"كان رسول الله ﷺ قلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرَّى بغيرها حتى كانت غزوة تبوكٍ، فغزاها رسول الله ﷺ في حرٍشديدٍ، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا، واستقبل غزو عدوٍ كثيرٍ، فجلّى للمسلمين أمرهم؛ ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد" {البخاري: الجهاد- من أرادغزوة فورى بغيرها)
وفي هذا السبب بيان لعظيم ما كان من بعض الذين أخلدت نفوسهم إلى شيء من نعيم الدنيا، فكان منهم ما لا ينبغي أن يكون: تثاقلٌ عن الفرار إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين والإخلادَ إلى الحياة الدنيا ومتاعها الزائل.
وقد كان من النبي الهادي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عظيم التحذير من السقوط في حمأة التشاغل بنعيم الدنيا عن الآخرة:
روى " مسلم "بسنده عن عمرو بن عوف " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"... أَظُنكم سمعْتُم أنَّ " أبَا عُبَيْدَةَ " قدمَ بشَيْءٍ من " البَحْرَيْنِ"؟ فقالوا: أجلْ يارسولَ اللهِ قال:" فأبشِرُوا وأمِّلُوا مايسرُّكُمْ، فواللهِ ماالفقرَ أخشى عليكم، ولكنى أخشى عليكم أنْ تُبسطَ الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلَكُم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم " [الزهد: ح. ر: ٦/٢٩٦١]
وهذا يبين لنا خطر ما نحن فيه، فقد أفعم حب متاع الحياة الدنيا قلوبنا وقيد حركتنا إلى الجنة، ففررنا من جنة العزة بالإسلام في الدنيا إلى هاوية الاستسلام، فنزع الله عز وعلا مهابتنا من قلوب أعدائنا، وملأ قلوبنا حبًا للحياة في رَغْدة الخَبال والفَرَقَ من الموت في سبيل الله عز وعلا.
ونزل قوله تعالى: (انفروا خفافا وثقالا) في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم


الصفحة التالية
Icon