عمرهم الطبيعي الذي يعيشه كل منهم في ذلك العصر حسب استعداد بنيته ومعيشته وجزى الله يونس على ما كان منه من هجران قومه دون إذن ربه بالغرق والتقام الحوت له وبقائه في جوفه يدعو ويستغفر ثم إلقائه في العراء وهو سقيم إلى أن عاد إلى إتمام رسالته إلى مائة ألف أو يزيدون: ﴿ولو شاء ربك﴾ أي ولو أن مشيئة الله الأزلية قد قضت بأن يكون الناس كلهم مسيرين ومسخرين لطاعته: ﴿لآمن من في الأرض كلهم جميعًا﴾ لم يشذ منهم أحد كالملائكة تمامًا: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ ولكن مشيئته تعالى بالنسبة لبني الإنسان كانت على عكس ذلك إذ جعلت لهم الخيار الكامل في النية والقول والعمل والخيار يقتضي الحرية ويتنافى مع الجبر ويترتب على ذلك الثواب والعقاب وتبنى النتائج على الأسباب ولذا أصبح الإيمان أو الكفر حقًّا من الحقوق التي منحها الله لعباده كما قال تعالى: ﴿قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ وليس من حق أحد من الرسل أن ينازعهم فيها ولذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿أفأنت تكره الناس﴾ على الاستجابة لدعوتك والعمل وفق شريعتك: ﴿حتى يكونوا مؤمنين﴾ وهذا ليس من اختصاصك بل أنت منذر: ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾.: ﴿وما أنت عليهم بجبار﴾ فحذار أن تقدم على هذا الأمر فلا تسلبهم ما منحهم الله من حرية: ﴿وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن الله﴾ إذن الله: سنته التي سنها لبلوغ الغايات والخواص التي أودعها في سائر المخلوقات والمعنى أنه لولا أن الله قد أذن لكل نفس أن تؤمن وجعل فيها الاستعداد لتقبل الهداية والإيمان لما كان في مقدورها أن تؤمن فهي باتباعها السبل التي تؤدي إلى الإيمان من تدبر آيات الله والعمل بما توحي به لا بد أن تؤمن بقدر الله: ﴿ويجعل﴾ الله بحسب ما تقتضيه سننه: ﴿الرجس﴾ وهو كل ما استقذر من العمل وفي مقدمة ذلك الكفر بالله: ﴿على الذين لا يعقلون﴾ أي لا يستعملون موهبة العقل في تدبر آيات الله التي
لحاله عقابًا له على مجرد أمل تطرق إلى نفسه في وساطة ذلك الساقي له عند الملك، إلى حين أن تهيأت الأسباب التي تحمل الملك على أن يفرج عنه بسبب رؤيا منامية هو المختص بتعبيرها فكان الجزاء من جنس العمل، ولولا ذلك لأخرجه الله من سجنه بمختلف الأسباب وأمده بلطف من عنده وجعل له من ضيقه فرجًا ومخرجًا من حيث لا يحتسب. روى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث» وكان الحسن يبكي عند هذا ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس، إشارة إلى كمال إيمان يوسف وأنه ممن اصطفاهم الله لرسالته فما كان يليق به أن يؤمل في مخلوق أن يتوسط له لدى مخلوق آخر مثله لرفع ظلامته وهو يعلم من نفسه أنه بريء ويعلم بما سيؤول إليه أمره، فكان عليه أن يتذرع بالصبر إلى النهاية وإن كان من حقه أن يدافع عن نفسه بكل الوسائل المشروعة في الظاهر. وهذا على حد قوله: «حسنات الأبرار سيئات المقربين».
