أمرًا} فهذا لا يكلفه عناء في التفكير أو في اتخاذ الوسائل، بل إنه بمجرد تعلق إرادته به ﴿فإنما يقول له كن فيكون﴾ فيحصل في نفس اللحظة التي يعينها سبحانه وتعالى.
وقد حذر المؤمنين بهاتين الآيتين من مجاراة اليهود في مزاعمهم التي دخلت على من بعدهم من النصارى ومشركي العرب حيث اتخذوا لله أبناء يحبونهم كحبه، ويمجدونهم كتمجيده، ويلجؤون إليهم في الشدائد، وينتظرون منهم قضاء الحوائج. وجاء الإسلام يحارب هذه الفكرة من أساسها، ويأبى على الناس تقديس الأولياء والصالحين، بل والأنبياء والمرسلين كتقديس الله، وتوجيه الدعاء لهم كدعائهم له.
«النوع الثامن» من سيئات بني إسرائيل ومطاعنهم ضد الإسلام وقد تبعهم فيها غيرهم من المشركين: ما كان موجهًا إلى الدعوة الإسلامية وذلك بالتشكيك في دعوة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ومطالبته في كل يوم بمختلف المعجزات. وقد أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وقال الذين لا يعلمون﴾ حقيقة التوحيد والنبوة من اليهود وغيرهم ﴿لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية﴾، وقال في آية أخرى: ﴿يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء﴾ ومعنى هذا أنهم يريدون الاتصال بالبارئ جل وعلا مباشرة، ومن غير واسطة رسول لعدم ثقتهم بجميع الآيات الدالة على رسالة هذا النبي الكريم، بل هم يريدون آية يختصون بها ﴿كذلك قال الذين من قبلهم﴾ من آبائهم الأولين ﴿مثل قولهم﴾ تعنتًا، حيث قالوا لموسى ﴿أرنا الله جهرة﴾ ﴿تشابهت قلوبهم﴾ في القسوة ولذلك كانت أسئلتهم وطلباتهم متحدة، فقال تعالى: ﴿قد بينا الآيات لقوم يوقنون﴾ أي أن الآيات التي أنزلناها وبيناها كافية لمن خلصت نيته، وطلب الإقناع لحصول اليقين، أما من جبل على العناد واستمر على المكابرة فلن يعدم مختلف الأسئلة، ولا سبيل إلى إقناعه لأنه لا يريد أن يقتنع وإنما يقصد التعنت والتعجيز، فكلما أجيب على مطلب فكر في خلق وابتداع مطلب سواه، وهكذا دواليك، ولن يرضيه شيء ﴿إن أرسلناك بالحق﴾ أي بالعقائد الصحيحة المقبولة عند كل ذي عقل سليم، والمتجافية عن كل خرافة وتخيل، لتكون ﴿بشيرًا﴾ للطائعين بحسن الثواب ﴿ونذيرًا﴾ للمعاندين والعاصين بسوء المصير ﴿ولا تُسأل﴾ وقرئ ﴿ولا تَسأل﴾ أيها الرسول ﴿عن أصحاب الجحيم﴾ أي فلا يسوءك تكذيب المكذبين الذين ارتضوا لأنفسهم بعد أن أوضحت لهم سبيل الجنة والنار أن يكونوا
أسلوب السلف الصالح من ترك التأويل فبين معاني الكلمات لغويًّا وشرح الآيات، وبين معانيها وأتى في تفسيره ما استنبطه الأئمة من الأحكام وبين قراءات القراء وسرد أسباب النزول، كل ذلك بأسلوب عصري يسهل على القارئ فهمه ويحببه في التلاوة بعد معرفة المعاني.
ونشرت جريدة الصباح بتاريخ ٧/ ٨ / ٤٧ تقول:
رأى العالم المكي السيد عبد الحميد الخطيب، المدرس بالمسجد الحرام، وعضو مجلس الشورى للمملكة السعودية أن يضع تفسيرًا للقرآن الكريم ينطبق على سنة السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن يعرض طريقتهم من ترك التأويل والتفويض إلى الله سبحانه وتعالى فيما أراد من كلامه، وآي ذكره، وأن يبسط آيات القرآن الكريم، ويشرحها شرحًا وافيًا يوضح ما يراد منها، ثم يبين المغزى الذي تدل عليه، ثم الحكم الذي استنبطه الأئمة والمجتهدون وما تتطلب الحاجة إلى ذكره من أسباب النزول، كما رأى أن يكون كل جزء من أجزاء القرآن في مجلد مستقل، ليتيسر لكل فرد اقتناؤه.
ونشرت جريدة المقطم بتاريخ ١٢/ ٨/ ٤٧ تقول:
أصدر الأستاذ السيد عبد الحميد الخطيب، المدرس بالمسجد الحرام، وعضو مجلس الشورى للمملكة العربية السعودية الجزء الأول من كتاب "تفسير الخطيب المكي" وفيه تفسير شامل ضاف لسورة الفاتحة ولسورة البقرة في القرآن الكريم.
