وهو يحمل مع معنى التوبيخ وتقرير النفي وتأكيده معنى الذم بأن يكون منهم من المعابات ما لم يجدوا ما يدعوهم إليه في مقابلة ما يجتهد في دعوتهم إلى نقيضه الذي فيه عِزُّهم، فإذا كان غير حميد من العاقل أن تكون منه معابة وإن أغري بها وحُمِلَ إليها بل حُمل عليها، فكيف الأمر إذا لم يك شيء من ذلك بل كان ما هو مغرٍ بنقيضه من المكرمات؟
إنَّ في هذا الاستفهام من المعانى ما يهز القلب المعافى من داء الغفلة هزًا لا يستقر الجنب معه على فراش.
وفي قوله (إذا قيل لكم) بناء لفعل القول لغير الفاعل، فلم يصرح بفاعله إيماء إلى أن مناط التوبيخ والمذمة ليس متعلقًا بأن القائل فلان أو فلان، بل ذلك متحقق، وإن كان الداعى إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل استنصارًا للحق ودعوة إلى الله تعالى أصغرَ رجال الأمة أو نسائها، فكيف إذا ماكان القائل هو النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم؟!!!
في عدم تعيين القائل حث على النِّفار إذا ما سمع المسلم: حيَّ على الجهاد، من غير أن يتلبث ليعرف مَنْ الداعِى، فإن كان عظيما خرج، وإلا فلا، بل هو الخرَّاج إلى الجنة كلَّما دعي إليها، ولن يكون العاقل البتة آبيا دخولها بالتثاقل عن الجهاد في سبيل الله تعالى وفي عدم تعيين الفاعل بالتصريح بذكره إبلاغ في توبيخ من تثاقل ـ وهم قليل ـ وقددعاه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه للجهاد في سبيل الله تعالى، وقد جاء البيان القرآني مؤكدًا فريضة الطاعة لدعوته:
" يأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرسولِ إذا دَعَاكُمْ لِما يحْييكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُونَ.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاتُصيِبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " ﴿الأنفال: ٢٤-٢٥﴾


الصفحة التالية
Icon