وعندما أراد الله تعالى ليوسف الخلاص من سجنه أجرى لذلك سببًا عن طريق رؤيا منامية للملك أيضًا ذكرت ساقيه بأمر يوسف وكانت سببًا في الإفراج عنه وتحقيق رؤياه السابقة وبلوغه أعلا الدرجات، وذلك أنه بينما كان عزيز مصر جالسًا على عرشه يتحدث إلى رجال دولته إذ خطر له أن يقص عليهم أمرًا يهمه: ﴿وقال الملك﴾ ولم يكن هو في عهد يوسف من الفراعنة بل من ملوك العرب المعروفين بالرعاة «الهكسوس»: ﴿إني أرى﴾ فيما يراه النائم رؤيا أشغلت فكري لما حوته من المتناقضات فقد رأيت: ﴿سبع بقرات سمان يأكلهن سبع﴾ بقرات: ﴿عجاف﴾ أي في غاية الضعف والهزال، كما رأيت: ﴿وسبع سنبلات﴾ جمع سنبلة: وهي ما يخرجه الزرع ويكون فيه الحب والشعير: ﴿خضر﴾ أي في بادئ ظهوره: ﴿وأخر يابسات﴾ السنبل اليابس: ما آن أوان حصاده: ﴿يا أيها الملأ﴾ من الوزراء والجلساء والمستشارين من رجال الدولة: ﴿أفتوني في رؤياي﴾ ما معناها وما تدل عليه: ﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾ أي إن كنتم على علم بتعبير الأحلام: ﴿قالوا أضغاث أحلام﴾ الضغث الحزمة من النبات والحلم ما يرى في المنام أي أن هذا حلم مشوش مضطرب يشبه الحزمة المؤلفة من مختلف العيدان والحشائش التي لا تناسب بينها: ﴿وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾ أي ولا نعلم شيئًا عن حقيقة ما يرى في المنام وما يراد منه: ﴿وقال الذي نجا﴾ من القتل: ﴿منهما﴾ أي من صاحبي السجن وهو الساقي:
تركهم وذهب عنهم غاضبًا بغير إذن من ربه وأنذرهم بحلول العذاب عليهم بعد أربعين ليلة فخافوا وآمنوا وتضرعوا إلى الله تائبين وقال الله: ﴿لما آمنوا﴾ بالله عندما علموا بقرب وقوع العذاب عليهم من بعد خروج نبيهم عنهم مغاضبًا: ﴿كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا﴾ أي صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان ولم نسجل عليهم الإصرار على الكفر حتى الهلاك: ﴿ومتعناهم إلى حين﴾ أي أطلنا في حياتهم إلى زمن معلوم وهو عمرهم الطبيعي الذي يعيشه كل منهم في ذلك العصر حسب استعداد بنيته ومعيشته وجزى الله يونس على ما كان منه من هجران قومه دون إذن ربه بالغرق والتقام الحوت له وبقائه في جوفه يدعو ويستغفر ثم إلقائه في العراء وهو سقيم إلى أن عاد إلى إتمام رسالته إلى مائة ألف أو يزيدون: ﴿ولو شاء ربك﴾ أي ولو أن مشيئة الله الأزلية قد قضت بأن يكون الناس كلهم مسيرين ومسخرين لطاعته: ﴿لآمن من في الأرض كلهم جميعًا﴾ لم يشذ منهم أحد كالملائكة تمامًا: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ ولكن مشيئته تعالى بالنسبة لبني الإنسان كانت على عكس ذلك إذ جعلت لهم الخيار الكامل في النية والقول والعمل والخيار يقتضي الحرية ويتنافى مع الجبر ويترتب على ذلك الثواب والعقاب وتبنى النتائج على الأسباب ولذا أصبح الإيمان أو الكفر حقًّا من الحقوق التي منحها الله لعباده كما قال تعالى: ﴿قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ وليس من حق أحد من الرسل أن ينازعهم فيها ولذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿أفأنت تكره الناس﴾ على الاستجابة لدعوتك والعمل وفق شريعتك: ﴿حتى يكونوا مؤمنين﴾ وهذا ليس من اختصاصك بل أنت منذر: ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾.: ﴿وما أنت عليهم بجبار﴾ فحذار أن تقدم على هذا الأمر فلا تسلبهم ما منحهم الله من حرية: ﴿وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن الله﴾ إذن الله: سنته التي سنها لبلوغ الغايات والخواص التي أودعها في سائر المخلوقات والمعنى أنه لولا أن الله قد أذن لكل نفس أن تؤمن وجعل فيها الاستعداد لتقبل الهداية والإيمان لما كان في مقدورها أن تؤمن فهي باتباعها السبل التي تؤدي إلى الإيمان من تدبر آيات الله والعمل بما توحي به لا بد أن تؤمن بقدر الله: ﴿ويجعل﴾ الله بحسب ما تقتضيه سننه: ﴿الرجس﴾ وهو كل ما استقذر من العمل وفي مقدمة ذلك الكفر بالله: ﴿على الذين لا يعقلون﴾ أي لا يستعملون موهبة العقل في تدبر آيات الله التي
يفصل منه إلا بأمر من الله القائل: ﴿ونقر في الأرحام ما نشاء﴾.: ﴿إلى قدر معلوم﴾ أي وقت معين عند الله بالساعة والدقيقة: ﴿فقدرنا﴾ على تطور خلقه هنالك من نطفة إلى مضغة إلى علقة وهكذا إلى أن غدا إنسانًا كامل الأعضاء: ﴿فنعم القادرون﴾ حيث خلقناه في أحسن تقويم ولا يعجزنا إعادة خلقه مرة أخرى على الشكل الذي نريده: ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ بقدرة الله على إعادته: ﴿ألم نجعل الأرض كفاتًا﴾ الكفت الضم والجمع: ﴿أحياء وأمواتًا﴾ أي أنها تجمع الأحياء على ظهرها وتضم الأموات في بطنها: ﴿وجعلنا فيها﴾ أي بداخلها: ﴿رواسي شامخات﴾ أي جبالًا ثابتة قوية: ﴿وأسقيناكم﴾ من جوفها: ﴿ماء فراتًا﴾ الفرات العذب كثير الحلاوة وهذا إشارة إلى أن الأرض وما عليها من جبال ثابتة تقوم على الماء الأمر الذي يدل على كمال قدرة الله: ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ بهذه القدرة إذ يقال لهم إذ ذاك: ﴿انطلقوا﴾ يا من كنتم لا تصدقون بوعدنا: ﴿إلى ما كنتم به تكذبون﴾ أي للتأكد من صدقه: ﴿انطلقوا﴾ بصيغة الأمر وقرئ: ﴿انطلقوا﴾ بصيغة الماضي بمعنى أنهم يوم الحساب قد انقادوا: ﴿إلى ظل﴾ الظل الفيء وظل الليل سواده وظل الشيء خياله أو الظلمة التي تعكس شبحه: ﴿ذي ثلاث شعب﴾ أي تقاريع أو أغصان كأغصان الشجرة بمعنى كثيف جدًّا أشبه بظلمات بعضها فوق بعض: ﴿لا ظليل﴾ أي ومع ذلك فإن هذا الظل أو الظلمة الحالكة لا يجد المرء فيه متعة الظل من الراحة والوقاية من حرارة شمس الآخرة قال صلى الله عليه وسلم: «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حلقومه ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا وأشار ﷺ بيده إلى فيه».