وقبل أن يمضي الشارح في تفسيراته مهد لكتابه بمقدمة مسهبة قال فيها إن عصر الحضارة والعلم الحالي جاء في أعقابه إهمال لدرس القرآن بتدبر وإمعان اكتفاء بتلاوته لمجرد التعبد والبركة ولهذا رأى الأستاذ الخطيب أن يحبب الناس في اتباع أقوال الحكيم القدير بدرسها والتمعن في معانيها
ومن أجل ذلك قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانًا مبينًا» (ومن يفعل ذلك) بأنه يحب الكفار بقلبه ويثق بمحبتهم (فليس) في عمله ما يدل على أنه (من الله في شيء) فهذا لم يكن من جماعة المحبين لله لأنه لو توفرت لديه تلك المحبة لله حقًا لما ركن إلى أعدائه ولما حرص على محبتهم وولائهم، فالله قد أمرنا بعدم اتخاذهم أولياء ومخالفة ذلك والثقة بهم كأصدقاء يعد عصيانًا وعداء لله على حد قول القائل:
@إذا والى صديقك من تعادي
#فقد عاداك وانقطع الكلام
(إلا أن تتقوا منهم تقاة) اسم مصدر: الشيء الذي يتقى، وقرئ «تقية» أي إلا أن تخافوا أذى من فتنة تحقق منها ضرر المسلمين فيباح لكم ولاؤهم وعقد المعاهدات والاتفاقات معهم على ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين كما فعل الرسول في يوم الحديبية، والمعنى لا بأس من موالاتهم لأجل أن تتفادوا منهم ضررًا خاصًا أو عامًا تخشون أن يعود عليكم من إعلان بغضهم والحذر من كيدهم، وكذلك الحال إذا كانت الموالاة تحت تأثير ناحية خاصة تجاملونهم من أجلها أو منفعة ترجونها منهم على شرط أن لا يكون في ذلك أي ضرر يعود على أحد من المسلمين (ويحذركم الله) من اتخاذهم أولياء لما في ذلك من عداء موجه إلى ذات الله يمس (نفسه) جل وعلا، إذ الغضبة في هذه الحالة تكون شديدة والعقاب عظيم (وإلى الله المصير) فلا مهرب من عقابه إذا اتخذتم الكفار أولياء ظاهرًا أو باطنًا ويعفو عنكم إذا علم من دخيلة أمركم خلاف ذلك (قل) أيها الرسول للمؤمنين بمناسبة تحذير الله لهم من نفسه يجب أن تتعرفوا إلى الله بآثاره وتتصوروه بصفاته، وتثبتوا له أعظم صفات الكمال التي منحها لكم، فلا يهب الفضل إلا من يملكه، وفاقد الشيء لا يعطيه، وأول هذه الصفات صفة العلم فإنه عليم بكل شيء بحيث إنكم (إن تخفوا) عن الناس (ما) تكنونه (في صدوركم) من محبة الله أو اتخاذ غيره أولياء (أو تبدوه) وتجاهروا بآثاره (يعلمه الله) أي يستوي لديه الباطن والظاهر، لأن ما خفي على أنظار الخلق لا يخفى على الخالق (ويعلم) أيضًا (ما في السموات وما في الأرض) من جميع الموجودات وخواصها وأسرارها (والله) مالك جميع القوى
من أصل واحد هو الإنسان الأول، فكلكم مهما تعددت شعوبكم وتنوعت أشكالكم وطبائعكم وأخلاقكم ولغاتكم وتناءت دياركم لم تخرجوا عن كونكم خلقًا واحدًا من ضمن مخلوقاته الكثيرة في هذا الكون الزاخر بمختلف الموجودات. ﴿واتقوا الله﴾ الإله الذي تعبدونه بفطرتكم وتدعونه في سركم وجهركم باعتباره مصدر القوى الروحية الخفية المسيطرة على هذا الوجود، وهو ﴿الذي تساءلون به﴾ والأصل تتساءلون فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا وقرئ "تساءلون" بتشديد السين أي يناشد بعضكم بعضًا به لقدسيته ومقامه العظيم لديكم فأنتم في أشد الحاجة إليه على الدوام ﴿والأرحام﴾ بفتح الميم وقرئ بكسرها جمع رحم يطلق على ذوي القربى التي تسألون بها أيضًا لعظم مقامها عندكم، إذ هي في مقدمة القوى المادية التي يعتمد عليها الإنسان في الحياة. لأن في عدم تقوى الله دليلاً على استخفافكم بمقامه تعالى فتستهدفون لسخطه وتحرمون من إمداده ونصره، كما أن قطيعة الرحم من شأنها أن تفقدكم خير معين مادي لكم في هذه الحياة ﴿إن الله كان عليكم رقيبا﴾ مشرفًا على أعمالكم عالمًا بما في نفوسكم، يراكم من حيث لا ترونه، ولا يخفى عليه شيء من أمركم فإنكم إذا وثقتم بهذا وآمنتم به حق الإيمان وتصورتموه مطلعًا عليكم في كل حين لا يمكن إلا أن تتجنبوا كل ما لا يرضيه، ذلك أن السارق لا يسرق عادة إذا أحس أن عينًا ترقبه، والزاني لا يزني إذا علم أن هناك من ينظر إليه، فكيف إذا أيقن بأن الله خالقه يرقبه ويعلم به، لاشك أنه يخاف منه وينتهي عن كل أمر لا يرضيه.
