وجعلوا مرجع ذلك إلى العلائق النغمية بين أصوات الكلمات، فكل كلمة مكونة من أصوات حروفها وحركاتها، ولكل حرف وحركة مخرج يخرج منه وصفة يكون عليها حين مَخْرَجِه، وهذه المخارج قد تتقارب جدًا وقد تتباعد، وكلما تقاربت المخارج كلما كان ذلك ادعى إلى ان تُمْنَى أصوات الكلمة بالتنافر وكذلك صفات هذه الأصوات قد تتقارب وقد تتباعد، فيؤدي تقاربها إلى تنافرها.
من هنا ذهب البلاغيون إلى فريضة أن تكون مفردات الكلمات قد تحقق في علاقات أصواتها ببعضها مالا يكون معه ذلك التنافر، فعقدوا المباحث في صدور أسفارهم للنظر في مثل هذا، وكان منهم باسط لسانه بالبيان، ومنهم موجزٌموفٍ، ومن أشهرمن بسط"ابن سنان" في كتابه" سر الفصاحة" و"ابن الأثير" في كتابه" المثل السائر ".
﴿﴾ وكان من ذلك أيضًا ما عرف عندهم بخلو هيئة الكلمة وصورتها التركيبيةمن الخروج على ما هو القياس في صياغة المفردات في لسان العربية، فلكل كلمة من الأسماء والأفعال في لسان العربية قياس لايحسن مخالفته والخروج عنه لأن ذلك الخروج في بناء المفردة هو في حقيقته مدخل إلى المخالفة والخروج على ما هو قائم في لسان العربية من أصول بناء جمل الكلام من تلك المفردات وبناء معاقد الكلام من تلك الجمل، وإذا ما شاع بين الناس خروج المتكلمين ومخالفتهم أصول بناء الكلام في مفرداته وجمله ومعاقده لم يكن للسامعين والمتلقين سبيل يمكن من خلاله الوصول إلى مرادات المتكلمين من كلامهم، فيفقد البيان رسالته التى كان لها
من هنا حرص البلاغيون على أنْ تكونَ الكلمةُ قد صيغتْ هيئتها على وفق أصول صياغة المفردات في العربية، وإلاَّ كانت هذه الكلمة معيبة بمعابة مخالفة القياس
وهو ضرب من ضروب الفِسْقِ البيانى " فإن ترضوا عنهم فإنَّ اللهَ لايَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِين " ﴿التوبة﴾


الصفحة التالية
Icon