﴿ولا يغني من اللهب﴾ أي أنه لا يقي من لظى النار: ﴿إنها﴾ أي النار في ذلك اليوم: ﴿ترمي بشرر﴾ وهو ما يتطاير منها مبعثرًا في كل جهة: ﴿كالقصر﴾ هو الحطب الجزل الغليظ أي أن ذلك الشرر ليس كشرر نار الدنيا صغيرًا متقطعًا بل هو غليظ كالحطب: ﴿كأنه﴾ في تجمعه حوله: ﴿جمالة﴾ بضم الجيم وقرئ بكسرها وقرئ «جمالات» بالجمع وهي الحبال الغليظة أو القطع من النحاس: ﴿صفر﴾ أي من نحاس أصفر شديد اللمعان: ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ الذين أضاعوا على أنفسهم فرصة الجهر بالحق في حياتهم الدنيا: ﴿هذا يوم لا ينطقون﴾ أي لا ينفع فيه النطق والدفاع عن النفس بالكلام فالأعمال هي التي تتكلم وتدفع عن الإنسان العذاب: {ولا يؤذن لهم
الصفة الرابعة: قوله: ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ من أحد إذ المولود حادث والحادث مصيره الفناء والله منزه عن ذلك كل التنزيه وفي هذا تعريض بمن يزعم أن عيسى ابن الله فتكون مريم زوج الله وأُمًّا لعيسى الذي يزعمونه إلهاً مع الله وهذا في منتهى السخف.
الصفة الخامسة: قوله: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ معنى الكفء المكافئ والمماثل في القدرة على الخلق والتكوين وجميع التصرفات فلا شبيه ولا عديل ولا شريك ولا منازع له في الحكم وهو صاحب السلطان المطلق على الأرض والسماء وما فيهن: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون﴾.
سورة الفلق
مكية وعدد آياتها خمس

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)﴾.
سورة الفلق: بعد أن أمر الله رسوله في السورة السابقة أن يصف لعباده ذات الله وصفاً دقيقاً ينفي عنه جل وعلا كل ما يشم منه رائحة الشرك، ويوجب الإخلاص له تعالى أخذ يلقنه في هذه السورة ما ينبغي أن يستعيذ منه كل مؤمن في هذه الحياة من شرور غيبية لا يدركها الإنسان ولا يستطيع الوقاية منها بينما هي في الواقع ذات تأثير كبير في كثير من الحالات ولا سبيل إلى تجنبها أو اتقاء ضررها إلا عن طريق اللجوء إلى الله وطلب العون عليها والسلامة منها فقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾ أي ألجأ وأعتصم: ﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ الفلق مصدر فلق أي شق بمعنى ألجأ إلى الله القادر الحكيم الذي فصل وشق وفرق ما بين الليل والنهار والظلمة والنور والنافع والضار والذي جعل لكل شيء حكمة ولكل مخلوق ميزة تميزه عن سواه فهو العليم بما يصلح لكل حي وما يؤذيه أسأله الوقاية: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أي من الشيء الذي يعلم سبحانه أنه شر لي وإن كان في ذاته خيراً لسواي فأنت وحدك العليم بحقائق الأمور: ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ﴾ الغاسق الليل: ﴿إِذَا وَقَبَ﴾ أي اشتدت ظلمته ونامت العيون فلا تحس بما يجري حولها من أفاع سامة ووحوش قاتلة أو ما يحاك ضدها من مؤامرات غاشمة وبلايا مفاجئة لا يعلمها غير الله ولا يمكن أن ينبهني إلى اتقائها أحد سواك:


الصفحة التالية
Icon