بعد أن أمر الله الناس بتقواه أخذ يوصيهم بالمستضعفين وفي مقدمتهم اليتامى الذين فقدوا آباءهم وهم صغار لا راعي لهم غير الله سواء كانوا من ذوي الرحم أم لا فقال ﴿وآتوا اليتامى﴾ ممن يكون لكم عليهم ولاية أو وصاية أو غيرها ﴿أموالهم﴾ التي تركها لهم مورثوهم. ﴿ولا تتبدلوا الخبيث﴾ من أموالكم ﴿بالطيب﴾ من أموالهم حيث لا رقيب عليكم ويدكم على تلك الأموال يد أمانة ﴿ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم﴾ ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم وتتخذوا من ذلك وسيلة إلى أكلها وتبديدها بحيث تشركونهم في الغرم دون الغنم كأن تخلطوا المالين في تجارة فإن ربحت قلتم إنما حمل الربح باجتهادنا وعملنا، ومالهم محفوظ وإن خسرت قلتم ألم يكن المال مشتركًا بيننا ومثل ذلك أن تتخذوا من وجود أموالهم تحت أيديكم وسيلة للتهور والمجازفة في بعض مشاريع خطرة لم تكن مضمونة الفائدة عادة ﴿إنه﴾ أي كل ما ذكر ﴿كان حوبا كبيرا﴾ ذنبًا عظيمًا لأنه اعتداء
كل الميل} ممن لا تحبونها إلى الأخرى فتحرموها حتى من بسط الوجه وجميل العاطفة وحسن العشرة أو تصرحوا لها بحبكم للأخرى أكثر منها بحيث تشعر بنفوركم منها ﴿فتذروها كالمعلقة﴾ التي لا تعرف نفسها أهي زوجة أم مطلقة لما تراه من صد وجفاء وخشونة وسوء عشرة ﴿وإن تصلحوا﴾ في معاملتهن وتملكوا عواطفكم بعدم إظهاركم الود لزوجة أكثر من الأخرى ﴿وتتقوا﴾ ظلمكم لهن بتفضيل بعضهن على بعض في شيء من الأعمال الظاهرة ﴿فإن الله كان غفورًا﴾ للذنوب من تاب عنها مرتكبها وأصلح من أمره ﴿رحيمًا﴾ لا يؤاخذ الناس على ما هو فوق طاقتهم ﴿وإن يتفرقا﴾ أي الزوجان في حال عدم اتفاقهما على الصلح ﴿يغن الله كلًا﴾ منهما عن صاحبه ﴿من سعته﴾ أي واسع فضله فقد يسخر للمرأة رجلًا خيرًا منه يخصها بعطفه وحبه وقد يرزق الرجل امرأة ترضى به على علاته وتكتفي منه بمجرد القسم في النفقة وما إليها ﴿وكان الله واسعًا﴾ في قدرته إذ جعل الناس مختلفين في الأخلاق والطبائع ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ﴿حكيمًا﴾ فيما شرعه لهم من أحكام الزواج والطلاق.
وأن مما يؤسف له أن جماعة من المتأخرين قد عكسوا الأمر فقالوا إن الإسلام لا ينظر بعين الرضا إلى تعدد الزوجات وأن التعدد لا يجوز إلا بشرط العدل وقد حكم الله باستحالته في قوله تعالى في هذه الآية ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ وهذا قول ظاهر البطلان لأسباب:
أولًا – لأن التعدد أمر دعا إليه الله جل وعلا والله لا يأمر بالمحال ولا بما فيه الفساد.
