كان من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لهم دعوة إلى المسارعة والمبادرة والفزع إلى ما أمروا به، وكان منهم نقيض ذلك: التثاقل إلى الأرضِ.
إنها لمفارقة تصور عظيم ما وقع فيه المتثاقلون ـ وهم من الصحابة قليل ـ مفارقة ترهب وترعب، كيف يكون من مسلم ما هو مناقض تماما لما يدعوه إليه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قصدًا ومواجهة؟ !!
إن النفس المؤمنة لاتكاد تطيق مجرد الحسبان أن ذلك يمكن أن يكون منها
وفي هذا ابلاغ في تصوير فداحة ما كان، وفي الوقت نفسه فيه إبلاغ في تصور الأثر المقيت لمقاربة محبة شهوات الدنيا وإفساح مكان لها في قلوبنا ونقلها مما جُعِلَ لها من مكان غير قرارفي أيْدِينا إلى قرارٍ مكين في أفئدتنا
إن أثر ذلك جد عظيم: أدناه أن يجعل صاحبه يقابل دعوة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلىالفزع للجَنَّة والمسارعة إلى ملاقاة رب العالمين ـ يقابل هذه بما هو نقيضه، وكأنَّه ضربٌ من التحدي والمجابهة هذا أدنى ما تُسْقِطُ مقاربة حب شهوات الدنيا صاحبها فيه فكيف بما فوقه؟
وأهل العلم يقولون إنه قد عُدِّي الفعل " اثاقلتم" بإلى لتضمنه معنى " مال " و" أخلد " فكانه قيل: إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ملتم وأخلدتم إلى الأرض، فالتضمين عندهم:
" إشراب لفظ معنى لفظ آخر، فيعطى حكمه في تعديته بالحرف الذي يتعدى به الثانى "
وهم يرون في هذا جمعا للفظ بين المعنيين، فيكون في الحرف المُعَدِّي قرينة على المعنى المُضَمَّنِ من اللفظ الآخر ممزوجا في المعنى الأصلى للفظ الدال عليه لفظه المنطوق.
يقول " الزمخشري ": " (اثاقلتم)... أي تباطأتم وتقاعستم، وضمن معنى الميل والإخلاد، فعدي بإلى، والمعنى: ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ونحوه ـ أخلد إلى الأرض واتبع هواه ـ وقيل ملتم إلى الإقا مة بأرضكم ودياركم" (٣)
ويقول عصريه: ابن عطيه ت: ٥٤٦


الصفحة التالية
Icon