وفي ذلك دلالة بينة على أنه لايسطيع ناظر في القرآن الكريم أيا كان قدره أن يفقه شيئا منه إلا من سبيل فقهه لسان العربية الذي كان في أمة العرب عند نزوله، فذلك هو السبيل الأول إلى الاقتراب من حمى المعنى القرآني الكريم.
وقد حرص الإمام الشافعي في سفره الجليل " الرسالة" أمِّ أسفار علم أصول فقه الكتاب والسنة على أن يبين في جلاء هذه الحقيقة؛لأنها أم الحقائق التى تبنى عليها كافة الحقائق العلمية في هذا الباب:
يقول رضي الله عنه وارضاه:
" ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب".
فانظر قوله: " جماع علم كتاب الله" فهذا دال على أن علم ما في كتاب الله عز وعلا من معانى الهدى إنما هو من علم لسان العرب فمن علمه وأتقنه كان أهلا لأن يسلك السبيل، ومن جهله فلن يخطو خطوة واحدة على الطريق، وإن جمع علوم أهل الأرض أجمعين،
فكان لزاما على كل متكلم في معانى القرآن الكريم على تعدد أنواعها وضروبها ومجالاتها الجامعة كافة شئون الحياة أن يكون أول أمره قائما على كمال تحقيق العلم بلسان العربية.
وهذا يدل على عظيم ما يتردى فيه كثير من المستجرئيين على القول في معانى القرآن الكريم، والواحد منهم لايكاد يقيم لسانه النطق بجملة عربية واحدة على النحو والنهج العربي القويم.
وقد أنكر " الإمام الشافعي " على من زعم أنَّ في القرآن الكريم حرفا واحدا من غير العربية:
" الواجب على العالمين انَّ لايقولوا إلا من حيث علموا. وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له ـ إن شاء الله.
فقال منهم قائل: إنَّ في القرآن عربيا وأعجميا.
والقرآن يدل على أنْ ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب.
ووجد قائل هذا القول من قَبِلَ ذلك منه تقليدًا وتركًا لِلْمسئَلة له عن حُجَّتِه، ومسئلةِ غيره ممَّنْ خالفه.