﴿﴾ وكان من ذلك أيضًا ما عرف عندهم بخلو الكلمة من غرابة معناها، فالنفس تنفر مما هو غريب، ولعل من معانى الإنسانية الأنس بالأشياء، فالغربة فيها ابتعاد بالسامع عن شيء هو من جوهر إنسانيته
الكلمات حين تكون غريبة لاتأنَسُ النفسُ إليها فتكلِّفها فوق طاقتها، وهذا ما لاتحبه النفس المستقبلة البيان، فكان من البلاغيين عنايةٌ بأن تكون كلمات البيان العالى مأنوسة غير مستغربة أو مستجهلة حتى تقبل النفس على تلقيها بالحبور.
وأنت إذا ما نظرت في مفردات البيان القرآني في جميع آياته ألفيت أنها مفردات قد عصمت من أن يكون في شيء منها أدنى شائبة من تلك المعابات، فهى مفردات في ذروة فصاحة بيان العربية لايقال ذلك تَدَيُّنًا، فحسب بل نقوله تَدَيُّنًا أيَّدَهُ الفحصُ العلميُّ ممن آمن بهذا الكتاب المجيد، وممن لم يؤمن به ممن عرف العربية وذاقها.
ولعلك تقول إننا نسلم لك أن مفردات القرآن الكريم قد خلت من تنافر حروفها ومخالفتها القياس، لكن كيف السبيل إلى التسليم بأن بعض مفرداته ليست بالغريبة، والمكتبة القرآنية زاخرة بالأسفار المعقودة لبيان غريب القرآن الكريم؟
الأمر في هذا جِدُّ يسير لايقتضى سوى النظر في مناط الوصف بغربة الكلمة: أمرجعُه إلى الكلمة نفسِها أمْ إلى سامعها؟
إن يكن إلى سامعها، أفكل سامع لها يصلح أن يكون معيلر حكم بغرابة كلمة أم ذلك الذي له بمفردات البيان الذي يسمع علم وسيع فسيح لاتتناظر شطآنه، ولا يبصر شرقيُّه غربيَّه؟
لسان العربية كما قال الإمام الشافعي من أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا، ولايحيط به أحدٌ إلا أن يكون نبيا كما يقول في كتابه " الرسالة " فأي شخص ذلك الذي يمكن أن يقيم نفسه أو أن يقيمه أحد معيارًا لغرابة الكلمة القرآنية وأنسها؟


الصفحة التالية
Icon