ثانيًا – لأن الرسول ﷺ قد فعله، وفعله سنة وحاشاه أن يقدم على
نفع نفسه فهو عن نفع غيره أعجز (وَاللهُ) وحده الحي الدائم الذي لا يموت (هُوَ السَّمِيعُ) لدعاء من يدعوه (الْعَلِيمُ) بوسائل نجدة من يستنجد به فيمده في ساعة الشدة بما لم يكن في الحسبان (قُلْ) يا أيها الرسول (يَا أَهْل الْكِتَابِ) من أمة موسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام (لَا تَغْلُوا) الغلو الإفراط وتجاوز الحد في كل شيء (فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) بمعنى لا تتجاوزوا في أمور دينكم الحد الذي وضعه لكم رسلكم ونزلت به كتبكم ولا تطروا أنبياءكم وصلحاءكم حتى تجعلونهم في منزلة أعلى من المنزلة التي وضعهم الله فيها من أنهم عباد مكرمون أو صالحون كما لا يجوز أن تثبتوا لهم سلطة غيبية ومكانة قدسية تسوغ لكم دعاءهم والاستنجاد بهم في الملمات والاعتماد على جاههم وشفاعتهم لكم عند فاطر السماوات أو اتباع ما يأمرونكم به حتى ولو خالف صريح الآيات (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) أي لا تتمسكوا بعبادات وتقاليد آبائكم الضالين الذين كانوا
<٨٢>
يحكمون أهوائهم ولا يعلمون بما جاء به رسل الله (وَأَضَلُّوا كَثِيرًا) من أبنائهم ومريديهم الذين عاجزوا رسلهم إذ قالوا (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أَوَلَوْ جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) (وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) بالغلو في الدين أو الزيادة فيه بما ابتدعوه من كل أمر يوهم أنه من الشريعة ولم يكن منها وأهل البدع ممن يقول على الله غير الحق بلسانه أو فعله ويضل عن سواء السبيل وقد روى في حقهم قول الرسول ﷺ «لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا حجة ولا عمرة حتى يدعها» بل عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ولقد كان من نتيجة الغلو في الدين وإتباع الآباء من دون أحكام الله أن (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله واللعن أشد ما يعبر به الله عن منتهى غضبه ونقمته فالملعون منه محروم من عطفه ورحمته (مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فهذان النبيان قد أخبرا بلعن الله لهم و (ذَلِكَ) اللعن إنما حصل (بِمَا عَصَوْا) أي بسبب عصيانهم لأوامر ربهم (وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي وبسبب اعتدائهم بمعنى ظلمهم وتجاوزهم على سائر الحقوق وفوق هذا إنهم (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) أي أنهم كانوا يستسيغون الفواحش والآثام فلا ينكرون على مقترفيها وهي بين سمعهم
واقتداء، والبديع المبدع يقال أبدعت الشيء اخترعته من غير مثال ﴿السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ومبدعهما لا عن مثال سابق ﴿أنى يكون له ولد﴾ أي كيف يكون له ولد ﴿ولم تكن له صاحبة﴾ أي والحال أن الولد لا يأتي إلا عن طريق التزاوج ما بين ذكر وأنثى متجانسين، وهو جل شأنه لا جنس له وليس له زوجة حتى تلد له ﴿وخلق كل شيء﴾ خلقًا ولم يلده ولادة فمن زعمتم أنهم بنات الله أو أبناؤه ما هم إلا مخلوقون له ﴿وهو بكل شيء﴾ يحدث من جميع مخلوقاته ﴿عليم﴾ لا يخفى عليه مقدار ذرة ﴿ذلكم الله﴾ المنزه عما يصفون والمتصف بالإبداع والانفراد بخلق جميع الأشياء والإحاطة بسائر الحركات والسكنات ﴿ربكم﴾ الذي أدعوكم إلى الإيمان به ﴿لا إله إلا هو﴾ أي المنفرد بالألوهية ولا يستحق العبادة أحد سواه ﴿خالق كل شيء﴾ أي المنفرد بخلق جميع الكائنات ﴿فاعبدوه﴾ أي فتوجهوا إليه بقلوبكم وادعوه لتفريج كربكم وقضاء حوائجكم ﴿وهو على كل شيء وكيل﴾ الوكيل من يعتمد عليه في تدبير الأمور ويفوض إليه أمر العاجز ﴿لا تدركه الأبصار﴾ أي أنه لا يدرك بحاسة البصر ﴿وهو يدرك الأبصار﴾ أي أنه يدرك العيون الباصرة وكنه القوة التي يتم بها الإبصار ﴿وهو اللطيف﴾ بعباده المتكلين عليه ﴿الخبير﴾ الذي يعلم بما يضرهم وما ينفعهم فيوجههم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم.
بعد أن عرف الله ذاته العلية للناس، وشرح لهم بعض ضروب الشرك التي يدين بها بعضهم، ودحضها بما يناسب عقولهم، ولا يدع مجالًا للشك أو عذرًا في عدم الإيمان بالله؛ أمر رسوله أن يشعرهم بما منحه لهم من الحرية الكاملة في العقيدة والقول والعمل ليحملهم تبعة تصرفاتهم فقال ﴿قد جاءكم بصائر﴾ جمع بصيرة وهي اسم للإدراك التام الكامل الحاصل في القلب ﴿من ربكم﴾ أي أن ما ذكر من الآيات كاف لتعريفكم بالله وتمكين الإيمان به في قلوبكم ﴿فمن أبصر﴾ بعين قلبه الحق واهتدى بأن استضاءت بصيرته وتفتح قلبه للهداية آمن بالله حق الإيمان ﴿فلنفسه﴾ أي فإنما ذلك في مصلحته وهو الذي يجني ثمرة ذلك الإبصار إذ يدرك الأمور على حقائقها ﴿ومن عمي﴾ أي أغمض عين بصيرته عن الحق بإعراضه عنه عنادًا منه وتمسكًا بتقليد الآباء في ضلالهم ﴿فعليها﴾ أي على نفسه جني إذ حرمها من إدراك الحقائق ومزايا الإيمان التي ضمنها الله لعباده المؤمنين ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ أي ليس من شأني أن أحفظكم من الوقوع في الزلل فما أنا إلا كمن يأتي للناس بالمصباح ويدعو الراغبين لأخذه والاستضاءة به في
