يقول " أبو الحسنِ الحَرَالَّيُّ " (١) :
" بيان كل مُبِينٍ على قدْرِ إحاطَةِ علمه، فإذا أبانَ الإنسانُ عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه، وهو لايحيطُ به علمًا، فلا يصلُ إلى غايةِ البلاغةِ فيه بيانُهُ. وإذا أنبأ عن الماضي فبقدر ما بقي من ناقص علمه به كائنا في ذكره، لما لزم الإنسانَ من نسيانه. وإذا أراد أن ينبئَ عن الآتى أعوزهُ البيان كله إلاَّ ما يقدِّره أو يُزَوِّرُهُ.
فبيانه عن الكائن ناقص، وبيانه في الماضي أنقص، وبيانه في الآتي ساقط.
ثم يقول:" بلاغة البيان تعلُو على قدر علو المبين، فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علو الله على خلقه" (٢) (٧)
وقد هدى إلى ذلك ماقاله النبي ﷺ فيما رواه الترمذي في جامعه الصحيح من " كتاب فضائل القرآن":
" فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه "
وكل هذا الذي بسطت لك القول فيه دال دلالة بينة محققه على أنَّ العرفان بخصائص العربية ضابطٌ حركةَ الناظرِ في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ يستخرج منهما معانى الهدى إلى مايرضي ربنا جل جلاله، فإن في العلم المحقق بمناهج العرب في الإبانة عن معانيها عونا عظيما على ذلك.
يروي " الزجاجي" أنَّ " أبا عمر: صالح بن إسحق الجرمِيّ" كان يَدِلُّ بمعرفته بالعربية، ويقول أنا من ثلاثين سنة أفُتِي الناس من
كتاب " سيبويهِ" فأُخبر " المبرد" بذلك، فقال: أنا سمعته يقول هذا
(٢) - مفتاح الباب القفل ـ خط ـ ق: ٣ب ـ دار الكتب المصرية