واتخاذ أفراد مناطا ومعيارًا توزن بعرفانهم صفات المفردات غرابة وأنسا يجعل كل كلمة تقريبا آنسة غريبة من أنها آنسة عند واحد غريبة عند آخر، ولهذا أنت واجدٌ ما يُسمى بالغريب يزداد عدده في أسفار القوم كلما مرَّ الزمان، فما كان أنيسًا في زمن مضى بات غريبا في زمن قد أتى، وهكذا دواليك، وأنت الآن واجد في زماننا هذا جمهور المنتسبين إلى العلم والثقافة لايكادون يعرفون من معانى مفردات القرآن الكريم ألا نزيرًا
القرآن الكريم ما نزل بلسان قبيلة واحدة بل اصطفي من كل قبيلة أفصح ما فيها، وأنسها بسياقها ومغزى البيان الذي تقام على لاحِبِه، ولو أن قبيلة كانت هي الأولى بأن يأتى القرآن الكريم ببيانها وحدها لكانت أحق القبائل بذلك " قريش " من أنها قبيلة سيد الخلائق: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومن أنها أفصح القبائل، ولسانها أكثر الألسنة انتشارًا في القبائل لمكانها من البيت الحرام مقصد كل القبائل العربية ولكنك لاتجد لسان قريش هو المختصَّ بنزول القرآن الكريم به، بل فيه من ألسنة القبائل الأخرى كثير، اقتضاه أنْسُ السياق ومناسبة المقصد ـ أنت إذا ما علمت ذلك علمت أنه لايكون لأحد أن يكون العليم بكل كلمة قرآنية وقد جاءتك الأخبار الوثيقة أن الصديق والفاروق وابن عباس رضي الله عنهم وهُم مَنْ هُمْ في عِرْفان بيان العربية لم تك لهم إحاطة بالغة بكل مفردات القرآن الكريم، فثمَّ كلمات ماعرفها "الصديق"، وأخرى سأل عنها"عمر"من حوله من القبائل الأُخْرَى، وكلمات جهلها" ابن عباس" وعلمها من بيان أعرابية سمعها تتكلم.... إلخ، فدلك ذلك على أن القرآن الكريم ليس فيه كلمة غريبة على العرب قاطبة، فما جهله واحد علمه كثير غيره....
وثَمَّ إبانة من الإمام الخطابي (١) يكشف لنا بها عن معنى " الغريب " يقول ـ رضي الله عنه ـ