بعد وقوعها، ومن أجل هذا كانوا على ضلال في عقائدهم أما أنا فلم أنكر سبق علم الله بجميع أعمال عباده وأعتقد أن جميع أعمال العباد لا بد أن تكون مطابقة لما علمه سبحانه عنهم من قبل خلقهم كما لا أنكر الحديث القائل بأن الله قد وكل في الرحم ملكًا فيقول يا رب أشقي أم سعيد فما الرزق فما العمل فما الأجل فيكتب ذلك وهو في بطن أمه، ولكني أصحح مفاهيم الناس في معنى موافقة الأعمال لما في علم الله إذ أقول إن ما يكتبه الملك هو من باب تدوين المعلومات عما سيكون من تلك المخلوقات وأن علم الله بكل ذلك ليس له أدنى تأثير في حصول الأعمال إذ العلم في ذاته ما هو إلا صفة كشف وإحاطة لا صفة تأثير كالقدرة ولا يلزم منها حصول المعلوم فلو أن طبيبًا مثلًا عاين مريضًا وقال إنه سيموت بعد ساعتين بمقتضى ما يعلمه من خطورة المرض فلا يلزم من علمه بهذا أن يموت المريض لأن علمه ناقص أما علم الله فإنه علم تام وقد أحاط الله بكل شيء علمًا ولكن هذا العلم لا يمكن أن يكون مجبرًا لمخلوقية على فعل ما علم به بل إن صدور الأعمال من العباد وفق ما هو في علم الله دليل على كمال علمه تعالى وبرهان قاطع على أنه سبحانه قد منح عباده كامل الخيار في جميع تصرفاتهم التي لم تكن بخافية عليه قبل خلقهم، ولولا ذلك لم يعد للعلم الإلهي أي معنى ولا أثر، وإني إذ أثبت للعبد المشيئة أو الفعل لا أقول بأنه يخلق أفعال نفسه بل إني وضحت الأمر مرارًا على ضوء ما فتح الله به عليّ من فهم لمعنى مشيئة الله الأزلية وتقسيمها إلى (قضاء) وهو الحكم البات كالخلق والتكوين وقد أشار إليه تعالى بقوله: ﴿الذي خلق فسوى﴾. (وقدر) وهو الحكم المعلق كالأنظمة والسنن وقد أشار إليه تعالى بقوله: ﴿والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى﴾ وأشار إليهما معًا بقوله: ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديرًا﴾ وعلى هذا الأساس فسرت قوله تعالى: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ بأنه خلقكم وخلق أعمالكم فكلها مخلوقة له وخاضعة لمشيئته، ذلك أن الله إذ يقضي بحياة إنسان فلا بد له من الحركة وهي مخلوقة لله وهي الأصل في جميع الأعمال وهي من قضاء الله فلا يملك الإنسان التوقف عنها غير أن لكل حركة اتجاهًا فإن كان إلى يمين فإلى خير وبركة وجنة نعيم وإن كان إلى شمال فإلى شر وسوء منقلب، وهذا التوجيه إلى أحد الجوانب لا يعد خلقًا لأساس الحركة بل هو عمل يحدثه الإنسان وينسب إليه وفق سنن الله وهو من قدر الله الداخل ضمن مشيئته تعالى وقد ترك الله للعباد الخيار فيه وسيؤاخذ الله الناس عليه بعد أن نبههم إلى ما يضرهم وما ينفعهم ورزقهم من العقل ما يميزون به الخير من الشر والصالح من الضار فلو أن إنسانًا أخذ سكينًا وذهب وقتل آخر
معه من أصحاب الأموال ﴿تكون لكم﴾ بأن تقبلوا بكثرتكم على تلك الحفنة من القوم وتحصلوا على ما كان من الفوائد المادية العاجلة دون من يكسبكم العزة وقهر الأعداء والفوز بسعادة الدارين ﴿ويريد الله﴾ بوعده غير ما أردتم وهو ﴿أن يحق الحق﴾ الذي أراده ﴿بكلماته﴾ المنزلة على رسوله أي وعده لكم بالظفر بأموال قريش ونيلكم العزة والنصر عليهم وإعلاء كلمته ونشر دينه ولذلك اختار لكم لقاء الطائفة ذات الشوكة وتحطيم كثرتهم على يدكم برغم ضعفكم وقلتكم وأعزكم وأذلهم وآتاكم من الأموال ما هو أكثر وأفضل مما كان على العير من أموال ﴿ويقطع دابر الكافرين﴾ المعاندين له من قريش باستئصال شأفتهم ومحق قوتهم وهكذا كان فقد كانت هزيمة المشركين من قريش في وقعة بدر سببًا في إلقاء الرعب في قلوبهم وفاتحة للنصر عليهم في أحد وحنين وقطع دابرهم بفتح مكة ﴿ليحق الحق﴾ أي وإنما فعل الله ذلك ليثبت حقيقة يجب أن يوقن بها الناس جميعًا هي أن النصر بيد الله لا بكثرة العدد ووفرة المعدات الحربية ولولا ذلك لما أمكن أن ينتصر ذلك العدد الضئيل من صحابة رسول الله ﷺ على تلك الجموع المجمعة من كفار قريش ومعنى هذا أن انتصار القلة على الكثرة ما هو إلا دليل قائم على إثبات هذه الحقيقة لكل من يعتبر ﴿ويبطل الباطل﴾ وهو هنا ما كانت تعتمد عليه قريش من قوتها المادية التي تحطمت أمام وعد الله للمؤمنين بالنصر ﴿ولو كره المجرمون﴾ انتصار الإسلام وعلو شأنه وانتشار دعوته وفي هذا ما يدعو الناس إلى الإيمان بقدره الله والاعتماد على ما يملكه سبحانه وتعالى من قوى خفية أكثر من اعتمادهم على ما لديهم من القوى المادية كما أن فيه ما يبشر بنصر الإسلام والمسلمين الضعفاء على المجرمين من أعدائه المستعمرين الأقوياء وأن الأمر لا يتطلب منا أكثر من أن نعمل على تقوية الإيمان في القلوب حتى إذا ما دعينا إلى الجهاد في سبيل الله نلبيه طائعين واثقين من نصر الله وبره بوعده القائل: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا﴾ والمعنى أن الله قد ضمن بوعده هذا للمؤمنين ما ضمن من الاستخلاف في الأرض وما بعده متى عبدوه وحده ولم يشركوا به شيئًا من المخلوقات ولم يضعوا ثقتهم ويقينهم في النصر على ما لديهم من مجرد القوى المادية وعندئذ فلا بد من أن يبر الله بوعده
