" ولا جهةَ لاسْتعمالِ هذه الخصالِ غيرُ أن تأتِيَ المعنى من الجهةِ التى هيَ أصحُّ لتأديتِهِ
وتختارَ له اللفظَ الَّذي هو أخصُّ به، وأكشف عنه، وأتمُّ له، وأحرى بأن يكسبه نُبْلا ويظهرَ فيه مزيَّةً " (٣)
فانظر قوله:" هو أخصُّ به" إنه القاطع بأن لكل معنى لفظًا يخصه لايكون غيره له ولايكون هو لغيره من المعانى، وقضى بجملة واحدة فتية في قضية ما يعرف بالترادف، فكان المُبِينَ المُوجِزَ
ويقول"ابن عطيَّة الأندلسي (٤) "في مقدمةتفسيره:
" كتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثُمَّ أُدير لسان العربِ في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
ونحن تبيَّنُ لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذٍ في سلامة الذوق وجودةِ القريحةِ ومَيْزِ الكلام."اهـ (٥)
فهذا كما ترى جدُّ بيِّنٍ في أنه ما من كلمة في البيان العلِيِّ المعجز يمكن أن تقوم مقامها كلمة أخرى وإن شاكهتها والتقت معها في أصل معناها، فلكل كلمة من تنغيمها ومضمونها وشكلها من السمات الخاصة التى لن تكون مجتمعة في غيرها البتة
وإذا ماقُدِّرَ في البيان العالى من الأدب لناقد حصيف نافذ البصيرة أن يقيم كلمة في قصيدة ما لشاعر فحل مقام كلمة اختارها الشاعر، فكانت كلمة الناقد أنس بالسياق وأكرم عطاء، فإن ذلك مما قد يعترى الشاعر وإن كان الفحلَ، لكنَّ ذلك لست بالواجِدِهِ البتة في بيان الوحي قرآنا وسنة.

(٣) دلائل الإعجاز لعبد القاهر: ص ٤٣ـ ت: محمود شاكرـ ط المدنى
(٤) هو القاضي أبو محمدعبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ـ (٤٨١-٥٤٦هـ) من آثاره المحررالوجيز في تفسير الكتاب العزيز
(٥) المحررالوجيز لابن عطية: ج١ص٤٩ ـ ت: المجلس العلمى بفاس ـ ط١٣٩٥


الصفحة التالية
Icon