بعد أن نبه الله رسوله إلى أن خطر المنافقين على الإسلام لا يقل عن خطر الكافرين بل أشد وبين أوصافهم وكشف الغطاء عما يداخل نفوسهم من بغض للإسلام وتوعدهم بما توعدهم به من عذاب في الدنيا والآخرة أخذ يملي عليه ما يجب عليه حيالهم من جهاد وقسوة وبين له الأسباب الداعية إلى ذلك فقال: ﴿يا أيها النبي﴾ وخطاب النبي موجه إلى جميع أتباعه: ﴿جاهد الكفار والمنافقين﴾ لقد ظن الكثير من العلماء أن المراد بالجهاد الحرب وأشكل عليهم الأمر في هذه الآية حيث إن المنافق الذي يستر كفره وينكره بلسانه لا تجوز محاربته ولذا قالوا إن الجهاد بالسيف ينصرف إلى الكفار وبإغلاظ القول ينصرف إلى المنافقين على أن الناظر في كتب اللغة يرى أن كلمة جهاد إنما هي مصدر جاهد يجاهد مجاهدة وجهادًا بمعنى استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والآيات القرآنية الواردة في الأمر بالجهاد إنما تعني أن يبذل المؤمن كل ما في وسعه في سبيل قهر أعداء الله حيث يقول تعالى: ﴿انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ فالجهاد عام يشمل كل وسائله بالنفس والمال والسيف والقلم وكل ما يعلي كلمة الله: ﴿واغلظ عليهم﴾ القول أي ليكن كلامك معهم جافًا يشعر بالاستياء منهم لا لينًا يعبر عن ود ورضاء بنفاقهم وكفرهم: ﴿ومأواهم جهنم﴾ في الآخرة: ﴿وبئس المصير﴾ مصيرهم ذلك لأنهم: ﴿يحلفون بالله ما قالوا﴾ شيئًا يمس الدين من قريب ولا بعيد وهم في إيمانهم كاذبون: ﴿ولقد قالوا كلمة الكفر﴾ وهي استهزاؤهم بالله وآياته واعتذارهم عن ذلك بقولهم: ﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾.: ﴿وكفروا﴾ بقلوبهم: ﴿بعد إسلامهم﴾ الذي تظاهروا به كما هو شأن المنافقين: ﴿وهموا بما لم ينالوا﴾ رُوِيَ أن جماعة من المنافقين يبلغ عددهم نحو خمسة عشر هموا بقتله ﷺ عند رجوعه من تبوك وتعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته من عقبة في الطريق فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبره الله بخبرهم فأمر بردهم إلى بطن الوادي ثم قال ﷺ لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر «هل عرفتم من هؤلاء الرهط أو الركب أحدًا» قال حذيفة عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون فقال: «هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟» قالوا لا والله يا رسول الله قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها» قالوا ألا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم قال: «أكره أن يتحدث الناس ويقولوا أن محمدًا قد وضع يده في أصحابه» فسماهم لهما ثم قال
ولأجل أن يؤكد الله مسئولية الإنسان الشخصية عن كل ما يشاء لنفسه من هداية أو ضلال قال: ﴿قل﴾ أيها الرسول: ﴿يا أيها الناس﴾ في سائر أطراف المعمورة: ﴿قد جاءكم﴾ الكتاب: ﴿الحق﴾ الذي لا مراء فيه أنه: ﴿من ربكم﴾ بخلاف غيره من الكتب السابقة التي تناولها رواتها بالتحريف والتبديل والزيادة والنقص: ﴿فمن اهتدى﴾ بهديه بمعنى سلك سبيل الهداية وطبق أحكامه: ﴿فإنما يهتدي لنفسه﴾ فإنما فائدة ذلك عائدة إليه لأنه هو دون غيره الذي يجني ثمرة الهداية التي ينال بها سعادة الدارين: ﴿ومن ضل﴾ عن الحق باختياره وبإعراضه عن تدبر آيات الله وعدم العمل بمقتضاها: ﴿فإنما يضل عليها﴾ أي فإنما جرم ضلاله عائد على نفسه أيضًا دون غيره فلا يزعم أنه إنما ضل لأن الله قد قضى عليه بالضلال: ﴿وما أنا عليكم بوكيل﴾ أي ولم يوكل الله إليّ أمر السيطرة عليكم حتى أكرهكم على الإيمان وأمنعكم بقوتي عن الكفر والعصيان وليس علي هداكم ولا أملك نفعكم ولا ضركم: ﴿واتبع﴾ أنت أيها الرسول: ﴿ما يوحى إليك﴾ من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بعد أن تركت للناس الخيار بين الهدى والضلال: ﴿واصبر﴾ كما صبر أولو العزم من الرسل على ما يصيبك من الأذى في سبيل الله: ﴿حتى يحكم الله﴾ بينك وبين مكذبيك وينجز لك ما وعدك به من النصر المبين: ﴿وهو خير الحاكمين﴾ لأنه لا يحكم إلا بالعدل دون محاباة لأحد أما غيره فقد يحكم بالباطل لجهله حقائق الأمور أو يتأثر بالعواطف مراعاة لخاطر أصحاب الجاه أو المقربين وقد امتثل رسول الله ﷺ أمر ربه وصبر حتى أنجز الله وعده له ولمن اتبعه من المؤمنين وعم الإسلام مشارق الأرض ومغاربها جزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًّا عن قومه وجعلنا من المهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم.
سورة هود
{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
صدى هذا التفسير في مختلف الأوساط
تابع ما قبله
كتب حضرة صاحب السعادة الشيخ محمد مغيربي فتيح عضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية يقول سررت جدًّا بتحقيقاتكم القيمة في الجزء الحادي عشر من تفسير الخطيب وأني لأشكر لكم هذه الذكرى الجليلة وأثني ثناء عميقًا على ما اشتملت عليه من دقة المعنى وجودة الأسلوب تتخللها حكمة بالغة تنير الغامض وتجلي المكنون من أسرار ربانية خص بفهمها وتجويدها من شاء ورغب أسأل الله أن يطيل عمركم ويديم توفيقه لكم ويوفيكم أجركم كاملًا غير منقوص.
وكتب الأستاذ محمد عبد اللطيف رئيس لجنة أوقاف قرية الجانودية بسوريا يقول اطلعت على تفسيركم لكتاب الله الكريم وأنه لتفسير ينير البصائر والأبصار ويغرس في قلب قارئه وسامعه الطمأنينة والإيمان وأني عند تلاوته أمام زملائي وإخواني زاد إعجابهم بسهولة فهمه وعذوبة معانيه فلله دركم ودر تآليفكم القيمة التي تفيد كل مطلع عليها بارك الله فيكم لما أسديتم من صالح الأعمال والمنافع في خدمة الإسلام والمسلمين ونسأل الله أن يمد في حياتكم ويبلغكم أمانيكم ويكثر من أمثالكم في المسلمين ليعيدوا لنا حجة الإسلام ويجددوا عز المسلمين.
وكتب الأستاذ الجليل الشيخ هاشم دفتر دار من علماء المدينة المنورة والمدرس في كلية الشريعة في لبنان يقول: لقد أمضيت شهر رمضان المبارك وأنا أتلو القرآن وأطلع في تفسيركم من المعاني الجديدة ما لم أره في تفسير آخر الأمر الذي يحثني في كل يوم وفي كل ليلة أن أسأل الله أن يجعل أيامكم كلها جهادًا ونضالًا وعملًا جاهدًا ناصعًا وخيرًا في سبيل دعوة الإسلام وإذاعة تعاليمه ومثله العليا على الناس جميعًا وإني أعتقد أن ما تتحملونه في هذا السبيل الخير الكريم جهاد جاهد وتعب ناصب وسهد ساهد مضافًا إلى النفقات الباهظة والأموال الطائلة التي تنفق في هذا السبيل المجيد الخالد فإنه لن يذهب سدى ولن تغيب ذكراه عن الأجيال ولأن أضاع بعض الناس عمل العاملين وحقوق المجاهدين فإن الله عز وجل لن يضيع ذلك أبدًا، لا يذهب العرف بين الله والناس فلكم من الله حسن المثوبة على ما تؤدونه للإسلام من خدمات ومن
ولأجل أن يؤكد الله مسئولية الإنسان الشخصية عن كل ما يشاء لنفسه من هداية أو ضلال قال: ﴿قل﴾ أيها الرسول: ﴿يا أيها الناس﴾ في سائر أطراف المعمورة: ﴿قد جاءكم﴾ الكتاب: ﴿الحق﴾ الذي لا مراء فيه أنه: ﴿من ربكم﴾ بخلاف غيره من الكتب السابقة التي تناولها رواتها بالتحريف والتبديل والزيادة والنقص: ﴿فمن اهتدى﴾ بهديه بمعنى سلك سبيل الهداية وطبق أحكامه: ﴿فإنما يهتدي لنفسه﴾ فإنما فائدة ذلك عائدة إليه لأنه هو دون غيره الذي يجني ثمرة الهداية التي ينال بها سعادة الدارين: ﴿ومن ضل﴾ عن الحق باختياره وبإعراضه عن تدبر آيات الله وعدم العمل بمقتضاها: ﴿فإنما يضل عليها﴾ أي فإنما جرم ضلاله عائد على نفسه أيضًا دون غيره فلا يزعم أنه إنما ضل لأن الله قد قضى عليه بالضلال: ﴿وما أنا عليكم بوكيل﴾ أي ولم يوكل الله إليّ أمر السيطرة عليكم حتى أكرهكم على الإيمان وأمنعكم بقوتي عن الكفر والعصيان وليس علي هداكم ولا أملك نفعكم ولا ضركم: ﴿واتبع﴾ أنت أيها الرسول: ﴿ما يوحى إليك﴾ من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بعد أن تركت للناس الخيار بين الهدى والضلال: ﴿واصبر﴾ كما صبر أولو العزم من الرسل على ما يصيبك من الأذى في سبيل الله: ﴿حتى يحكم الله﴾ بينك وبين مكذبيك وينجز لك ما وعدك به من النصر المبين: ﴿وهو خير الحاكمين﴾ لأنه لا يحكم إلا بالعدل دون محاباة لأحد أما غيره فقد يحكم بالباطل لجهله حقائق الأمور أو يتأثر بالعواطف مراعاة لخاطر أصحاب الجاه أو المقربين وقد امتثل رسول الله ﷺ أمر ربه وصبر حتى أنجز الله وعده له ولمن اتبعه من المؤمنين وعم الإسلام مشارق الأرض ومغاربها جزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًّا عن قومه وجعلنا من المهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم.
سورة هود
{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
سورة الحاقة
ما أصاب قوم ثمود وعاد وغيرهم
وصف ليوم العرض في الآخرة
الإجرام في حق الله والمجتمع
الأدلة على أن القرآن كلام الله
سورة المعارج
أهوال يوم القيامة
طبائع الإنسان
بم يكون الإنسان ثابت الجأش
ليست الدنيا بدار نعيم
خالق الخلق هو مغير السنن
سورة نوح ودعوته لقومه
تأخير الآجال وتقديمها
شكوى نوح من قومه
تأثير العبادات ومزايا الاستغفار
تعداد آلاء الله على عباده
إعراض قوم نوح عن دعوته
دعاء نوح على قومه
سورة الجن وحقيقتهم
اعترافات الجن عن أنفسهم
ما استنتجه الجن من كلام الله
ما يجب أن يعلم من الأمور الاعتقادية
علم الغيب
سورة المزمل
يراها أحد بعينه هي في الواقع السبب المباشر للأدواء والأمراض التي لا تحصى وقد أطلقوا عليها اسم (الميكروبات) وقالوا: إنها السبب في التغيرات والاختمارات التي نراها في المائعات والفواكه وغيرها مما يجلب الوباء ومختلف الأمراض فلم يعد هناك شك في وجود الجن التي منها هذه الميكروبات. ومنها ما يوسوس في الصدور كما أخبرنا الله بهذا وأمر رسوله بأن يستعيذ من شرورهم حيث قال: ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾ أي ألجأ وأعتصم: ﴿بِرَبِّ النَّاس﴾ أي سيدهم الذي يسوسهم بحكمته: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ أي الحاكم الحقيقي عليهم فهو الذي يضع الشرائع ويسن النظم ويحدد الحدود العامة ويؤاخذ الخارجين عليها: ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ المعبود الحقيقي لهم لأنه وحده الذي يسمع الدعاء ويحقق الرجاء وإنما خص سبحانه هذه الصفات الثلاث بالإضافة إلى الناس مع أنه تعالى هو رب كل شيء وملكه وإلهه لأن الناس هم الذين تشككوا في ذلك فجعلوا لهم أرباباً من دونه نسبوا إليهم النفع والضر وقضاء الحوائج فلجئوا إليهم في الشدائد واتخذوهم مع الله آلهة يدعونهم ويعقدون عليهم الآمال ويطيعونهم فيما يشرعونه لهم من أحكام ما أنزل الله بها من سلطان: ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ﴾ الوسوسة الصوت الخفي أو ما يحاك في الصدر من أحاديث: ﴿الْخَنَّاسِ﴾ من خنس إذا تأخر واختفى بمعنى أنه الذي يحرض على السوء ثم يبرأ من ذلك قال تعالى: ﴿كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين﴾.
﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ بالشر وارتكاب المحرمات وكل ما يضر العباد ولا يرضي الله: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ من كل من يبث بذور الخصومة والعداء بين العباد ويحرض على الفسق والفساد وعصيان الله بمختلف الوسائل. وقد أخبرنا الله في سورة الأنعام أن أمثال هؤلاء لا ينجو منهم أحد حتى الأنبياء حيث قال: ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً﴾ ولذا أمر الله نبيه بالاستعاذة منهم وقد جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: «يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لئن أَخِرُّ من السماء أحب إلي من أتكلم به فقال الرسول: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة».
مطبوعات المؤلف
١ - سيرة سيد ولد آدم ﷺ نظم السيرة النبوية في ألفي بيت.
٢ - تائية الخطيب منظومة في سر تأخر المسلمين خمسة آلاف بيت.


الصفحة التالية
Icon